الأجواء الشتائية المتقلبة، وتداعيات هطول الأمطار بغزارة، وتأثيرات انخفاض درجات الحرارة في مناطق شتى من العالم، كلها دفعت كثيرًا من الهيئات الطبية والصحية العالمية، خلال الأسابيع الماضية، إلى إصدار مجموعات من النصائح والإرشادات التي يُسهم تطبيقها والاستفادة منها في تخفيف مختلف التأثيرات الصحية السلبية التي يكثر حصولها في فصل الشتاء البارد.
وضمن عدد 30 يناير (كانون الثاني) للمجلة الأميركية لعلم الأوبئة American Journal of Epidemiology، نشر الباحثون من جامعة هارفارد ومن مؤسسة مجموعة البحوث الصحية في سياتل نتائج دراستهم تأثيرات العواصف الثلجية في رفع معدل الإصابات بالنوبات القلبية والانتكاسات الصحية لدى مرضى القلب. ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن ثمة ارتفاعًا حادًا في حالات الدخول إلى المستشفى بسبب متاعب في القلب والشرايين بالجسم خلال اليومين التاليين لحصول العواصف الثلجية، مثل النوبة القلبية أو آلام الذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية، وتحديدًا ارتفاعًا بنسبة 23 في المائة في حالات الدخول إلى المستشفى، بسبب المتاعب في القلب خلال تلك الفترة.
إصابات البرد
من جانبها، أعلنت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها (CDC) على موقعها الإلكتروني أن حالات الطوارئ بسبب برودة الأجواء الشتائية تمثل تحديات متعددة على الصحة وعلى السلامة خلال فترة برودة الأجواء، وخلال تقلبات درجات الحرارة ونسبة الرطوبة فيه. وتشمل حالات الطوارئ تلك كيفية التعامل مع المشكلات الصحية الناجمة عن برودة الأجواء كقضمة الصقيع Frostbite وانخفاض حرارة الجسم Hypothermia، التي في كثير من الأحيان قد تصيب صغار وكبار السن في أجواء الشتاء، على الرغم من عدم انخفاض درجات الحرارة بشكل شديد، وقد تصيب غيرهم حال انخفاض درجات الحرارة بشكل شديد في الليل. وتشمل أيضًا التسمم بغاز أول أكسيد الكربون Carbon Monoxide Poisoning وغيره من تداعيات الاستخدام غير الصحي للمدافئ والمواقد، إضافة إلى التهديدات الصحية التي قد تتسبب بها القيادة غير الآمنة للسيارات في الطرق أثناء هطول الأمطار أو الصقيع، والفيضانات جراء ذوبان الثلوج والجليد وسيول الأمطار. وتؤكد المراكز أنه على الرغم من عدم وجود ضمانة للسلامة في حالات الطوارئ في طقس فصل الشتاء البارد، فإنه بالإمكان اتخاذ عدد من الخطوات لحماية النفس بشكل أفضل.
البرد والقلب
وتقول رابطة القلب الأميركية (AHA) في نشراتها الحديثة إنه من المهم معرفة كيفية تأثير البرد على القلب، خصوصًا لدى مرضى القلب ومرضى الأوعية الدموية، وعليهم أن يحذروا من حالة «انخفاض حرارة الجسم»، وهي حالة تصبح فيها حرارة الجسم أقل من 35 درجة مئوية، وتحصل نتيجة عدم قدرة الجسم على إنتاج الطاقة الحرارية بشكل يكفي للحفاظ على حرارة الجسم ضمن المعدلات الطبيعية، وهي حالة قاتلة، وأعراضها تشمل فقدان القدرة على التوازن والتشوش الذهني وبطء التفاعل ورجفة القشعريرة والنعاس الشديد.
والأطفال الصغار والكبار في السن أشدّ عُرضة للإصابة بحالة انخفاض حرارة الجسم بسبب عدم قدرتهم على التواصل والتفاعل وتدني حركة الجسم لديهم. وأيضًا تقل سماكة طبقة الشحم ما تحت الجلد لدى كبار السن، مما يُقلل من قدرة أجسامهم على الإحساس بدرجة الحرارة ويُقلل من قدرة أجسامهم على الاحتفاظ بالحرارة الداخلية، وهما ما يُعرضانهم لخطورة تداعيات الوجود في أماكن باردة. وإضافة إلى برودة الطقس، فإن هناك عوامل أخرى تجعل المرء عُرضة للإصابة بانخفاض حرارة الجسم، مثل سرعة الرياح، التي تجعل الجسم يُصاب بدرجة من البرودة هي بالفعل أشد من البرودة التي يشير إليها جهاز قياس الحرارة للطقس، والتي أيضًا تزيل بسرعة طبقة الهواء الدافئ المحيط بالجسم.
وهناك عامل الرطوبة والجفاف، ذلك أن ارتفاع الرطوبة يجعل الجسم يفقد بسرعة كمية أكبر من حرارة الجسم، بخلاف الوجود في مناطق باردة وجافة. وتضيف الرابطة قائلة: «للبقاء في دفء عليك أن ترتدي عدة طبقات من الملبوسات، وهو ما يُسهم في حبس الهواء الدافئ حول الجسم، وارتداء قبعة تغطي الرأس أو ارتداء وشاح حول الرأس والرقبة والأذن، مع الحرص على تدفئة القدمين واليدين لأنهما يفقدان الحرارة أسرع».
والواقع أن فصل الشتاء هو فترة زمنية سنوية تتطلب العناية الخاصة بمرضى القلب والأوعية الدموية، كأمراض الشرايين القلبية وارتفاع ضغط الدم وتضيقات الشرايين الطرفية وغيرها. وتشير نتائج الدراسات الطبية إلى أن التغيرات الفسيولوجية التي تحصل في الجسم خلال فترة فصل الشتاء لا علاقة لها بشكل مباشر بمدى انخفاض درجة حرارة الطقس أو مدى هطول الأمطار والثلوج، بل ثمة تغيرات فسيولوجية حيوية تحصل في الجسم بالعموم وفي القلب والأوعية الدموية على وجه الخصوص، تجعل الجسم خلال فترة فصل الشتاء أكثر عُرضة للإصابة بالانتكاسات الصحية نتيجة للتأثر بالميكروبات والتقلبات المناخية واضطرابات ضبط ارتفاع ضغط الدم وعدم انضباط مستوى حصول تفاعلات الأيض الكيميائية الحيوية بالجسم.
اضطرابات ضغط الدم
وتفيد نتائج عدة دراسات طبية تم عرضها في مؤتمرات رابطة القلب الأميركية بأن في فصل الشتاء ترتفع احتمالات حصول اضطرابات في انضباط مقدار ضغط الدم، حتى لدى مَنْ يتعالجون منه بتناول الأدوية، وذلك بالمقارنة مع فصل الصيف. وهذه الاضطرابات تمت ملاحظتها بغض النظر عن مدى انخفاض درجة الحرارة في المدينة التي يسكن فيها المرء. وإحدى تلك الدراسات للباحثين الأميركيين من واشنطن لاحظت ذلك الأمر لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم في مدن ألاسكا، الشديدة البرودة في فصل الشتاء، وأيضًا لدى سكان المدن الأقل برودة كما في بورتوريكو في حوض الكاريبي. وقد يُعزى هذا الأمر للزيادة المتوقعة في وزن الجسم لدى الكثيرين خلال فصل الشتاء نتيجة لقلة الحركة وبذل المجهود البدني، وربما أيضًا تكون اضطرابات ضغط الدم تلك بسبب زيادة تناول الأطعمة المالحة أو زيادة تناول الملح. ويُضيف بعض الباحثين الطبيين احتمال حصول ذلك الاضطراب في ضغط الدم بسبب انقباض الأوعية الدموية في الأطراف ومنطقة الجلد بفعل البرودة، مما يدفع الدم إلى داخل الأوعية الدموية وبالتالي ارتفاع ضغط الدم وزيادة العبء على القلب، وهو ما قد يُفسر أيضًا ملاحظة ارتفاع احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية ونوبة الجلطة القلبية في فصل الشتاء مقارنة بالفصول الأخرى للسنة. وتشير بعض المصادر الطبية إلى عوامل أخرى، مثل الآثار الجانبية المعروفة على ضغط الدم نتيجة لتناول أدوية معالجة نزلات البرد والإنفلونزا، وأيضًا نتيجة لتناول الأدوية الخافضة للحرارة والمسكنة للألم والمضادة للالتهابات أثناء الوعكات الصحية تلك.
نزلات البرد
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، ترتفع في فصل الشتاء احتمالات الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا والتهابات الجهاز التنفسي السفلي كالتهابات الشُعب الهوائية والتهابات الرئة، خصوصًا لدى المرضى المُصابين بأمراض مزمنة في القلب والرئة والكلى والكبد والجهاز التنفسي. وهو ما يتطلب من مرضى القلب معرفة كيفية التعامل مع هذه الاحتمالات. وتؤكد رابطة القلب الأميركية أن الطقس البارد يرفع من خطورة أمراض القلب، ولذا فإن على مرضى القلب أن يأخذوا الحيطة لحماية قلبهم خلال فصل الشتاء، خصوصًا من مضاعفات الإنفلونزا وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي. وذكرت أن الوفيات بالإنفلونزا أعلى لدى مرضى القلب مقارنة بعموم المُصابين بأمراض مزمنة وأيضًا مقارنة ببقية الناس. وتحث جمعية مرضى القلب على تلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية بشكل سنوي لاجتياز فترة موسم الإنفلونزا، الذي يمتد إلى شهر مارس (آذار) من كل عام في النصف الشمالي للكرة الأرضية. وتُضيف أن على مرضى القلب ومرضى الأوعية الدموية كمرضى ارتفاع ضغط الدم، أن يتنبهوا لما يتناولونه من أدوية لعلاج نزلات البرد، خصوصًا المحتوية على مواد مضادة للاحتقان، وأن يستشيروا الطبيب حين ذلك.
• استشارية في الباطنية