المحبوب عبد السلام: فوجئ الترابي بضلوع نائبه في محاولة اغتيال مبارك

أدار مكتب الشيخ وكتب خطب الرئيس ثم «تخرج» من المدرسة وصار مستقلاً (1)

TT

المحبوب عبد السلام: فوجئ الترابي بضلوع نائبه في محاولة اغتيال مبارك

آثار محاولة الاغتيال على سيارة في موكب مبارك بأديس أبابا عام 1995 (أ.ف.ب)
آثار محاولة الاغتيال على سيارة في موكب مبارك بأديس أبابا عام 1995 (أ.ف.ب)

هذا يحدث فقط في الروايات المثيرة. يستدعي زعيم ديني ضابطاً مغموراً ويستقبله للمرة الأولى قبل يومين من موعد الانقلاب. ينصّبه رئيساً بعبارة غير مسبوقة: «تذهب أنت إلى القصر رئيساً، وأذهب أنا إلى السجن حبيساً». وهذا ما حدث في 30 يونيو (حزيران) 1989. ذهب الضابط عمر حسن البشير إلى قصر الرئاسة واقتاد الأمن الدكتور حسن الترابي إلى سجن كوبر الشهير مع سائر الزعماء السياسيين.

كان الغرض من «خدعة» الترابي إخفاء الطابع الإسلامي للانقلاب كيلا تسارع الدول القريبة والبعيدة إلى محاصرته. وانطلت الخدعة على استخبارات الدول المجاورة، وبينها مصر، واعتقدت أن البشير استولى على السلطة على رأس مجموعة من الضباط القوميين. اعترفت القاهرة بالنظام الجديد وشجعت دولاً أخرى على الاقتداء بها.

عمر البشير وحسن الترابي عام 2004 (أ.ف.ب)

هذا يحدث فقط في الروايات. نزل في مطار الخرطوم شاب يقول جواز سفره إن اسمه عبد الله بركات. جاء من عمّان. سيقرع الشاب ذات يوم باب مكتب الترابي لكن الأخير سيمتنع عن استقباله. بعد فترة سيكتشف الأمن السوداني أن الزائر «هدية مسمومة» على حد قول الترابي. إنه الفنزويلي الشهير كارلوس وهو «مناضل أممي» في نظر البعض و«إرهابي شهير» في نظر الآخرين. إنه الرجل الذي قاد عملية خطف وزراء «أوبك» في فيينا في 1975 تنفيذاً لتعليمات مهندس خطف الطائرات القيادي الفلسطيني الدكتور وديع حداد. وذات ليلة وبعد موافقة الترابي والبشير سيحضر رجال المخابرات الفرنسية إلى الخرطوم. أفاق كارلوس من المهدئات في الطائرة التي نقلته إلى فرنسا حيث لا يزال ينفذ حكماً بالسجن المؤبد.

كان نظام البشير كمن يلعب بالقنابل. استضاف أيضاً في النصف الأول من التسعينات شاباً شائكاً اسمه أسامة بن لادن. كان يبحث بعد أفغانستان عن معقل يسمح له بالتدريب والإعداد. جاء تحت لافتة الاستثمار والإغاثة. تصاعدت الضغوط ولم يكن أمام بن لادن غير المغادرة.

هذا يحدث فقط في الروايات المثيرة. اجتماع لقيادة الجبهة الإسلامية بحضور أركانها والبشير وقادة الأمن. المناسبة تعرض الرئيس المصري حسني مبارك لمحاولة اغتيال في أديس أبابا. فاجأ علي عثمان طه نائب الترابي الحاضرين بالاعتراف بأن للأجهزة السودانية علاقة بمحاولة الاغتيال. فهم الحاضرون أنه كان من رعاة المحاولة. لا الشيخ كان على علم مسبق ولا الرئيس.

بعد المحاولة، طُرحت أيضاً فكرة الإجهاز على المتورطين الذين عادوا من العاصمة الإثيوبية في محاولة لقطع أي خيط يمكن أن يساعد في تجريم النظام السوداني. عارض الترابي عملية التصفية. ساد انطباع أن البشير أيد التصفية ولاحت نذر الانقسام بينه وبين الترابي.

المحبوب عبد السلام خلال المقابلة (الشرق الأوسط)

سيتكرس الطلاق لاحقاً فيما عرف بـ«المفاصلة» بين الإسلاميين. السلطة وليمة لا تتسع لاثنين. لن يتردد البشير في أن يدفع إلى السجن الرجل الذي دفعه إلى القصر. ولن يتردد الترابي في تأييد تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية. ذاق الترابي خيانة تلامذته. ومن عادة التلامذة أن يخونوا.

هذا يحدث فقط في الروايات المثيرة. بوساطة من الترابي وافق أسامة بن لادن على استقبال مسؤول في مخابرات صدام حسين اسمه فاروق حجازي. لم يسفر اللقاء عن تعاون لكنه استخدم في طليعة الذرائع التي أوردها جورج بوش الابن في 2003 لتبرير غزو العراق. التقى حجازي أيضاً كبار مسؤولي الأمن الذين زاروا بغداد لاحقاً واستقبُلوا بحفاوة وبدا واضحاً أن علي عثمان طه كان أبرز المعجبين بصدام حسين.

يتدفق الدم السوداني حالياً كما تتدفق مياه النيل. الجثث المتناثرة في شوارع مدينة الفاشر تكاد تنسي العالم الجثث النائمة تحت ركام غزة. يسكب القساة النار على زيت الكراهيات العرقية والجهوية. صناعة الجثث أسهل بكثير من صناعة التسوية والدولة والمؤسسات.

