كيف سيتصرف «الثنائي الشيعي» حيال «تقدّم أزعور على فرنجية»؟

يقف لبنان على مسافة أيام معدودة من الخطوة النيابية المقبلة التي يتوقع أن يبلورها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بعد أن استكملت القوى السياسية استعداداتها لخوض المنافسة الرئاسية بين مرشح «محور الممانعة» النائب السابق سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور المدعوم من قوى المعارضة التي تقاطعت مع «التيار الوطني الحر»، برئاسة النائب جبران باسيل، على ترشيحه، مع تعذر ضمان فوز أحدهما في دورة الانتخاب الأولى، ما يستدعي إبقاء جلسات الانتخاب مفتوحة إلى حين انتخاب رئيس، شرط أن يتأمن النصاب القانوني بأكثرية ثلثي أعضاء البرلمان لانعقادها. هذا في حال عدم لجوء أي فريق إلى تطيير النصاب، كما كان يحصل في الجلسات السابقة.

فالمنافسة ستكون على أشدها بين فرنجية وأزعور، إذ يرجّح مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» عدم حصول أي منهما على الغالبية المطلقة، أي 65 نائباً، فيما تؤكد مصادر في المعارضة أن مرشحها سيسجّل تقدّماً على منافسه الذي ينطلق من تأييد 54 نائباً، وأن لديها إمكانية للحصول على الغالبية النيابية في حال أنه حظي بتأييد نواب «اللقاء الديمقراطي» وآخرين من المستقلين والمتردّدين ومن بينهم النواب التغييريون.

حقائق

65 صوتاً

هي الأغلبية المطلقة التي لا يتوقع أن يحصل عليها أي من المرشحين في الدورة الأولى.

ويكشف مصدر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» أنه يستبعد تراجع عدد النواب المؤيدين لأزعور، ويقول إن باسيل أبلغ قيادات المعارضة بأن نواب تكتل «لبنان القوي»، بمن فيهم النواب المنتمون إلى حليفه حزب «الطاشناق»، سيقترعون لمصلحته. 

ويلفت المصدر إلى أن 35 نائباً ينتمون إلى حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» وكتلة «التجدد الوطني» و«قوى التغيير» والمستقلين (غسان سكاف، بلال الحشيمي، جان طالوزيان) حسموا أمرهم بتأييد أزعور إلى جانب تأييده من 19 نائباً ينتمون إلى تكتل «لبنان القوي»، ويؤكد أن مؤيدي أزعور لم ينقطعوا عن التواصل مع النواب المتردّدين وآخرين من «قوى التغيير» لإقناعهم بصوابية خيارهم الرئاسي الداعم لأزعور. 

ويجزم المصدر نفسه أن اتصالات أزعور، التي أجراها عن بُعد بالنواب التغييريين، كانت مثمرة وإيجابية، ويقول بأن تأييده لن يقتصر على النواب مارك ضو، ميشال الدويهي ووضاح الصادق الذي تواصل أمس (السبت) مع النائب نعمة أفرام، وإنما سينضم إليهم عدد لا بأس به من زملائهم النواب الذين يُترك لهم الإعلان عن تأييدهم له حتى لو لم يشاركوا في اجتماعات المعارضة. 

وفي المقابل ينطلق المصدر النيابي في تقديره الأولي بعدم حصول أحدهما، أي أزعور وفرنجية، على 65 صوتاً في دورة الاقتراع الأولى، من أن هناك أكثر من 20 نائباً لم يحسموا موقفهم حتى الساعة، وأن هناك ضرورة للتواصل معهم من قبل فرنجية وقيادات في محور الممانعة لإقناعهم بجدوى الاقتراع لمصلحة زعيم تيار «المردة». 

سليمان فرنجية (تويتر)

ويعترف المصدر نفسه بأن مؤيدي فرنجية وأزعور يبالغون في تعداد النواب المؤيدين لهما، ويؤكد بأن «البوانتاج» الدقيق لتوجهات النواب الذي أُجري حتى الساعة يشير بصراحة إلى أن التصويت في البرلمان لأحدهما يبقى يتراوح ما بين 50 و54 نائباً، نظراً لأن أكثر من 20 نائباً لم يحسموا أمرهم. 

ورداً على سؤال، يؤكد أن اكتمال شروط المواجهة بين أزعور وفرنجية سيدفع بالرئيس بري لتحديد موعد لانعقاد جلسة الانتخاب، من دون أن يلوح في الأفق ما يدعو للتفاؤل بأن جلسة الانتخاب ستكون حاسمة هذه المرة بخلاف الجلسات السابقة التي تحولت إلى مهزلة. 

ويضيف أن السباق على أشدّه بين أزعور وفرنجية لتوسيع مروحة التأييد النيابي لهما، رغم أن مصدراً في المعارضة يؤكد أن تقدّم مرشحها على منافسه أصبح في متناول اليد، وأن الشغل حالياً يدور حول تأمين حصوله في دورة الانتخاب الأولى على تأييد الغالبية النيابية المطلقة، وهذا ما يدعونا للترقّب للموقف الذي سيصدر غداً الثلاثاء عن «اللقاء الديمقراطي» الذي سيكون موضع اهتمام محلي ودولي. 

ويبقى السؤال: متى سيدعو الرئيس بري النواب لانتخاب الرئيس؟ وهل يحسم أمره بدعوتهم الأسبوع المقبل بعد أن يكون منح فرصة للكتل النيابية التي لم تحسم أمرها لتقول من هو مرشحها، رغم أن هناك من يتوقع أن تبقى مواقف معظم النواب المترددين ضبابية وتحتفظ لنفسها بكلمة السر لعلها تفصح عنها في صندوق الاقتراع؟ 

البرلمان اللبناني ينتظر موعداً للجلسة الـ12 لانتخاب رئيس للجمهورية (الشرق الأوسط)

وينسحب السؤال نفسه على محور الممانعة للتأكد كيف سيتصرف في جلسة الانتخاب في حال أن البوانتاج الخاص بتوزّع أصوات النواب على فرنجية وأزعور أعطى التقدّم للأخير على منافسه حتى لو لم يحصل على الغالبية المطلقة؟ 

قد يكون من السابق لأوانه السؤال عن السيناريو الذي قد يلجأ إليه محور الممانعة، وإن كان سيجد نفسه ملزماً بواحد من الخيارين: الاقتراع بورقة بيضاء أو التصويت لمرشحه فرنجية. 

فاقتراعه بورقة بيضاء يشكل إحراجاً له، لأنه من غير الجائز أن لا يقترع له وهو أول من رشحه بتأييد على بياض من بري، ولاحقاً من أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، إلا إذا أراد قطع الطريق على أزعور في حال تأكد رقمياً أنه سيتقدم عليه، وبالتالي فإن مجرد تقدّمه سيؤدي حكماً إلى البحث عن مرشح بديل، شرط أن يكون عدد الأوراق البيضاء في صندوق الاقتراع يفوق عدد الذين صوّتوا لأزعور. 

لبنان... هل باتت باريس جزءاً من الأزمة؟

في توقيت مُريب داخلياً وخارجياً، يدعو إلى التشكيك مجدداً بنيّات باريس في كيفية معالجة الأزمة اللبنانية، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي تتخلى فيها عن التزاماتها السياسية تجاه الداخل اللبناني، ولكن هذه المرة أخلَّت بالتزاماتها الدولية، وتراجعت عما تعهدت به أمام شركائها الإقليميين والدوليين في إنهاء الفراغ الرئاسي؛ صدمت باريس اللبنانيين مجدداً، بعد أن صدمتهم سابقاً في كارثة انفجار مرفأ بيروت، في 4 أغسطس (آب) 2020.
حينها اعتبر أغلب اللبنانيين أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التضامنية قد تسببت في كارثة أخلاقية سُجلت بحق السياسة الخارجية الفرنسية، بعدما اجتمع ماكرون بممثلين عن منظومة السلطة الحاكمة التي تتحمل مسؤولية الجرائم السياسية والاقتصادية والأمنية التي أصابت لبنان؛ ففي ذلك الاجتماع الشهير في «قصر الصنوبر» (مقر إقامة السفير الفرنسي) اعتقد الرئيس الفرنسي أنه من خلال استخدامه عبارات قاسية يصبح قادراً على إجبار طبقة المافيا السياسية المسلحة على الإذعان، وكأنه نسي أو تناسى أنها لا تتوانى عن استخدام العنف خارج مؤسسات الدولة بوجه كل مَن يحاول إخضاعها أو يطلب منها الرضوخ والتسليم.
صدم اللبنانيون هذه المرة بتراجع باريس مجدداً عن التزاماتها التي قدمتها في اجتماع الدول الخمس المعنية بمعالجة الأزمة اللبنانية (السعودية، قطر، مصر، الولايات المتحدة، فرنسا) وعادت إلى طرح الأسماء للمناصب الرئاسية (رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء)، في مخالفة متعمَّدة لما كان المجتمعون سابقاً في باريس قد التزموا به بوضوح، فيما يخص المعايير والمواصفات المطلوب استيفاؤها في الشخصيات التي سيتم ترشيحها من أجل إنهاء الفراغات الدستورية في لبنان.
إصرار باريس على مبدأ المقايضة الذي طرحته من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي، القائم على معادلة سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، ونواف سلام رئيساً للوزراء، فيه تبنٍّ واضح وصريح لما يناسب الثنائي الشيعي وحلفاءه والضرب عرض الحائط بمصالح جميع اللبنانيين الذي يحاولون إعادة إنتاج الدولة مقابل منظومة سياسية تحاول بدورها إعادة إنتاج السلطة، يضاف إليها تنكُّر فرنسي لما قاله الرئيس ماكرون في اجتماع «قصر الصنوبر»، من أنه «آن الأوان لترك الساحة السياسية لجيل إصلاحي جديد». فعلى ما يبدو أن «الإليزيه» يصر على مقايضة قيم الثورة الفرنسية بمصالح الشركات الفرنسية الكبرى، لذلك لا يتردد في المساومة مع سلطة تمثل أقلية مالية وسياسية على حساب مستقبل الأغلبية.
عملياً تثير المقاربة الفرنسية للأزمة اللبنانية ريبة إقليمية، خصوصاً أنها تعارض مقاربة دول عربية فاعلة شريكة في اللجنة الخماسية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، التي تصر، ومعها الدوحة والقاهرة، على المعايير الإصلاحية في اختيار المرشحين، وترفض البحث بالأسماء؛ ما يعني أن باريس تتبع سياسة انحياز محلي وإقليمي، ظاهرها الدعوة إلى توافق سياسي، ولكن باطنها البحث عن مصالح اقتصادية، تمتد من مرفأ بيروت على البحر المتوسط إلى ميناء بندر عباس على الخليج العربي.
فعلياً، ما لم تدركه باريس أن تمسكها بالمقايضة الرئاسية المرفوضة داخلياً وخارجياً سيتحول إلى جزء من الأزمة، أو أحد عوامل تأخير الحل، هذا في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الانهيار الشامل وانحلال ما تبقى من مؤسسات الدولة، نتيجة أفعال طبقة سياسية يبادر «الإليزيه» إلى حمايتها، تحت ذريعة الواقعية السياسية، فيما الوقائع اليومية لحياة اللبنانيين تنذر بمخاطر كبيرة تهدد سلامة الدولة والكيان.
وعليه، فإن مصداقية فرنسا على المحك؛ من اجتماع «قصر الصنوبر» في بيروت، شهر أغسطس 2020، إلى اجتماع باريس، الشهر الماضي، تُكرر باريس أخطاء مكلفة ليس لها وللبنانيين فقط، إنما للأوروبيين الذين تمثلهم، كما أنها تقف بوجه الإرادة العربية التي ترفض مقايضة الاستقرار بالإصلاح.

الاستعصاء اللبناني والفراغ أو البناء على الخطأ

لا يقتصر الاستعصاء، الذي يصيب الأزمة اللبنانية، أو بحسب بعضهم القضية اللبنانية، على صعوبة إيجاد حلول أو مخارج، بل يتعداها ليصل إلى شبه استحالة فهم مجمل أداء القوى السياسية في لبنان، لا سيما تلك المناهضة لمشروع «حزب الله» وحلف الممانعة. شبه الاستحالة هذا يكمن في عجز هذه القوى عن الإجابة عن سؤال واحد يبدو بالشكل بسيطاً وسهلاً، لكنه بالمضمون يعبر عن لب الاستعصاء: هل هذه القوى السياسية مقتنعة فعلاً أن انتخاب رئيس للجمهورية هو الحل، من دون أن يكون وصول هذا الرئيس إلى قصر بعبدا نتيجة لتفاهمات جذرية على قضايا الخلاف الرئيسية والكيانية وأولها هيمنة المحور الإيراني - السوري وحلفائه في الداخل والإقليم على خيار موقع لبنان الجيو - استراتيجي؟ بلغة مبسطة: إلى أي محور ينتمي لبنان، المحور الغربي أم الشرقي، المحور العربي - الخليجي المنفتح أم المحور الإيراني - السوري الممانع؟ ويتدرج بعد هذه المسألة باقي القضايا الخلافية الفرعية، من إصلاحات سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية، إلى الإدارة والمناصب وصلاحيات الرؤساء وشكل الحكومات وطريقة تشكيلها وغيرها الكثير.
التجارب القريبة والبعيدة منذ اتفاق أو تسوية الدوحة سنة 2008 التي أعقبت غزوة «حزب الله» لبيروت والجبل، والتي سميت حينها بحرب القمصان السود وانتهت يومها بالتفاهم على انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً، إلى تفاهمات سنة 2016 بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل التابع لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري والتيار الوطني الحر، التي أوصلت رئيسه ومرشح «حزب الله» ميشال عون إلى كرسي الرئاسة بعد تعطيل الانتخابات لأكثر من سنتين، مقابل إسناد رئاسة الحكومة للحريري. التجربتان فاشلتان بامتياز، إذ انتهت مفاعيل الأولى يومها بانخراط «حزب الله» بالحرب السورية متراجعاً بذلك عن موافقته على إعلان بعبدا لسنة 2012 الذي يؤكد على تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية. أما الثانية، فلم تصمد أكثر من سنة، وأدت إلى أخطر انهيار مالي واقتصادي وسياسي يشهده لبنان في تاريخه الحديث، فضلاً عن تمتين إحكام «حزب الله» قبضته على البلاد، مما سمح حينها لأحد المسؤولين الإيرانيين بالتبجح بأن طهران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية.
تأتي استعادة تجربة الدوحة وتفاهم سنة 2016 في إطار ما يتردد هذه الأيام عن الدور الفرنسي في إرساء تسوية على غرار الدوحة، تأتي برئيس في ظل استمرار موازين القوة الراهنة في البلاد لجهة سيطرة «حزب الله» على جميع مفاصل الدولة واستئثاره بصناعة القرار، في اجترار للتجارب الفاشلة التي لم تكن في أحسن الأحوال سوى إدارة فاشلة للأزمة. ورغم المتغيّرات في المنطقة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، لم تظهر أي ملامح لوصول رياحه «التسووية» إلى بيروت، في وقت، طالت فيه أزمات أكثر صعوبة ودقة منها حرب اليمن والعلاقات السعودية بنظام بشار الأسد. فمسار عدد من المواقف يوحي بالتشدد، أبرزها تحذير رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين من «أن لبنان يمر بمرحلة خطيرة جداً ينتقل فيها من مرحلة التأزم إلى مرحلة الفوضى العارمة... على أنّ الدعوة اليوم لبعض اللبنانيين هي بالاستفادة من كل ما يحصل للإسراع في عملية الإنقاذ، لأن التأخير ليس في مصلحتهم». ونورد أيضاً موقف نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، الذي خيّر اللبنانيين بين مرشحين: سليمان فرنجية أو الفراغ، إلى مؤشرات حادثة إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، التي تزامنت مع زيارة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إلى بيروت وتأكيد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي - في حديث توجه به مباشرة إلى أهل غزة - التزام بلاده المقاومة ودعمها. ولا يغيب تمدد إيران في المخيمات الفلسطينية بلبنان عبر عراضات مؤيدة لها، ولعل حبة الكرز على قالب الحلوى هي زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان إلى بيروت في هذا الوقت بالذات، التي افتتحها بلقاء قادة «حزب الله» وليس أركان الدولة اللبنانية، والتقى بعدها عدداً من النواب في سفارة بلاده. المحصلة هي أن موقع لبنان الراهن ضمن محور الممانعة يتجذر أكثر فأكثر، ولن يتيح ذلك أي تفاهمات مثمرة سواء في دوحة 2 أو باريس أو القاهرة؟
وفي السياق نفسه، ينبغي عدم الانجرار وراء ما يسوقه بعض الإعلام «المعارض» في لبنان من تأكيد تراجع باريس عن تبني ترشيح سليمان فرنجية وخلاف بين الخارجية الفرنسية والرئاسة حول هذا الموضوع، في قراءة بعدسات لبنانية محلية فئوية للكلام الذي صدر عن الوزارة وأعلنت فيه أنه «ليس هناك مرشح مفضل لدى فرنسا»، داعية اللبنانيين إلى اختيار قادتهم.
لا بد من محاولة تصويب البوصلة بالانتباه إلى دلالات موقف دولة غربية كبرى صديقة للبنان يصعب أن تكون متباينة أو مختلفة في سياستها عن حلفائها، سواء الأوروبيين أم الأميركيين. هذا لا يعني تطابقاً، ولا يمنع أن تكون لفرنسا مصالح اقتصادية ونفعية، خصوصاً مع إيران، إنما أيضاً تشترك مع الحلفاء بالتوافق على نقطتين رئيسيتين هما الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني في الداخل وضمان الهدوء على الحدود لاستخراج الغاز من المياه اللبنانية.
ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا عبر استمالة «حزب الله»، لأنه - كما سبق وقلنا سابقاً - الأقوى بين الضعفاء، ولا يوجد ضمن القوى المناهضة له محاور موثوق وقادر على تنفيذ تعهداته بسبب الخلافات المستحكمة بين أطرافها، والدول الغربية باتت على يقين من ميزان القوى الداخلي هذا. لذلك فرنسا تدعم مرشح «حزب الله»، والولايات المتحدة صامتة وبعض العرب يغض الطرف.
هل تعني هذه القراءة أن وصول سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة هو لصالح لبنان؟ الإجابة طبعاً لا، لا سيما أنها تؤكد مرة جديدة أن الممر الضروري لقصر الرئاسة بات عبر طريق «حزب الله». هل أن وصول سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة بات حتمياً؟ السياسة متحركة ليست جامدة ولا شيء حتمياً، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً والموجه إلى المعارضة اللبنانية «السيادية»، هو هل باتت الأزمة اللبنانية مختصرة بمعضلة انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل وصول أي شخصية أخرى حتى من ضمن صفوفها دون تسوية جدية مع «حزب الله» ستختلف عن سليمان فرنجية؟ الإجابة هي لا، لأن الاختلاف سيكون بالاسم فقط، وقد يطال التوجه أيضاً، لكن النتيجة لن تختلف من دون نزع القرار السياسي والأمني من يد الحزب وعودته إلى كنف دولة وحكومة ومؤسسات دستورية تعمل وفق الأصول.
صدق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأسبوع الماضي عندما قال إن «فرنجية يمكنه الالتزام بما يملك، لكن كيف يمكنه الالتزام بما لا يملك، والأمر بيد حزب الله»؟ لكن فاته أن أي شخصية أخرى تنتخب ضمن موازين القوة الراهنة لن يكون الأمر بيدها أيضاً. لذلك نكرر للمرة الألف، أي استحقاق دستوري يجري والحال على ما هي عليه هو باطل، ويبقى الفراغ أفضل لعله يتيح للمعارضة ملأه بالتوحد وتشكيل قوة تستجلب الثقة الدولية والعربية والتفكير بمخارج واقعية تستطيع عبرها محاورة الحزب لأن البناء على الخطأ لن يجر سوى الخطأ.

لذلك يمكن أن تؤدي معاودة فتح أبواب البرلمان أمام النواب لانتخاب الرئيس إلى تبدّل في المشهد الانتخابي، ما يدفع بالثنائي الشيعي إلى طرح خطة -ب- على طاولة المفاوضات للتفاهم على مرشح بديل لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي وإلا سيطول أمد الفراغ. 

فهل يتخلى الثنائي الشيعي عن ترشيح فرنجية؟ أم أنه سيتمسك به اعتقاداً منه بأن لديه القدرة على تعديل ميزان القوى في البرلمان الذي لا يصب حالياً لمصلحة مرشحه، وإلا لم يكن الرئيس بري مضطراً للقول في المقابلة التي أجرتها معه «الشرق الأوسط» بأن موازين القوى في البرلمان لا تسمح بحصول مرشح على الأصوات اللازمة لانتخابه؟ ومع استعصاء الانتخاب دعَوْنا إلى التفاهم. خصوصاً أن رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين تناغم معه لاحقاً فهل يخطو الثنائي الشيعي خطوة على طريق التفاهم مع مؤيدي أزعور لإنتاج رئيس توافقي؟