الأرجح أن معظم كبار الساسة، وصنّاع القرار، في جهات الكوكب الأربع، والقارات الخمس، سوف يضبطون منبهات ساعاتهم على توقيت واشنطن صباح يوم الجمعة المقبل، حيث سيتم تنصيب دونالد ترامب. مَن سيتخلف عن متابعة حدث هو الأبرز في مطلع 2017 سيُنيب عنه، بالطبع، مَن يوجز له أهم ما جرى. الحفل ذاته ليس هو المُهِم، مع أنه غير مسبوق، إذ ضخ أصدقاء الملياردير المتبرعون ما فاق اثنين وتسعين مليون دولار للمناسبة، كي تحفل بفخامة لم يسبق لها مثيل، وهو ما لم يحصل من قبل في تاريخ تسنّم أي رئيس أميركي مسؤولية الرئاسة. الأهم من كل ما سترى العين وتسمع الأذن، هو استشفاف إشارات أولية عن سياسات الرئيس ترامب وإدارته، وإلى ذلك تضاف محاولة تبيّن ما إذا كان الانسجام حاصلا بينهما، شخص الرجل من جهة، وأفكار رجال طاقمه، في الجهة المقابلة. لضرورة هذا التبيّن أكثر من سبب، في المقدم منها أن دونالد ترامب المرشح، ثم الرئيس المُنتخب، أطلق العنان للكلام على نحو أعطى الانطباع أنه ذو لسان كما المدفع المنفلت، أو كما يُقال في قاموس ساسة الغرب (LOOSE CANON) وزاد بلل طين التحسب إزاء مواقفه أن ما طفق يغرّده لم يُطمئن، بل بثّ مخاوف أعمق، بينما تبيّن مما نطق به المرشحون لأهم مناصب إدارته (الخارجية والدفاع والأمن والاستخبارات) خلال استجواب اللجان المختصة لهم، وجود فارق بيّن ما بين أقوال الرئيس وبين ما يقوله أركان إدارته، خصوصًا ما تعلق بالعلاقة مع روسيا فلاديمير بوتين، قيصر الكرملين، الطامح لإحداث انقلاب بكل الموازين الدولية، بما فيها تفتيت حلف شمال الأطلسي (ناتو) من خلال ما يوصف بصداقة، أو إعجاب متبادل، بينه وبين الآتي للبيت الأبيض من خارج تحالفات ساسة أميركا التقليديين.
سوف أستأذن هنا في استحضار كلمات كتبتها في هذه المساحة، الأربعاء الماضي ورد فيها ما يلي: «التساؤل الذي يبقى قائمًا، هو ما إذا كان الرئيس ترامب سوف يواظب على أسلوب إعلان المواقف أو القرارات عبر تغريدات (تويتر). إن حصل ذلك، بصرف النظر عن عامل توفر الوقت، وحقيقة وجود دور للمساعدين أو عدمه، فإن الأمر في حد ذاته سيكون سابقة، وهي سوف تحمل معها هامش خطر يُفترض أن يؤخذ بعين الاعتبار، ذلك أن خطأ غير مقصود يتضمنه نص تغريدة لرئيس أميركا، هبّ أنه مجرد خطأ إملائي، قد يشعل حرائق ربما لم تخطر على بال أحد، وربما يصعب إطفاؤها قبل فوات الأوان وانتشار ألسنة لهيبها». سبب استحضار ما سبق هو ما تصريح لمسؤول أميركي كبير توافق مع ما كتبت. والحق أن المسألة ليست بحاجة إلى كثير ذكاء، إذ يدركها كل من يعقل خطر عبث الكلام في حقول مزروعة بألغام، منها الواضح ومنها الخفي. تصريح المسؤول الأميركي ورد خلال مقابلة لشبكة «فوكس نيوز» الأحد الماضي مع جون برينان، مدير (CIA) المُغادر منصبه، ضمن تغييرات ما بعد تغير الرئيس الأميركي، وتضمنت قوله إن على الرئيس ترامب إدراك «أن عواقب وتأثيرات ما يقول أو يغرد قد تكون وخيمة على الولايات المتحدة»، وزاد المسؤول أن «الأمر يتعدى ترامب، إنه يتعلق بالولايات المتحدة».
تُرى، هل تنجح مؤسسات الحكم الأميركي ذات الأذرع المتمددة بكل دهاليز مرافق صنع القرار، محليًا وخارجيًا، بالتحكم في سلوك تصريحات الرئيس، وضبط تغريداته، وربما إقناعه بإلغاء حسابه الشخصي، والاكتفاء بالحساب الرسمي للرئيس الأميركي، لأجل ضمان عدم تعريض مصالح أميركا الدولة، بل أقوى دول العالم، فضلاً عن حسابات علاقاتها، وموازين تحالفها، لأي خطر لم يُحسب له أي حساب؟
ربما، بل المنطق يقول بضرورة أن يحصل هكذا انضباط. وبصرف النظر عن قبول ترامب بضوابط السلوك الرئاسي، أو الإصرار على الرفض، يظل دائما بمقدور أجهزة دول العالم الصناعي، ومؤسساته، أن تفرض على السياسي، بكل مواقع الحكم، ما قد يبغض، فإما يرضخ ويقبل، وإما يرحل، وفي كُتب التاريخ أمثلة كثيرة. الاحتمال الأغلب أن الحال مع الرئيس ترامب لن يصل تلك الدرجة. سبب ذلك ليس بحاجة لكثير ذكاء أيضًا، فإضافة إلى هيمنة مؤسسات أميركا الدولة، يجب ألا يغيب عن البال أن دونالد ترامب تهمه، أولاً وقبل كل شيء، حسابات الربح والخسارة، كما كل ملياردير أعمال. ننتظر ونرى، ألم يقل الأولون إن «غدًا لناظره قريب»؟ بلى.
8:2 دقيقه
TT
تغريد ترامب أم هيمنة المؤسسة؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة