«قمة البحرين» لاتخاذ مواقف «قوية» بشأن فلسطين

حسام زكي لـ«الشرق الأوسط»: القضايا الخلافية لن تُرفع للقادة

السفير حسام زكي (الجامعة العربية)
السفير حسام زكي (الجامعة العربية)
TT

«قمة البحرين» لاتخاذ مواقف «قوية» بشأن فلسطين

السفير حسام زكي (الجامعة العربية)
السفير حسام زكي (الجامعة العربية)

وسط جدول مزدحم بالاجتماعات التحضيرية الرامية لحصر البنود الرئيسية المرتبطة بقضايا العمل العربي المشترك، تمهيداً لعرضها على القادة والزعماء العرب خلال الدورة الـ33 لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، يوم الخميس المقبل، في العاصمة البحرينية المنامة، التقت «الشرق الأوسط» الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، الذي بدا واثقاً بخروج «قمة البحرين» بقرارات «قوية» بشأن فلسطين، وأن تُظهر مخرجات القمة التي تُعقد في «ظروف استثنائية»، ارتباطاً بالحرب في غزة بشكل «توافقي» يلبي تطلعات الرأي العام العربي، بعيداً عن أي قضايا خلافية، حيث تظل الملفات غير التوافقية قيد النقاش، و«لا تُرفع للقادة والزعماء العرب».

ومنذ السبت الماضي، انطلقت الاجتماعات التحضيرية لـ«قمة البحرين»، في المنامة، حيث عقد المجلس الاجتماعي والاقتصادي اجتماعات على مدار يومين على مستوى كبار المسؤولين أولاً، ثم على المستوى الوزاري للاتفاق على خطة طارئة للتعامل مع تداعيات العدوان الإسرائيلي على فلسطين، ووضع خطط للعمل العربي المشترك على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. والاثنين، اجتمع مجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين لوضع الأطر العامة لمحاور الشق السياسي للقمة، تمهيداً لعرضها على وزراء الخارجية العرب، الثلاثاء، وصولاً لاجتماع القادة، الخميس المقبل.

وتعد القضية الفلسطينية إحدى القضايا المحورية الرئيسية على جدول أعمال القمم العربية. وقال زكي إن «(قمة البحرين) تتناول القضية الفلسطينية من كل جوانبها، لا سيما في ظل المستجدات الحالية المرتبطة باستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة».

وأشار إلى أن «الجامعة العربية تتابع جميع التطورات في الحرب على غزة، وترصد الوضع الميداني المتردي في القطاع، إضافة إلى متابعة جميع المسارات السياسية المرتبطة بهذا الملف، والتحركات الإسرائيلية خارج قطاع غزة في الضفة الغربية وغيرها من الأمور المرتبطة بهذا الملف».

وأكد زكي أن «كل ما يحدث من تطورات في الملف الفلسطيني أمور تستحق مواقف وقرارات عربية، وهو ما ستناقشه (قمة البحرين) لتحديد ما يمكن اتخاذه بشأنها»، ولفت إلى «استمرار متابعة الجامعة العربية المساراتِ القانونيةَ والدوليةَ لزيادة الاعتراف بدولة فلسطين، ومنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، إضافة إلى الإعداد لعقد مؤتمر دولي للسلام». وقال: «كل ما سبق مطروح على جدول أعمال (قمة البحرين)، ومن المتوقع أن تصدر عن القمة قرارات بشأنها».

وكان الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، قد ناقش خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، بالقاهرة، في مارس (آذار) الماضي «مقترح عقد مؤتمر دولي للسلام». وأكد أبو الغيط في حينه، «ضرورة العمل المشترك على الصعيدين العربي والأوروبي، ومع كل الأطراف الأخرى، لتحويل هذه الفكرة إلى واقع في أقرب فرصة، بهدف تحقيق حل الدولتين، وإيجاد أفق سياسي للفلسطينيين في المرحلة المقبلة».

وبدوره، جدد الأمين العام المساعد التأكيد على أن «القضية الفلسطينية هي القضية المحورية للعرب والجامعة العربية، وبالتالي فإن تناولها يقع في صلب اهتمامات القادة والزعماء العرب، ولن تختلف (قمة البحرين) عن سابقاتها في مناقشة القضية الفلسطينية». وأضاف أنه «في ظل استمرار الحرب في غزة تكتسب القضية الفلسطينية زخماً إضافياً أكبر».

وتابع: «ستصدر عن (قمة البحرين) مواقف عربية قوية تؤيد الحقوق الفلسطينية، وتدعو المجتمع الدولي لعدم التخلي عن مسؤولياته إزاء هذه الحقوق التي من الضروري استعادتها لمصلحة كل الفلسطينيين».

وعلى مدار السنوات الماضية، تصدرت القرارات المرتبطة بالقضية الفلسطينية البيانات الختامية للقمم العربية، ومنذ بدء الحرب في غزة عقدت الجامعة العربية اجتماعات عدة على مستوى المندوبين ووزراء الخارجية، كما استضافت السعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قمة عربية - إسلامية في الرياض جرى خلالها تكليف وزراء خارجية كل من السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين، والأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ببدء تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الشامل والعادل.

وبشأن الملفات الأخرى المطروحة على جدول أعمال «قمة البحرين»، قال زكي إن «القمة ستناقش مجموعة من الملفات التي جرى التوافق عليها خلال العام، لا سيما أنها قمة عادية». وأوضح أنه «منذ (قمة جدة) في العام الماضي، جرى بحث ملفات وموضوعات عدة أغلبها سياسي ارتباطاً بما يمر به العالم العربي من أزمات ومشكلات من الطبيعي أن تنعكس على جدول أعمال اجتماع القادة والزعماء العرب».

ولفت إلى أن «جدول الأعمال يتضمن أيضاً مجموعة من الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجيات التي جرت صياغتها من جانب مجالس وزارية نوعية، وسيجري طرحها على القادة العرب لاعتمادها». وقال: «هناك عدد لا بأس به من الموضوعات المطروحة على جدول أعمال (قمة البحرين) سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهي موضوعات دائماً تقع في صدارة الاهتمام الإعلامي والرأي العام العربي».

وأضاف: «المناقشات لا تقتصر على فلسطين فحسب، بل تمتد أيضاً لبحث الأوضاع في لبنان وسوريا وليبيا واليمن، والسودان في ضوء الحرب الدائرة، وما إلى ذلك من موضوعات تحظى باهتمام القادة والزعماء العرب».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «المجلس الاقتصادي والاجتماعي ناقش عدداً من البنود والموضوعات المهمة، من بينها خطة الاستجابة الطارئة للتعامل مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للعدوان الإسرائيلي على دولة فلسطين، ودعوة الدول والمنظمات ووكالات التنمية للمساهمة في تمويل وتنفيذ الخطة».

وقال زكي إن «المجلس رحب بالخطوات التي جرى اتخاذها في سبيل تفعيل عمل (مجلس وزراء الأمن السيبراني العربي)، كما ناقش التقدم المحرز في استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وإقامة الاتحاد الجمركي العربي»، لافتاً إلى «دعوة المجلس الدولَ الأعضاءَ إلى دعم انضمام جامعة الدول العربية بصفة مراقب إلى منظمة التجارة العالمية».

واعتمد المجلس عدداً من الاستراتيجيات من بينها الاستراتيجية العربية للأمن المائي في المنطقة العربية لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للتنمية المستدامة (2020 - 2030)، والاستراتيجية العربية للشباب والسلام والأمن (2023 - 2028)، والاستراتيجية العربية للتدريب والتعليم التقني والمهني، فضلاً عن اعتماد آلية تنسيقية لربط مؤسسات وبنوك التنمية الاجتماعية في الدول العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية، وفق قول السفير زكي.

ويتضمن جدول أعمال «قمة البحرين» في الشق السياسي عدداً من الملفات والقضايا الأساسية، بدءاً من القضية الفلسطينية، مروراً بالملفات المرتبطة بأزمات المنطقة، مثل سوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان، إلى جانب مكافحة الإرهاب، وحماية الأمن القومي العربي، ورصد التدخلات الإيرانية والتركية في الشؤون الداخلية للدول العربية.

وسيطر «التوافق» على «قمة جدة» التي عُقدت في مايو (أيار) الماضي، وفق تصريحات رسمية في حينه، وبشأن توقعات الأمين العام المساعد حول حجم التوافق العربي في «قمة البحرين»، قال إن «الاجتماعات التحضيرية تشهد عادة نقاشات بشأن جميع القضايا التوافقية والخلافية، لكن ما يجري رفعه للقادة والزعماء العرب هو الأمور التوافقية غير الخلافية»، وَعَدَّ ذلك بمثابة «تميز للقمم العربية يُخرجها بالصورة المطلوبة».

وأوضح أنه «خلال الاجتماعات التحضيرية يجري الاتفاق على أن يكون ما ينظر فيه القادة هو الأمور المشتركة والمتفق عليها بين الجميع، بعيداً عن أي أمور خلافية أو جدلية لا تشهد إجماعاً بين الدول العربية»، مؤكداً أن «(قمة البحرين) ستتبع النهج نفسه، وسيكون هناك حرص على أن تأتي الاجتماعات التحضيرية مؤكِّدةً على المشتركات المتوافق عليها». وتابع أن «الأمور التي يوجد بها بعض الخلاف في الرؤى أو عدم التوافق سيستمر النقاش بشأنها في المستويات الأدنى من القمة لبحثها، والنظر فيها، ومحاولة الوصول لتفاهمات بشأنها سواء على مستوى وزراء الخارجية أم المندوبين الدائمين».

وتعد هذه المرةَ الأولى التي تستضيف فيها البحرين اجتماعاً من هذا النوع، سواء على مستوى القمم العربية العادية أم الطارئة. وكان العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة قد أعلن عن رغبة المنامة في استضافة الاجتماع خلال فعاليات «قمة جدة» في السعودية العام الماضي.

وقال زكي، الذي يترأس لجنة تنظيم «قمة البحرين»، إن «المنامة أظهرت اهتماماً كبيراً بإنجاح القمة، ورغبة في ترك بصمة حقيقية في القمم العربية لتكون (قمة البحرين) ذات طابع خاص يلتف حوله العرب، وتبحث القضايا العربية المختلفة».

وأعرب الأمين العام المساعد عن أمله في أن «تتوافق مخرجات (قمة البحرين) مع المتطلبات السياسية ورغبات الرأي العام العربي».

ويترقب العالم مخرجات «قمة البحرين» لا سيما أنها تُعقد في ظل أوضاع كارثية يعاني منها قطاع غزة إثر استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي، وفي ظل تحذيرات أممية من خطر «المجاعة» الذي يهدد سكان القطاع. وسبق أن أصدرت جامعة الدول العربية قرارات عدة في هذا الشأن مؤكدة «إدانتها العدوان الإسرائيلي»، وداعية إلى وقف فوري للحرب.

وكان أبو الغيط قد قال، الأحد، خلال افتتاح أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمنامة، إن «الفترة الماضية شهدت هبَّة عربية لإغاثة غزة»، لكنه أكد، في الوقت نفسه، أنه «لا يوجد شيء يعوِّض أهل غزة في هذه المحنة».


مقالات ذات صلة

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

أوروبا مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

اعتبر نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن عقد جلسات استماع في غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وارد.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
المشرق العربي المعتقل الفلسطيني محمد أبو طير (القدس)

مخاوف على حياة معتقل فلسطيني مسن بعد تحويله للاعتقال الإداري في إسرائيل

قالت عائلة معتقل فلسطيني مسن من قياديي حركة «حماس»، اليوم (الجمعة)، إنها تخشى على حياته بعد اعتقاله مجدداً قبل أيام عدة وتحويله للاعتقال الإداري.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب) play-circle

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، على تمديد عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات إضافية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات حول التنفيذ.

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)

خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

أكدت «القوات الشعبية» التي كان يتزعمها ياسر أبو شباب، مقتله خلال محاولته فض نزاع عائلي، مشددةً على أنه لم يكن لحركة «حماس» أي علاقة بظروف مقتله.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.