منذ استقلاله والسودان مأساة مترامية الأطراف. ولأن الحاضر ابن الماضي القريب كنت أبحث عن شاهد يعرف اللعبة واللاعبين، وشاءت المهنة أن ألتقيهم وأحاورهم. استوقفتني تجربة السياسي والباحث الدكتور المحبوب عبد السلام. على مدار عقد كان مديراً لمكتب الترابي. وعلى مدار عقد أيضاً كان يكتب بعض خطب البشير. استوقفني في الأعوام الأخيرة خروجه بخلاصات جريئة بينها أن الحركة الإسلامية في السودان استنفدت أغراضها. وأنها شريكة مع النخب الأخرى فيما وصلت إليه البلاد. وأنها أخطأت في التعامل مع الآخر كما أخطأت حين سلكت طريق الانقلاب والعنف وبيوت الأشباح وساهمت في دفع الجنوب إلى خارج الخريطة السودانية. لا يتردد المحبوب في النظر إلى أخطاء الترابي نفسه وولعه بممارسة السلطة. قلبت معه صفحات سودانية وكانت هذه الحلقات.

كان المحبوب عبد السلام طالباً في السنة الأولى في الجامعة حين استوقفته أفكار الترابي. بدا الترابي في تلك الأيام مختلفاً ويتحرك من خارج الانقسام التقليدي في المجتمع السوداني. ثم إنه رجل يعرف الغرب ودرس في جامعاته، في باريس ولندن. وفي 1990 تولى المحبوب إدارة مكتب الترابي حتى نهاية ذلك العقد.

يقول المحبوب: «كثيراً ما يطرح علي هذا السؤال: هل أنت تلميذ للترابي؟ وأنا ذكرت لهم أكثر من مرة، نعم أنا تلميذ للترابي وتلميذ نجيب. لكن تخرجت في هذه المدرسة وأصبحت شخصاً مستقلاً ولدي أفكار ولدي تجارب، وربما تكون أوسع من تجارب قادة الحركة الإسلامية من قبلي». سألته متى اكتشف أخطاء الترابي وتولد لديه حس نقدي تجاه تجربته، فأجاب: «ربما في عام 2011، مع ثورات (الربيع العربي) ومع الثورة المصرية على وجه التحديد والتحول الذي حدث في مصر».

* كيف كانت علاقة الترابي بالرئيس حسني مبارك؟

- التقى الرئيس مبارك عام 1986 عندما ذهب إلى مؤتمر الأزهر حول السيرة النبوية، وآنذاك كان النظام المصري على عداء، أو على تحفظ شديد حيال حكم (رئيس الوزراء السوداني) الصادق المهدي. كان لقاء أشبه بالمجاملة، ولكن بعد ذلك تأزمت العلاقة نتيجة الخدعة (التي رافقت الاستيلاء على السلطة في 1989) ثم تأزمت أكثر عندما حدثت محاولة الاغتيال (للرئيس مبارك) في أديس أبابا عام 1995.

الرئيس مبارك مستقبلاً الرأس المدبر لمحاولة اغتياله علي عثمان طه في القاهرة عام 2005 (أ.ف.ب)

بعد محاولة الاغتيال عُقد اجتماع مهم. لم يكن اجتماعاً أمنياً. كان اجتماعاً سياسياً على أرفع مستوى وأشمل مستوى. حضر الاجتماع الترابي والبشير وكل القادة السياسيين وكان ذلك في منزل الأستاذ علي عثمان محمد طه. في تلك اللحظة عرف الرئيس والترابي للمرة الأولى أن أجهزتهما ونائب الترابي، الذي سيصبح لاحقاً نائباً للرئيس، تورطوا في هذه المحاولة من دون علمهما، فكانت هذه صدمة كبيرة طبعاً.

* هل تقصد أن البشير لم يكن على علم بمحاولة الاغتيال؟

- نعم.

* والترابي لم يكن على علم؟

- نعم. جرت من ورائهما.

* لكن علي عثمان طه اعترف في الاجتماع بأن الأجهزة ضالعة؟

- نعم.

* ثم تبين أنه ضالع؟

- نعم. نعم.

* هل صحيح أن الترابي رفض قتل المنفذين العائدين من محاولة الاغتيال؟

- نعم، ثار ثورة عنيفة ضد هذا المقترح الذي تقدم به الشيخ علي عثمان بأنه في مثل هذه الأحوال، عندما تفشل محاولات، لا بد من أن تقضي على آثارها كلها حتى تحفظ سر النظام. فالترابي كان يعد هذا الأمر خارج السياسة وخارج الشريعة فانتفض انتفاضة هائلة، ويشير الدكتور علي الحاج (خليفة الترابي في رئاسة حزبه) إلى أنه في هذا اليوم حدثت المفاصلة. علي عثمان كسب الرئيس، إذ التقاه قبل الاجتماع وأيده فوراً، لذا انتفض الترابي عليهما معاً.

* البشير أيد علي عثمان طه المتورط في العملية؟

- في إعدام الذين دخلوا إلى السودان.

* في اقتراح إعدامهم؟

- نعم.

* قيل إن مجموعة من التصفيات حدثت لاحقاً ولها علاقة بطمس الأدلة؟

- هذه كانت قناعة عند قادة الأجهزة الأمنية وعند الشيخ علي عثمان لأنه متى ما فشلت مثل هذه العملية فلا بد من أن تطمس الأدلة كلها بتحييد هؤلاء الذين كانوا بعضاً من العملية.

* لكن علي عثمان طه قابل الرئيس مبارك لاحقاً؟

- بعد ذلك حدث تطور كبير في العلاقات. التقت الأجهزة الأمنية في السودان جهاز المخابرات المصري، وحدث تبادل وتصارح كبيران، وكان النظام في ذلك الوقت ينحو المنحى الواقعي ويريد أن يكون بعضاً من الإقليم.

* على أي مستوى كانت علاقات الأجهزة؟

- على مستوى رؤساء الأجهزة.

* مثل من؟

- مثل عمر سليمان وصلاح قوش.

* كيف كانت علاقة عمر سليمان بالسودان؟

- هو أرسل رسالة، كنت شاهداً عليها، عن طريق المخابرات الفرنسية، وقال إن محاولة اغتيال مبارك تمت من قبل الجماعات المصرية الإسلامية.

* «الجماعة الإسلامية»؟

- نعم، ولكن السودان دعمهم بما يسمى الدعم اللوجيستي، وفر لهم المال والمكان والسلاح وكذا، لكن لم يكن هو المخطط أو المنفذ، فعندئذ الحكومة المصرية تحفظت في أن تقوم بعمل كبير ضد السودان، لكن لو تأكد لهم أن السودان كان مخططاً عندئذ كان الرد سيكون قاسياً وكبيراً.

* قصف بالطائرات؟

- مثلاً. لكن عندما عرفوا أن السودان كان مساعداً تراجعوا، فكانت هذه أكبر رسالة مريحة للأمن السوداني، وكانت بمثابة باب فتح لإصلاح العلاقات إصلاحاً جوهرياً، وكذلك كانت الحكومة السودانية في ذلك الوقت، وبعد المفاصلة والتخلص من الترابي، تطرح نفسها كحكومة عادية واقعية لا تحمل برنامجاً إسلامياً.

أسلحة صادرها الأمن الإثيوبي مع متورطين في محاولة اغتيال مبارك (أ.ف.ب)

* هذه الأمور ساهمت في تدهور العلاقة بين البشير والترابي والطلاق؟

- هذه أتت بعد الطلاق. المصالحة الكاملة مع مصر والإقليم حدثت بعد 1999. بعد زيارة علي عثمان نفسها، كانت بعد 1999. بين زيارة علي عثمان وزيارة قوش، وكان وزير الخارجية مصطفى عثمان يتردد على مصر وكان صديقاً لوزير الخارجية المصري فطابت العلاقات عند ذلك المنعطف.

* في العلاقة الشخصية بين البشير والترابي، متى ظهرت أقسى درجات الكيدية من جانب البشير؟

- بعد مذكرة العشرة في أكتوبر (تشرين الأول) 1998.

* كيف تجلت هذه الكيدية؟

- كان الترابي يريد أن يرأس اجتماعاً للشورى وكان اجتماعاً كبيراً جداً فيه كل قادة الحركة، كل حكام الولايات، كامل قيادات الحزب، وأمناء الحزب في الولايات، والقيادات الأهلية، وهؤلاء 600 شخص يمثلون شورى حزب «المؤتمر الوطني»، ففي هذا المحفل الضخم تعرض الترابي لمفاجأة لم يكن يتوقعها.

* وهي؟

- وهي أن 10 من أعضاء الشورى تقدموا بمذكرة، جوهر المذكرة يطلب تنحية الترابي وتنصيب البشير رئيساً للدولة ورئيساً للحركة، والقضاء على هذه الثنائية. المذكرة فيها الكثير من البنود التي تتحدث عن الإصلاح وعن الشورى. لكن هذا كان جوهر الموضوع الذي جعل الرئيس يتآمر مع العشرة ويقبل هذه المفاجأة الضخمة في هذا المحفل الكبير للترابي.

* أنت تقول بوضوح أن البشير تآمر على الترابي؟

- نعم، في تلك اللحظة طبعاً، مؤامرة معلنة وظاهرة جداً.

* كان يريد أن يدفعه إلى المنفى؟ إلى السجن؟ إلى ماذا؟

- حتى ذلك الوقت كان يريد أن يجعله رئيساً رمزياً، والترابي يعلم ذلك لأن بعض العسكريين من زملاء البشير وأصدقائه في السلطة جاءوا إلى الترابي وطلبوا منه أن يبقى شيخاً. هم يتخذون القرارات وكل السياسة في أيديهم ثم يعودون إليه ويخُبَر ويعطي البركة، وهذا الدور طبعاً لا يقبله الترابي.

* الترابي يحب السلطة أيضاً؟

- يحب ممارستها وله شغف كبير بالسياسة، ولكن في السلطة، لا يقبل أن يعطي المباركات كما يعطي الشيوخ التقليديون.

* ماذا كان الوضع الحقيقي للترابي في السنوات العشر الأولى من عهد نظام الإنقاذ؟

- كانت كل الاستراتيجيات تصدر منه، القرارات الكبيرة. لكن هي دولة وحكومة وفيها أكثر من 30 وزيراً، ونحو ذلك من وزراء الدولة، فكانت تدير عملها اليومي بمعزل عنه وكان في السنوات الأولى متحفظاً جداً في أن يظهر في أي محفل رسمي أو حتى أن يتصل بوزير هاتفياً.

* في أي مرحلة هذه؟

- من عام 1990 إلى 1995، أو من 1989 إلى 1994. السنوات الخمس الأولى، كان متحفظاً جداً. بعد ذلك، بدأ يظهر بالتدريج، لا سيما أنه أصبح في 1996 رئيس المجلس الوطني.

