المخابرات الأميركية تحذر من تحوّل السودان ملاذاً للجماعات الإرهابية

توقعت استمرار فروع «داعش» و«القاعدة» في التوسع بأفريقيا

آثار مواجهات الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)
آثار مواجهات الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)
TT

المخابرات الأميركية تحذر من تحوّل السودان ملاذاً للجماعات الإرهابية

آثار مواجهات الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)
آثار مواجهات الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

حذرت تقارير استخبارية أميركية من مخاطر تحوّل السودان بيئة مثالية لنشاط الشبكات الإرهابية، ومرتعاً للجماعات الإجرامية الدولية، ومن امتداد الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» إلى خارج حدود السودان، وانضمام الجهات الفاعلة في الإرهاب للقتال في السودان، فضلاً عن التهديدات الجدية لملايين السودان الذين يواجهون خطر الموت جوعاً.

ونسب موقع «سودان مونتر» إلى مكتب الاستخبارات الوطنية الأميركي – المكتب المختص بتنسيق عمل وكالة المخابرات المركزية «سي آي إيه» (CIA) والوكالات الأمنية الأخرى – قوله إن تقرير التهديدات السنوية لعام 2024 الخاص بمجتمع الاستخبارات الأميركي، قد حذر من مواجهة السودان خطر التحول إلى «بيئة مثالية» للشبكات الإرهابية والإجرامية الدولية، ومن تمدد الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» إلى خارج الحدود.

أفراد من «قوات الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)

«بيئة مثالية للإرهابيين»

وجاء في التقرير: «يزيد القتال المطوّل من مخاطر انتشار الصراع خارج حدود السودان، وانضمام الجهات الفاعلة الخارجية إلى المعركة، ومواجهة المدنيين للموت والنزوح». وأضاف التقرير أن «استمرار النزاع في السودان، بحكم موقعه بين القرن الأفريقي ومنطقة الساحل وشمال أفريقيا، قد يوفر مجدداً بيئة مثالية للشبكات الإرهابية والإجرامية».

وبينما تواجه البلاد هذه المخاطر، فإن الطرفين ما يزالان يتقاتلان، من أجل تحقيق أهداف قادتهما عن طريق القوة العسكرية، بينما يتهم كل منهما الآخر بأنه «حركة إرهابية». كما يصنف كل طرف في الصراع السوداني الطرف الآخر تنظيماً إرهابياً، لكن الإدارة الأميركية لم تصنف أياً منهما «جماعة إرهابية»، بل حين تستخدم تعبير «إرهابيين» فهي تشير إلى الجماعات التي استهدفت في أوقات سابقة مصالح أميركية، مثل تنظيمي «القاعدة» و«داعش».

وتوقع التقرير الاستخباري الأميركي أن تستمر فروع «داعش» و«القاعدة» في التوسع في القارة الأفريقية، بما في ذلك تزايد نشاط «داعش» في غرب السودان. وقال التقرير: «يساهم تنظيم (داعش) في الصحراء الكبرى وفي غرب أفريقيا في زعزعة الاستقرار، وتوظفه الحكومات في صراعاتها الطائفية والصراع مع المجموعات التي تعاني التهميش، لتحقيق مكاسب، لا سيما في نيجيريا ومنطقة الساحل».

أضرار مادية من الاشتباكات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

«داعش» و«القاعدة»

وحذر التقرير من استمرار توسع «داعش» و«القاعدة» في أفريقيا، قائلاً: «في حين أن تنظيم (القاعدة) قد وصل إلى الحضيض العملياتي في أفغانستان وباكستان، وعانى من خسائر متتالية في القيادة في العراق وسوريا، لكنه سوف يستمر في التوسع عبر انتقال مركز ثقله إلى أفريقيا».

وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي السودانية منتصف فبراير (شباط) الماضي مقطع فيديو، أظهر جنوداً بأزياء الجيش السوداني، بينهم ضابط، وهم يلوحون برؤوس بشرية مفصولة عن الأجساد لسودانيين، زاعمين أنهم من منسوبي قوات «الدعم السريع»، ما أعاد إلى الأذهان الطرق الوحشية التي تتبعها الجماعات الإرهابية في التمثيل بجثث ضحاياها. وقال الجيش السوداني إنه سيحقق في الحادثة، بيد أن تقريره لم يصدر بعد رغم مرور نحو شهر ومطالبة أسر الضحايا بالتحقيق. وعقب عملية استرداد الجيش الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون من سيطرة قوات «الدعم السريع»، الأسبوع الماضي، تناقلت وسائط التواصل أيضاً أشخاصاً بأزياء الجيش السوداني وهم يحملون أشلاء بشرية مقطوعة ويلوحون بها، ويتوعدون قوات «الدعم السريع» بمصير مماثل، بل إن أحد الجنود لمح لإمكانية أكل هذه الأشلاء البشرية.

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان خلال تفقده عدداً من قواته (إعلام مجلس السيادة السوداني)

الحركة الإسلامية

ورغم نفي الجيش السوداني مراراً وتكراراً وجود علاقة بينه وبين الجماعات الإرهابية والجماعات الإسلامية المتطرفة، لكن الدعم الذي يُتهم الجيش بأنه يتلقاه من الحركة الإسلامية التي تحالفت في السابق مع تنظيم «القاعدة» إبان وجود أسامة بن لادن في السودان، فضلاً عن مشاركة الميليشيات التابعة لها في القتال علناً بجانب الجيش، يزيد من المخاوف بأن يجعل تسلل جماعات إرهابية متطرفة من خارج السودان إلى داخله، ممكناً.

ويقول التقرير إن واشنطن ظلت منذ عام 2005 تعامل السودان بعدّه شريكاً موثوقاً به بشكل عام في مكافحة الإرهاب، دون أن تنسى أنه استضاف تنظيم «القاعدة»، وعاش مؤسسه أسامة بن لادن في السودان من عام 1991 إلى عام 1996، إبان فترة النمو الكبير للتنظيم. ويرى التقرير أن الظروف السياسية الحالية والوضع في السودان تشبه ظروفه في تسعينات القرن الماضي من بعض النواحي، إذ كانت الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه تمزق جسد البلاد، في ظل حكومة عسكرية متحالفة مع الحركة الإسلامية، ما وفر لأسامة بن لادن أرضية لتنفيذ أجندته وبعض من عملياته الدولية.

تصاعد الدخان جراء اشتباكات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

شحنات الأسلحة الأجنبية

وأشار التقرير الأميركي إلى ما سماه «شحنات الأسلحة الأجنبية إلى السودان»، بقوله: «ربما تتلقى القوات المتحاربة في السودان مزيداً من الدعم العسكري الأجنبي، ما يعيق التقدم في أي محادثات سلام مستقبلية»، ويحذر التقرير من أن أي مشاركة خارجية في تسليح طرف قد تدفع آخرين لتسليح الطرف الآخر. وتناقلت تقارير إعلامية حصول الجيش السوداني مؤخراً على طائرات من دون طيار إيرانية، لعبت دوراً مهماً في تقدم الأخير في مدينة أمدرمان واسترداد مبنى الإذاعة والتلفزيون من أيدي قوات «الدعم السريع» التي ظلت تسيطر عليه منذ الأيام الأولى لبدء الحرب في أبريل (نيسان) من العام الماضي.

ودفعت المخاوف بشأن التدخل الإيراني في السودان دول الجوار الإقليمي إلى التحرك والتنسيق للوصول إلى حل سياسي لنزاع السودان، فيما عيّنت واشنطن، الشهر الماضي، مبعوثاً خاصاً للسودان، هو الدبلوماسي توم بيريليو، من أجل تعزيز جهود إنهاء الحرب.

ويقوم بيريليو خلال الفترة من 11 إلى 23 مارس (آذار) الحالي، بجولة في الإقليم من أجل تنسيق الجهود لإنهاء الصراع في السودان، وعقد خلال الأيام الماضية مقابلات مع المجموعات الداعمة للديمقراطية والفاعلين المدنيين والقيادات النسائية والمجتمع المدني، فيما ينتظر أن يجري مباحثات في عدد من العواصم الأفريقية والإقليمية.


مقالات ذات صلة

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب) play-circle

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
خاص المزارع أصبحت مرتعاً للحيوانات بعد أن هجرها أصحابها بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

خاص كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

يواجه مشروع الجزيرة في السودان أكبر مشروع زراعي في العالم تحت إدارة واحدة (2.2 مليون فدان) أزمة مُركبة بسبب السياسات الخاطئة، والحرب التي دمّرت بنيته التحتية.

بهرام عبد المنعم (الخرطوم)
شمال افريقيا سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)

الأمم المتحدة: نقدم مساعدات للفارين من الفاشر بالسودان رغم التحديات

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه يقدم مساعدات للفارين من العنف في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور في السودان «رغم التحديات الهائلة».

«الشرق الأوسط» (دارفور)
شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر (أ.ف.ب) play-circle

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

قال شهود لـ«رويترز» إن «قوات الدعم السريع»، التي حاصرت مدينة الفاشر في دارفور قبل اجتياحها، تحتجز ناجين من الحصار، وتطلب فدى لإطلاق سراحهم.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا 
صورة متداولة تبيّن جانباً من الدمار الذي ألحقته مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان play-circle

بعد بابنوسة «النفطية»... ما الهدف التالي لـ«الدعم السريع»؟

بعد قتال شرس استمر لأكثر من عامين، أعلنت «قوات الدعم السريع» الاثنين الماضي، سيطرتها «بشكل كامل» على مدينة بابنوسة... فما الهدف التالي؟

محمد أمين ياسين (نيروبي)

الجزائر: تنديد واسع بتنظيم انفصالي يقيم قادته في فرنسا

السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية خلال اجتماع في بجاية (إعلام الحزب)
السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية خلال اجتماع في بجاية (إعلام الحزب)
TT

الجزائر: تنديد واسع بتنظيم انفصالي يقيم قادته في فرنسا

السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية خلال اجتماع في بجاية (إعلام الحزب)
السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية خلال اجتماع في بجاية (إعلام الحزب)

أعربت «جبهة القوى الاشتراكية»، أبرز الأحزاب في منطقة القبائل الجزائرية، عن رفضها الكامل لـ«الانحرافات الانفصالية»، في موقف واضح ضد مساعي «حركة الحكم الذاتي» للإعلان عما تسميه «استقلال المنطقة» يوم 14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري في فرنسا.

ويتزامن هذا الموقف من أقدم حزب معارض في الجزائر، مع تنديد واسع في وسائل الإعلام الرسمية بالتنظيم المصنف «جماعة إرهابية»، والذي يقوده المطرب الأمازيغي فرحات مهني، الذي يقع تحت طائلة مذكرة توقيف دولية صدرت من الجزائر.

وعقدت قيادة «القوى الاشتراكية»، السبت، في بجاية (250 كيلومتراً شرق العاصمة)، اجتماعاً لمنتخبيها وكوادرها بالمنطقة «في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الهيكلة السياسية للحزب، وتأكيد مواقفه من السياق الوطني والدولي بالغ الحساسية»، حسب بيان للأمانة الوطنية للحزب الذي يملك حضوراً واسعاً في ولايات القبائل الثلاث: تيزي وزو وبجاية والبويرة.

القيادة الوطنية لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائري (إعلام الحزب)

«معقل الوطنية»

وفي كلمة ألقاها في بداية الاجتماع، أكد السكرتير الأول للحزب يوسف أوشيش، أن بجاية «تشكل أهمية استراتيجية بالنسبة لنا، فهي معقل الوطنية والنضالات الديمقراطية»، مشدداً على «التحديات الكبرى التي يواجهها البلد؛ خصوصاً التوترات الإقليمية ومحاولات التدخل الخارجي، والهشاشة الداخلية المتفاقمة بسبب الإغلاق السياسي، وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يزيد من مخاوف المواطنين». كما أكد «أهمية التوصل إلى حل سياسي، عبر الحوار والانفتاح وبناء الثقة مجدداً بين الدولة والمجتمع»، حسبما جاء في الكلمة التي نشرها أوشيش بحسابه بالإعلام الاجتماعي.

وأبرز زعيم «القوى الاشتراكية» أن لقاء بجاية «أتاح الفرصة لتأكيد موقف الحزب تجاه التطرف ومحاولات الفرقة، سواء من الانحرافات الانفصالية أو الخطابات العنصرية التي يرفعها أنصار الإقصاء والعداء للأمازيغية»؛ مشيراً إلى «التزام الجبهة بالوحدة الوطنية، والدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد»، ومستنكراً «بشدة، أي استغلال سياسي يمس التماسك الوطني»، وحذَّر من «الإغلاق السياسي والاستبداد اللذين يغذيان اليأس ويعززان التطرف».

وأوضح أوشيش أن «بناء دولة القانون يتطلب تعبئة جميع القوى الوطنية والديمقراطية، ومشاركة واعية وفعالة من المواطنين»، داعياً إلى «تسريع مراجعة القوانين المنظِّمة للحياة العامة، ولا سيما القانون الانتخابي وقانون الأحزاب، لضمان تمثيل ديمقراطي حقيقي للبلاد»، ومؤكداً «ضرورة إلغاء الملاحقات ضد النشطاء المعارضين».

أحد المؤثرين المنشقين عن التنظيم الانفصالي «ماك» (التلفزيون الجزائري الحكومي)

«انشقاقات»

ويتزامن حديث أوشيش، ضمناً، عن الحركة الانفصالية المعروفة اختصاراً بـ«ماك»، مع حملة كبيرة يشنها الإعلام الحكومي على التنظيم الذي توجد قيادته وأهم عناصره في فرنسا. وتبث القنوات التلفزيونية العمومية يومياً ومنذ أسبوع: «اعترافات منشقين عن حركة (ماك)»، نددوا فيها بـ«الجهاز الذي أصبح أداة بين أيدي قوى خارجية معادية للجزائر». وعرض التلفزيون شخصاً قال إنه «أحد الكوادر المؤثرين في (ماك)، انشق عنه في 2016»، والذي أكد أن زعيم التنظيم فرحات مهني «أشرف على تدريب بعض أعضائه عسكرياً في الخارج»، وهاجمه بشدة بذريعة أنه «يروِّج للعنف ويخدم مصالح أجنبية».

ويصف منشقون عن «ماك» -حسب تقرير التلفزيون- وضعه الداخلي بأنه «مُنهَك بسبب تناقضات زعيمه»، وبأنه «يعيش على الدعاية الرقمية وافتعال دعم دولي مزعوم، ومحاولات للتلاعب بالرأي العام». كما يؤكد عدد آخر من المنشقين أنهم «استفادوا من تسهيلات إدارية، ومساعدة من المصالح القنصلية (بفرنسا) للعودة إلى الجزائر». وتحدثوا عن «وعي جماعي متزايد بخطورة المشاريع التدميرية لـ(ماك)»، وأن «كثيراً من أعضائه عازمون على قطع صلتهم بهذه الحركة».

التلفزيون يهاجم «كياناً وهمياً»

وهاجم التلفزيون العمومي فرحات مهني الذي «بات دمية للصهيونية»، لافتاً إلى أنه «يستعدُّ في 14 ديسمبر، من منفاه الباريسي، لإعلان استقلال دولة بلا شعب، وإنشاء كيان وهمي لا يوجد إلا في الهذيان الشيطاني لعقله الواهن». كما وصفه بأنه «عاجز عن جمع مائة شخص حوله، وقد لجأ إلى أحضان القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، التي مارست سياسة الأرض المحروقة ضد منطقة القبائل، معقل الوطنية الجزائرية والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. ويحمل زعيم (ماك) في نفسه آثار هذا العدوان الفرنسي؛ إذ سقط والده شهيداً من أجل استقلال الجزائر»، مشيراً إلى أن باريس «تُعدُّ مركزاً لنشاط منظمته الانفصالية».

ويملك التنظيم الانفصالي حضوراً محدوداً في منطقة القبائل التي يقطنها نحو 5 ملايين نسمة. وقد بدأ في التشكُّل عام 2001 على خلفية مقتل شاب عشريني على يد عناصر من الدرك في المنطقة. وحينها وصف وزير الداخلية الراحل يزيد زرهوني الشاب بأنه «منحرف»، ما أثار غضب السكان واندلعت مشادات خلَّفت أكثر من 100 قتيل. وفي جو متوتر، طرح المطرب المعروف فرحات مهني فكرة «إطلاق حكم ذاتي»، وتطور المشروع لاحقاً إلى «استقلال المنطقة» بعد حصوله على اللجوء السياسي في فرنسا.

وبعد تصنيف «ماك» على لائحة الإرهاب، ضمن تعديل قانون العقوبات عام 2021، أصدر القضاء الجزائري مذكرة اعتقال دولية ضد فرحات مهني، بعد إدانته مطلع 2024 بالسجن 20 سنة بناء على تهمة «ارتكاب أعمال إرهابية وتخريبية تهدِّد أمن الدولة والوحدة الوطنية».


ناجون يروون لـ«الشرق الأوسط» مشاهد مروِّعة من جحيم الفاشر

صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)
صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)
TT

ناجون يروون لـ«الشرق الأوسط» مشاهد مروِّعة من جحيم الفاشر

صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)
صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)

روى ناجون جانباً من الفظائع التي ارتُكبت في الفاشر عاصمة شمال دارفور، عقب استيلاء «قوات الدعم السريع» عليها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

«رصاص متطاير»

وقال أحمد جبريل الذي فر مع 7 من أفراد أسرته المقربين ولا يعرف مصيرهم إلى الآن: «نجوت من الموت بأعجوبة... بقينا نركض دون توقف، هرباً من الرصاص المتطاير حولنا». وأضاف: «كان الأمر مروِّعاً جداً، خرجنا في تلك الليلة حفاة بملابس البيت، وفي الطريق تعرضنا لإطلاق نار كثيف من مقاتلي (الدعم السريع)، وبعدها تفرقنا وذهب كل منا في اتجاه».

جبريل هو واحد من 4 ناجين رووا لـ«الشرق الأوسط»، ما رأوه من عمليات قتل لنساء ورجال في أثناء الفرار من الفاشر. وقال: «نزحنا بأعداد كبيرة والرصاص العشوائي فوق رؤوسنا، كثيرون سقطوا قتلى وجرحى». وأضاف أنه رأى عشرات الأشخاص يموتون جوعاً وعطشاً، وآخرين متأثرين بجراحهم الخطيرة في رحلة فرارهم إلى مخيم طويلة للنازحين الذي يبعد نحو 60 كيلومتراً عن الفاشر.

ومنذ أبريل (نيسان) 2023، تسبب النزاع في السودان بين «قوات الدعم السريع» والجيش في مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 12 مليوناً وفي «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم، وفق الأمم المتحدة.

وبعد سيطرتها على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور غرب السودان، في نهاية أكتوبر، نقلت «قوات الدعم السريع» هجومها شرقاً إلى إقليم كردفان الغني بالنفط، والذي يضم 3 ولايات. وشهدت عملية الاستيلاء على الفاشر قتلاً جماعياً واغتصاباً ونهباً، وفقاً لمنظمات غير حكومية وشهادات ناجين.

صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)

«احتجاز قسري لعائلات»

وأفاد الناجون الذين تحدثوا عبر الهاتف بأن «قوات الدعم السريع» لا تزال تحتجز قسراً مئات من العائلات في المعتقلات ودور الإيواء، وكثيرون ماتوا جوعاً أو بالرصاص. وقال أحد الناجين: «رأينا جثث نساء ورجال تتدلى من الأشجار، لا أحد يستطيع الاقتراب منها». وحسب شهود عيان، كانت روائح كريهة تنبعث بسبب انتشار الجثث المتحللة في أرجاء المدينة.

وقال المحامي آدم إدريس الذي خرج بعد أيام من سقوط الفاشر: «إن (قوات الدعم السريع) كانت تُجبرنا على الذهاب إلى المساجد، وتُصوِّرنا هناك، ثم تنشر مقاطع فيديو لتقول إن الأوضاع تسير بشكل طبيعي، بينما في حقيقة الأمر كانت تحتجز المواطنين العُزل، وتطلب أموالاً طائلة مقابل إطلاق سراحهم». وأضاف: «أصبحت أرواح الناس في الفاشر سلعة تُعرض للبيع بأسعار متفاوتة». وتابع قائلاً: «في اليوم التالي للسقوط، حاول مئات من الذين نزحوا قبل أيام قليلة إلى بلدة قروني الواقعة في شمال غربي الفاشر الهروب، بعدما سمعوا من القادمين الجدد ما جرى هناك، ولكن تمت محاصرتهم ومنعهم من قبل مسلحي (الدعم السريع)».

ويروي إدريس أنه لن ينسى أبداً تلك المناظر المروِّعة في أثناء فراره من الفاشر، وقال: «رأيت أشخاصاً جرحى غارقين في دمائهم في حالة حرجة، لا أحد يلتفت إلى أنينهم وحشرجاتهم. الكل يحاول الهروب من هذا الجحيم. الشباب يحملون كبار السن على أكتافهم، والنساء يربطن أطفالهن بقطعة قماش على ظهورهن».

وتابع بأنه بعد وصوله إلى مكان آمن، تواصل مع أسرته في شرق السودان: «فأبلغوني أنهم تلقوا نبأ وفاتي بعد إصابتي برصاصة، وأقاموا مراسم العزاء».

صورة أقمار صناعية تُظهر قرية غارني قبل إنشاء ملاجئ مؤقتة جديدة شمال غربي الفاشر بالسودان في الأول من نوفمبر الماضي (رويترز)

«إهانات عنصرية»

بدورها، روت «أ. م.» -وهي أم لطفلين- جوانب من الانتهاكات التي تعرضت لها النساء. وقالت: «أوقفوا النساء صفاً واحداً، وصوَّبوا أسلحتهم نحونا، حتى ظننت أنهم سيطلقون النار علينا. بعدها بدأوا التفتيش داخل ملابسنا بحثاً عن الأموال والذهب (...) تعرضنا لعنف جنسي ومعاملة مهينة غير إنسانية من أفراد (الدعم السريع). كانوا يصفوننا بعبارات عنصرية».

وذكرت «تنسيقية لجان مقاومة الفاشر» في بيانات سابقة، أن جنود «الدعم السريع» بعد دخولهم المدينة هاجموا المنازل وقتلوا بعض الأسر، وبعدها فر كثير من المواطنين في اتجاهات مختلفة للنجاة بأرواحهم.

ووصف شاب عشريني -طلب عدم ذكر اسمه- ليلة هروبهم من الفاشر بأنها الأقسى في حياته، وكيف رأى «الموت يقترب» من جيرانه في أثناء خروجهم من المدينة. وقال: «عثرنا على عشرات القتلى والجرحى، في طريقنا إلى مخيم طويلة»، مضيفاً أن «قوات الدعم السريع» كانت تحث الناس على البقاء في المدينة، وفي الوقت نفسه تحتجزهم قسراً في المعتقلات دون طعام ودون ماء.

عناصر من «قوات الدعم السريع» يقومون بدورية في بلدة جراوي شمال السودان في يونيو 2019 (أرشيفية- أ.ب)

من جهته، قال رئيس مجلس أمناء «هيئة محامي دارفور» الصادق علي حسن، إن منسوبي «قوات الدعم السريع»، ارتكبوا كل أنواع الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين في الفاشر. وكشف عن أن سجن شالا في شمال دارفور يكتظ بالمعتقلين، وهناك آخرون تم نقلهم إلى سجن دقريس جنوب الإقليم، مضيفاً أن مقاتلي «الدعم السريع» يختطفون المواطنين ويطلبون منهم الاتصال بأهاليهم لدفع فدية قد تصل إلى 60 مليار جنيه سوداني، أي ما يعادل نحو 15 ألف دولار للفرد. وفي وقت سابق نفت «قوات الدعم السريع» الاتهامات بارتكاب انتهاكات.


السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
TT

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال، بحسب ما أفاد مسؤول محلي «وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد.

وقال عصام الدين السيد، الرئيس التنفيذي لوحدة كلوقي الإدارية، للوكالة الفرنسية في اتصال عبر «ستارلينك» إن المسيّرة قصفت 3 مرات، الخميس، «الأولى في روضة الأطفال، ثم المستشفى، وعادت للمرة الثالثة لتقصف والناس يحاولون إنقاذ الأطفال».

وحمّل «قوات الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» بقيادة عبدالعزيز الحلو، مسؤولية الهجوم.

وقالت «قوات الدعم السريع»، السبت، إن الجيش قصف قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان بوسط البلاد.

وذكرت، في بيان، أن الجيش استهدف قافلة المساعدات بطائرة مسيّرة في منطقة جبرة الشيخ بشمال كردفان، مشيرة إلى أن القافلة مكونة من 39 شاحنة تحمل مساعدات غذائية.

كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد حذر يوم الخميس من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع، مع تصاعد القتال في إقليم كردفان بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».