تصعيد في القنيطرة على وقع خروج المعارضة من درعا

معارك على مسافة 4 كيلومترات من خط مراقبة فض الاشتباك

مقاتلون من الفصائل المعارضة بدرعا قرب الحافلات التي ستقلّهم إلى الشمال السوري  (أ.ف.ب)
مقاتلون من الفصائل المعارضة بدرعا قرب الحافلات التي ستقلّهم إلى الشمال السوري (أ.ف.ب)
TT

تصعيد في القنيطرة على وقع خروج المعارضة من درعا

مقاتلون من الفصائل المعارضة بدرعا قرب الحافلات التي ستقلّهم إلى الشمال السوري  (أ.ف.ب)
مقاتلون من الفصائل المعارضة بدرعا قرب الحافلات التي ستقلّهم إلى الشمال السوري (أ.ف.ب)

استهدف الطيران الحربي، منطقة القنيطرة، في أول هجوم من نوعه قد يكون تمهيداً لمعركة المحافظة، في وقت بدأ مقاتلو المعارضة الخروج من مدينة درعا في جنوب سوريا واستمرار المفاوضات لمنع دخول النظام إلى «نوى» المدينة الأكبر في ريف درعا مقابل انتشار الشرطة الروسية.
وبينما لفتت المعارضة والمرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن قصف القنيطرة جاء نتيجة فشل المفاوضات حول مناطق ما يعرف بـ«مثلث الموت» بدرعا وريف القنيطرة، تضاربت المعلومات حول سيطرة النظام على قرية مسحرة بالقنيطرة، الواقعة على بعد 11 كيلومتراً من حدود الجولان بعد قصف عنيف. إذ في حين أكد المرصد هذا الأمر وقالت قناة «الميادين» التلفزيونية اللبنانية المقربة من دمشق، إن قوات النظام تتقدم باتجاه منطقة تل مسحرة، نفته المعارضة، لافتةً إلى استمرار المعارك.
وتقع المعارك على مسافة 4 كيلومترات من الخط الذي يوضح بداية منطقة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، وهي منطقة تراقبها قوة الأمم المتحدة منذ عام 1974 في أعقاب حرب 1973 بين العرب وإسرائيل.
ورجّح كل من المرصد والمعارضة أن تكون المقاتلات الروسية هي التي تولّت عملية القصف. واستند الأول في معطياته إلى أن الطائرات كانت تحلق على ارتفاع شاهق، وهو ما أكده رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري – إنيجما» رياض قهوجي، بقوله إن «الطيران السوري لا يجرؤ على الوصول إلى القنيطرة نتيجة التفاهم الروسي الإسرائيلي في منطقة الجنوب».
وتسيطر الفصائل المقاتلة على 70% فيما تسيطر القوات النظامية على 30% من منطقة القنيطرة الاستراتيجية التي تحاذي الخط الفاصل مع هضبة الجولان المحتل.
وقال مصدر ميداني يقاتل مع قوات النظام، لوكالة الأنباء الألمانية: «بدأت قوات النظام عملياتها العسكرية في محافظة القنيطرة فجر الأحد للسيطرة على بلدة مسحرة في ريف القنيطرة الأوسط»، مشيراً إلى أن النظام بدأ عملية ثانية لاستعادة السيطرة على تل المال بمنطقة مثلث الموت في ريف درعا الشمالي للتقدم باتجاه محافظة القنيطرة».
من جانبه، قال مصدر في المعارضة السورية للوكالة نفسها، إن قوات النظام قصفت بلدات مسحرة ونبع الصخر وكوم الباشا بصواريخ من نوع «فيل» وراجمات صواريخ، وسط حركة نزوح كبيرة من قبل المدنيين باتجاه محافظة القنيطرة. وبدأت قوات النظام إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محافظة القنيطرة منذ مطلع الشهر الماضي لاستعادة السيطرة على المحافظة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان: «لقد تم تنفيذ 4 غارات جوية وإطلاق نحو 850 صاروخاً وقذيفة ضد عدة مناطق في المحافظة، كما اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات النظام والمقاتلين»، مشيراً إلى مقتل 18 عنصراً من القوات النظامية بينهم 3 ضباط و13 مقاتلاً من الفصائل المعارضة.
وحذر المرصد من تداعيات قد تسفر عن هذه العملية التي تشكل بداية لمعركة القنيطرة، فيما لم تضمد بعد جروح الهجوم على درعا. وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في بيان: «رغم عودة عشرات آلاف النازحين إلى درعا (...) فإن 160 ألف شخص ما زالوا في القنيطرة».
ولفت قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه في ظل الاتفاق العام على إنهاء «داعش» ستكون البلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة في القنيطرة أمام الضغط العسكري لإخضاعها، لما بات يعرف بـ«المصالحة» على غرار درعا، وذلك نتيجة الاتفاق الذي ينص على خروج كل الفصائل على اختلاف توجهاتها»، معتبراً أن موسكو ستكون في المرحلة المقبلة أمام امتحان الالتزام بتعهداتها عبر إبعاد الفصائل التابعة لإيران في مرحلة أولى عن حدودها وإخراجها من سوريا في مرحلة ثانية وهو ما يبدو صعب التحقيق بعد قبول إسرائيل ببقاء قوات النظام فقط على حدودها.
في موازاة ذلك، بدأ مقاتلو الفصائل المعارضة وعائلاتهم، أمس، الخروج من مدينة درعا في جنوب سوريا تنفيذاً لاتفاق ينص على عودة سيطرة النظام على المنطقة، بينما أعلن المرصد عن مفاوضات لمنع دخول النظام إلى «نوى» المدينة الكبرى في ريف درعا مقابل انتشار الشرطة الروسية.
ولفت المرصد إلى استمرار المفاوضات حول مدينة نوى الواقعة في الريف الغربي لمدينة درعا، منوهاً إلى أنها تجري بين الجانب الروسي والنظام وممثلي المدينة، حول دخول الشرطة العسكرية الروسية إلى المدينة مع إبعاد قوات النظام بعد عمليات التعفيش التي قامت بها قواتها في البلدات التي دخلت إليها. وتعد نوى أكبر تجمع سكاني في محافظة درعا بعد مدينة درعا، وتضم نحو 200 ألف شخص ما بين سكان أصليين ونازحين.
وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية، إلى أن «مئات المقاتلين وأفراد عائلاتهم استقلوا الأحد 15 حافلة، حاملين حقائبهم التي تحوي حاجياتهم الشخصية، وغادروا» نقطة التجمع، مشيرةً إلى أن «غالبية المغادرين من المقاتلين ومعهم بعض العائلات»، وأنه «حسب السجلات سيخرج 750 شخصاً» من درعا.
وقال أبو شيماء، وهو مسؤول في المعارضة، لـ«رويترز»، إن 500 مقاتل على الأقل سيستقلون نحو 15 حافلة، وإنه من بين المغادرين.
وقال أبو بيان، وهو قائد عسكري في المعارضة، للوكالة نفسها، إن أغلب المقاتلين في درعا قرروا البقاء بدلاً من مواجهة مصير غامض في الشمال الذي تسيطر عليه المعارضة على أمل أن تفي روسيا بوعودها الخاصة بحمايتهم من أي عمليات انتقامية من السلطات السورية. لكن المقاتل عبد الله مسالمة الذي قرر المغادرة، قال بينما كان على وشك الصعود إلى الحافلة: «لن ننسى آلاف الشهداء وآلاف اليتامى غير الجرحى والمعتقلين الذين قتلهم النظام... أنا لا أثق بالروس أو النظام».
وأكد التلفزيون الرسمي بعيد الظهر «بدء عملية نقل الإرهابيين الرافضين للتسوية من درعا البلد باتجاه الشمال لسوري». وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه «تم تفتيش الرجال من قبل (الجنود) الروس، فيما فتشت النساءَ فتيات يؤيدن النظام».
وتمركزت الحافلات التي وصلت صباحاً في طريق «سجنة» التي تربط بين مناطق الفصائل والنظام.
وتم فتح خط التماسّ هذا قبل أيام بعد إزالة السواتر، حسب الوكالة. وبعد الانطلاق توجهت هذه الحافلات نحو أطراف المدينة، حيث من المقرر تفتيشها مجدداً قبل انطلاقها إلى محافظة إدلب، كما أفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، للوكالة نفسها. وتتعلق عملية الإجلاء بالمقاتلين وعائلاتهم الذين رفضوا اتفاق «المصالحة» الذي تم التوصل إليه بين روسيا والفصائل في المحافظة في السادس من يوليو (تموز). ونص الاتفاق الذي جاء نتيجة مشاورات شاقة على تسليم المعارضة سلاحها الثقيل ودخول مؤسسات الدولة إلى مناطق سيطرتها تدريجياً.
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن «المجموعات المسلحة في درعا البلد واصلت، أمس (الأحد)، تسليم أسلحتها الثقيلة للجيش العربي السوري».
ونشرت الوكالة صور دبابات ومدافع كانت بحوزة الفصائل المقاتلة. كما أعلنت «تحرير خمسة مختطفين بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في منطقة درعا البلد». وكانت وسائل الإعلام الرسمية قد أعلنت، أول من أمس (السبت)، بداية هذه العملية تطبيقاً للاتفاق. ويمهد تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة الطريق لدخول قوات إلى المدينة، حيث تم رفع العلم الخميس الماضي تعبيراً عن النصر.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».