الإصلاحات الاقتصادية في اليمن تضع الحكومة أمام اختبار حاسم

ترحيب بالخطة وتحذيرات من الآثار الجانبية

من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)
من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)
TT

الإصلاحات الاقتصادية في اليمن تضع الحكومة أمام اختبار حاسم

من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)
من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)

لاقى إعلان مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن خطة الإصلاحات الاقتصادية ترحيباً وجدلاً واسعين في الأوساط الاقتصادية، وسط تحذيرات من عدم إمكانية تنفيذ الخطة بسبب تعقيدات المشهد السياسي، وانتشار الفساد، بالتوازي مع مخاوف شعبية من تبعات بعض الإجراءات على الأوضاع المعيشية والقوة الشرائية للسكان.

وعدّ اقتصاديون وباحثون يمنيون الخطة ضرورية لإنقاذ الاقتصاد اليمني المتهالك، ولاستعادة ثقة المانحين الدوليين والفاعلين في الأزمة اليمنية بالحكومة الشرعية وإجراءاتها لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، محذرين في الوقت ذاته من عواقب وخيمة في حال فشل التنفيذ في ظل الانقسام المؤسسي، وسوء الأوضاع المعيشية، وتردي القدرة الشرائية للسكان، وتراجع التمويل الدولي للإغاثة.

وتضمن القرار الرئاسي لتنفيذ الخطة الحكومية، توجيه جميع الإيرادات من المحافظات إلى البنك المركزي، وتفعيل السياسة المالية الحكومية، وإغلاق الصناديق الموازية، ووقف الجبايات والإتاوات في النقاط العسكرية والمناطق المختلفة، وتحرير السعر الجمركي، وتوحيد آليات التحصيل المالي.

ويرى فارس النجار الباحث والمستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، أن أهم الصعوبات التي تواجه الإصلاحات الاقتصادية هي مقاومة مراكز النفوذ، وتعدد قنوات التحصيل خارج الأطر الرسمية، وفرض الجبايات غير القانونية، وهو ما يمكن معالجته بإغلاق أي حسابات موازية للجهات الإيرادية، وتفعيل القرار الخاص بذهاب الإيرادات إلى البنك المركزي، والرقابة اليومية على الإيرادات الرسمية.

من أهداف الإصلاحات الاقتصادية تعزيز وحماية تعافي العملة اليمنية (أ.ف.ب)

ولفت في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تكليف مجلس القيادة الرئاسي للحكومة برفع تقرير خلال أسبوعين عن الإنجازات التي تحققت، وهو ما يمثل أهمية بالغة لربط القرار الرئاسي بمؤشرات واضحة، مشيراً إلى تحدي ضعف البنية المؤسسية والرقابية، وهو ما يمكن معالجته بالربط الشبكي بين المنافذ المالية والبنك المركزي، وتنفيذ مشروع المدفوعات الإلكترونية وتدريب الكوادر.

وإلى جانب ذلك، تكمن التحديات في الفساد والتهرب الجمركي والتسعير العشوائي وغير الشفاف.

وحول مواجهة الآثار الجانبية للإصلاحات الاقتصادية، أكد النجار أن إلغاء الجبايات غير القانونية سيؤدي إلى خفض التكاليف على مختلف السلع، وإلى جانب ذلك، فإن استقرار العملة المحلية والمستوى المتقدم من الإصلاحات الاقتصادية والحصول على ثقة ودعم المجتمع الدولي سيجعل من ارتفاع الأسعار الناجم عن تحرير سعر الدولار الجمركي غير محسوس.

وذكّر بأن الإصلاحات لن تمس المواد والسلع الغذائية الأساسية والأدوية المعفية من الرسوم الجمركية، ما عدا ضريبة الأرباح، في حين أن بعض السلع لن يشملها قرار تحرير الدولار الجمركي، مثل الأرز وحليب الأطفال.

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام محلي)

وتواصل العملة المحلية استقرارها منذ قرابة 3 أشهر، حيث يبلغ سعر صرف الدولار 1,630 ريالاً، بفعل الإدارة المستمرة لسياسة الصرف الأجنبي للبنك المركزي، بعد أن كان قد قارب 3 آلاف ريال خلال يوليو (تموز) الماضي.

خطوة سيادية

على الرغم من استقرار قيمة العملة المحلية (الريال اليمني) منذ أكثر من 3 أشهر، فإنها ما زالت تمثل مصدر قلق، بسبب غياب الإصلاحات الاقتصادية العاجلة والملحة التي تضمن هذا الاستقرار، وتحوّلها إلى إجراءات فاعلة ودائمة الأثر.

وأشاد يوسف شمسان، الباحث الأكاديمي اليمني في الاقتصاد السياسي للحرب بقرارات مجلس القيادة الرئاسي، التي رأى أنها تمثل امتداداً مباشراً للأجندة الإصلاحية (سياسة العصا الغليظة) التي جرى تنفيذها عبر سياسات البنك المركزي، ضمن توافقات دولية وإقليمية تهدف إلى إصلاح المنظومة المالية للحكومة الشرعية بعد مرحلة الإصلاح النقدي.

خبير اقتصادي يرى أن تصدير النفط في الوقت الحالي قد يتسبب بخلافات داخل الشرعية (رويترز)

وقال شمسان لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الخطة تمنح الحكومة القدرة الفعلية على فرض سيادتها على موارد الدولة، ما يجعلها أكثر فاعلية واستقلالية في إدارة الشأن المالي والاقتصادي.

ووصف تأجيل ملف تصدير النفط في الوقت الراهن بالقرار الحكيم، لأنه يحافظ على توازن مكونات الحكومة الشرعية، كون إعادة تصدير النفط قد يعيد تشكيل التحالفات والخلافات داخلها.

وعدّ نجاح تنفيذ هذه القرارات اختباراً حقيقياً للحكومة الشرعية أمام المجتمع الدولي والإقليمي والشارع اليمني، إذ سيحدد مدى أهليتها لإدارة الدولة والدخول في أي تسويات أو مفاوضات سلام مستقبلية، إلى جانب أن استعادة السيادة على الموارد هي الخطوة الأولى نحو بناء الدولة، التي يجب أن تتبعها سياسات ترشيد للإنفاق العام، ومعالجة التضخم الوظيفي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القرارات بشأن توحيد الإيرادات العامة وضبطها تمثل أهم خطوة إصلاحية، توازي في أهميتها أي تسوية سياسية، وتتفوق عليها من حيث الأثر المباشر على استقرار الدولة، كون الذهاب إلى تسوية سياسية قبل السيادة على الموارد وتصحيح منظومة الحكم واحتكار العنف يمثل انتحاراً سياسياً للشرعية. وفق تعبيره.

تراجع متفاوت شهدته أسعار السلع بعد تعافي العملة المحلية في ظل رقابة حكومية (سبأ)

وكان البنك المركزي اليمني، فرض سيطرته على سوق العملات الأجنبية، خلال شهري يوليو وأغسطس (آب) الماضيين، بإجراءات صارمة تضمنت عقوبات مشددة على مؤسسات وشبكات مصرفية، ونجح في كبح جماح المضاربة غير المشروعة بالعملة.

استمرار المخاوف

شهد مختلف الأسواق في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية انخفاضات متفاوتة في أسعار المواد الأساسية، ولاقت استحساناً شعبياً.

ورغم تحسن القدرة الشرائية للسكان، فإن القلق يساورهم من عدم استدامة الوضع الحالي، أو تحقيق مزيد من التحسن، حيث لا يرون الأسعار الحالية عادلة بما يكفي، إلى جانب توقف كثير من الأعمال، واضطراب سوق العمل بفعل المخاوف من عدم الاستقرار.

ويحذر الباحث اليمني عبد القادر المقطري، من أن تطبيق الإصلاحات، وضمن ذلك رفع سعر الدولار الجمركي، دون ضمانات للعدالة الاجتماعية وتمكين المؤسسات، وتجاهل معاناة قطاع واسع من السكان الذين فقدوا مصادر دخلهم، ودون ترتيب أوضاع النازحين في المخيمات، وإيجاد حلول مستدامة لمعاناتهم، قد يفاقم الأوضاع المعيشية، ويهدد الاستقرار الذي وصفه بالهش.

رغم الترحيب بالإصلاحات الاقتصادية ثمة مخاوف من عدم معالجتها الأوضاع المعيشية للسكان (أ.ف.ب)

ونوه المقطري في إفادته لـ«الشرق الأوسط» بأن ثمة احتمالاً لأن تتحول الخطة المدعومة رئاسياً إلى اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على الموازنة بين متطلبات التعافي وضغوط الواقع المتأزم، لافتاً إلى أن كثيراً من الأمثلة أظهر الاهتمام بتحسين الأداء الاقتصادي، وتحقيق النجاحات على حساب ملايين السكان الذين تطولهم الآثار السلبية للدعم الدولي وشروط المانحين.

وأضاف أن الإصلاحات تتطلب صرامة في التعامل مع ملفات وشبكات الفساد المالي والإداري، وعدم التساهل مع الحسابات الضيقة للجماعات والأحزاب والقوى المختلفة.


مقالات ذات صلة

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

العالم العربي مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

اتفاق مسقط لتبادل نحو 2900 محتجز ينعش آمال اليمنيين بإنهاء معاناة الأسرى وسط تفاؤل حذر ومطالب بضمانات أممية لتنفيذ «الكل مقابل الكل»

«الشرق الأوسط» (الرياض - صنعاء)
العالم العربي لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «خروج سلس وعاجل» لـ«الانتقالي»

يرسم البيان السعودي مسار التهدئة شرق اليمن، داعياً لانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة، وسط ترحيب رئاسي وحكومي وإجماع حزبي ضد التصعيد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
وفد سعودي زار حضرموت ضمن مساعي التهدئة وخفض التوتر (سبأ)

حضرموت تتمسك بالشرعية وتحذر من تكلفة «التحركات الأحادية»

جددت سلطة حضرموت دعمها الكامل للشرعية، محذّرة من التحركات العسكرية الأحادية، ومؤكدة أن أمن المحافظة، والحوار السياسي هما السبيل للاستقرار، والتنمية

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)
خاص نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

خاص «اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الحوثيين لتبادل 2900 محتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق هذا الملف الإنساني

محمد ناصر (تعز)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.