فصل الجنسين في جامعة صنعاء يفجّر موجة غضب في وجه الحوثيين

سياسيون وصفوا القرار بـ«الداعشي» والطلبة يعلنون الإضراب

مبنى كلية الإعلام في جامعة صنعاء (تويتر)
مبنى كلية الإعلام في جامعة صنعاء (تويتر)
TT

فصل الجنسين في جامعة صنعاء يفجّر موجة غضب في وجه الحوثيين

مبنى كلية الإعلام في جامعة صنعاء (تويتر)
مبنى كلية الإعلام في جامعة صنعاء (تويتر)

أثار قرار فصل الذكور عن الإناث في كلية الإعلام بجامعة صنعاء موجة غضب في الأوساط اليمنية، بما في ذلك الناشطون والسياسيون الموالون للجماعة الحوثية، حيث وصفوا القرار بـ«الداعشي» وعدّوه ردة عن قيم الحرية والمساواة التي كافح من أجلها اليمنيون على مدى عقود.

وفي حين كانت شخصيات حوثية تعلن عن نوايا للتراجع عن القرار؛ صدر إعلان عن بدء تنفيذه في كلية الآداب، وأيّدته قيادات عليا، وكشفت مصادر عن وجود تنافس بين عناصر أكاديمية حوثية لإرضاء القيادات العليا.

وأفادت مصادر أكاديمية في جامعة صنعاء، بأن من المحتمل أن تكون الاعتراضات التي أبداها قادة وناشطون حوثيون على القرار مفتعلة، من أجل قياس ردة الفعل لدى المجتمع وداخل الجامعات، ثم تمرير القرار على بقية الكليات والجامعات بعد انتهاء الجدل.

فبعد أن قرر قادة حوثيون يسيطرون على كلية الإعلام، الأسبوع الماضي، تخصيص الأيام الثلاثة الأولى من الأسبوع للطلاب الذكور، والأيام الثلاثة التالية للإناث، وأن يتم دمج طلاب التعليم الموازي من الفئتين مع نظرائهم لتخفيف الأعباء، أعلن الانقلابيون بدء تنفيذ القرار في كلية الآداب الأحد الماضي.

قرار حوثي بتقسيم أيام الأسبوع بين طلاب وطالبات كلية الإعلام في جامعة صنعاء منعاً للاختلاط (تويتر)

وخلال الأيام الماضية أعلنت قيادات حوثية عن نوايا لإلغاء القرار والتراجع عنه، بعد أن أثار الكثير من النقد والجدل والسخرية حتى داخل أوساط الميليشيات؛ برغم أنه حظي بتأييد قيادات عليا، في حين أعلن الطلاب والطالبات الإضراب عن الدراسة احتجاجاً على القرار الذي عدّوه عنصرياً ويضيف عليهم الكثير من الأعباء.

تنافس على المناصب

وفسّرت مصادر في جامعة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» قرار الفصل بأنه جاء في إطار احتدام التنافس بين عدد من القيادات الحوثية على عدد من المناصب في سياق نوايا قيادات الانقلاب الحوثي إجراء تعديلات في عدد من المناصب في الجامعة، خصوصاً مناصب الرئيس ونوابه.

ووفقاً للمصادر، فإن قرار فصل الطلاب الذكور عن الطالبات في كلية الإعلام صدر باجتهاد شخصي من عمر داعر منتحل صفة عميد الكلية، في سياق مساعيه لإرضاء قيادات الجماعة والحصول على منصب رئيس الجامعة، بعد أن أمضى ست سنوات في منصبه الحالي.

وتضيف المصادر أن داعر الذي يتحدث مع قيادات الجماعة عن إنجازاته في الكلية، ويختم حديثه بالتشديد على أنه قد بذل جهوداً يستحق عليها منصب رئيس الجامعة؛ اتفق مع ما يسمى «ملتقى الطالب الجامعي» لإصدار القرار كخط رجعة بالنسبة له إذا تسبب في ردة فعل سلبية من قيادات الانقلاب.

وتؤكد المصادر بأن داعر على علم بمساعي القيادات العليا في الانقلاب الحوثي لإجراءات في هذا الشأن؛ إلا أنها لم تتفق على آلية تنفيذه، وأراد أن يكون سبّاقاً في اتخاذ القرار لإرضائها.

و«ملتقى الطالب الجامعي» هو كيان أشبه بجهاز أمني استحدثه الانقلابيون الحوثيون للرقابة على الجامعات العمومية وانضباط العمل والدراسة فيها وفق مشروع الانقلاب، وتم منحه صلاحيات غير قانونية تتجاوز صلاحيات رؤساء الجامعات ووزارة التعليم العالي.

عناصر المليشيات شرعوا في بناء جدران عازلة بين الطلاب والطالبات (منصات التواصل)

وبحسب المصادر، فإن عدداً من قيادات الانقلاب كانت تفكر بالطريقة التي يتم بها فصل الطلاب عن الطالبات، مشيرة إلى أن أساس الخلاف تركز حول التكاليف التي سيتطلبها أي قرار بهذا الشأن، فبعض القيادات ترى تخصيص قاعات وممرات داخل مباني الجامعة وأروقتها وفنائها للطلاب الذكور وأخرى للطالبات.

وجرى الاعتراض على هذا المقترح لعدم توفر القاعات الكافية والمعدات والتجهيزات من جهة، وعدم مقدرة المدرسين على تقديم المحاضرات بشكل متكرر في اليوم نفسه؛ ما أدى إلى ظهور مقترح آخر بتخصيص نصف أيام الأسبوع للطلاب الذكور والنصف الآخر للطالبات، والذي تم الاعتراض عليه أيضاً بسبب زيادة الأعباء واستهلاك طاقة المدرسين.

غير أن المقترح الأخير كان هو الأقرب للتنفيذ؛ لأنه يلقي بالأعباء على طاقم التدريس فقط، والذين لا يتقاضون رواتبهم منذ سنوات طويلة.

انتقادات من داخل الجماعة

في هذا الصدد، يؤكد عدد من طلاب جامعة صنعاء بأنهم كانوا على علم بنوايا الانقلابيين الحوثيين لإصدار مثل هذا القرار، وقال عدد منهم لـ«الشرق الأوسط»: إن مسؤولي الأمن والمخابرات في الجامعة أبلغوهم، خلال جلسات تحقيق معهم بسبب تبادلهم الأحاديث مع زميلات لهم بأنه سيتم منع الاختلاط خلال هذا العام.

وبقدر ما حظي قرار الفصل بين الطلاب الذكور والطالبات في كلية الإعلام بتأييد قادة حوثيين؛ فإن عدداً من الناشطين والإعلاميين الموالين للجماعة أبدوا رفضهم واستنكارهم لهذا القرار الذي وصفوه بالمسيء للطلاب والطالبات وعائلاتهم، وبأنه يشوّه صورة الجماعة الحوثية، ويؤكد التهم الموجهة لها بالتطرف.

ويتحدث محمد المقالح، الذي سبق وكان عضواً فيما يسمى «اللجنة الثورية»؛ عمّا وصفه بغبار الريف الذي يُحكم قبضته على المدينة ويتحكم بها، حيث قضايا نساء الريف غير قضايا نساء المدينة، في إشارة منه إلى أن القرار تقف خلفه القيادات والأجنحة الحوثية القادمة من مديريات محافظة صعدة. حيث معقل الجماعة الرئيسي.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء بزعم تطوير بنيتها التحتية (إعلام حوثي)

وخاطب المقالح القيادات الحوثية قائلاً: «ما يجري في صنعاء اليوم ليس قيم الدين، بل قيم الأمية والتخلف، وأنا شخصياً لم أعد أرى سوى وجوهاً انتهازية جديدة لم نكن نعرفها من قبل»، متهماً القيادات الحوثية بأنها ترفض العلم وتعليم البنات خصوصاً، ولم يكن موقفها من الاختلاط فحسب.

وخصصت صحيفة موالية للانقلابيين الحوثيين باسم «لاء» عدداً من صفحاتها لمهاجمة القرار وانتقاده بسخرية وتهكم، واتهام الجهة التي أصدرته بحذو نهج تنظيم «داعش» مُفرِدة مساحة لعدد من الناشطين لكتابة مقالات رافضة له.

وهاجمت الصحيفة حسين حازب، المُعين وزيراً للتعليم العالي في حكومة الميليشيات غير المعترف بها، بعد أن تحدث عن عدم معرفته بالقرار، وعدم اعتراضه عليه؛ «كونه يأتي ضمن ما قال إنه تخفيف أو منع لما يؤدي إلى رواج الحرب الناعمة، ولتعزيز الهوية الإيمانية».

