مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

تجربة الست فايزة

قرأت خبرًا كاشفًا عن عمق الهوة وأزمة الثقة التي تحيط بالعالم وتفترس النفوس بسبب هيمنة الخوف والقلق ونظرات الترقب والحيرة.
الخبر عن مواطنة بريطانية مسلمة اسمها فايزة شاهين، من أصول شامية كما يبدو، كانت عائدة على متن طائرة شركة طيران بريطانية، من رحلة شهر عسل في تركيا، والسبب هو الاشتباه في فايزة لأنها كانت تقرأ كتابًا عن سوريا.
في التفاصيل، ذكرت صحيفة «إندبندنت» البريطانية أن فايزة شاهين أوقفت في مطار «دونكاتسر» بمدينة يوركشاير، شمال شرقي إنجلترا، خلال عودتها من مدينة مرمريس التركية.
المفارقة، كما ذكرت فايزة، هو أنها تعمل على تقديم المشورة في كيفية مكافحة التطرف لدى النشء المسلم، فهي تعمل، كما ذكرت الصحيفة، في الصحة النفسية لوقاية المرضى النفسيين المراهقين من التوجه نحو التطرف.
بالنسبة للشرطة البريطانية فهي تقول إنها تصرفت بشكل قانوني، مع فايزة، فهي استجوبتها نحو ربع ساعة، بموجب المادة 7 من قانون مكافحة الإرهاب، وإنه من حق ركاب الطائرة أو طاقمها الإبلاغ عن أي تصرف مريب، ومن حق الشرطة التحقيق والتحقق من الأمر.
من المؤكد أن ما تعرضت له فايزة تجربة محرجة ومستفزة لها، ولأمثالها، تجربة تولد شعورًا بالغبن، ولكن لا تملك هي ولا غيرها أن ترفض طلبات الشرطة والجهات الأمنية، فنحن، العالم كله، يعيش حالة طوارئ حقيقية بسبب هجمات الإرهابيين شبه اليومية في مدن الغرب، وديار العرب والمسلمين أيضًا. فكيف السبيل وما هو الحل؟!
قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 كانت إجراءات السفر واستخراج التأشيرات لأميركا ودول أوروبا، والعالم كله، سهلة ميسورة، وبعدها اختلف الحال، وتبدلت الأحوال، وهيمن الشك على أجهزة الأمن العالمية، ومنافذ الدخول بالمطارات ومعابر الحدود.
في السعودية، بعد اندلاع موجة الإرهاب القاعدي في مايو (أيار) 2003 تغيرت ثقافة الأمن بالرياض وغيرها من مدن السعودية، وصرنا نشاهد الحواجز الخرسانية على مداخل الفنادق والمقرات الرسمية.
ربما يبالغ الغربيون في قلقهم، يستهدفون الأبرياء، بينما الخطر كامن في أماكن أخرى، وربما يكون هذا بسبب جهلهم بطبيعة المجتمعات المسلمة، وتنوعها، وربما يكون هذا الشك بفعل طبيعة نفسية وخبرة تاريخية معلولة بالضمير الجمعي للقوم، وربما يكون بسبب البث اليومي لأخبار الإرهاب.
قد يكون ذلك كله، لكن السؤال هل نفعت هذه الاحترازات شيئا؟ وهل كف الإرهاب عن النشاط؟ في اليوم نفسه الذي أوقفت فيه شرطة المطار البريطانية المواطنة المسلمة فايزة شاهين، المكافحة للتطرف، وقعت حادثة طعن إرهابية بالسلاح الأبيض وسط لندن!
مهما كان الأمن يقظًا، فإن هزيمة الإرهاب معركة فكرية أصلاً وفصلاً.