الإنسان لديه حاسة شمّ قوية

الإنسان لديه حاسة شمّ قوية
TT

الإنسان لديه حاسة شمّ قوية

الإنسان لديه حاسة شمّ قوية

ثمة اعتقاد شائع في الأوساط العلمية أن قدرات الإنسان في حاسة الشمّ هي قدرات أضعف بكثير من تلك التي لدى كثير من الحيوانات، ولكن البحوث الحديثة تطرح نتائج مخالفة لهذا تماماً، وتعطي في الوقت نفسه مبررات علمية لضرورة الاهتمام بسلامة وصحة حاسة الشمّ.
من أين بدأت إشكالية الاعتقاد بتدني قدرات الإنسان في حاسة الشمّ وما سبب انتشار هذا الوهم لدى الأوساط العلمية ومنها انتشر بين الناس؟
الإجابة طرحها الدكتور جون ماكغين، الباحث في علوم الأعصاب بجامعة ريتجرز في نيوجيرسي، ضمن عدد 12 مايو (أيار) من مجلة «ساينس» Journal Science حينما عرض نتائج دراساته خلال العقود الماضية حول حاسة الشمّ لدى الإنسان. وقال الدكتور ماكغين ما مُلخصه: فكرة أن البشر لديهم حاسة شم ضعيفة بدأت في القرن التاسع عشر، وهي من مجموعة «خرافات القرن التاسع عشر العلمية» التي ألقت بظلالها على كثير من الحقائق حول الجسم البشري وصحته وأمراضه، والتي يُعاني منها البحث العلمي في جهود نفيها وإثبات عكسها.
ويضع الدكتور ماكغين كثيرا من اللوم على الطبيب الفرنسي بول بروكا في القرن التاسع عشر، وهو أحد الخبراء العلميين المشهورين جداً في تشريح الدماغ البشري، وشهرته العلمية هذه التصقت بعلم تشريح الدماغ ومحاولات التعرف على وظائف أجزائه المختلفة. والدكتور بروكا هو منْ حدد أحد مناطق الفص الجبهي Frontal Lobe في الدماغ والمرتبطة بوظائف تتعلق بمعالجة الدماغ للغة Language Processing وتكوين جمل وكلمات الكلام وفهم معانيه واستيعاب اللغة واستيعاب الإيماءات المرافقة لنطق الكلام، وتُسمى حتى يومنا هذا هذه المنطقة الدماغية باسم منطقة بروكا Broca Area. ولأنه اعتقد أن هذه المنطقة مهمة في اكتساب الإنسان درجات عالية من الذكاء المستنير بالنظر إلى حجمها، فإنها شغلت غالبية التجويف في الجزء الأمامي من جمجمة الدماغ، ما أعطى حجماً صغيراً لجزء الدماغ الموكول إليه مهمة معالجة الشمّ، أي البصيلة الشمّية Olfactory Bulb. ولأن حجم هذه البصلة الشمّية في الدماغ صغير نسبياً بالمقارنة مع ما لدى الثدييات والقوارض، ومدسوسة عميقاً بالمقارنة مع الجزء الأمامي للدماغ، فإن الإنسان برأي بروكا لا يمتلك قدرات شمية عالية مقارنة بالحيوانات، وبالتالي انتشر اعتقاد في الأوساط العلمية، ومنهم إلى بقية الناس، مفاده أن الإنسان لديه شعور ضعيف بالرائحة، على حد تحليل الدكتور ماكغين للأمر.
ويُضيف الدكتور أفري غيلبرت، المتخصص في علوم الشمّ النفسية والعصبية، تفصيلاً غاب عن أذهان كثيرين حول موقع وحجم بصيلة الشمّ بقوله إن «وضعية بصيلة الشمّ تحت الفص الدماغي الجبهي يُمكّن الإنسان من دمج الشعور بالرائحة مع العمليات الدماغية الأخرى التي تتعلق بالتفكير والعقل، أي أننا لا نشعر بشم الرائحة ونتفاعل مع ذلك كردة فعل بل نفكر فيها، وهو ما يتيح لنا وضع قيم ومشاعر عاطفية مختلفة ومعاني للرائحة التي نشمها، أي أننا نتعامل مع الرائحة كرمز».
