أنفاق وكمائن وتفجيرات... جولة في مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي في غزة

طوابير طويلة من المشاة ودبابات وعربات مدرعة تمتد نحو الأفق

دبابات إسرائيلية خلال توغلها في قطاع غزة (نيويورك تايمز)
دبابات إسرائيلية خلال توغلها في قطاع غزة (نيويورك تايمز)
TT

أنفاق وكمائن وتفجيرات... جولة في مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي في غزة

دبابات إسرائيلية خلال توغلها في قطاع غزة (نيويورك تايمز)
دبابات إسرائيلية خلال توغلها في قطاع غزة (نيويورك تايمز)

تحطم جدار المدرسة وتحوّل إلى كومة ركام، بينما مالت مئذنة المسجد إلى أحد جوانبها. واختفى سقف فيلا على شاطئ البحر، تاركاً أريكة كستنائية اللون مكشوفة في العراء.

على طول الساحل الشمالي لقطاع غزة، بعد ظهر السبت، كانت هذه علامات المعركة الدائرة بين «حماس»، المسيطرة على قطاع غزة، والجيش الإسرائيلي، الذي حاول طيلة ثمانية أيام إسقاطها من السلطة.

وقد اصطحب قادة عسكريون إسرائيليون مجموعة صغيرة من الصحافيين الأجانب إلى شمال غزة، السبت، في جولة استمرت أربع ساعات، ليشهدوا مدى التقدم الذي أحرزه الجيش الإسرائيلي. ومن بين أفراد المجموعة مراسل صحيفة «نيويورك تايمز».

كان آلاف الجنود قد بدأوا توغلهم على طول الساحل في 27 أكتوبر (تشرين الأول)، في إطار جزء من قوة غزو تعمل على ثلاثة محاور، وتسعى إلى إنزال الهزيمة بـ«حماس»، التي شنت غارة جريئة ضد إسرائيل، الشهر الماضي، أسفرت عن مقتل ما يقرب من 1400 شخص.

وبعد ثمانية أيام، تمكّن الجيش الإسرائيلي من شق طريقه لعدة أميال إلى الجنوب، ليصل إلى ضواحي مدينة غزة، معقل «حماس»، وأحكم سيطرته على الجزء الشمالي من الطريق الساحلية بغزة.

قبل أقل من شهر، كان الساحل الشمالي لغزة واجهة بحرية هادئة، تعج هنا وهناك بالمنتجعات الشاطئية والفنادق. ومع ذلك، تحوّل الساحل ذاته، السبت، إلى معسكر عملاق للجيش الإسرائيلي.

جنود إسرائيليون في موقع سيطروا عليه في غزة (نيويورك تايمز)

وعلى طول الطريق، تقدمت طوابير طويلة من المشاة جنوباً، مثيرة أعمدة من الغبار في طريقها. وفي الكثبان الرملية شرق الطريق، هيمنت صفوف طويلة من الدبابات والعربات المدرعة على المشهد، وبدت ممتدة نحو الأفق.

وتعرض الكثير من المباني للدمار، بينما تركت طلقات الرصاص ثقوباً عبر الجدران. ومن المرجح أن يكون بعضها قد أصيب من الجو خلال حملة القصف الإسرائيلي التي أودت بحياة أكثر من 9 آلاف شخص في غزة، تبعاً لما أعلنته وزارة الصحة التي تسيطر عليها «حماس» في القطاع.

وكان فلسطينيون من سكان القطاع قد فروا نحو الجنوب، تاركين الواجهة البحرية للجنود الإسرائيليين، وبعض الكلاب والقطط الضالة.

وأظهر الضابط الإسرائيلي الذي كان يرافق الصحافيين، اللفتنانت كولونيل إيدو بن عنات، قدراً من الثقة الهادئة.

وقال إن «حماس» لحقت بها الهزيمة هنا، وأُجبرت على الخروج من قواعدها داخل المسجد بمئذنته المائلة والمدرسة ذات الجدار المحطم.

وأضاف بن عنات عن «العدو»: «الأمر أشبه باصطياد فأر. عليك أن تجده. وأنت تعلم أنه هناك. ومع أنك لا تعرف مكانه، فإنك واثق من أنه عندما تمسك به، سيكون أمره قد انتهى».

بالجوار، احتشدت مجموعات من الجنود حول مواقد التخييم المحمولة، وقاموا بغلي الذرة الحلوة والجزر، وتبادلوا أطراف الحديث والمزاح. كان لكثير من الرجال منهم شوارب أنيقة.

جندي إسرائيلي في موقع قريب من الشاطئ شمال غزة (نيويورك تايمز)

وقال الضابط الإسرائيلي إن جميع الانقسامات السياسية داخل بلاده خلال العام الماضي - التي هدد خلالها الآلاف من جنود الاحتياط العسكريين بالامتناع عن أداء الخدمة العسكرية، احتجاجاً على الحكومة الإسرائيلية - تلاشت. يُذكر أن كثيراً من الرجال العاملين تحت إمرته من جنود الاحتياط.

قال بن عنات: «نقف صفاً واحداً معاً».

ومع ذلك، تضاءلت هذه التعبيرات القوية الجسورة على خلفية أصوات حرب لم تنته ولم يحسم أمرها بعد.

وحتى عندما كان بعض الجنود منهمكين في طهي الطعام، وآخرون ينالون قسطاً من الراحة، كان آخرون يشهرون بنادقهم في تحفّز، ويمسحون الأفق بأعينهم بحثاً عن مهاجمين. وقال الضابط الإسرائيلي إن مقاتلي «حماس» قد يخرجون في أي لحظة من ممرات خفية تؤدي إلى شبكة أنفاق واسعة تحت الأرض، تمتد لمئات الأميال، وينصبون كميناً للقوات الإسرائيلية.

بالخلفية، دوّت أصوات إطلاق النار باستمرار، وتطايرت الذخائر بانتظام في سماء المنطقة.

وبعد وقت قصير من دخول الصحافيين غزة من خلال ثقب بالجدار المحيط بالقطاع، سقطت قذيفة هاون قرب السيارة المدرعة التي كانت تقلهم نحو الجنوب.

وبعد بضع دقائق، انفجرت قنبلة على جانب الطريق أثناء مرور السيارة، لتشتعل كرة نارية لفترة وجيزة، وتطير الرمال نحو السماء.

وسقط وابل آخر من قذائف الهاون بالقرب من الصحافيين، بعد اقترابهم أكثر من خط المواجهة.

وللوصول إلى الجبهة، تحرك الصحافيون في قافلة مكونة من خمس دبابات ومركبتين مدرعتين. وسافر مراسل الصحيفة في مركبة مدرعة تعرف باسم «إيتان»، لم تكن بها نوافذ. وكي يتمكن السائق من رؤية المناطق المحيطة به، كان ينظر إلى شاشة رقمية يظهر فيها مقطع فيديو مباشر للطريق أمامه.

في المقابل، لم يحظ صحافيون فلسطينيون بمثل هذا المستوى من الحماية، وسقط العشرات منهم قتلى جراء غارات جوية منذ بداية الحرب، وفق «لجنة حماية الصحافيين».

من جهته، عبّر الضابط الإسرائيلي المرافق عن اعتقاده بأنه من أجل إلحاق هزيمة حقيقية بـ«حماس»، ستحتاج إسرائيل إلى السيطرة على قطاع غزة بأكمله.

وتنتظر الإسرائيليين معارك أشد دموية داخل مدينة غزة، حيث يتمترس مقاتلو «حماس» داخل تحصينات جوفية، ويعتقد أنهم يخططون لنصب مزيد من الكمائن.

ويرى محللون أن مثل هذا القتال قد يتسبب في خسائر مدنية كارثية - نتيجة تقول إسرائيل إنها تحاول تفاديها.

وقال بن عنات: «نبذل قصارى جهدنا لتدمير (حماس) فقط، دون الإضرار بالمدنيين. نفكر 10 مرات قبل أن نقدم على فعل شيء».

على الجهة المقابلة، فإنه فيما يخص المدنيين في مدينة غزة، الذين عاينوا إحدى حملات القصف الأشد كثافة خلال القرن الحادي والعشرين، فإن النهج الذي يتبعه الجيش الإسرائيلي يبدو مرعباً.

كان ساهر أبو أدغم، 37 عاماً، مصمم غرافيك فلسطيني، يجول عبر شوارع مدينة غزة، بحثاً عن الحطب لاستخدامه في غلي بعض الأرز. ومع اقتراب الليل، لبث في منزله، تحسباً لتقدم الجيش الإسرائيلي عند حلول الظلام.

وقال أبو أدغم خلال مقابلة عبر الجوال: «أخشى أن أخرج ذات ليلة وألقى دبابة بوجهي».

ومع انقطاع شبكات الجوال في كثير من الأحيان، كان سكان آخرون في مدينة غزة يحاولون تقييم مدى التقدم الإسرائيلي من خلال الإنصات إلى صوت إطلاق النار.

عن ذلك، قال مجدي أحمد، 32 عاماً، سائق سيارة أجرة لجأ إلى أحد مستشفيات المدينة: «ليس لدينا إنترنت للاستماع إلى الأخبار ومعرفة ما يحدث، لكن يمكننا سماعها».

وأضاف أحمد في رسالة صوتية: «الآن أستطيع سماع إطلاق النار. يبدو أنهم يشتبكون بالقتال الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

المشرق العربي طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

رحبت مصر بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

اعتبر نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن عقد جلسات استماع في غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وارد.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
المشرق العربي المعتقل الفلسطيني محمد أبو طير (القدس)

مخاوف على حياة معتقل فلسطيني مسن بعد تحويله للاعتقال الإداري في إسرائيل

قالت عائلة معتقل فلسطيني مسن من قياديي حركة «حماس»، اليوم (الجمعة)، إنها تخشى على حياته بعد اعتقاله مجدداً قبل أيام عدة وتحويله للاعتقال الإداري.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب) play-circle

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، على تمديد عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات إضافية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات حول التنفيذ.

محمد محمود (القاهرة)

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية اليوم (السبت)، إن مصر ترحب بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لمدة 3 سنوات.

وأضافت «الخارجية» المصرية في بيان نشرته في صفحتها على «فيسبوك»، إن مصر تشدد على أن دور وكالة الأونروا محوري، ولا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله.

ودعت المجتمع الدولي إلى توفير التمويل المستدام لوكالة «الأونروا»، لضمان «استمرار خدماتها الحيوية».

وأشارت إلى أن وجود «الأونروا» يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجوهر قضية اللاجئين ذاتها، وبالمسؤولية الدولية تجاه إيجاد حل دائم لها، وفق قرارات الشرعية الدولية.


احتفالات بذكرى سقوط الأسد... وأنصاره يخططون لـ«انتفاضتين»

حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
TT

احتفالات بذكرى سقوط الأسد... وأنصاره يخططون لـ«انتفاضتين»

حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)

في موازاة احتفالات مستمرة في سوريا بمرور قرابة سنة على إسقاط حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، تسربت معلومات أمس عن خطط يقف وراءها رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد لإطلاق انتفاضتين في الساحل السوري ضد حكم الرئيس أحمد الشرع.

وجاءت هذه المعلومات، في وقت شهدت ساحة العاصي بمدينة حماة، الجمعة، فعالية حاشدة بمناسبة مرور عام على تحريرها من قوات الأسد. ورفع مشاركون في الفعالية علماً سوريّاً بطول 500 متر، وعرض 4 أمتار، وسط الساحة «في مشهد رمزي يؤكد وحدة الأرض والشعب»، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة «سانا» الرسمية.

تزامناً مع هذه الاحتفالات، نشرت «رويترز» تحقيقاً ذكرت فيه أن اللواء كمال حسن المسؤول السابق في المخابرات السورية، وابن خال الأسد الملياردير، رامي مخلوف، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين؛ أملاً في إشعال انتفاضتين ضد الحكومة الجديدة.

وقال 4 أشخاص مقربين من العائلة إن الأسد، الذي فرّ إلى روسيا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، استسلم إلى حد كبير لفكرة العيش في المنفى بموسكو.


قاسم يؤيد «الدبلوماسية» ويتمسك بسلاح «حزب الله»

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم يؤيد «الدبلوماسية» ويتمسك بسلاح «حزب الله»

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، أمس، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب قاسم عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار». وأضاف: «نحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».