* متى بدأ ظل الترابي في الانحسار؟

- هو لم ينحسر طبعاً. أصلاً الترابي بالكاريزما العالية، بالشخصية المهيمنة والمعرفة الكبيرة وبالخطاب واللغة القوية لم ينحسر، ويصعب جداً أن يكون الترابي في السلطة وتستطيع أن تحاصر دوره. وكان هذا يسبب إزعاجاً كبيراً لهم، ولم ينحسر دوره إلا عندما أخذوه إلى السجن بعد المفاصلة.

حسن الترابي (أ.ف.ب)

* متى دخل السجن؟

- بعدما وقعنا مذكرة تفاهم في فبراير (شباط) 2001 مع «الحركة الشعبية لتحرير السودان». هذه كانت نقلة كبيرة جداً.

* وقعتها شخصياً؟

- نعم.

* هل تشعر أحياناً بأنك شريك في ذنب استقلال جنوب السودان؟

- لا، لأن رأيي كان واضحاً. وكان هو من رأي الشيخ راشد الغنوشي أيضاً، التحدي الكبير الذي وضعه الجنوبيون أمام الوحدة وأمام الذهاب إلى استفتاء هو أن تلغى القوانين التي جاء بها (الرئيس جعفر النميري) والتي تعرف بقوانين الحدود. وأنا نقلت لهم رأياً واضحاً من الشيخ راشد أنه إذا وضعت وحدة السودان في مقابل الحدود، القوانين الخمسة، قطع اليد وجلد الشارب والزاني، إذا وضعت هذه تحدياً لوحدة السودان فنحوا القوانين جانباً وامضوا إلى وحدة السودان. وكان رأيي أن هذه التشريعات الإسلامية هي مثل كل قوانين المجتمعات، وقوانين المجتمع محكومة بظرفها النفسي والتاريخي وليست جامدة، لأن القانون العام ليس جامداً، المجتمع ليس جامداً، المجتمع متحرك. فكان هذا رأيي الأصولي، وكذلك رأيي السياسي.

* العلاقة بين الترابي وعلي عثمان طه، نائبه، علاقة معقدة؟

- نعم.

* تشبه تبادل الطعنات لو تشرح لنا هذه العلاقة؟

- علي عثمان طه لديه أفكار وتصورات مختلفة عن أفكار الترابي. عندما كان طالباً كان هناك صراع حاد بين قادة الحركة، بين الترابي والشيخ جعفر الشيخ إدريس، وكانت الحركة منقسمة انقساماً حاداً. هذا كان عام 1968. ففي هذا الانقسام الحاد، كان علي عثمان من الجناح المناوئ للترابي الذي كان يعدّ أن الترابي تضخم جداً بعد ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وبعد أن أصبح أمين الميثاق، وينبغي أن تؤخذ الحركة منه إلى شخص آخر. فكان هذا الصراع في أوجه، وكان علي عثمان في هذا الجانب.

لكن علي عثمان لديه نظرية تقول إنه إذا اختلف شخص مع التنظيم فهو ينحاز إلى التنظيم، لكن إذا اختلف التنظيم مع الدولة فهو ينحاز إلى الدولة، وإذا اختلفت الدولة مع الإسلام فهو ينحاز إلى الإسلام. هذا رأيه وسمعته منه شخصياً، ولكن الترابي لا ينهج هذا النهج. الترابي له رؤية وله أفكار محددة مهما خالفت الوقائع يحاول أن يمضي فيها، ولكن بعد أن جاء نظام النميري في 25 مايو (أيار) 1969 وأصبح الترابي أمين عام الحركة، أصبح علي عثمان جزءاً من الموالين للترابي.

الترابي وعلي عثمان طه

ثم عندما جاءت «الإنقاذ» كان الشخص الذي أعد إعداداً خاصاً لخلافة الترابي هو الأستاذ أحمد عثمان مكي، رحمه الله. لكنه ذهب إلى أميركا. وأحمد عثمان مكي قد لا يكون مناسباً أن يكون الشخص الثاني مع شخص مثل الترابي لأن أحمد عثمان مكي كانت له كاريزما عالية بصفته زعيماً. لكن علي عثمان يستطيع أن يخفي كثيراً من مشاعره وأن يقبل أن يؤدي دور الرجل الثاني، لذلك انسجم علي عثمان والترابي لفترة طويلة، فترة «الجبهة الاسلامية القومية»، ثم 1985 إلى 1989، ثم انسجما في أول سنوات «الإنقاذ». ليس انسجاماً كاملاً، وكان انسجاماً ظاهراً. ثم بعد ذلك ظهرت كل هذه الاختلافات العميقة في فترة لاحقة.

* علي عثمان طه كان شديد الإعجاب بصدام حسين مثلاً؟

- إلى حد كبير. كان يؤمن كما يؤمن كثير من النخب السودانية بالحكم الشمولي، أن مجتمعاتنا ليست مهيأة لليبرالية والتعددية، فكان نظام صدام بالنسبة له نظاماً شمولياً قابضاً قوياً، ولكنه نظام كذلك يتقدم في التنمية والاقتصاد وتأسيس البلاد، فكان هذا النموذج المثالي عندهم.

* هل كانت رياح «الربيع العربي» قاسية على السودان؟

- قاسية على الحركة الإسلامية طبعاً. تأخرت نحو 7 سنوات. «الربيع العربي» تقريباً اكتمل كله في عام 2012 لكن انتظرنا حتى عام 2019 حتى تتكرر تجربة «الربيع العربي» في السودان. فالثورة التي هبت كان قاسية جداً على الإسلاميين، ولكنها كانت تستجيب حقيقة لنبض كل الشارع السوداني، لا سيما شارع المدينة.

* هل تخطت حاجات الشارع السوداني أفكاراً كتلك التي تحملها الحركة الإسلامية أو النخب الأخرى التي نافستها؟

- الحركة الإسلامية في أثناء وجودها في السلطة كانت تحمل عداء خفياً معلناً للمجتمع المدني، للشباب للنساء للفن ولكل هذه المسائل. لكن الحركة الفكرية والأدبية وحركة المجتمع المدني كله كانت تحتوي في جوهرها على معارضة لنظام «الإنقاذ» وللممارسات الشمولية الطويلة. فلذلك، كان هذا التعارض واضحاً. عندما جاءت هذه الثورة بشعارات سلام حرية عدالة، هذه لم تكن مطروحة، هذه ليست ضمن شعارات «الإنقاذ». فكانت فعلاً، الحركة الإسلامية وهي في السلطة، تطورت باتجاه أفكار لم تكن في البداية أصل الحركة، لكنها تطورت إلى حالة مضادة للمجتمع السوداني.

* تطورت إلى حالة مضادة؟

- نعم.

حسن الترابي والصادق المهدي وبينهما سلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان لاحقاً (أ.ف.ب)

* هل ساهمت جذور الحزب الشيوعي السوداني في المجتمع في تعزيز هذه المعارضة لتجربة «الإنقاذ»؟

- نعم، طبعاً. الحزب الشيوعي حدث فيه تحول كبير بعد إعدام قادته في 1971، ثم هو الأكثر استيعاباً لما يدور في العالم، ثم عندما انهار الاتحاد السوفياتي تبنى الليبرالية بالكامل. ولذلك، كان كثير من الشباب الذين يتطلعون إلى الحرية والعدالة وأن تؤدي المرأة دوراً كبيراً في المجتمع، كانوا يجدون الحزب الشيوعي في ممارسته في مواقفه وفي قناعته مجتمعاً أقرب إليهم وجدانياً من مجتمع الحركة الإسلامية الملتزمة دينياً والمحافظة. لذلك كان هذا التباين، فالحزب الشيوعي كأنما يكسب في هذا الجو والحركة الإسلامية كأنما تخسر بالتصاقها وتبنيها لكل مشاريع السلطة وحمايتها للسلطة. فكان الوضع من هذه الناحية معقداً جداً.

* هل نستطيع القول إن النميري أضاع عقوداً من عمر السودان، وإن نظام «الإنقاذ» أضاع عقوداً أيضاً؟

- كثير من السياسيين يتحدثون عن 60 عاماً من عمر الاستقلال فيها أكثر من 52 عاماً حكمها العسكريون، فكأنما يحمّلون المؤسسة العسكرية المسؤولية. لكن أنا ذكرت لك أن هذه مسؤولية النخبة. الضباط هم بعض من النخبة، الذين آزروهم واستوزروا لهم الوزارات وكتبوا لهم الخطب ووقعوا لهم الاتفاقيات كانوا من النخبة المدنية. فلذلك هذا فيه تبسيط للأمر، وكأنما المؤسسة العسكرية مسؤولة. العلة قائمة في أصل أحزابنا المدنية. أحزابنا المدنية ليست لها برامج واضحة لإزالة تشوهات الدولة السودانية التي بدأت منذ الاستعمار.

* ما أكثر المحطات حساسية كنت فيها إلى جانب الترابي؟

- لقاؤه مع البشير وعلي عثمان عشية المفاصلة.

* كيف كان هذا اللقاء، نريد أن نعرف شيئاً جديداً عنه؟

- ذلك اللقاء كان محاولة لإنقاذ الوضع من الانفصال التام، وأنا نجحت، وهذه مسألة شخصية، بأن أجمع الترابي والبشير. فكان هذا أول لقاء لهما بعد فراق وجفاء امتد لأشهر، وكان عشية المؤتمر. فطرح البشير في ذلك اللقاء أن نحتفظ بالخلافات وأن نجعل من المؤتمر تظاهرة سياسية فقط، وأحنى الترابي رأسه لهذا القرار الذي أنقذ الجلسة الأولى، ولكن سرعان ما تفجرت الخلافات في نهاية اليوم.

* كيف كانت علاقتك بالبشير؟

- جيدة جداً.

* على أي أساس؟

- أنا كنت أكتب خطاباته.

* تكتب خطاباته، يعني أنت مرتكب؟

- لا، الخطابات كانت تعبّر عن سياسة الحركة كلها وعن موقف.

* في أي سنوات كنت تكتب خطاباته؟

- تقريباً منذ أول عام 1990. أول خطاب كتبته كان عن مؤتمر المرأة.

* وآخر خطاب؟

- أظن أن آخر خطاب كان في أواخر التسعينات، ولا أذكر بالضبط موضوعه.

* غاب الود بين الترابي والبشير وأخذت جانب الترابي؟

- هو لم يكن غياب ود فقط، بل كان خلاف مواقف. الترابي كان مع الديمقراطية والحريات العامة، وكان مع الحكم الاتحادي وكان مع الالتزام باتفاقيات الجنوب. وأنا انحزت لهذا الموقف.

* هل تشبه تجربة الترابي مع البشير، تجربة الشيخ عبد الله حسين الأحمر مع علي عبد الله صالح، ولو في سياق مختلف؟

- يمكن طبعاً في حالة أن هناك شيخاً ورئيساً، ولكن بالنسبة للبشير، البشير أصلاً عضو في حركة إسلامية يرأسها الترابي، وكان يزعن لكل قراراته حتى بعدما أصبح رئيساً إلى أن بدأت المفاصلة الطبيعية، المباينة الطبيعية، بين سلطة حقيقية في الظاهر وسلطة باطنية.

* وسلطة الباطن تحرك السلطة الظاهرة؟

- بحكم أن هناك حركة تحكم.

حقائق

من هو المحبوب عبد السلام؟

  • ولد في 1958 في مدينة أم درمان.
  • تخرج عام 1981 في قسم الفلسفة بكلية الآداب في جامعة القاهرة.
  • درس علم الاجتماع في جامعة «باريس 3».
  • تخصص في الدراسات الإسلامية في جامعة لندن.
  • تولى إدارة مكتب الدكتور حسن الترابي لنحو عشرة أعوام.
  • كان أحد كتّاب خطابات الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
  • آخر لقاء له مع الترابي كان في الأسبوع الأخير من فبراير (شباط) 2017 أي قبل وفاة الترابي بنحو أسبوعين.
  • آخر لقاء له مع البشير كان في منزل وزير الإعلام الأسبق علي شمو في يناير (كانون الثاني) 2017.


مقالات ذات صلة

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، الجمعة، إن بلاده مستعدة للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي.

رياضة عربية مشجع سوداني يساند منتخب بلاده خلال مباراته أمام الجزائر (أ.ب)

محمد عبد الرحمن لاعب السودان: سنقدم ما علينا رغم ظروف الحرب

يطبق محمد الغربال سياسة «الأمر الواقع» للتعامل مع الظروف المحيطة بمنتخب السودان لكي يتمكن من النجاح رغم ظروف الحرب التي أثرت على نشاط كرة القدم

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع البرهان التطورات بالسودان في ظل تصعيد «الدعم السريع»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان آخر التطورات في السودان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص مفوضة العون الإنساني سلوى آدم بنية في مؤتمر صحافي (سونا)

خاص مفوضة «العون الإنساني» لـ«الشرق الأوسط»: نزوح أكثر من 145 ألف أسرة جرّاء معارك كردفان

قالت الحكومة السودانية إن أكثر من 145 ألف أسرة نزحت وتشردت جراء المعارك الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في إقليم كردفان

وجدان طلحة (بورتسودان)

مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

رفضت مصر إعلان الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة. كما عبّرت عن رفضها «أي محاولات لفرض كيانات موازية تتعارض مع وحدة الدولة الصومالية».

وجاء الموقف المصري في اتصالات لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، الجمعة، مع نظرائه في الصومال وتركيا وجيبوتي. وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكد الوزراء «الدعم الكامل لوحدة الصومال وسيادته»، إلى جانب «دعم مؤسسات الدولة الصومالية الشرعية».

الرفض المصري المدعوم بمواقف دول أخرى، جاء بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، اعتراف إسرائيل رسمياً بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة ذات سيادة، وهي أول دولة تعترف بـ«الإقليم الانفصالي» في الصومال دولة مستقلة.

وقال بيان صادر عن «الخارجية المصرية»، الجمعة، إن الوزير عبد العاطي تلقى اتصالات من نظرائه: الصومالي عبد السلام عبدي، والتركي هاكان فيدان، والجيبوتي عبد القادر حسين عمر، وشددوا على «الرفض التام وإدانة اعتراف إسرائيل»، إلى جانب «الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، يعتقد أن دعم إسرائيل «أرض الصومال» «سيفتح الباب لدول أخرى للاعتراف بهذا الإقليم». ورجح أن «تلجأ إثيوبيا إلى تفعيل اتفاقها مع (أرض الصومال)، للحصول على منفذ بحري لها، مقابل الاعتراف الرسمي به دولة».

وسيؤثر الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» استراتيجياً على مصالح الدولة المصرية في جنوب البحر الأحمر، وفق حليمة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود إسرائيل في هذه المنطقة سيعني حصولها على موضع قدم في جنوب البحر الأحمر وشماله في إيلات»، مشيراً إلى أن هذا التحرك «سيلقى معارضة شديدة من الدول العربية والأفريقية؛ لأن من مبادئ الاتحاد الأفريقي احترام حدود الدول وعدم المساس بها».

وسبق أن عارضت مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع «إقليم أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة. وعدّت القاهرة الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي بعد توقيع اتفاق «الشراكة الاستراتيجية» في القاهرة يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

وأكد عبد العاطي، الجمعة، أن الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول «سابقة خطيرة، وتهديد للسلم والأمن الدوليين ولمبادئ القانون الدولي»، وقال إن «احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي الدول يمثّل ركيزة أساسية لاستقرار النظام الدولي».

كما شدد على «الرفض القاطع لأي مخططات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني خارج أرضه»، وقال إن «هذا المخطط ترفضه الغالبية العظمى لدول العالم بشكل قاطع».

ولن يغيّر الاعتراف الإسرائيلي الوضعية القانونية لـ«إقليم أرض الصومال» بعدّه جزءاً من أرض الصومال، وفق عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، عصام هلال، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما اتخذته إسرائيل خطوة أحادية تخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي».

ويرى هلال أن الدعم الإسرائيلي للإقليم الصومالي «يعدّ تحولاً دبلوماسياً، سينعكس على توازن القوى في منطقة القرن الأفريقي». وأكد ضرورة «تكثيف الجهود الدبلوماسية لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي في هذه المنطقة».

ودائماً ما تؤكد مصر أن «أمن البحر الأحمر قاصر فقط على الدول المتشاطئة وليس مقبولاً أي وجود عسكري به»، وتكررت هذه التصريحات بعد أن أعلنت إثيوبيا طموحها لإيجاد منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر.

و«إقليم أرض الصومال»، الذي يملك ساحلاً بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، يحتل موقعاً استراتيجياً عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي، ولا يحظى باعتراف دولي منذ انفصاله عن جمهورية الصومال الفيدرالية عام 1991.

ووقّع نتنياهو ووزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، ورئيس «إقليم أرض الصومال»، عبد الرحمن محمد عبد الله، إعلاناً مشتركاً، وقال إن «إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد».


إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
TT

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

أكد رئيس الحكومة السودانية كامل إدريس، استعداد حكومته للتواصل مع الدول الداعمة لقوات الدعم السريع، وذلك بعد أيام من طرحه أمام مجلس الأمن الدولي، مبادرة لإنهاء الحرب.وقال إدريس في مؤتمر صحافي في مدينة بورتسودان عقب عودته من نيويورك «هناك انطباع سائد بأننا نرفض السلام، ولكن هذه الزيارة دليل على أننا دعاة سلام وأن هذه الحرب قد فُرضت علينا فرضاً». وأضاف «حتى الدول الداعمة للدعم السريع سنسعى لتحسين علاقة السودان معها تمهيداً للسلام العادل وإنهاء الحرب بما يرضي أهل السودان قاطبة».

وقدم إدريس لمجلس الأمن هذا الأسبوع «مبادرة السودان للسلام» التي تنصّ على انسحاب قوات الدعم السريع «من كافة المناطق التي تحتلها» بالتزامن مع وقف لإطلاق النار «تحت رقابة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية». وشدد إدريس على أن ذلك لا يعني نشر «أي قوات أممية» في السودان. كما أشار الى أن المبادرة تشمل حواراً للاتفاق على «كيف يُحكم السودان. ومن هذا الاتفاق ننطلق الى الانتخابات الحرة المباشرة المراقبة دوليا».

كامل إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية في مجلس الأمن الدولي الإثنين (إ.ب.أ)

ووصف إدريس اجتماعه في مجلس الأمن بالـ«موفق» معربا عن شكره لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وللرئيس الأميركي دونالد ترمب ومبعوثه مسعد بولس والرئيس والمصري عبد الفتاح السيسي، لجهودهم من أجل إنهاء النزاع».
وقال إدريس، إن المبادرة التي طرحتها حكومته لوقف الحرب، والتي عرض تفاصيلها أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، بعثت برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن السودان «دولة تسعى إلى السلام لا الحرب»، وإنها نقلت البلاد «من موقع المتلقي للمبادرات إلى موقع صانعها». وأكد إدريس في الوقت نفسه أن السودان، بوصفه دولة ذات سيادة، لن يقبل بنشر أي قوات أممية أو فرض أي آليات رقابة دولية دون اتفاق صريح مع الحكومة.

نزع السلاح أولوية

وأوضح رئيس الوزراء أن أي هدنة لا تترافق مع نزع سلاح «قوات الدعم السريع» وتجميع قواتها، ستؤدي إلى تعقيد النزاع وإطالة أمد الحرب، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات يجب أن تتم بتوافق وضمن رقابة دولية متفق عليها. وفي رده على التساؤلات بشأن آليات الرقابة الدولية، أكد إدريس أن السودان «لن يقبل بأي قوات أممية مفروضة»، قائلاً: «اكتوينا بجمرة القوات الدولية، ولن نكرر تجارب سابقة ذقنا فيها الأمرّين»، مشدداً على أن أي رقابة دولية مشروطة بموافقة الحكومة السودانية.

نازحة سودانية من منطقة هجليج داخل مخيم في مدينة القضارف شرق السودان 26 ديسمبر (أ.ف.ب)

وأشار إدريس إلى أن من أولويات المبادرة ضمان وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في جميع أنحاء البلاد، لافتاً إلى أن مرجعيتها تستند إلى خريطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للأمم المتحدة، والجهود السعودية – الأميركية، وما تم التوصل إليه في إعلان مبادئ اتفاق جدة. كما كشف عن لقاءات وصفها بالإيجابية والداعمة لجهود وقف الحرب، جمعته مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن الدولي، وأعضاء المجموعة الأفريقية بالمجلس، التي تضم الجزائر وسيراليون والصومال.

وأشار رئيس الوزراء إلى رفض عدد كبير من الدول والمنظمات الدولية لأي محاولة لتشكيل حكومة موازية في السودان، في إشارة إلى حكومة «تحالف تأسيس» التي تقودها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في مدينة نيالا بجنوب دارفور.

وأكد إدريس أن الحكومة تعتزم الشروع في خطوات عملية لتنفيذ المبادرة، عبر الدعوة إلى حوار سوداني – سوداني شامل لا يستثني أحدًا، تسبقه إجراءات لتهيئة المناخ العام، تتيح مشاركة السودانيين في الخارج، من خلال رفع القيود وشطب البلاغات غير المؤثرة، وصولًا إلى انتخابات حرة ونزيهة. وختم إدريس بالإشارة إلى أن الحكومة السودانية ستكثف تحركاتها الدبلوماسية مع دول الجوار لدعم مبادرة السلام، والعمل على تحسين علاقاتها مع الدول التي ما زالت تقدم دعمًا لـ«قوات الدعم السريع».

لاتفاوض ولاهدنة

من جهة ثانية، أكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، أنه «لا تفاوض ولا هدنة» مع «قوات الدعم السريع»، مشددًا على أن «السلام العادل سيتحقق عبر رؤية وخريطة طريق يضعها الشعب السوداني وحكومته». وأوضح عقار أن الحرب الدائرة في البلاد تمثل صراعًا على الموارد، وتهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في السودان.

ميدانيًا، اتهمت «قوات الدعم السريع» الجيش السوداني بشن غارة جوية باستخدام طائرة مسيّرة استهدفت احتفالًا لمواطنين بأعياد الميلاد في منطقة «بيام جلد» بجنوب كردفان، ما أسفر، بحسب قولها، عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 19 آخرين، بينهم أطفال ونساء.

وفي سياق متصل، أعلنت «القوة المشتركة» المتحالفة مع الجيش السوداني أنها تمكنت من إحباط هجمات متزامنة شنتها «قوات الدعم السريع» على عدد من المناطق في ولاية شمال دارفور، مؤكدة تكبيدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وأضافت «القوة المشتركة» في بيان أن «قوات الدعم السريع» أقدمت على إحراق قرى بأكملها، في محاولة لتفريغ المناطق من سكانها، ووصفت ذلك بأنه انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وكانت «قوات الدعم السريع» قد أعلنت، الأربعاء الماضي، سيطرتها على بلدتي أبو قمرة التابعة لمحلية كرنوي، وأمبرو، عقب معارك محدودة مع «القوة المشتركة».


مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)

تعوّل مصر على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة وخفض التصعيد في اليمن، بما يحافظ على وحدة وسلامة أراضيه، إلى جانب تحقيق «تسوية شاملة تلبي تطلعات الشعب اليمني في الأمن والاستقرار والتنمية».

وأكدت وزارة الخارجية المصرية «موقف القاهرة الثابت الداعم للشرعية في اليمن»، وشددت في إفادة، الجمعة، على «حرصها الكامل على وحدة اليمن، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، بما يمهد لاستعادة الاستقرار في اليمن والمنطقة، ويضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر».

وعاد التصعيد أخيراً للساحة اليمنية، بعد تحركات عسكرية نفذها «المجلس الانتقالي الجنوبي»، في محافظتي حضرموت والمهرة، شرق اليمن.

سفينة هولندية تعرّضت لهجوم حوثي في خليج عدن أواخر سبتمبر الماضي (أ.ب)

وأعربت القاهرة، الجمعة، عن «تقديرها للجهود المبذولة للعمل على خفض التصعيد في اليمن، للحيلولة دون تفاقم الوضع الراهن».

وناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره اليمني، شائع الزنداني، «الجهود التي تقودها المملكة العربية السعودية والإمارات من أجل خفض التصعيد وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن»، وأكد، وفقاً لبيان «الخارجية المصرية»، الجمعة، «ترحيب بلاده بالاتفاق المتعلق بتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، باعتباره خطوة تدعم الجهود الجارية لتهيئة مناخ مُواتٍ لاستئناف مسار التسوية».

وكانت السعودية قد أشارت إلى إرسال فريق عسكري سعودي - إماراتي مشترك إلى عدن، لوضع ترتيبات تضمن عودة قوات «الانتقالي» إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف.

وأكد بيان لـ«الخارجية السعودية»، الخميس، أن «القضية الجنوبية عادلة، ولن تُحل إلا عبر الحوار، ضمن الحل السياسي الشامل، بعيداً عن فرض الأمر الواقع بالقوة».

في سياق ذلك، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إلى تجنب التصعيد وتغليب المصلحة العليا للشعب اليمني، والتمسك بوحدة البلاد، وقال في إفادة، الخميس، إن «التطورات الأخيرة، تزيد من تعقيد الأزمة اليمنية، وتضر بمبدأ وحدة التراب اليمني».

وأعاد أبو الغيط التأكيد على الموقف العربي الموحد بشأن الالتزام بوحدة اليمن وسيادته وأمنه وسلامة أراضيه، ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، مؤكداً «دعم الحكومة اليمنية الشرعية بقيادة مجلس القيادة الرئاسي».

سفير مصر السابق لدى اليمن، يوسف الشرقاوي، أكد أن «تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية بهذا الشكل المتسارع يهدد الوضع الأمني في اليمن كاملاً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجهود العربية والإقليمية يجب أن تركز على حماية وحدة اليمن وسلامة أراضيه، والتصدي لأي محاولات تشجع لاتجاهات انفصالية تضر بوحدة الأراضي اليمنية».

وباعتقاد الشرقاوي، فإن «الدور العربي محوري لخفض التصعيد في الأراضي اليمنية»، وقال إن «التسوية يجب أن تقوم على حوار وطني يمني داخلي، ويتم تنفيذ مخرجاته»، إلى جانب «البناء على (اتفاق مسقط) الخاص بتبادل الأسرى، بما يهيئ المناخ لتسوية سياسية للأزمة».

و«تخشى القاهرة من انعكاسات التوتر والتصعيد في اليمن على الأوضاع الإقليمية»، وفق الشرقاوي، الذي قال إن «مصر تهتم بالتهدئة في اليمن، بما ينعكس إيجابياً على الوضع الأمني في جنوب البحر الأحمر، وحركة الملاحة في باب المندب، لارتباطها المباشر بحركة الملاحة في قناة السويس».