الإصلاحات الاقتصادية في اليمن تضع الحكومة أمام اختبار حاسم

ترحيب بالخطة وتحذيرات من الآثار الجانبية

من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)
من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)
TT

الإصلاحات الاقتصادية في اليمن تضع الحكومة أمام اختبار حاسم

من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)
من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)

لاقى إعلان مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن خطة الإصلاحات الاقتصادية ترحيباً وجدلاً واسعين في الأوساط الاقتصادية، وسط تحذيرات من عدم إمكانية تنفيذ الخطة بسبب تعقيدات المشهد السياسي، وانتشار الفساد، بالتوازي مع مخاوف شعبية من تبعات بعض الإجراءات على الأوضاع المعيشية والقوة الشرائية للسكان.

وعدّ اقتصاديون وباحثون يمنيون الخطة ضرورية لإنقاذ الاقتصاد اليمني المتهالك، ولاستعادة ثقة المانحين الدوليين والفاعلين في الأزمة اليمنية بالحكومة الشرعية وإجراءاتها لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، محذرين في الوقت ذاته من عواقب وخيمة في حال فشل التنفيذ في ظل الانقسام المؤسسي، وسوء الأوضاع المعيشية، وتردي القدرة الشرائية للسكان، وتراجع التمويل الدولي للإغاثة.

وتضمن القرار الرئاسي لتنفيذ الخطة الحكومية، توجيه جميع الإيرادات من المحافظات إلى البنك المركزي، وتفعيل السياسة المالية الحكومية، وإغلاق الصناديق الموازية، ووقف الجبايات والإتاوات في النقاط العسكرية والمناطق المختلفة، وتحرير السعر الجمركي، وتوحيد آليات التحصيل المالي.

ويرى فارس النجار الباحث والمستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، أن أهم الصعوبات التي تواجه الإصلاحات الاقتصادية هي مقاومة مراكز النفوذ، وتعدد قنوات التحصيل خارج الأطر الرسمية، وفرض الجبايات غير القانونية، وهو ما يمكن معالجته بإغلاق أي حسابات موازية للجهات الإيرادية، وتفعيل القرار الخاص بذهاب الإيرادات إلى البنك المركزي، والرقابة اليومية على الإيرادات الرسمية.

من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)

ولفت في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تكليف مجلس القيادة الرئاسي للحكومة برفع تقرير خلال أسبوعين عن الإنجازات التي تحققت، وهو ما يمثل أهمية بالغة لربط القرار الرئاسي بمؤشرات واضحة، مشيراً إلى تحدي ضعف البنية المؤسسية والرقابية، وهو ما يمكن معالجته بالربط الشبكي بين المنافذ المالية والبنك المركزي، وتنفيذ مشروع المدفوعات الإلكترونية وتدريب الكوادر.

وإلى جانب ذلك، تكمن التحديات في الفساد والتهرب الجمركي والتسعير العشوائي وغير الشفاف.

وحول مواجهة الآثار الجانبية للإصلاحات الاقتصادية، أكد النجار أن إلغاء الجبايات غير القانونية سيؤدي إلى خفض التكاليف على مختلف السلع، وإلى جانب ذلك، فإن استقرار العملة المحلية والمستوى المتقدم من الإصلاحات الاقتصادية والحصول على ثقة ودعم المجتمع الدولي سيجعل من ارتفاع الأسعار الناجم عن تحرير سعر الدولار الجمركي غير محسوس.

وذكّر بأن الإصلاحات لن تمس المواد والسلع الغذائية الأساسية والأدوية المعفية من الرسوم الجمركية، ما عدا ضريبة الأرباح، في حين أن بعض السلع لن يشملها قرار تحرير الدولار الجمركي، مثل الأرز وحليب الأطفال.

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام محلي)

وتواصل العملة المحلية استقرارها منذ قرابة 3 أشهر، حيث يبلغ سعر صرف الدولار 1,630 ريالاً، بفعل الإدارة المستمرة لسياسة الصرف الأجنبي للبنك المركزي، بعد أن كان قد قارب 3 آلاف ريال خلال يوليو (تموز) الماضي.