ويُوضح الدكتور ماكغين المزيد حول هذا بقوله: «كون بصيلة الشمّ أصغر نسبياً لدى الإنسان، مقارنة مع أجزاء الدماغ البشري الأخرى، لا يعني تلقائياً أننا كبشر ضعيفين في قدرات الشمّ. إن حجم بصيلة الشمّ الدماغية كبير وعدد الخلايا الشمّية فيها هو مقارب لما لدى بقية الثدييات، ومستوى الإحساس بشم الرائحة يعتمد على تمييز أنواع الأريج الذي تتكون منه الرائحة. وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان لديه قدرات أعلى بكثير من الحيوانات في الكشف عن أحد أنواع أريج الروائح المنبعثة مع القهوة الطازجة. ولدى الباحثين المتخصصين في علم الشمّ العصبي، قدرات الشمّ عند الإنسان قوية ولكن لسبب ما لا يزال الوهم منتشراً بين الناس وفي بعض الأوساط العلمية منذ 150 سنة دون أي إثبات علمي على ذلك». والأريج Odorant هو عبارة عن مركب كيميائي متطاير في الهواء، ويوجد بتركيز منخفض يشعر به الإنسان أو الحيوانات عبر حاسة الشمّ، ويكون الوزن الجزئي له أقل من 300.
وأضاف: «يستطيع الإنسان التمييز بين ما يُقارب تريليون نوع مختلف من الروائح، وليس كما يعتقد البعض أنه يستطيع فقط التميز بين 10 آلاف نوع من الرائحة. ونحن كبشر أفضل في الإحساس بالروائح مقارنة ببقية الحيوانات وأكثر قدرة على تتبعها، وحالتنا السلوكية والعاطفية تتأثر بشعورنا بالروائح، مثل كيفية تفاعلنا مع الغير واختيار الشريك وانتقاء ما نأكل. وتناقص قدرات الشمّ لدينا مع التقدم في العمر يتطلب من الأطباء أن يأخذوا هذا الأمر على محمل الجد بشكل أكبر، وبعض الدراسات الطبية لاحظت أن ذلك قد يكون بداية مشاكل في الذاكرة أو أمراض عصبية أخرى. ونأمل أن يبدأ الوسط الطبي في إدراك أهمية حاسة الشمّ وأن فقدها شيء ليس هيناً».
وتشير المؤسسة القومية للشيخوخة بالولايات المتحدة، إلى أن إحساسنا بالشمّ كما أنه وسيلة للاستمتاع بالحياة في الاستمتاع بالروائح العطرة ونكهة أصناف الأطعمة هو أيضاً وسيلة إنذار لمخاطر انبعاث الغازات والدخان وفساد الأطعمة، وأي فقد لقدرات الشمّ له تأثيرات سلبية على نوعية حياتنا وقد يكون علامة على اضطرابات صحية عميقة. وتضيف أن من النادر حصول فقد تام للشعور بالشمّ Anosmia، ولكن تزداد اضطرابات الشمّ مع تقدم المرء في العمر، ولدى الرجال أكثر من النساء، ونحو 25 في المائة من الرجال فيما بين عمر ستين وسبعين لديهم اضطرابات في حاسة الشمّ، وكثير منهم لا يعلم أن ذلك لديه، وهذه الاضطرابات قد تكون على هيئة تناقص في قدرات الشمّ Hyposmia أو تغير في الشعور بالرائحة Dysosmia. وفي حالات مرضية معينة، مثل مرض باركنسون العصبي وألزهايمر والتصلب اللويحي، يُلاحظ أن اضطرابات الشمّ هي من أوائل علامات الإصابة بهذه الأمراض، كما ترافق اضطرابات الشمّ حالات مرضية أخرى كالسمنة ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم وسوء التغذية، وأن التنبه إليها يُساعد في معالجة هذه الاضطرابات المرضية.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]



باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».