تتجه الأنظار إلى تركيا، في انتظار «الخطوة التالية» التي قد تقوم بها أنقرة بالتعاون مع المملكة العربية السعودية في ضوء تفاقم الأزمة السورية، بعد التصريحات السعودية عن الاستعداد للتدخل بريا في سوريا من أجل محاربة تنظيم داعش.
وفي حين ترتفع حدة الأصوات في الداخل التركي مطالبة بالتدخل في سوريا مع وصول موجات النازحين إلى الحدود التركية، وأخبار العمليات العسكرية الروسية بالتعاون مع النظام السوري والحرس الثوري الإيراني والميليشيات اللبنانية والعراقية، أكدت مصادر تركية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» أن أنقرة لن تقف مكتوفة حيال ما وصفته بـ«المأساة الإنسانية» عند حدودها الشمالية.
وحول الحرب التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه بدعم جوّي روسي، شددت المصادر على أن تركيا «تدرس خياراتها»، لكنها مصممة على عدم ترك الشعب السوري وحيدا في أزمته. إلا أن المصادر نفسها رفضت أن تؤكد وجود نية للتدخل العسكري التركي في الشمال السوري، مشيرة إلى أن اتصالات عالية المستوى تجري بين تركيا وحلفائها في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية من أجل تطوير خطط «مكافحة الإرهاب»، معتبرا أن روسيا تخلق أزمة إنسانية غير مسبوقة في المنطقة، وتحاول الرمي بها نحو تركيا، في إشارة إلى موجات اللاجئين التي تصل الحدود التركية هربا من القصف الروسي.
في هذه الأثناء، تتابع المعارضة السورية بكثير من الاهتمام المعلومات المتداولة عن استعدادات سعودية - تركية للدخول برا إلى سوريا بإطار المواجهة التي يخوضها التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وتنظيم داعش. ولفت ما نقلته شبكة «سي إن إن». الأميركية يوم أمس عن أن عدد المتدربين للدخول إلى سوريا قد يصل إلى 150 ألف جندي، وأن معظم الأفراد هم سعوديون بالإضافة إلى قوات مصرية وسودانية وأردنية تتواجد حاليا داخل المملكة.
ومن ناحية أخرى، بعد التصريحات الروسية والإيرانية المحذّرة من تدخل مماثل، نبّه وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحافي في دمشق السبت من أي «عدوان» بري في الأراضي السورية، معتبرًا أن «أي مُعتدٍ سيعود بصناديق خشبية». وتابع المعلم أن «أي تدخل بري في الأراضي السورية دون موافقة الحكومة السورية هو عدوان، والعدوان يرتب مقاومته التي تصبح واجبا على كل مواطن سوري». ثم أضاف: «لا أحد يفكر في الاعتداء على سوريا أو انتهاك سيادتها لأننا سنعيد من يعتدي على سوريا بصناديق خشبية سواء كان تركيا سعوديا، أو كائنا من يكون».
في المقابل، وصف عضو «الائتلاف» السوري المعارض أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط» التهديدات التي أطلقها المعلم بـ«الهراء» لافتا إلى أن الأخير «يدرك تماما أن نظامه لم يعد موجودا فإذا به يتحدث باسم المحتل». وأردف رمضان «الجنود السوريون المتواجدون في الميدان باتوا أقلية ولا تتخطى نسبتهم الـ20 في المائة من مجمل عدد المقاتلين، ما يعني أنه من بين كل 10 مقاتلين هناك فقط مقاتلان سوريان اثنين».
وشدّد رمضان على أن سوريا «باتت رسميا دولة محتلة وأي مقاومة يجب أن تنطلق من دحر المحتلين لأن النظام بات تابعا للاحتلال». واعتبر أن هناك «حاجة ماسة لخروج الدول الشقيقة من حالة التريث وانتظار الموقف الأميركي»، متمنيا على المملكة العربية السعودية «أخذ زمام المبادرة السياسية والعسكرية وكسر حاجز الفيتو الأميركي الذي يمنع بتزويد المعارضة بالسلاح النوعي». وأضاف: «نحن قادرون على إعادة التوازن على الأرض في حال تم مدنا بهذا السلاح.. حتى ولو لم يكن هناك تدخل بري من قبل أشقائنا».