خطوة سيادية

على الرغم من استقرار قيمة العملة المحلية (الريال اليمني) منذ أكثر من 3 أشهر، فإنها ما زالت تمثل مصدر قلق، بسبب غياب الإصلاحات الاقتصادية العاجلة والملحة التي تضمن هذا الاستقرار، وتحوّلها إلى إجراءات فاعلة ودائمة الأثر.

وأشاد يوسف شمسان، الباحث الأكاديمي اليمني في الاقتصاد السياسي للحرب بقرارات مجلس القيادة الرئاسي، التي رأى أنها تمثل امتداداً مباشراً للأجندة الإصلاحية (سياسة العصا الغليظة) التي جرى تنفيذها عبر سياسات البنك المركزي، ضمن توافقات دولية وإقليمية تهدف إلى إصلاح المنظومة المالية للحكومة الشرعية بعد مرحلة الإصلاح النقدي.

خبير اقتصادي يرى أن تصدير النفط في الوقت الحالي قد يتسبب بخلافات داخل الشرعية (رويترز)

وقال شمسان لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الخطة تمنح الحكومة القدرة الفعلية على فرض سيادتها على موارد الدولة، ما يجعلها أكثر فاعلية واستقلالية في إدارة الشأن المالي والاقتصادي.

ووصف تأجيل ملف تصدير النفط في الوقت الراهن بالقرار الحكيم، لأنه يحافظ على توازن مكونات الحكومة الشرعية، كون إعادة تصدير النفط قد يعيد تشكيل التحالفات والخلافات داخلها.

وعدّ نجاح تنفيذ هذه القرارات اختباراً حقيقياً للحكومة الشرعية أمام المجتمع الدولي والإقليمي والشارع اليمني، إذ سيحدد مدى أهليتها لإدارة الدولة والدخول في أي تسويات أو مفاوضات سلام مستقبلية، إلى جانب أن استعادة السيادة على الموارد هي الخطوة الأولى نحو بناء الدولة، التي يجب أن تتبعها سياسات ترشيد للإنفاق العام، ومعالجة التضخم الوظيفي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القرارات بشأن توحيد الإيرادات العامة وضبطها تمثل أهم خطوة إصلاحية، توازي في أهميتها أي تسوية سياسية، وتتفوق عليها من حيث الأثر المباشر على استقرار الدولة، كون الذهاب إلى تسوية سياسية قبل السيادة على الموارد وتصحيح منظومة الحكم واحتكار العنف يمثل انتحاراً سياسياً للشرعية. وفق تعبيره.

تراجع متفاوت شهدته أسعار السلع بعد تعافي العملة المحلية في ظل رقابة حكومية (سبأ)

وكان البنك المركزي اليمني، فرض سيطرته على سوق العملات الأجنبية، خلال شهري يوليو وأغسطس (آب) الماضيين، بإجراءات صارمة تضمنت عقوبات مشددة على مؤسسات وشبكات مصرفية، ونجح في كبح جماح المضاربة غير المشروعة بالعملة.

استمرار المخاوف

شهد مختلف الأسواق في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية انخفاضات متفاوتة في أسعار المواد الأساسية، ولاقت استحساناً شعبياً.

ورغم تحسن القدرة الشرائية للسكان، فإن القلق يساورهم من عدم استدامة الوضع الحالي، أو تحقيق مزيد من التحسن، حيث لا يرون الأسعار الحالية عادلة بما يكفي، إلى جانب توقف كثير من الأعمال، واضطراب سوق العمل بفعل المخاوف من عدم الاستقرار.

ويحذر الباحث اليمني عبد القادر المقطري، من أن تطبيق الإصلاحات، وضمن ذلك رفع سعر الدولار الجمركي، دون ضمانات للعدالة الاجتماعية وتمكين المؤسسات، وتجاهل معاناة قطاع واسع من السكان الذين فقدوا مصادر دخلهم، ودون ترتيب أوضاع النازحين في المخيمات، وإيجاد حلول مستدامة لمعاناتهم، قد يفاقم الأوضاع المعيشية، ويهدد الاستقرار الذي وصفه بالهش.

