«قدم شاركوت»... كسور عظام القدم {السكرّية}

تنجم عن تلف أعصاب الأطراف

«قدم شاركوت»... كسور عظام القدم {السكرّية}
TT

«قدم شاركوت»... كسور عظام القدم {السكرّية}

«قدم شاركوت»... كسور عظام القدم {السكرّية}

تعتبر تأثيرات داء السكري على قدمي المريض (Diabetic Foot) من أول وأكثر المضاعفات شدة وشيوعاً، مثل التقرحات والغنغرينا، مما قد يؤدي في بعض الحالات إلى بتر جزئي أو كلي للقدم أو الساق.

كسر تلقائي
وتعتبر «قدم شاركوت» (Charcot) إحدى مضاعفات داء السكري في القدمين، وهي عبارة عن كسور وخلع من دون أي حوادث أو كدمات، حيث تحصل تلقائياً لدى مرضى السكري المصابين بتلف الأعصاب الطرفية. ويحصل هذا التلف بالأعصاب عند المرضى الذين تكون نسبة السكر في دمهم متذبذبة من أقصى الدرجات إلى أقلها، أو الذين تكون هذه النسبة لديهم عالية طوال الوقت، فيؤدي ذلك إلى تآكل في الغشاء الواقي للأعصاب فتتلف في أغلب الحالات.
تحدث إلى «صحتك» الدكتور خالد بن محمد عبد القادر إدريس استشاري طب وجراحة القدم والكاحل، وحاصل على «البورد» الأميركي في تخصص تقرحات القدم السكرية، واستشاري إدارة مراكز ووحدات السكري بوزارة الصحة، فأوضح في البداية أن تسمية هذا المرض بـ«شاركوت» جاءت نسبة إلى الطبيب الفرنسي الشهير جين مارتن شاركوت (Jean - Martin Charcot) الذي كان أول من وصف هذا المرض في الدوريات الطبية عام 1868 - 1883 (وتنطق شاركوت باللغة الفرنسية من دون لفظ حرف التاء). وشاركوت طبيب أعصاب يعرف بأنه أب طب الأعصاب الحديث، ولُقّب بـ«نابليون الاضطراب العصبي»، وقد أصدرت الحكومة الفرنسية طابع بريد بصورته عام 1960، كما قام باكتشاف ووصف أكثر من 15 مرضاً يحمل اسمه، ومن الطريف أن الكثير من دراساته كانت عن الهوس والتنويم المغناطيسي.
العلامات والعلاج
> علامات «قدم شاركوت»؛ يقول د. خالد إدريس، من واقع خبرته، إن حالات «قدم شاركوت» تكثر في أهل جنوب المملكة، خصوصاً فيمن هم طوال القامة. وتدل الإحصاءات، التي قام بها على مدى الـ12 سنة الماضية، على أن نسبة هذا المرض لدى مرضى السكري بالمملكة تصل إلى 8 في المائة، بينما هي 4 - 5 في المائة في معظم دول العالم.
أما عن بداية المرض، فإن أغلبية المرضى يصرحون بأن إحدى القدمين لديهم انتفخت فجأة، وأصبحت حارة وبها احمرار مع ألم بسيط في بعض الأحيان، ثم تغير شكل القدم، وخرجت بروزات ونتوءات عظمية. وفي بعض الحالات تبدأ هذه التغييرات بعد حادث بسيط مثل كدمة بسيطة أو المشي فجأة لمسافة طويلة.
هنا تبدأ مرحلة الخطر، وبالذات عند زيارة قسم الطوارئ أو طبيب غير مختص، فلا تشخص الحالة بشكل صحيح، وقد يتم إعطاء مضادات حيوية. والطامة الكبرى تحدث عند التدخل «الجراحي لتنظيف الخراج أو التقيح»، فيفاجأ الجراح بعدم وجود خراج أو تقيح، ولا وجود لأي نوع من العدوى أو الجراثيم، ويكون قد فتح القدم من دون أي مبرر، مما قد يسبب تقرحاً مزمناً وتسوساً بالعظام. يعود هذا السيناريو إلى عدم معرفة ذلك الطبيب بالمرض، وفعلاً هو من اختصاص أطباء السكري أو جرّاحي الأوعية الدموية أو جرّاحي القدم والكاحل. وفي السنوات القليلة الماضية، ومع انتشار مراكز ووحدات السكري التابعة لوزارة الصحة في مناطق المملكة، وانتشار عيادات القدم السكرية، فقد انتشر الوعي بشكل أكبر لدى الأطباء وهيئة التمريض عن هذا المرض.
> علاج «قدم شاركوت»؛ يوضح د. إدريس عدم وجود علاج نهائي لـ «قدم شاركوت»، ويعود ذلك لعدم درايتنا بشكل واضح بالسبب، ووجود العديد من النظريات عن ذلك.
وفي بداية هذا المرض وتشخيصه من قبل طبيب مختص، فأول ما يجب عمله هو تجبير القدم والساق للتقليل من تكسر العظام وانخلاع المفاصل، مع رفع القدم وعدم التحميل عليها. وهنا يجب أخذ الحيطة من حدوث خدوش أو جروح بسبب التجبير، وذلك عن طريق المتابعة أسبوعياً لفحص الجلد، والتأكد من عدم حدوث تقرحات. أما عند حدوث التقرحات بسبب الجبائر أو الأحذية أو بسبب المشي حافي القدمين، فيجب إيقاف الضغط على منطقة التقرح فوراً، ومراجعة الطبيب أو المركز المختص مع مراعاة البعد التام عن استخدام الخلطات الشعبية على الجروح، لأنها أقرب طريق إلى الغنغرينا وتسوس العظام.
إن احتمالات التئام تقرحات «قدم شاركوت» كبيرة، وهي الأغلب، ويعود ذلك لطبيعة المرض، ووجود انفتاح مفرط بالأوعية الدموية وتروية الدم، وهو أهم عامل لالتئام الجروح. وقد يطلب الطبيب المعالج استخدام أحذية طبية أو جزمة «بوت» طبية أو عمل جبائر بلاستيكية حسب الحاجة. هنا تبدأ جدية المريض وقوة إرادته وتفهمه للخطورة المحتملة من هذا المرض، ومساعدة الطبيب، إما بقبول تجبير القدم والساق في الحالات الحادة، أو اتباع التعليمات في الحالات الأقل شدة، وأهمها التقليل من المشي، وارتداء الجبائر أو «البوت» الطبي، وعدم خلعها إلا وقت النوم أو دخول دورة المياه.
وأشار د. إدريس إلى معاناته شخصياً مع المرضى في هذه المرحلة، فغالباً ما يرفضون التجبير والأحذية الطبية، بسبب طبيعة عملهم ومسؤولياتهم اليومية، ويبقى أمامه تثقيف المريض، وشرح الحالة له، وأهمية إعطاء هذا الموضوع أولوية قبل الكثير من الأمور الأخرى، التي لن يتمكن من القيام بها إذا بترت ساقه.
عمليات جراحية
> اذا عن العمليات الجراحية وكيف تكون نتائجها؟ أجاب د. خالد إدريس أن الخبراء يختلفون في توقيت العمليات الجراحية لتصحيح الكسور والتحرك في مفاصل القدم، فمنهم من يحبذ التدخل المبكر، ومنهم من يحبذ الانتظار حتى هدوء القدم والانتهاء من مرحلة الانتفاخ أو الالتهاب، ولكلا الجانبين بحوث علمية تؤيد موقفهم. وفي نهاية المطاف أقول إنه يجب التعامل مع كل حالة على حده، وأخذ قرار الجراحة حسب الحالة وعمر المريض وحالته الصحية. وأهم ما يذكر هو أن يكون الجراح المعالج له باعٌ في هذه الحالات، ومتخصص في جراحة القدم والكاحل، وذلك لزيادة احتمالات نجاح العملية التي لا تزيد نسبتها عادة عن 50 في المائة (وهي نسبة نجاح متدنية). أما الفشل فيكون عند معاودة حصول كسور بالقدم أو الكاحل وخروج مسامير وشرائح التثبيت من مكانها مما يحتم إزالتها، وهنا إما يتم محاولة التثبيت الداخلي أو الخارجي، وفي بعض الحالات يتحتم البتر. أما العمليات الجراحية التي لا يختلف عليها اثنان، فهي العمليات الحتمية لإزالة البروزات أو النتوءات العظمية التي تؤدي إلى وتسبب التقرحات.
>ماذا يحدث إذا لم يتبع المريض نصائح الطبيب وأهمل حماية قدمه؟ من الممكن أن تحصل الكسور السكرية في عدة مناطق بالقدم، وأكثرها شيوعاً هي منطقة وسط القدم، إذ تصبح القدم مقوسة إلى الأسفل مع بروز العظام في أخمص القدم، أو من الناحية الداخلية للقدم. وكما ذكرنا فيجب محاولة إيقاف التكسّر عن طريق التجبير أو التدخل الجراحي. أما في حالة عدم خضوع المريض لأي علاج واستمراره المشي، فسوف تتزايد الكسور، وتتفتت العظام، ويليه انخلاع المفاصل داخل القدم من مكانها مع الزيادة في انتفاخ القدم حتى تصبح مثل ما يقال «كيس من الجلد مليء بعظام متفتتة»، وهو خط اللاعودة، إذ ينتهي المطاف بالبتر من تحت الركبة في أغلب الحالات.