ومن جهته، وصف أديب الشيشكلي، ممثل «الائتلاف» في دول مجلس التعاون الخليجي وعضو مؤتمر الرياض، الإعلان السعودي عن الاستعداد للمشاركة بعملية عسكرية برية في سوريا بـ«المهم جدا»، مشددا على أن «أي تدخل عربي لوضع حد للإرهاب والنزيف المستمر في سوريا منذ 5 أعوام، أمر مرحب فيه». وقال الشيشكلي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأ الحديث عن عملية مماثلة بعيد تشكيل التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، ونعتقد أنّه أمر ضروري ومطلوب أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد فشل المفاوضات الأخيرة التي انطلقت في جنيف»، لافتا إلى أنّه «طالما لا يوجد توازن عسكري في الميدان السوري فالجو والظروف التفاوضية غير متوافرة».
وشدّد الشيشكلي على أن الشعب السوري «لن يقبل بأن يذهب ممثلوه إلى المفاوضات وهو يرزح تحت القصف والتجويع»، مجددا التأكيد على أن «خلق نوع من التوازن العسكري على الأرض وحده الكفيل بالتمهيد لانطلاق عملية سياسية ناجحة لحل الأزمة السورية».
أما الخبير الاستراتيجي نزار عبد القادر، فأكد أن الطرح السعودي بالتدخل بريا لمحاربة «داعش» في سوريا «جدي تماما»، لافتا إلى أنّها «محاولة للتجاوب مع متطلبات الوضع في سوريا ومنع انزلاقه باتجاه متاهات جديدة في ظل الهجمة الروسية – الإيرانية الشرسة على حلب ودرعا وغيرهما من المناطق». وقال عبد القادر لـ«الشرق الأوسط»: «إجراء مماثل من شأنه أن ينقذ تركيا من المأزق التي وضعتها في روسيا حين هددت بالانقضاض على أن تدخل لأنقرة في سوريا». وفيما وصف الوضع في الشمال السوري بالـ«خطير جدا»، اعتبر عبد القادر أن «التدخل البري المرتقب يجب أن يكون بغطاء أميركي». وأضاف: «على واشنطن أن تدعو موسكو أولا لتغيير استراتيجيتها في سوريا، وإذا رفضت سيكون على أميركا وحلفائها إدخال قوات برية إلى سوريا على أن يتزامن ذلك مع إقامة منطقة حظر جوي في الشمال السوري». وكان وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر عبّر قبل أيام عن تطلعه لمناقشة ما قيل إنه استعداد سعودي للتدخل بريا ضد تنظيم داعش في سوريا، في وقت أفاد العميد أحمد عسيري، مستشار وزير الدفاع السعودي بأن اجتماعا لممثلي التحالف الدولي يعقد في بروكسل الأسبوع المقبل سيبحث تطوير الحرب على التنظيم.
في هذه الأثناء، في أنقرة، شدد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهيم قالن، على «ضرورة محاسبة روسيا لقتلها المدنيين في سوريا». وأشار قالن، إلى أن المحادثات السورية في جنيف برعاية الأمم المتحدة لحل الأزمة التي تشهدها بلادهم، بدأت بوجود مشاكل كبيرة - تأجلت حتى الـ25 من الشهر الجاري - مؤكدًا أن «السبب الرئيسي في تأجيلها، هو هجمات نظام (بشار) الأسد، المدعومة بالقصف الروسي». وقال: إن «هجمات الأسد المتواصلة، منذ ذلك التاريخ، أودت بحياة مئات المدنيين السوريين الأبرياء، من نساء وأطفال، كما تسببت في دفع عشرات الآلاف الآخرين إلى النزوح، طلبًا لأماكن أكثر أمنًا».
وبيّن قالن أنه «من الواضح للعيان، أن تنظيم داعش ليس ضمن أهداف الغارات الروسية، فـ90 في المائة منها يستهدف المدنيين والمعارضة المعتدلة»، مشددًا على أن «هدف موسكو ليس محاربة داعش، بل ضمان بقاء الأسد، الفاقد للشرعية، الذي ارتكب جرائم حرب».
المعارضة السورية تعوّل على تدخل بري سعودي ـ تركي {يضع حدًا للتمادي الروسي}
أنقرة: لن نقف مكتوفي الأيدي حيال المأساة الإنسانية
المعارضة السورية تعوّل على تدخل بري سعودي ـ تركي {يضع حدًا للتمادي الروسي}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة