عصابات لبنانية تسيطر على معابر الحدود مع سوريا… تفرض قوانينها وتحتمي بالعشائر

تتعدد تخصصاتها بين التهريب والخطف والاتجار بالبشر

معبر على الحدود اللبنانية السورية (المركزية)
معبر على الحدود اللبنانية السورية (المركزية)
TT
20

عصابات لبنانية تسيطر على معابر الحدود مع سوريا… تفرض قوانينها وتحتمي بالعشائر

معبر على الحدود اللبنانية السورية (المركزية)
معبر على الحدود اللبنانية السورية (المركزية)

لم تنته فصول قصة مقتل منسق القوات اللبنانية باسكال سليمان في السابع من أبريل (نيسان) الحالي، على يد جماعة قامت برمي جثته في إحدى القرى السورية شمالي الهرمل. والمعروف أن عشرات السيارات المسروقة من الأراضي اللبنانية تعبر يومياً باتجاه الأراضي السورية من خلال المعابر غير الشرعية التي تربط لبنان بسوريا شمالي الهرمل، نظراً لتراخي القبضة الأمنية عند الحدود اللبنانية السورية، ما جعل من هذه المناطق بؤراً مفتوحة على كل الاحتمالات، والنشاطات غير المشروعة. ولم تكن عملية الخطف والقتل والتصفية التي استهدفت باسكال سليمان هي الأولى. وتشير التحقيقات إلى أن الجناة تحركوا من منطقة لحفد - ميفوق في جبيل إلى القرى اللبنانية شمالي مدينة الهرمل بحرية مطلقة.

خطف وفدية

ومؤخراً، وفي وضح النهار، أقدم مجهولون على خطف السوري محمد غصاب أثناء وجوده على الطريق الدولي بين رياق وبعلبك، عند مدخل بلدة بريتال شرقي الطريق الدولي، واقتادوا ضحيتهم إلى الداخل السوري من خلال معبر غير شرعي. وتم استدراجه من خلال تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بالسفر إلى أوروبا. وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد حذرت من مغبة الوقوع في أفخاخ تنصبها شبكات تديرها عصابات محترفة في عمليات الاستدراج المشبوهة، كما حذرت من الاستدراج بنية السفر. ولم يشفع لشباط الحالم بالسفر إلى أوروبا أطفاله الخمسة، إذ تلقت زوجته ناريمان المنور، ليل الأربعاء، رسالة نصية من هاتف زوجها المخطوف إلى الداخل السوري، تطالبها بدفع فدية 35 ألف دولار أميركي للإفراج عن زوجها، والقيام بتصوير المبلغ المطلوب، وإرسال الصورة إلى الخاطفين على نفس الرقم الذي تلقت منه الرسالة، لتتم بعدها عملية استكمال المفاوضات، وتحديد طريقة التسلم والتسليم والإفراج. وقالت ناريمان لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس لديها ما تطعم به أطفالها الخمسة، فمن أين ستأتي بالمبلغ المطلوب؟

17 معبراً لتهريب كل شيء

وحتى الآن، لم تتمكن الدولة اللبنانية من السيطرة على الحدود مع سوريا، والتي تفضي إلى قرى سورية تؤوي عصابات تخصصت بتجار المخدرات، وتصنيع حبوب الكبتاغون، والخطف، وسرقة وتهريب السيارات إلى الداخل السوري، ناهيك عن تجارة الأعضاء التي ظهرت مؤخراً، وبشكل لافت، والاتجار بالبشر، وتجارة السلاح، وعمليات الاغتصاب، وخطف سوريين ولبنانيين من قبل عصابات تنتشر في قرى سورية يسكنها لبنانيون، معظمهم من أبناء عشائر المنطقة، تربط بينهم علاقات مصاهرة وقربي مع الداخل اللبناني. ويربط بين هذه البلدات والداخل السوري واللبناني 17 معبراً غير شرعي تسيطر عليها عشائر، وسميت المعابر بأسمائها، مثل: معبر علام، معبر الحاج حسن، معبر ناصر الدين... وغيرها. وتعيش هذه المناطق بعيداً عن رقابة الدولة اللبنانية والسورية، ولها عالمها الخاص، ولا تستطيع الأجهزة الأمنية اللبنانية الوصول إليها إلا بتنسيق مع الجهات الأمنية السورية، وفي نفس الوقت هي بعيدة عن رقابة الأمن السوري، إذ لكون سكانها لبنانيين، لا يمكن للأمن السوري أن يتدخل إلا بطلب وتنسيق مع الأمن اللبناني، وهذا أمر شبه مفقود إلا عند الضرورة، وعند ارتكاب جريمة كبرى كما حصل مع باسكال سليمان. ويعيش في هذه القرى نحو 8 آلاف شخص يتوزعون على قرى سورية يعيش فيها لبنانيون، ومنها غوغران، وحوش السيد علي، والقصر، وبلوزة، وحاويك، وجرماش، والحمام، والصفصاف، وزيتا وإبش.

عصابات تهريب في كل الاتجاهات

ويقول مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» إن طرقات التهريب والاتجار بالبشر وتهريب الأشخاص والمواد الغذائية والسيارات المسروقة، من سوريا إلى لبنان وبالعكس، من خلال هذه المعابر، مفتوحة بكل الاتجاهات، وهناك «إمارات» وعصابات من جماعة الكبتاغون، والمخدرات، والسلاح المتفلت خارجة عن السيطرة، وهناك عصابات تتحرك بسلاحها داخل هذه القرى بشكل ظاهر، وتتمتع بحرية كاملة داخل هذه القرى، وعلى المعابر، وليس هناك من يسائلها. ويجري ذلك في شريط حدودي بطول 22 كيلومتراً يمتد من القاع شرقاً حتى ساقية جوسيه، وصولاً إلى حدود محافظة لبنان الشمالي، حيث يفصل بين الحدود ساقية نهر العاصي الذي تقام عليه جسور العبور، ثم تزال حسب الحاجة والطلب، ولا سلطة على هذه القرى من الداخل السوري، أو اللبناني. ويذكر أن جدلاً قام عند فتح معبر شرعي للأمن العام اللبناني على الحدود اللبنانية السورية في بلدة مطربا، افتتحه اللواء عباس إبراهيم، المدير السابق للأمن العام اللبناني، بناء على طلب العشائر، للحد من حالة الفلتان، ومن أجل ضبط الحدود بشكل شرعي. لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، نتيجة الفلتان المسيطر على هذه المناطق، فبقي التحرك على معبر مطربا غير خاضع للضبط، وغير مراقب بالمطلق. وبقيت حركة الذهاب والإياب على معبر مطربا الحدودي شمالي الهرمل خجولة، مع تسجيل نسبة عبور يومي تتراوح ما بين 30 و35 شخصاً في الاتجاهين، مقابل عبور غير شرعي لافت خلف المعبر الذي أصبح وجوده شكلياً، في وقت كان يسجل من خلاله حركة دخول ما يزيد عن ألف شخص عند اشتداد الرقابة الأمنية.

خيط بين العشائر و«حزب الله»

يشار إلى أن فوج الحدود البرية في الجيش اللبناني يقوم برقابة مشددة من خلال مناظير ليلية، ومراقبة صارمة تستطيع من خلالها غرف المراقبة كشف الأجسام التي تعبر الحدود من خلال الأبراج على طول الحدود اللبنانية، من شبعا وصولاً إلى المصنع، فالسلسلة الشرقية، على شبكة طرقات مترابطة، وصولاً إلى أطراف بلدة القاع، بينما تبقى المناطق الشمالية مشرعة على كل الاحتمالات. ويقول مصدر أمني إن ثمة خيطاً يربط «حزب الله» بالعشائر. فهو لا يستطيع الضغط أو القيام بضبط الحدود، ولا مصلحة له في الوقوف بوجه العشائر، وهو لا يستخدم نفوذه بهذا الاتجاه، خشية تدهور العلاقة التي تربطه بعشائر المنطقة. ويقول مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» إن مسألة توقيف أربعة سوريين متهمين بارتكاب جريمة باسكال سليمان تمت في أقل من 24 ساعة، نتيجة تنسيق أمني لبناني سوري ترافق مع زيارة لقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إلى المنطقة، أعقبها تنسيق أمني تم من خلاله تسليم أربعة من مرتكبي جريمة باسكال سليمان. ويضيف أن التنسيق وحده كفيل بوضع حد لهذه البؤر البعيدة التي تعبث بأمن البلاد من خلال الحدود المفتوحة، والعصابات التي تستبيح القوانين.


