واشنطن لا تنوي إعادة مفاوضات النووي الإيراني

باحثون أميركيون لـ«الشرق الأوسط»: منع طهران من القنبلة محل شك

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
TT

واشنطن لا تنوي إعادة مفاوضات النووي الإيراني

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

تشير معطيات إلى أن تفاوضاً ما يجري من وراء الستار بين الولايات المتحدة وإيران، يتولاه «وسطاء» إقليميون، فرضته نتائج حرب غزة التي أعادت رسم ميزان قوى جديد في المنطقة.

وتفيد هذه المعطيات بأن طهران تحاول التعامل بواقعية لإيجاد مكان لها في مرحلة ما بعد حرب غزة، في الوقت الذي تسعى فيه حكومتها الجديدة للخروج من الحصار الاقتصادي وفتح صفحة جديدة مع الغرب.

دور طهران الإقليمي

وقدّم مسؤولون إيرانيون تصورات بأن المدخل للتعامل مع المتغيرات في المنطقة سيكون من الاتفاق النووي، لكن الواقع يشير إلى أن هذا الملف مرتبط بسياسات طهران ودورها الإقليمي، بعدما «مُنعت» عملياً من الرد على التصعيد الإسرائيلي، الذي كسر «قواعد الاشتباك» السابقة معها وأدواتها وميليشياتها، بدعم وتنسيق مع واشنطن.

وكان وزير الخارجية الإيراني الجديد، عباس عراقجي، قد صرح بأن الاتفاق النووي «لا يمكن إحياؤه بشكله الحالي» بسبب انتهاء بنوده، وأن «هناك حاجة إلى محادثات جديدة لإحيائه».

ويوم الثلاثاء الماضي، قال المرشد الإيراني علي خامنئي إنه ليس من قبيل التناقض الحوار مع نفس العدو «في بعض المواضع»، و«لا يوجد عائق».

وخلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، أقرّ عراقجي بأن إعادة التفاوض على الاتفاقية «ستكون صعبة». وقال: «هذه الوثيقة تحتاج بالتأكيد إلى إعادة فتحها وتغيير أجزاء منها. هذه ليست مهمة سهلة، لأنه بمجرد إعادة فتح وثيقة، فإن تجميعها مرة أخرى سيكون تحدياً».

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

دبلوماسية واشنطن

غير أن متحدثاً باسم الخارجية الأميركية قال إن تجديد المفاوضات «ليس مطروحاً على الطاولة في الوقت الحالي»، كما أن «الولايات المتحدة ستضمن بطريقة أو بأخرى عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً أبداً، ونحن مستعدون لاستخدام كل عناصر القوة الوطنية لضمان هذه النتيجة».

وأضاف المتحدث أن «واشنطن لا تزال ترى أن الدبلوماسية هي أفضل وسيلة لتحقيق حلّ مستدام وفعال».

ومع ذلك، يقول بريان كاتوليس، كبير الباحثين في الشأن الإيراني في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، إن «إدارة بايدن تفتقر إلى استراتيجية واضحة بشأن إيران، ولا يزال من غير المؤكد ما هي على استعداد للقيام به لمنع إيران فعلياً من الحصول على سلاح نووي».

وأضاف كاتوليس، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «حلّ إيران لهذه المسألة بسهولة من خلال الالتزام بالقواعد الدولية التي تحكم البرامج النووية المدنية، والإجابة عن الأسئلة كافة القائمة المتعلقة بالاستخدامات العسكرية المحتملة للقدرات النووية التي طوّرتها».

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ف.ب)

قنبلة مؤجلة

ويرجح البعض أن تسعى إيران للوصول إلى ما يسمى «القنبلة النووية المؤجلة»، أسوة بالعديد من الدول التي تمتلك القدرة على إنتاجها، لكن كاتوليس قال إن الدعوة لإحياء هذه المفاوضات النووية ليست «أكثر من مجرد محاولة من جانب الحكومة الإيرانية لكسب مزيد من الوقت».

وقال الوزير عراقجي، الذي كان أحد مهندسي الاتفاق بين إيران والقوى العالمية الست الكبرى، إن شكل المحادثات منذ عام 2021 لإحياء الاتفاق لم يعد من الممكن أن ينجح، «وهناك حاجة لمفاوضات جديدة».

وأضاف أن ما يزيد الأمور تعقيداً هو الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني)، والحروب المستمرة في أوكرانيا وغزة.

وقال عراقجي إن حرب أوكرانيا «أثّرت بشكل عميق على نظرة الأوروبيين للأمن»، في حين أن الصراع في غزة «قلب الوضع في المنطقة رأساً على عقب تماماً».

لكن مايكل أوهانلن، كبير الباحثين في «معهد بروكينغز» في واشنطن، يقول إنه «بطبيعة الحال، ليس لهذه الحروب تأثير مباشر على البرنامج النووي الإيراني».

وأوضح قائلاً، في حديث مع «الشرق الأوسط»: «لذا فإن ردّ الفعل مبني على العاطفة والحالة الأوسع للعلاقة والأجواء».

وتابع: «وهذا أيضاً لا يهم كثيراً لأن الاتفاق النووي على وشك الموت على أي حال»، في إشارة إلى قرب انتهاء مدته نهاية العام.

وقاد عراقجي، الذي كان آنذاك نائباً لوزير الخارجية، فريق التفاوض الإيراني عندما بدأت طهران وواشنطن محادثات غير مباشرة في أبريل (نيسان) 2021 لاستعادة الاتفاق. وتوقفت المفاوضات مؤقتاً عندما وصل الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي إلى السلطة في إيران، ودخل فريق جديد من المفاوضين.

لكن المحادثات تم تعليقها في سبتمبر (أيلول) 2022 في أعقاب الاحتجاجات التي هزت إيران لعدة أشهر، وقُتل مئات في الاضطرابات التي شنّتها السلطات على المظاهرات.

وبعد مقتل رئيسي في حادث سقوط مروحيته في وقت سابق هذا العام، تعهد الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان، الذي خلفه بفتح صفحة جديدة مع الغرب.


مقالات ذات صلة

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

شؤون إقليمية رجل شرطة روسي يقف حارساً عند قبر الجندي المجهول في حديقة ألكسندر خارج الكرملين بموسكو (إ.ب.أ)

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

احتجت إيران، الحليف الوثيق لموسكو، لدى السلطات الروسية بعد عملية توقيف «عنيفة» لطالبَين إيرانيين في مدينة قازان الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا play-circle 01:24

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)
محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)
TT

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)
محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

اندلعت أعمال عنف وصدامات بين الشرطة ومحتجين، على خلفية عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيَّيْن بدلاً منهما.

وقالت وزارة الداخلية التركية إنه تم وقف رئيسَيْ بلدية تونجلي، جودت كوناك، المنتمي إلى حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» المؤيد للأكراد، وبلدية أوفاجيك، التابعة لها، مصطفى صاريغول، المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، بعدما حُكم عليهما بالحبس بسبب عضويتهما في منظمة إرهابية (حزب العمال الكردستاني).

وأصدر والي تونجلي قراراً بحظر التجمعات في المناطق المفتوحة والمسيرات وإلقاء البيانات الصحافية في المدينة لمدة 10 أيام اعتباراً من الجمعة، وصدر قرار مماثل من والي إلازيع المجاورة بالحظر لمدة 7 أيام اعتباراً من السبت.

إدانة بالإرهاب وعزل

وحكم على رئيسي البلديتين، الخميس، بالحبس لمدة 6 سنوات و3 أشهر لكل منهما بتهمة الإرهاب والانتماء إلى حزب العمال الكردستاني. وتم فرض حظر السفر الدولي عليهما؛ حيث طلب اعتقالهما في القضية المنظورة بالمحكمة الجنائية في تونجلي منذ عام 2022.

رئيس بلدية تونجلي المعزول جودت كوناك (إكس)

وأفادت وزارة الداخلية التركية، في بيان، ليل الجمعة - السبت، بأنه تم تعيين والي تونجلي، بولنت تكبيك أوغلو، ليحل محل كوناك، وحاكم منطقة أوفاجيك، حسين شامل سوزين، ليحل محل صاريغول، الذي انتُخِب لرئاسة البلدية للمرة الثانية على التوالي في الانتخابات المحلية التي أُجريت في 31 مارس (آذار) الماضي.

رئيس بلدية أوفاجيك التابعة لتونجلي المعزول مصطفى صاريغول (إكس)

وكانت ممارسة عزل رؤساء البلديات المنتخبين وتعيين أوصياء بدلاً منهم تقتصر، في العقد الماضي، على الأحزاب المؤيدة للأكراد، التي تتهمها السلطات بالارتباط بـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف لدى تركيا وحلفائها الغربيين منظمة إرهابية، الذي يخوض تمرداً مسلحاً ضد الدولة التركية منذ عام 1948.

والجديد أن ممارسة العزل وتعيين الأوصياء امتدت إلى رؤساء البلديات المنتخبين من حزب الشعب الجمهوري، بعد اتهامات من الرئيس رجب طيب إردوغان للحزب بـ«السير مع الإرهابيين».

ومع عزل كوناك وصاريغول، يرتفع عدد البلديات التي تم تعيين أوصياء عليها، منذ الانتخابات المحلية في مارس، إلى 7 بلديات. وكان أول من تم عزلهم رئيس بلدية هكاري محمد صديق كوشو، من الحزب الكردي، في 3 يونيو (حزيران)، قبل أن يتم اعتقال رئيس بلدية إسنيورت، وإقالة رؤساء بلديات ماردين، أحمد تورك، وبطمان، غولستان شونوك، وهالفيتي، محمد كارايلان.

ممارسة متكررة

وتسبب اعتقال وعزل رؤساء 4 بلديات، خلال الشهرين الحالي والماضي، في احتجاجات واسعة بتركيا وإدانات من مجلس أوروبا ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية.

احتجاجات على عزل رؤساء البلديات المنتخبين وتعيين أوصياء بدلاً منهم (موقع حزب الشعب الجمهوري المعارض)

وعقب إعلان عزل كوناك وصاريغول، تجمع المواطنون حول مقر بلدية تونجلي احتجاجاً على تعيين وصيّ عليها، وتدخلت قوات الأمن، وفرضت طوقاً حولها لمنعهم من اقتحامها، ووقعت صدامات بين الجانبين، واستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.

وأضرم محتجون غاضبون النار في الشوارع، وتحولت المنطقة المحيطة بالبلدية إلى ما يشبه ساحة معركة.

المعارضة تتحدى الحظر

وقررت أحزاب المعارضة تحدي قرار الحظر، وتوافد رؤساء حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب وفروعه، ونوابه في البرلمان، على تونجلي، لتنظيم مسيرة إلى البلدية، وشكل حزب الشعب الجمهوري وفداً من نوابه للبرلمان للمشاركة في المسيرة.

ووصف رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال، عبر حسابه في «إكس»، قرار عزل رئيسَي البلديتين بأنه «سرقة للإرادة الوطنية بشكل فاضح»، لافتاً إلى أن جنازة حضرها رئيس بلدية أوفاجيك، مصطفى صاريغول، عام 2012، أصبحت موضوعاً لدعوى قضائية في عام 2022، واعتُبِرت جريمة في عام 2024.

وأعلن أوزال في تغريدة لاحقة أنه ستتم دعوة 414 رئيس بلدية للاجتماع في مقر حزب الشعب الجمهوري الرئيسي بأنقرة، في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، لإعلان مواجهة الوصاية وهجمات الحكومة على بلديات المعارضة الواحدة تلو الأخرى.

متظاهرون يحاولون اقتحام حاجز للشرطة حول بلدية تونجلي (إكس)

وقال حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، في بيان، إن «الحكومة تقضي على إرادة الشعب خطوة بخطوة، وإن الانقلاب الذي تنفذه، عبر سياسة الوصي، لن يخيف حزبنا أو يثني الناس عن خياراتهم السياسية».

شجار مع وزير الداخلية

كان وزير الداخلية التركي، علي يرليكايا، كشف، خلال مناقشة موازنة وزارته في البرلمان الخميس، أنه تم منح 176 إذناً بالتحقيق، من أصل 1701 شكوى مقدمة بشأن البلديات، منها 59 من حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، و58 من حزب الشعب الجمهوري، و21 من حزب الحركة القومية، و7 من حزب الجيد، و10 من حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب. وأكد أنه «لن يتم السماح بأن تتحول البلديات إلى خدمة الإرهاب بدلاً من خدمة الشعب».

نواب من حزب الشعب الجمهوري المعارض أثناء منعه من دخول قاعة اجتماع لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان التركي (إعلام تركي)

واندلع شجار بين نواب حزب الشعب الجمهوري، الذين أرادوا الاحتجاج على تعيين أوصياء على 4 بلديات، خصوصاً بلدية إسنيورت، ونواب حزب العدالة والتنمية، أثناء دخول الوزير يرلي كايا إلى غرفة اجتماع اللجنة.

وقال نواب حزب الشعب الجمهوري إنهم لم يكونوا بصدد منعه نهائياً من دخول قاعة الاجتماع، وإنما أرادوا أن يجرِّب الوزير شعور عدم القدرة على دخول مؤسسة عامة، ولو لفترة قصيرة، في إشارة إلى منع الوصي على بلدية إسنيورت نواب الحزب وأعضاء مجلسها من دخول مبناها.