شرعنة وتحايل

الوزير في حكومة الانقلاب حسين حازب عاد لينتقد القرار؛ لأنه يمنح خصوم الميليشيات الحوثية مادة، من دون تعب؛ في مجال ما يسميه «الحرب الناعمة»؛ لأن ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض حول ما حصل، حرب ناعمة شاملة بامتياز كما قال. واتسم تعليق حازب على القضية بالمراوغة والمواربة؛ ما يوحي بمحاولته إرضاء أطراف عدة في الميليشيات الحوثية.

بدوره، زعم محمد علي الحوثي ابن عم زعيم الميليشيات وعضو ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى، أن القرار يوافق رغبات الطالبات، مطالباً المعترضين عليه وعلى رغبة بناتهم من أولياء الأمور أن يتقدموا بطلب إلى رئاسة جامعة صنعاء لاستمرار الاختلاط، حتى تتحقق الأغلبية لهم ليتم العودة إلى الوضع السابق قبل القرار.

ووجّه الحوثي بأن يتم العمل من أجل الاستثناء في هذا القرار بإعداد استمارة لأولياء أمور الطالبات يوقّعون فيها على طلب الاختلاط وتحديد قاعة للدراسة، وأن يحدد الأب من يحق له من الطلاب الذكور الاختلاط بابنته، كي يتم إخلاء مسؤولية الميليشيات مما سيحدث خلال الدراسة المختلطة.

ولجأت الميليشيات خلال اليومين الماضيين إلى الزعم، عبر وسائل إعلامهم، بصدور دراسات علمية غربية استنتجت حدوث آثار مدمرة للاختلاط في الجامعات، حيث يقتل الطموح والإبداع ويقضي على الذكاء، وزعمت أن جامعة هارفارد الأميركية تحولت إلى بؤرة للاغتصاب بسبب الاختلاط.


مقالات ذات صلة

موظف أممي يقضي تحت التعذيب في معتقل حوثي

العالم العربي طائرة المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ في أحدث زيارة له إلى صنعاء (أ.ف.ب)

موظف أممي يقضي تحت التعذيب في معتقل حوثي

أفادت الأمم المتحدة بوفاة موظف يمني يعمل مع برنامج الغذاء العالمي في معتقل حوثي، وسط تكهنات بتعرضه للتعذيب مع زملائه الذين اعتقلوا في أحدث موجة قمع حوثية.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي المهاجرون الأفارقة إلى اليمن ضحايا عصابات التهريب والاتجار بالبشر (إعلام حكومي)

الشرطة اليمنية تحرر عشرات الأفارقة من قبضة متاجرين بالبشر

أعلنت الداخلية اليمنية تحرير عشرات من المهاجرين غير الشرعيين من حمَلة الجنسية الإثيوبية، في محافظة شبوة، من قبضة عصابة من جنسيتهم نفسها تتاجر بالبشر.

محمد ناصر (عدن)
المشرق العربي وزير التخطيط اليمني واعد باذيب خلال توقيع مذكرات التفاهم مع القائم بأعمال السفارة الصينية لدى اليمن (سبأ)

اليمن والصين يؤسسان لشراكة استراتيجية عبر تعاون تنموي

التعاون التنموي اليمني- الصيني يفتح آفاقاً جديدة للشراكة الاستراتيجية في كافة المجالات.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي حافلة نقل عام في أحد شوارع صنعاء (فيسبوك)

نقاط تفتيش حوثية تبتز المسافرين وتنتهك خصوصياتهم

اشتكى يمنيون في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى من تعرضهم للابتزاز وانتهاك الخصوصية، على أيدي مسلحين تابعين للجماعة الحوثية في نقاط التفتيش بين المحافظات.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
الولايات المتحدة​ دول عربية تواجه تداعيات إغلاق «الوكالة الأميركية للتنمية»

دول عربية تواجه تداعيات إغلاق «الوكالة الأميركية للتنمية»

أثار قرار إدارة الرئيس دونالد ترمب إعادة تقييم مشاريع المساعدات الأميركية، حالة من عدم اليقين بشأن التزام واشنطن على المدى الطويل فيما يتعلق بوكالات الإغاثة.