رغم الترحيب بالإصلاحات الاقتصادية ثمة مخاوف من عدم معالجتها الأوضاع المعيشية للسكان (أ.ف.ب)

ونوه المقطري في إفادته لـ«الشرق الأوسط» بأن ثمة احتمالاً لأن تتحول الخطة المدعومة رئاسياً إلى اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على الموازنة بين متطلبات التعافي وضغوط الواقع المتأزم، لافتاً إلى أن كثيراً من الأمثلة أظهر الاهتمام بتحسين الأداء الاقتصادي، وتحقيق النجاحات على حساب ملايين السكان الذين تطولهم الآثار السلبية للدعم الدولي وشروط المانحين.

وأضاف أن الإصلاحات تتطلب صرامة في التعامل مع ملفات وشبكات الفساد المالي والإداري، وعدم التساهل مع الحسابات الضيقة للجماعات والأحزاب والقوى المختلفة.


مقالات ذات صلة

اتهامات يمنية للحوثيين بهيكلة القضاء لتمكين المنتمين لسلالة زعيمهم

العالم العربي قادة حوثيون في بوابة مبنى مجلس القضاء الأعلى الذي تسيطر عليه الجماعة بصنعاء (إعلام حوثي)

اتهامات يمنية للحوثيين بهيكلة القضاء لتمكين المنتمين لسلالة زعيمهم

أقدم الحوثيون على إجراء تعيينات غير قانونية في السلك القضائي استعداداً لتصفيته من غير الموالين بإجراءات تقوض استقلاليته، وسط استنكار قانوني ودعوات لرقابة دولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي الحوثيون يواصلون حشد المسلحين القبليين لإظهار قوتهم (رويترز)

الحوثيون يوهمون أتباعهم بإنجازات أمنية لتجاوز الاختراق الإسرائيلي

تسعى الجماعة الحوثية جاهدة إلى تجاوز تداعيات الاختراق الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل عدد من قياداتها وتدمير بعض مخابئها السرية عبر الترويج لإنجازات أمنية «وهمية»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية اعتقلوا آلاف اليمنيين (رويترز)

اليمن: تنديد حقوقي وحكومي بحملات القمع الحوثية في ذمار

اتهمت منظمة حقوقية يمنية الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، بتنفيذ واحدة من أكبر حملات القمع الجماعي ضد المدنيين في محافظة ذمار، بعد أن اختطفت 76 مواطناً.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي جانب من تجمعات المهاجرين غير الشرعيين في أطراف محافظة صعدة (إعلام محلي)

أموال التهريب تدفع الحوثيين للتنكيل بالمهاجرين الأفارقة

تعرض المئات من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من القرن الأفريقي إلى اليمن لعمليات تنكيل على يد الحوثيين بسبب الخلاف على الحصص من عائدات تهريب الممنوعات.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي تدخلات مركز الملك سلمان للإغاثة في اليمن ساهمت في رفع مستوى الخدمات الصحية (المركز)

مشاريع سعودية واتفاقيات حيوية لتعزيز التعافي في اليمن

كثف مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من تنفيذ برامجه الإنسانية والتنموية في عدد من المحافظات اليمنية

«الشرق الأوسط» (عدن)

قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان

مقتل مواطن في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
مقتل مواطن في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان

مقتل مواطن في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
مقتل مواطن في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم (الأحد)، مقتل مواطن في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان.

وقال مركز عمليات طوارئ الصحة، التابع لوزارة الصحة العامة، في بيان صحافي اليوم، إن «غارة للعدو الإسرائيلي على طريق الصوانة - خربة سلم أدت إلى استشهاد مواطن».

ووفق «الوكالة الوطنية للإعلام»، «استهدف الطيران المسيّر المُعادِي بـ3 صواريخ سيارة بين الصوانة وخربة سلم».

يأتي ذلك بعد يوم من مقتل 3 مواطنين في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب وشرق لبنان.


اتهامات يمنية للحوثيين بهيكلة القضاء لتمكين المنتمين لسلالة زعيمهم

الجماعة الحوثية تسيطر على كامل قرارات مجلس القضاء الأعلى والهيئات التابعة له بصنعاء (إعلام حوثي)
الجماعة الحوثية تسيطر على كامل قرارات مجلس القضاء الأعلى والهيئات التابعة له بصنعاء (إعلام حوثي)
TT

اتهامات يمنية للحوثيين بهيكلة القضاء لتمكين المنتمين لسلالة زعيمهم

الجماعة الحوثية تسيطر على كامل قرارات مجلس القضاء الأعلى والهيئات التابعة له بصنعاء (إعلام حوثي)
الجماعة الحوثية تسيطر على كامل قرارات مجلس القضاء الأعلى والهيئات التابعة له بصنعاء (إعلام حوثي)

ضمن مساعيها الحثيثة للسيطرة المطلقة على مؤسسات السلك القضائي، اتهمت أوساط يمنية الحوثيون بشروعهم في تنفيذ إجراءات قرأها مختصون بأنها تقويض للنزاهة واستقلال مؤسسة العدالة اليمنية التي تعرَّضت لتهشيم متواصل على يد الجماعة.

جاء ذلك غداة تعيين 83 معمَّماً موالياً للجماعة في عدد من المحاكم تحت اسم «التأهيل المهني»، فيما تستعد لفحص الأصول العائلية للقضاة غير الموالين لها، تمهيداً لإقصائهم، في خطوات.

وكشفت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تنوي اتخاذ إجراءات تحت مبرّر «إصلاح القضاء»، عبر بحث شامل للتحقُّق من تاريخ عائلات القضاة غير المنتمين أو الموالين لها، للتأكد من أحقيتهم بتولي المناصب والوظائف القضائية، تحت مبررات النقاء السلالي وعدم مزاولة أسلافهم لأي مهن لا تتناسب ومكانة القضاء.

وأشارت المصادر إلى أن الجماعة كانت قد مهَّدت لهذه الإجراءات من خلال ديباجة تعديلات قانون السلطة القضائية التي أقرتها، منتصف العام الماضي، الذي يأتي استلهاماً لممارسات أسلافهم من العائلات التي حكمت البلاد طوال القرون الماضية، حتى بداية العقد السابع من القرن الماضي، وفق تصنيف استعلائي يحدد قيمة الأفراد وفقاً لانتماءاتهم العائلية والمهن التي يزاولونها.

قادة حوثيون في بوابة مبنى مجلس القضاء الأعلى الذي تسيطر عليه الجماعة بصنعاء (إعلام حوثي)

وحديثاً، أقرَّت الجماعة الحوثية، عبر «هيئة التفتيش القضائي» التابعة لـ«مجلس القضاء الأعلى» الخاضع لسيطرتها، توزيع عددٍ من المشاركين في دورة تدريبية تأهيلية، الذين تطلق عليهم «فقهاء الشريعة»، للتدريب في عدد من المحاكم، تمهيداً لتعيينهم فيها، وذلك استناداً إلى ما أقدمت عليه، منتصف العام الماضي، بتعديل قانون السلطة القضائية عبر البرلمان غير الشرعي الخاضع لسيطرتها في صنعاء.

ورغم الجدل الكبير الذي شهدته إجراءات إقرار تعديلات قانون السلطة القضائية، والمعارضة الواسعة له في الأوساط القانونية والقضائية داخل مناطق سيطرة الجماعة؛ أقرت الجماعة تلك التعديلات، وأوهمت كلاً من نادي القضاة ونقابة المحامين، عبر مجلس القضاء، أنها ستعمل على تجميد النصوص التي كانت سبباً في ذلك الجدل.

سابقة خطرة

استنكر قضاة ومحامون وناشطون في صنعاء الإجراءات الجديدة للجماعة الحوثية بتوزيع منتسبي الدورات التأهيلية من المعممين الموالين لها على المحاكم، وعدّتها سلوكاً يهدف إلى تغيير جوهر ومضمون المؤسسات القضائية وسلطاتها، وتحويلها إلى كيانات تابعة للجماعة سلوكاً ولهيئاتها السياسية إدارياً.

محمد علي الحوثي ابن عم زعيم الجماعة أحد المسيطرين على مفاصل القضاء (أ.ف.ب)

وأوضحوا لـ«الشرق الأوسط» أن ما أقدمت عليه الجماعة، عبر ما يُسمى هيئة التفتيش القضائي، يُعدّ سابقة تشرعن لإجراء تعيينات غير قانونية أو دستورية في المؤسسات القضائية، وإلغاء مبادئ وسياسات التدرج لمنتسبي السلك القضائي، وتتيح تعيين أفراد في مناصب قضائية عليا دون حصولهم على الكفاءة والخبرة واتسامهم بالنزاعة والاستقلالية.

وبينوا أن الدساتير والقوانين في مختلف الدول التي تحترم القضاء واستقلاليته ونزاهته تمنح الأفراد حق الانتماء إلى السلك القضائي بناء على مؤهلاته، ومن خلال الخبرة التي يكتسبها والكفاءة التي يبديها والنزاهة التي يتصف بها يحصل على الترقية والتدرج في المناصب، بما يعزز من هيبة هذه المؤسسة ويعزز ثقة المجتمع بعدالتها.

واستغرب القانونيون والحقوقيون الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم حرصاً على سلامتهم، من جرأة الجماعة الحوثية على استخدام أسلوب التجريب في مؤسسات القضاء التي تُعدّ أهم المؤسسات التي لا يجوز استخدام التجريب فيها في أي منصب أو وظيفة، لما في ذلك من إخلال بمعايير الكفاءة والتأهيل والنزاهة.

الحوثيون يسيطرون بشكل كامل على القضاء والانتهاكات طالت حتى المحامين المدافعين عن معتقلي الرأي (إكس)

وخلال الأعوام الأخيرة تعرض عدد من القضاة في مناطق سيطرة الجماعة لانتهاكات متعددة، تضمنت الإقصاء والفصل والإحالة إلى محاكمات غير عادلة وإجراءات عقابية غير قانونية، وصولاً إلى الاعتداءات والاختطاف والقتل.

تطييف ممنهج

من جهته، يعرّف المركز الأميركي للعدالة قرارات الجماعة الحوثية الخاصة بالتعيينات في المحاكم بـالطائفية والممنهجة، ضمن سلوكها لإحكام السيطرة على الجهاز القضائي في مناطق نفوذها.

وقال المركز، وهو مؤسسة حقوقية أنشأها ناشطون يمنيون في ولاية ميشيغان، في بيان له، إن القرار الصادر عن الجهة التابعة لمجلس القضاء الأعلى الخاضع للحوثيين يكشف عن توجّهٍ خطير لتقويض استقلال القضاء وتحويله إلى أداة عقائدية تخدم مشروع الجماعة، بما يمثل «حلقة جديدة في مسلسل تسييس العدالة اليمنية».

مساعِ حوثية لتولية الموالين للجماعة في مختلف مفاصل الأجهزة القضائية (إعلام محلي)

ونبه إلى أن ذلك يسلب المحاكم ما تبقى من استقلالها، ويحوّلها إلى أذرع تنفيذية بيد الجماعة، محذراً من موجة جديدة من الانتهاكات لحقوق المتقاضين، وتكريس سياسة الإفلات من العقاب.

وانتقد المركز مبرر «التأهيل المهني»، الذي اتخذته الجماعة غطاءً لإدخال خريجين من مساقات دينية بحتة إلى بنية القضاء، دون أي تأهيل قانوني، ورأى في ذلك «هندسة ممنهجة لمؤسسة العدالة لإحلال عناصر موالية بدل القضاة المهنيين».

ودعا الأمم المتحدة ومفوضيتها السامية لحقوق الإنسان إلى التدخل العاجل وفتح تحقيق في الانتهاكات التي تطال القضاء في مناطق سيطرة الحوثيين، والعمل على إعادة هيكلة السلطة القضائية بإشراف وطني مستقل.


الحوثيون يوهمون أتباعهم بإنجازات أمنية لتجاوز الاختراق الإسرائيلي

زعيم الحوثيين ادعى تعبئة وتدريب أكثر من مليون شخص على القتال خلال عامين (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ادعى تعبئة وتدريب أكثر من مليون شخص على القتال خلال عامين (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يوهمون أتباعهم بإنجازات أمنية لتجاوز الاختراق الإسرائيلي

زعيم الحوثيين ادعى تعبئة وتدريب أكثر من مليون شخص على القتال خلال عامين (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ادعى تعبئة وتدريب أكثر من مليون شخص على القتال خلال عامين (إ.ب.أ)

أكدت مصادر أمنية وسياسية يمنية أن الجماعة الحوثية تسعى جاهدة إلى تجاوز تداعيات الاختراق الأمني الأميركي - الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل عدد من قياداتها وتدمير بعض مخابئها السرية، عبر الترويج لإنجازات أمنية «وهمية»، وافتعال حملات اعتقال واقتحام لمكاتب منظمات إغاثية أممية ودولية في مناطق سيطرتها.

وقالت ثلاثة مصادر أمنية وسياسية لـ«الشرق الأوسط» إن إعلان الجماعة، السبت، عن «تفكيك خلية تعمل لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل» بزعم أنها ساعدت في استهداف مخابئ ومعسكرات قيادات حوثية، من بينهم رئيس الحكومة غير المعترف بها وتسعة وزراء ورئيس أركان قواتهم، «هدفه الأساسي استعادة ثقة أنصارها في قدراتها المخابراتية، التي تضررت بشدة بعد الضربات الأخيرة».

وذكرت المصادر أن الضربات الدقيقة التي نفذتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد مواقع ومخابئ سرية، خصوصاً في محافظة صعدة، حيث يُعتقد أن أحدها كان يُستخدم من قبل زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، هزّت ثقة أتباع الميليشيا في جهازها الأمني.

الحوثيون يواصلون حشد المسلحين القبليين لإظهار قوتهم (رويترز)

وأشارت المصادر إلى أن تلك الهجمات، التي بلغت ذروتها حين استهدفت اجتماعاً حكومياً سرياً، دفعت الحوثيين إلى تكثيف أنشطتهم الأمنية منذ أكثر من شهرين «خشية انفجار شعبي في مناطق سيطرتهم».

وقالت المصادر إن إعلان الحوثيين الأخير حول «الخلية المزعومة» التي تضم تسعة أشخاص مجهولي الهوية، جاء ضمن حملة «رد اعتبار» لأجهزة المخابرات الحوثية التي لطالما استخدمتها الجماعة أداة قمع وتخويف، وروّجت لكونها «لا تُخترق».

وبحسب ما ذكرته المصادر، فإن الصورة الأسطورية التي رسمها الحوثيون عن جهازهم الأمني انهارت بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة.

تلميع نجل مؤسس الحوثية

أفادت المصادر بأن الجماعة الحوثية المتحالفة مع إيران تحاول الآن تلميع علي حسين الحوثي، نجل مؤسسها ورئيس ما يسمى جهاز استخبارات الشرطة، تمهيداً لتعيينه وزيراً للداخلية خلفاً لعبد الكريم الحوثي، عمّ زعيم الجماعة، الذي تتكهن المصادر بأنه توفي أو أُصيب بجروح بالغة خلال الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الاجتماع الحكومي في صنعاء.

ووفقاً للمصادر نفسها، فإن عبد الملك الحوثي منح ابن أخيه صلاحيات موسعة تشمل كل الأجهزة الأمنية، بما فيها «الأمن والمخابرات» و«الأمن الوقائي»، ليشرف بنفسه على حملات اعتقال واسعة طالت عشرات من موظفي الأمم المتحدة ومئات المعلمين والأطباء والناشطين في محافظات إب وذمار وصنعاء، بتهمة «التجسس لصالح الخارج».

وتمثل هذه الخطوة - حسب المصادر - بداية مرحلة جديدة يسعى فيها الحوثي إلى إنهاء الازدواجية بين الأجهزة الأمنية تحت قيادته المباشرة.

نجل مؤسس الحوثيين أشرف على اعتقال موظفي الأمم المتحدة والمدنيين (إعلام محلي)

ويرى الباحث اليمني المتخصص في شؤون الحوثيين، عدنان الجبرني، أن الإعلان الحوثي الأخير «لا يحمل جديداً»، سواء في البيان الرسمي أو مقطع الاعترافات الذي بثته القناة الحوثية (قناة المسيرة)، مشيراً إلى أن «السيناريو نفسه تكرر مراراً منذ عام 2020، مع اختلاف الأسماء فقط». وعدّ الجبرني أن إسناد البيان إلى نجل مؤسس الجماعة «يشير إلى إعداد وتجهيز بديل محتمل في هرم القيادة الأمنية».

سياسيون يمنيون - بدورهم - سخروا من الاتهامات التي أوردتها الجماعة حول «رصد مواقعها وتحركات مسؤوليها»، مؤكدين أن الولايات المتحدة وإسرائيل تمتلكان قدرات تكنولوجية فائقة وأقماراً اصطناعية وطائرات استطلاع لا تحتاج إلى «عناصر تجسس بشرية» كما يزعم الحوثيون. وأشاروا إلى أن الجماعة «تكرر التهم ذاتها في كل أزمة، مع تغيير أسماء المتهمين فقط».

ورجّح هؤلاء السياسيون أن تكون حملة الاعتقالات الجديدة تعبيراً عن مخاوف عميقة داخل الجماعة بعد «الفشل الأمني الذريع» الذي تكبّدته، ومحاولة استباقية لمنع أي انتفاضة شعبية نتيجة تفاقم الأوضاع المعيشية وانقطاع المساعدات الإنسانية الدولية. وأكدوا أن الحوثيين «يختلقون تهم التجسس لتبرير القمع، وترهيب الشارع الغاضب».

محاولة لاحتواء الفوضى

تعليقاً على المزاعم الحوثية حول إنجازهم الأمني رأى وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني أن ذلك «لا يخرج عن نهج الجماعة المألوف في صناعة روايات مفبركة وتلفيق اعترافات قسرية، والتضحية بالمواطنين البسطاء لتحقيق أهداف سياسية وأمنية».

وقال إن الخطوة تأتي «في إطار صراع الأجنحة داخل الجماعة، ومحاولة من أحد أطرافها لتسويق إنجاز أمني مزعوم، وانتزاع الملف الأمني من جهاز الأمن والمخابرات الذي يقوده عبد الحكيم الخيواني».

الحوثيون أقروا بمقتل رئيس أركانهم محمد الغماري ويتكتمون على مصير قادة آخرين (إ.ب.أ)

وأوضح الإرياني أن الهدف الآخر لهذا الإعلان «هو التغطية على حالة الانكشاف الأمني غير المسبوقة التي يعيشها الحوثيون، ومحاولة رفع معنويات عناصرهم المنهارة بعد الضربات الدقيقة التي استهدفت مواقعهم وقياداتهم في صنعاء وصعدة وعمران». وأضاف أن الاختراق وصل إلى المستويات العليا في هرم الجماعة، بما في ذلك الدائرة المقربة من زعيمها عبد الملك الحوثي.

وأشار الوزير اليمني إلى أن الجماعة تستخدم مثل هذه البيانات «لتبرير حملات القمع والتنكيل التي تشنّها يومياً ضد السكان في مناطق سيطرتها، تحت ذريعة التخابر مع الخارج»، مؤكداً أن الهدف الحقيقي هو إحكام القبضة الأمنية على المواطنين بعد تصاعد الغضب الشعبي من سياساتها المدمّرة، وتردي الأوضاع المعيشية.

وأكد الإرياني أن الجماعة الحوثية، بعد سلسلة الضربات التي شلّت بنيتها العسكرية والأمنية، «تعيش حالة من الارتباك والهلع، وتحاول تعويض خسائرها المعنوية عبر مسرحيات إعلامية لا تنطلي على أحد».