ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

ركلات المصورة.. ونفاقنا

من الصعب أن يكون عملنا – يفترض - نقل معاناة من هم في محنة، وبدلا من ذلك نركل طفلة وأبًا ويشاهدنا العالم نفعل هذا بالصوت والصورة ولا ندفع ثمن ما ارتكبناه.. ها هي المصورة المجرية بترا لاسيزلوا خسرت عملها ومستقبلها ومصداقيتها بعد أن وثقت كاميرات زملائها مشاهد الركلات اللئيمة التي سددتها مرة لطفلة وأخرى بحق أب يحمل أبناءه ضمن مجموعة من اللاجئين السوريين الهاربين من الشرطة على الحدود بين المجر وصربيا.
وسط مشاعر الإدانة الجارفة بحق لاسيزلوا، يبدو اعتذارها باهتًا وفاقدًا للمصداقية بعد تحول صورها إلى اختزال فظ ومرئي لمعنى مشاعر الكراهية والعنصرية لدى اليمين الأوروبي الرافض للاجئين..
لكن مهلا، تحديدًا نحن الغاضبين العرب من هذه المرأة، لنأخذ نفسًا عميقًا وننظر إلى أنفسنا.
نعم، نحن محقون في غضبنا من صفاقة ما ارتكبته السيدة، لكن لنترو قليلاً ونتواضع، قبل أن نشيطن الغرب ومجتمعاته التي تبدو حتى هذه اللحظة الملاذ الوحيد للهاربين من الموت السوري..
لماذا غضبنا من المصورة المجرية؟!
لأنها خرقت مبادئ صحافية وإنسانية! صحيح هي ارتكبت ذلك وعلى نحو فظ، لكنّ هناك وجهًا آخر لما ارتكبته بترا لاسيزلوا وهو أنها جسدت المعنى المضمر لصحافة الارتباط أي تلك التي تحتفي بالصحافيين الذين يعملون بصفتهم جزءًا من الصراع الذي يتولون تغطيته صحافيًا. هذه المرأة التزمت مبادئ خوف اليمين الأوروبي ورفضه للاجئين..
من بيننا أيضًا من يبشر بأن صحافة المتفرج قد ولت إلى غير رجعة وأننا الآن دخلنا عهد الصحافة الملتزمة لأحد أطراف النزاع..
أليس هذا ما فعلته لاسيزلوا؟
ولكي نبقى بالشق العربي من المقاربة، لنستحضر قليلا ما راج بالتزامن مع فعلة المصورة الشنيعة، فهناك مقال لكاتب عربي «نهضوي» يقول فيه توصيفات في اللاجئين السوريين هي أشد عنصرية وقساوة مما ارتكبته المصورة المجرية.. فالكاتب وسم ملايين المهاجرين السوريين الهاربين إلى أوروبا بأنهم من طبقة لا تحتاجها سوريا. صحافيون وصحافيات عرب كثر أيضًا يعلنون نهارًا جهارًا انحيازهم لفريق دون آخر، وفي انحيازاتهم خيارات تتحمل مسؤولية موت الآلاف.. يمكن أن نجادل أن الصحافيين حتى من أولئك المنحازين إلى قضية لا يمكن أن يصلوا إلى مستوى ركل طفل أو أب وأولاده..
في الحقيقة هم فعلوا أفظع من ذلك، هم ارتكبوا خطايا تتجاوز كثيرًا ما فعلته المصورة المجرية..
دعموا أنظمة ديكتاتورية مثلا..
دعموا سجن وإعدام ناشطين وشخصيات كثيرة وغضوا الطرف عن تعرضهم للتعذيب..
دعموا حروبًا بشّروا زورًا بأنها لاستعادة حق وسيادة..
دعموا اضطهاد وملاحقة أقليات..
يغلبنا النفاق حين نتعامل إعلاميًا مع قضية اللاجئين؛ فنحن ندين ما ارتكبته المصورة المجرية لكننا نحرض ونضيق وندعو لطرد اللاجئين من بلادنا. الحقيقة أن اللائحة لا تنتهي سريعًا والأسماء باتت أكثر مما تتسع الذاكرة لحفظه..
لندع الغرب يحاسب لاسيزلوا، وهو فعل ذلك، بل هو أيضًا فعل الكثير من أجل اللاجئين. لننشغل نحن بما نرتكبه بحق اللاجئين وبحق شرائح ضعيفة كثيرة في مجتمعاتنا باسم صحافة القضية وصحافة الالتزام..
تلك المرأة جلبت العار لمهنة الصحافة.. صحيح.
لكنها فعلت فقط ما نفعله نحن باسم الصحافة لسنوات، بل ما نفعله نحن أسوأ وله نتائج وخيمة تتجاوز تلك الركلة الحقيرة..