هبة القدسي (واشنطن)

ترميم مئذنة الموصل الشهيرة بعد تدميرها على يد تنظيم «داعش»

جامع النوري الكبير في الموصل المعروف بمئذنته المائلة (رويترز)
جامع النوري الكبير في الموصل المعروف بمئذنته المائلة (رويترز)
TT

ترميم مئذنة الموصل الشهيرة بعد تدميرها على يد تنظيم «داعش»

جامع النوري الكبير في الموصل المعروف بمئذنته المائلة (رويترز)
جامع النوري الكبير في الموصل المعروف بمئذنته المائلة (رويترز)

تم تجديد جامع النوري الكبير في الموصل المعروف بمئذنته المائلة التي يعود تاريخها إلى ثمانية قرون بعدما دمرها مسلحو تنظيم «داعش» في عام 2017، وفقاً لـ«رويترز».

ويعد تجديد هذا المسجد حدثاً كبيراً في جهود إعادة إعمار ثاني أكبر مدينة في العراق بعد حرب امتدت لسنوات طويلة.

أدت الحرب الشرسة في المنطقة إلى تدمير واسع النطاق للمعالم التاريخية في ثانية كبرى مدن العراق (رويترز)

وفي الرابع من يوليو (تموز) 2014، أعلن زعيم تنظيم «داعش»، أبو بكر البغدادي من فوق منبر هذا المسجد الذي يعود تاريخه إلى العصور الوسطى، قيام دولة «الخلافة» على أنحاء من سوريا والعراق.

وبعد ثلاث سنوات، هدمت الجماعة المتشددة المسجد في آخر أسابيع حملة عراقية دعمتها الولايات المتحدة، وأدت إلى طرد المتشددين الإسلاميين من الموصل التي كانت معقلهم الرئيسي في العراق.

وأدت الحرب الشرسة والمطولة في هذه المنطقة الحضرية إلى تدمير واسع النطاق للمعالم التاريخية في ثانية كبرى مدن العراق.

وقال محمود ذنون (70 عاماً)، وهو خياط يسكن بالقرب من المسجد ويدير محل خياطة يطل على مئذنة المسجد، إن ابنيه قتلا قبل هدم منارته الحدباء.

وأضاف أنه شعر بحزن فاق حزنه على مقتل ولديه عندما رأى بعينيه انهيار المئذنة، مشيراً إلى أن ترميمها ورؤيتها شامخة من جديد جعلاه يشعر بالسعادة والفخر.

وقال ذنون، بينما يتحدث من داخل متجره وخلفه صور لابنيه، إن فقيديه، لو كانا على قيد الحياة، لكانا قد شعرا أيضاً بالفخر لرؤية المئذنة بعد ترميمها.

وانفجر في البكاء عندما تذكر مقتلهما في هجومين في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2017 خلال الحرب ضد التنظيم.

وتمت إعادة بناء وترميم المسجد والمئذنة بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) والاتحاد الأوروبي وهيئة الآثار والتراث العراقية.

تمت إعادة بناء وترميم المسجد والمئذنة بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (رويترز)

وقالت أودري أزولاي، المديرة العامة لـ«يونيسكو»، إنه تم جمع أكثر من 115 مليون دولار مما لا يقل عن 15 شريكاً، وإن الإمارات والاتحاد الأوروبي كانا أبرز شريكين.

وأضافت خلال كلمة ألقتها في الخامس من فبراير (شباط) الخالي، بالقرب من المسجد خلال احتفال باستكمال أعمال ترميمه: «وجودها (المئذنة) هنا خلفي يشبه عودة التاريخ؛ يشبه عودة هوية هذه المدينة».

أطلق العراقيون على المئذنة المائلة التي يبلغ ارتفاعها 45 متراً اسم «الحدباء».

يستقي المسجد اسمه من اسم نور الدين الزنكي الذي كان من الأعيان وخاض معارك في الحملات الصليبية الأولى من إقطاعية تغطي مساحات من الأرض، فيما أصبحت الآن تركيا وسوريا والعراق. وأقيم المسجد في عامي 1172 و1173 قبيل وفاته وكان يضم مدرسة إسلامية.

تعود غالبية المباني الحجرية في الموصل القديمة حيث يقع المسجد، إلى العصور الوسطى، ويوجد بها أكشاك للتسوق وعدد قليل من المساجد والكنائس والبيوت الصغيرة التي بنيت وأعيد بناؤها فوق بعضها على مر العصور.