سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

مسألة شرقية حقًا

كل ما كُتب وقُرئ، في العقود الماضية، كان حول الشرق والغرب. يلتقيان أو لا يلتقيان. يتحاوران أم يرفضان. يمضيان في التصادم أم يعثران على هدنة طويلة. في رواية «الحصن الأبيض» يعود التركي أورهان باموق إلى هذه الأسئلة. بطلا الرواية معلم (خوجة) من تركيا، وعبد إيطالي من البندقية استرق في البحر. والشبه بينهما كامل. عندما يتأملان المرآة معًا يشعران كأنهما رجل واحد. ثم يبتعدان عنها فيعود كل منهما إلى ذاته. الخوجة الملتحي المفعم بالإيمان، والمسترق الإيطالي العدائي في الدفاع عن العلم. كلاهما أسير هويته. والخوجة لا يكف عن طرح السؤال الوجودي على شبيهه: لماذا أنا ما أنا؟
لا جديد ولا جواب في رواية باموق. والحاكي هنا قد تتعرف إليه نفسه في روايات أمين معلوف أو توماس مان، أو حتى في قصائد روديار كيبلنغ الذي حسم المسألة: «لن يلتقيا».
ما هو المقصود بالشرق والغرب؟ إنها تسمية مبطّنة لما يسميه باموق «الإيمانية القدرية» و«عدائية العلوم». الشرق المسلم أو البوذي، والغرب المسيحي أو الملحد. الروح والمادة. التمنع والملذات. وكانت له تسمية أخرى في القرن التاسع عشر «المسألة الشرقية» أي الأقليات في الإمبراطورية العثمانية المنهارة، والتي تتفجر قضاياها عند أول احتدام اجتماعي أو سياسي: من كوسوفو والبوسنة إلى الموصل وبلاد الإيزيديين.
حاول «الشرق» و«الغرب» مرات عديدة الدخول في شيء من التفاهم، تحت مسميات متفاوتة ومختلفة: حوار الأديان، وحوار الحضارات، ولقاء الثقافات. لكن كل ذلك أصبح مسألة ثانوية الآن. لقد دهم العالم صراع أشد خطرًا وأفظع ضررًا هو الدمويات العنفية ضمن الإسلام. القضية الأكثر إلحاحًا الآن هي الحوار بين السنة والشيعة. هي القتال بين الجار وأبناء العمومة. هي إعادة الفصل بين الشعوب على أسس النبذ والاحتراب ورفض أي تلاقٍ أو تبادل.
وثمة من يحوِّل المساجد إلى رمز للنزاع: إما من خلال التعبئة فاقدة الأخوة والتراحم، وإما من خلال التفجيرات التي تخضب السجود والصلاة وتعيد إحياء الأحقاد ونشر الثارات والبدائيات والتحريض المرضي القائم غالبًا على العته.
لم يعد السؤال من يقف خلف الظواهر الداعشية، بل من يقف أمامها. سوف تدمّر كل ما تستطيع. وسوف تنسِف التعايش المذهبي الواهن الذي كان قائمًا، يذكيها ويشجعها في المقابل خطاب إيراني لا يتوقف عن اللغة العدوانية وإذكاء الجمر في الرماد.
هل يلتقي الشرق والشرق؟ الأكراد والعرب؟ الأتراك والأكراد؟ الشمال العراقي والجنوب؟ الجنوب السوري والشمال؟ «المسألة الشرقية» صارت مسألة شرقية حقًا.



عاجل فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة