طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

السعودية وإيران.. لحظة الحقيقة

قبل عدة أعوام كشفت وثائق «ويكيليكس» وصف رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم عن أن علاقة بلاده بإيران تسير وفق: «هم يكذبون علينا، ونحن نكذب عليهم»، ولم يكن هذا حال العلاقة القطرية الإيرانية وحسب، بل هو حال جل المنطقة مع إيران.
اليوم أعلنت السعودية قطع علاقاتها بإيران، وطرد السفير من الرياض، مما يعني أن منطقتنا باتت الآن أمام لحظة الحقيقة المنتظرة بالعلاقة مع إيران صاحبة التدخلات الخطرة على أمن المنطقة، وليس الأمن السعودي وحسب. اليوم «اللعب» مع إيران على المكشوف، وعلى الجميع اتخاذ مواقف واضحة، وكما فعلت الإمارات، والبحرين، وآخرون، حينما اصطفوا مع الموقف السعودي المحق، لأن لا مجال لـ«هم يكذبون علينا، ونحن نكذب عليهم»، خصوصًا أن السعودية حاولت مطولاً الحفاظ على «شعرة معاوية» مع النظام الإيراني، وتصرفت بمسؤولية، بل كانت السعودية دائمًا أكبر من كل ألاعيب طهران، وحيلها، لكن إيران لم تتصرف قط كدولة. وتاريخ الانضباط السعودي أمام التصرفات الإيرانية غير المسؤولة، ومنذ ثورة الخميني الشريرة، لا يكفيه مقال، أو صفحة، بل يمكن أن تؤلف له كتب، سواء في عهد الملك فهد، أو الملك عبد الله، رحمهما الله، وحتى في عهد الملك سلمان الآن. ورغم كل ذلك واصلت إيران التصرف بعدم مسؤولية، سواء بتدخلها في الشؤون السعودية، أو دول الخليج، واليمن، والعراق، والمنطقة ككل، وتحديدًا سوريا، حيث قتل ربع مليون هناك على يد نظام المجرم الأسد بدعم إيراني بالعتاد والرجال من الحرس الثوري، والميليشيات الشيعية المحسوبة على إيران، ووسط صمت غربي مريب.
وعليه فإن المنطقة، والأطراف الدولية المعنية، الآن أمام لحظة الحقيقة، بعد قرار السعودية المهم بقطع العلاقات مع إيران، التي فهمنا الآن لماذا كان رئيسها حسن روحاني يبدو مرتبكًا ومتوترًا أول من أمس على «تويتر»، حيث كتب عدة تغريدات يدين فيها التهجم على السفارة السعودية بإيران، ومتسائلاً عن هوية المهاجمين، وكأنه ناشط، وليس رئيسًا لنظام لا يعرف احترام المواثيق الدولية، فالواضح هو أن روحاني كان يحاول فعل ما يمكن فعله لثني السعودية عن قرار قطع العلاقات، ومحاولاً اللعب دعائيًا على الغرب!
والحقيقة أنه مهما فعل روحاني فإنه غير مفيد الآن، حيث بلغنا لحظة الحقيقة، وما بعد قطع العلاقات السعودية الإيرانية ليس كما قبلها، وستكون له عواقب وتبعات، كما أنه رسالة واضحة لمن تمادوا في تدليل ملالي إيران، ورغم كل التخريب الذي تقوم به طهران بالمنطقة. اليوم انتهينا من لعبة «الوساطات» الفلاشية، والمبادرات «الدعائية»، وانتهينا من «هم يكذبون علينا، ونحن نكذب عليهم». اليوم هو يوم لحظة الحقيقة، وإيقاف إيران عند حدودها التي تجاوزتها كثيرًا، وكلفت المنطقة أثمانًا مروعة، من دم ودمار.

[email protected]