مقالات ذات صلة

هل تسمح تحولات المنطقة للبنان باستكمال تنفيذ «اتفاق الطائف»؟

تحليل إخباري جانب من المشاركين في حفل إطلاق تجمع «الدستور أولاً» (حساب الدستور أولاً عبر إكس)

هل تسمح تحولات المنطقة للبنان باستكمال تنفيذ «اتفاق الطائف»؟

في ظل التحولات السياسية الكبرى التي يشهدها لبنان والمنطقة، أُطلق مؤخراً «تجمّع الدستور أولاً»، وهو مبادرة سياسية تهدف إلى تفعيل تطبيق الدستور اللبناني بشكل كامل

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص وزير المال اللبناني لـ«الشرق الأوسط»: استعادة أموال المودعين على 3 مراحل play-circle 01:09

خاص وزير المال اللبناني لـ«الشرق الأوسط»: استعادة أموال المودعين على 3 مراحل

أكد وزير المال اللبناني ياسين جابر لـ«الشرق الأوسط» أن «الحضن العربي» هو «المكان الطبيعي» للبنان. وأعلن أن ودائع اللبنانيين في المصارف ستُعاد على 3 مراحل.

علي بردى (واشنطن)
خاص خضر عواضة أمام ركام منزله الجاهز الذي استهدفته إسرائيل ليلة عيد الفطر (الشرق الأوسط)

خاص الاستهدافات الإسرائيلية للمنازل الجاهزة بجنوب لبنان تحرم السكان من «المأوى المؤقت»

نشطت في الفترة الأخيرة الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت المنازل الجاهزة في القرى الحدودية الجنوبية، إذ اختارها جنوبيون كثر للسكن المؤقت.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي أفراد من الجيش اللبناني في موقع استهداف إسرائيلي لقيادي في «الجماعة الإسلامية» جنوب بيروت (أ.ف.ب)

عون: اللبنانيون ملّوا الحروب ولا حل للانتهاكات الإسرائيلية إلا بالدبلوماسية

جدد الرئيس اللبناني جوزيف عون تمسكه بالحلول الدبلوماسية لأزمة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب والخروق الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي طلاب يتجمعون على درج المتحف الوطني في بيروت (رويترز)

المناصفة الطائفية في انتخابات بلدية بيروت يكتنفها الغموض ومخاوف من خلط الأوراق

أحدثت اقتراحات القوانين الرامية إلى تعديل قانون البلديات لحماية المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي لبيروت إرباكات.

محمد شقير (بيروت)

سقوط طائرة «إف - 18» من على متن حاملة طائرات أميركية بالبحر الأحمر

طائرة من طراز «إف - 18» (أرشيفية - رويترز)
طائرة من طراز «إف - 18» (أرشيفية - رويترز)
TT
20

سقوط طائرة «إف - 18» من على متن حاملة طائرات أميركية بالبحر الأحمر

طائرة من طراز «إف - 18» (أرشيفية - رويترز)
طائرة من طراز «إف - 18» (أرشيفية - رويترز)

قالت البحرية الأميركية اليوم (الاثنين)، إن أحد بحاريها أصيب بجروح طفيفة عندما سقطت طائرة مقاتلة من طراز «إف - 18» وقاطرتها من على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر.

وأكدت البحرية في بيان أن جميع أفرادها بخير. وتُشارك حاملة الطائرات «هاري ترومان» في الضربات الجوية التي تستهدف جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن.