الأطباء واحترام المرضى

الأطباء واحترام المرضى
TT

الأطباء واحترام المرضى

الأطباء واحترام المرضى

لا يأتي المريض لزيارة الطبيب في العيادة إلاّ وهو ينشد تلقي معالجة طبية مفيدة تُحسّن من حالته الصحية وتخفف عنه معاناته المرضية وتعينه كي يُمارس أنشطة حياته اليومية وهو في أفضل حال صحي ممكن. ولا يستقبل الطبيب مرضاه في العيادة إلاّ لكي يُقدم لهم أفضل ما يُمكنه من خدمة طبية وفق تطبيقه أفضل ما تعلمه ومارسه من المعارف الطبية.
والمريض يعتبر زيارته للطبيب ناجحة حينما يتمكن من توصيل تفاصيل شكواه المرضية كافة للطبيب، والطبيب يعتبر استقباله للمريض وخدمته التي يُقدمها له ناجحة إذا تمكن من تشخيص أسباب ما يشكو منه المريض وينصحه بالخطوات العلاجية اللازمة لمعالجتها. هذه جانب واحد. والثاني هو أنه ليس سراً القول بأن الأطباء الذين يتعاملون مع مرضاهم بطريقة «غير لائقة» يتسببون بالضرر على المرضى. ولكن هل يُدرك العاملون على تقديم الخدمة الطبية للمرضى ما هي حدود الـ«غير لائق» بالتعامل مع المريض، وهل يُدرك أولئك المتعاملون بطريقة «غير لائقة» مع مرضاهم مدى الضرر الذي يتسببون به للمريض والضرر الذي يتسببون به لأنفسهم؟
لن نذهب بعيداً في الحديث عن التعامل «غير اللائق» مع المريض، بل دعونا نعرض جانبا تم طرحه ضمن فعاليات المؤتمر السنوي الـ125 للرابطة الأميركية لعلم النفس APA، الذي عُقد في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة في الثالث من أغسطس (آب) الحالي. ووفق ما تم نشره على الموقع الإلكتروني للرابطة الأميركية لعلم النفس، عرض الباحثون في علم النفس من كلية كونيتيكت نتائج دراستهم على كيفية تعامل الأطباء مع سمنة المريض وذلك ضمن ندوة نظمتها الرابطة الأميركية لعلم النفس بعنوان: «أسلحة الإلهاء الشامل - مواجهة التمييز وفق الحجم» Weapons of Mass Distraction — Confronting Sizeism. ومصطلح «التمييز وفق الحجم» Sizeism أحد المصطلحات الحديثة التي تصف التعامل غير اللائق الذي يُلاقيه أصحاب الوزن الزائد، وخصوصا في المستشفيات والعيادات الطبية.
وقالت الرابطة: «التمييز الطبي القائم على حجم الناس والسلوك السلبي المتكرر مع الناس ذوي الوزن الزائد يُمكن أن يكون له تأثير كبير على الصحة البدنية والشعور بالعافية لدى أولئك الناس الذين لديهم وزن زائد، هذا وفق نتائج دراسة حديثة تم تقديمها في المؤتمر الـ125 للرابطة الأميركية لعلم النفس». وعلقت البروفسورة جوان كريسلر، بروفسورة علم النفس بكلية كونيتيكت ومقدمة الدراسة في المؤتمر، بالقول إن «تقديم المعالجة دون احترام والتعيير الطبي للسمنة في محاولة لدفع أولئك الناس البدناء نحو تغيير سلوكياتهم هو في واقع الأمر ضغط مرهق لهم ويُمكن أن يتسبب بتأخير تلقيهم الرعاية الطبية التي يحتاجونها أو تجعلهم يتجنبون التعامل مع مقدمي الرعاية الطبية». وأوضحت أن «التمييز وفق الحجم يُؤثر على كيفية معالجة الأطباء لمرضاهم، حيث غالباً ما يتم استبعاد الأشخاص الذين لديهم زيادة في الوزن من الأبحاث الطبية بناء على افتراضات حول حالتهم الصحية، وهذا يعني أن الجرعة القياسية والمعيارية للأدوية، التي يتم التوصل إليها من نتائج تلك الأبحاث، قد لا تكون مناسبة لأحجام أجسام أكبر من المعدل الطبيعي».
وقد أظهرت الدراسات الطبية الحديثة تكرار تلقي ذوي الوزن الزائد جرعات منخفضة وغير كافية لمعالجتهم في المضادات الحيوية وفي الأدوية الكيميائية لمعالجة السرطان». وأضافت قائلة إن «التوصية الطبية بتلقي ذوي الوزن الزائد أنواعاً مختلفة من المعالجات غير التي يتلقاها ذوو الوزن الطبيعي هو سلوك طبي غير أخلاقي وشكل من أشكال سوء الممارسة الطبية، والأبحاث الطبية لاحظت أن الأطباء وبشكل متكرر ينصحون أولئك المرضى أولاً بإنقاص الوزن قبل أي شيء، بينما المرضى الآخرون الذين يشكون من الشيء نفسه ووزنهم طبيعي يمنحون مباشرة موافقة لإجراء الأشعة المقطعية وتحاليل الدم وأنواع المعالجات». وذكرت ما هو ربما أهم في مظاهر التمييز وفق الحجم عند تعامل الأطباء مع مرضاهم البدناء، وذلك بقولها: «وفي بعض الأحيان، لا يأخذ الأطباء على محمل الجد شكاوى المرضى البدناء من أعراض مهمة طبياً ويفترضون أن السمنة هي السبب في أي شكوى يشكو منها البدين، وبالتالي قد يقفز الطبيب إلى استنتاجات تشخيصية أو لا يُجري الفحوصات اللازمة، وهو ما يُؤدي إلى ضلال وسوء التشخيص الطبي».
وذكر الباحثون أن في إحدى الدراسات الطبية التي تم فيها إجراء التشريح للمتوفين، تبين أن البدناء هم أكثر عُرضة لأن تكون لديهم أمراض مهمة ومؤثرة على سلامة حياتهم ولكن لم يتم تشخيصها لديهم خلال حياتهم، وذلك مقارنة بذوي الوزن الطبيعي، وهو ما قد يكون السبب فيه إما تحاشي أولئك البدناء طلب المعونة الطبية أو أن أطباءهم لم يُعيروا الاهتمام اللازم لشكواهم المرضية.
وأضاف الباحثون أن الدراسات الطبية السابقة أظهرت أن التعامل السلبي لدى مقدمي الرعاية الطبية مع المرضى ذوي الوزن الزائد يتسبب لهم بضغط وإرهاق نفسي، وقالت البروفسورة كريسلر: «المواقف الضمنية الكامنة وغير المُعلن عنها بصراحة من قبل الأطباء، يُعاني منها المرضى ومن أمثلتها الاعتداءات الصغيرة وغير المباشرة Microaggressions مثل تردد الطبيب في فحص أو لمس المريض السمين أو هز الرأس بطريقة مستنكرة عند قراءة قياس وزن جسم المريض، كلها سلوكيات مرهقة للمريض ومع تكرارها تجعله يشعر بالوصمة».
والواقع أن هناك خيطا رفيعا، يراه المرضى بوضوح أكثر مما يراه الأطباء أو يتوقعون أن المرضى يُلاحظونه، وذلك فيما بين الاحترام والإنصات للمريض وأخذ شكواه على محمل الجد وبين توقعات الطبيب لأسباب شكوى المريض، وفي هذا الشأن لا علاقة للأمر بمدى حصول الطبيب على أعلى الشهادات أو تلقيه التدريب في أرقى الجامعات، بل هو النظر إلى المريض على أنه إنسان يشكو من أعراض يحتاج إلى منْ يُقدم له خدمة طبية تُخفف منها. ورغم معرفتنا لتداعيات السمنة إلاّ أنها ليست السبب في كل ما قد يشكو منه المريض السمين، كما أن سمنة المريض يجدر أن لا تكون عائقاً عن إجرائه الفحوصات الآمنة بدلاً من الفحوصات المتقدمة بدعوى أن أجهزة الفحص لا تتحمل حجمه ووزنه.



باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».