موجة قمع حوثية تستهدف مجسمات عرض الملابس النسائية في صنعاء

الجماعة فرضت على المعاهد الدراسية فصل الذكور عن الإناث

جانب من المدينة القديمة في صنعاء (إ.ب.أ)
جانب من المدينة القديمة في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

موجة قمع حوثية تستهدف مجسمات عرض الملابس النسائية في صنعاء

جانب من المدينة القديمة في صنعاء (إ.ب.أ)
جانب من المدينة القديمة في صنعاء (إ.ب.أ)

في مسار موازٍ للممارسات القمعية التي تشنها سلطة ميليشيات الحوثي ضد المظاهر المدنية والحداثة في مناطق سيطرتها، وبعد أن منعت الاختلاط في المقاهي والمطاعم والجامعات، وحفلات التخرج والحفلات الغنائية، بدأ المسلحون الحوثيون حملة جديدة في صنعاء تستهدف ما يقولون إنها مظاهر تتعارض مع «المسيرة الإيمانية»، شملت تكسير ومصادرة مجسمات محلات بيع الملابس النسائية، ووصلت إلى إغلاق مطعم بحجة أن اللوحة التي كتب عليها اسمه تخالف القيم الإيمانية.
وجاء هذا السلوك القمعي في وقت استهدفت فيه الجماعة عشرات من المعاهد التعليمية في صنعاء، بحجة الفصل بين الذكور والإناث؛ حيث أبلغ مشرفو الجماعة القائمين على هذه المعاهد بأن «وجود الطلبة والطالبات في قاعة دراسية واحدة من شأنه أن يؤخر النصر» بحسب زعمهم.
ومن دون مقدمات أو إشعار مسبق، شن المسلحون الحوثيون الذين ينضوون تحت اسم «مديريات المدينة» حملة على محلات بيع الملابس النسائية، استهدفت تكسير ومصادرة لمجسمات العرض في تلك المحلات، انطلقت من أبرز شارعين تجاريين في صنعاء، باعتبار تلك المجسمات «أصناماً جاهلية تثير الغرائز الجنسية»، في ممارسة لم تعرفها المدينة منذ ستينات القرن الماضي، عندما أطيح بآخر حاكم إمامي في شمال اليمن.
شهود عيان ذكروا لـ«الشرق الأوسط» أن سيارة عناصر الحوثيين داهمت المحلات التجارية في شارع هايل غرب المدينة، وبدأوا بتكسير المجسمات ومصادرتها، مستخدمين الهراوات، وسط ذهول واستغراب أصحاب المحلات والمتسوقين على حد سواء، بينما سارعت المحلات الأخرى إلى إغلاق أبوابها سريعاً لتجنب الاقتحام والمصادرة.
كما قام البعض بتغطية وجوه تلك المجسمات التي تستخدم في كل بلدان العالم لعرض نماذج من موديلات الملابس للإناث والذكور. وقال أحد هؤلاء إن حالة من الذعر أصابت الباعة والمتسوقين والمارة؛ لأن الاقتحام كان مفاجئاً وغير متوقع، ولم يسبق للميليشيات أن أنذرتهم أو طلبت منهم إنزالها من واجهات المحلات.
الأمر ذاته - وفق سكان - حدث في شارع جمال الشهير في قلب العاصمة، وهو الشارع المتخصص في بيع الملابس والمجوهرات، إذ داهمت سيارتان تتبعان المجلس المحلي الذي يديره عناصر ميليشيا الحوثي الشارع المزدحم بالمحلات، ونفذت حملة مصادرة لتلك المجسمات بدعوى مخالفاتها للأعراف والتقاليد الإسلامية؛ حيث كانت تلك العناصر تنتزعها من واجهة المحلات باعتبارها أصناماً لا تليق ببلد مسلم.
وشكا ملاك محال بيع ملابس في صنعاء من عودة المداهمات الحوثية على الطريقة الداعشية، وأكد بعضهم لـ«الشرق الأوسط»، أن المداهمات الحوثية لمحالهم تمت بصورة مفاجئة، وكأنها توحي للجميع بدهم أوكار مروجي مخدرات وأشياء ممنوعة، وليس محلات بيع الملابس العادية. وأشاروا إلى أن مسلحي الجماعة فرضوا على عدد من ملاك المحال التجارية عقب عمليات الدهم والتكسير دفع مبالغ مالية، في حين أُجبر كثير منهم على التعهد بعدم استخدام مثل تلك المجسمات في العرض مرة أخرى.
في غضون ذلك، تناقل ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي صوراً لعناصر الجماعة الحوثية، وهم يصادرون البضائع والمجسمات من داخل بعض المحال التجارية التي داهمتها بقوة السلاح.
وتواصلاً لحملات الإرهاب والتضييق الحوثية على الحريات العامة في صنعاء وبقية مناطق سيطرتها، تحدث شهود لـ«الشرق الأوسط» بأن الميليشيات أقدمت الأربعاء الماضي على اقتحام وإغلاق مطعم «رينبو» الذي يقدم الوجبات الخفيفة والمعجنات، والكائن في شارع الدائري بمديرية الوحدة وسط صنعاء، وذلك في سياق حملاتها الإرهابية المنظمة بحق العاملين في هذا المجال. وتحدث أحد العاملين في المحل لـ«الشرق الأوسط»، بأن مسلحي الجماعة قدموا إلى مالك المحل بإشعار يحوي أمراً من سلطة الانقلاب بإغلاقه، بذريعة مخالفته لما تسمى «الهوية الإيمانية». وقال إن اعتراض الميليشيات كان على شعار «قوس قزح» الذي رأوا فيه أنه شعار غير أخلاقي، ويرمز لمجتمعات الشواذ حسب زعمهم.
وجاء قرار إغلاق المطعم بعد أيام من كتابة الإعلامي الحوثي عبد الرحمن العابد منشوراً، يحرض فيه على المطعم، ويقول إن ألوان اللوحة الخاصة به تحمل ألوان المثليين، وهو أمر قوبل بغضب واسع من قبل الناشطين. وعلقت الناشطة غدير طيرة على الخطوة، وقالت إن «صاحب محل (رينبو) قالوا له: معك مهلة يوم تعدل فيه الديكور، وتشيل كل شيء فيه قوس قزح وإلا سنغلق المحل. والرجل قال لهم: حاضر. وغيَّر الديكور في اليوم نفسه؛ لكنهم أغلقوه».
الكاتبة حنان الوادعي التي كانت تصنف كقريبة من الحوثيين إلى وقت قريب، كتبت تنتقد بشدة ممارسات هذه الميليشيات، وقالت: «إن البعض مش قادر يستوعب أن قرارات جماعة الحوثي الخاصة بتحويل مناطق سيطرتهم إلى ولايات طالبانية، هي مش خطة خارجية ولا خطة صهيونية ولا خطة غربية ولا شغل مخابرات (موساد) وأنها من صميم فكر وأدبيات هذه الجماعة من عند قائدهم عبد الملك الحوثي، أول من حرض ضد الاختلاط في خطبته المشهورة».
وفيما يتعلق بنظرة الجماعة الرجعية للمرأة اليمنية على أنها «كتلة إثارة»، فقد عممت الميليشيات الإرهابية ذاتها قبل أيام قليلة ماضية، على معاهد تعليم اللغات في العاصمة صنعاء، بضرورة المسارعة في الفصل بين الذكور والإناث، بتخصيص قاعات ومحاضرات دروس خاصة بكل من الجنسين، تعزيزاً لما تطلق عليه الميليشيات «الهوية الإيمانية»، حسبما أفاد به طلاب وعاملون.
وسبق أن أغلقت الجماعة عدداً من مقاهي المدينة بحجة منع الاختلاط بين الذكور والإناث، كما فصلت الذكور من طلبة الجامعات عن الإناث في قاعات المحاضرات، ومنعت أيضاً تنفيذ أي تكاليف دراسية تسمح باختلاط الجنسين، وامتدت هذه الممارسات إلى حفلات التخرج. فبعد أن منعت إقامة حفلات تخرج داخل الجامعات لأنها لا تلتزم بتعليماتها بجعلها حفلات للترويج للفكر الطائفي، منعت الخريجين من إقامة احتفالات في قاعات خاصة خارج الجامعة، وعممت على ملاك هذه القاعات بالحصول على موافقة مسبقة، وبشرط منع الاختلاط، حتى لو كان الحضور هم عائلات الخريجين. وكثفت ميليشيات الحوثي من إجراءاتها القمعية والمتطرفة في حق السكان خلال العام المنصرم، بصورة فاقت ما حدث قبل ذلك؛ حيث نفذت حملة شاملة استهدفت النساء العاملات في المنظمات الإغاثية المحلية أو الدولية، ومنعت إقامة الأنشطة التي يشترك فيها الذكور والإناث، كما استهدفت معاهد تعليم اللغة الإنجليزية بحجة أنها تشجع على الاختلاط، ووصلت هذه الإجراءات إلى الجامعات الخاصة، وحفلات الزفاف.


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان الصادر، الخميس، عن وزارة الخارجية السعودية، وما تضمّنه من موقف إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

شددت الخارجية على أن «الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في تغليب المصلحة العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.