مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

المواعيد الإنجليزية

في الزمان الأول بالجزيرة العربية، كانوا يحسبون الوقت ويعطون المواعيد حسب مواقيت الصلاة، كأن يقول الواحد للآخر: سوف أمر عليك بين المغرب والعشاء، وما بين المغرب والعشاء (ساعة ونصف الساعة) تقريباً، والكارثة لو أنه قال: سوف أمر عليك بعد العشاء، لأن الوقت في هذه الحالة يكون مفتوحاً إلى صلاة الفجر - وهي ثماني ساعات تقريباً.
لهذا أصبح الناس عندنا للأسف إذا أرادوا أن يؤكدوا موعداً يقولون: (حسب التوقيت الإنجليزي).
وأعجبني مهندس ذهب إلى عيادة طبيب في الموعد المحدد، ولكنهم (لطعوه) في غرفة الانتظار ساعتين، فغضب وخرج، وفي اليوم التالي بعث للطبيب بفاتورة عن أجره الضائع لمدة ساعتين.
ويحكي (تشستر باولز) الذي عين سفيراً للولايات المتحدة لدى الهند عن اجتماع سياسي عقد هناك بحضور البريطانيين من أجل بحث استقلال الهند، وقد بدأ الاجتماع متأخراً عن موعده 45 دقيقة، وعندئذ نظر غاندي في ساعته عابساً، وقال إن استقلال الهند سوف يتأخر أيضاً 45 دقيقة. والمعروف عن الأمير (برنارد) الهولندي كما يصوره كاتب سيرته أنه يؤمن بالمثل الذي يقول (إن الدقة في المواعيد من أدب الملوك)، فإذا جاء في دعوة الغداء وكان الموعد الثانية عشرة والنصف، فيمكن أن تعتمد تماماً على أن الأمير سوف يحضر في الساعة الثانية عشرة وتسع وعشرين دقيقة ونصف الدقيقة.
وسبق أن زارني أحدهم في منزلي دون سابق موعد، وكان يحق لي أن أعتذر من استقباله، غير أنني جاملته بحكم أنه من أقاربي، وجلست معه وإبريق شاهي يأتي وإبريق شاهي يذهب، وهو لا يتعب من الحكي الذي يجعل الكبد تلعى، وبعد أن وصل الوقت إلى الساعة الثالثة صباحاً، طفح الكيل عندي، فاستأذنت منه لأنني أريد أن أنام، قائلاً له: خذ راحتك البيت بيتك.
عندها انتبه وصاح قائلاً: يا إلهي هل تصدق أنني كنت أظن أنني في بيتي، وكنت مستغرباً منك أنت لأنك أطلت الجلوس!!
وعرفت ساعتها أنني استقبلت وجاملت (درويشاً)، أو بتعبير أخف هو: (ناقة الله وسقياها).
وأدهى من ذلك الدرويش، عندما كنت في إسبانيا ودعيت إلى حفلة عشاء أقامها رجل أعمال في منزله على شرف سيدة مجتمع لها (شنة ورنة)، وتوزع الحاضرين والحاضرات على الطاولات والكراسي في الحديقة الأنيقة، وقال لي المضيف وهو ينظر في ساعته: الله يستر، فالسيدة مشهورة بعدم احترام المواعيد، وما إن أتم جملته حتى هلت هي على الجميع بطلعتها في الموعد نفسه بالضبط.
غير أنها استأذنت لمدة دقائق لكي تذهب سريعاً إلى (التواليت) لتتأكد من زينتها، واستمر ذلك التأكد أكثر من ساعة كاملة، إلى درجة أن البعض خرج، وكنت أنا من أول الخارجين.