خطوات للحفاظ على صحة القدم

يقول د. إدريس إنه يجب على المريض الأخذ بأسباب التحوط للحفاظ على صحة القدم ومنها:
> تنظيم معدل السكر بالدم للمستوى الطبيعي، وأن يكون مستوى السكر التراكمي (أو مخزون السكر) أقل من 6 في المائة مع تنزيل الوزن الزائد.
> المحافظة على مواقع العظام والمفاصل في مكانها أثناء فترة نشاط المرض حتى لا تكون هناك آثار شديدة أو تشوهات بالقدم، ويتمكن الإنسان من أن يعيش بشكل طبيعي مع الحاجة لاستخدام أحذية طبية لحماية القدمين.
> يجب المتابعة الدورية مع طبيب القدم والكاحل لتنظيف أي جلد ناشف أو متشقق قد يؤدي إلى تقرحات.
> ضرورة التعرف على أي مؤشرات مبكرة لعودة نشاط المرض أو حصوله في القدم الأخرى، حيث إن نسبة حدوث ذلك تصل إلى 20 في المائة من المرضى المصابين.
> إن مرض «قدم شاركوت» يكون نشطاً لفترة تتراوح من بضعة أشهر إلى أكثر من سنة، ثم تتوقف جميع الأعراض من انتفاخ واحمرار وتكسر العظام، بل وتبدأ مرحلة إعادة البناء والالتئام، التي نعرف بدايتها عن طريق درجة حرارة القدم، والتي نقوم بقياسها عند كل زيارة حتى تصل إلى المستوى الطبيعي، وهو درجة حرارة القدم السليمة، إلا أن الكسور أو انخلاع المفاصل لا يعود إلى مكانه الأصلي.
وأخيراً فإن الوقاية خير من العلاج، والوقاية من مضاعفات مرض السكري ممكنة وحاصلة، فليس كل مريض سكري تصاب عيناه، وتفشل كليتاه وتتلف أعصابه، إذا كان حريصاً على تنظيم مستوى السكري في الدم، وإنقاص وزنه إذا زاد عن المعدل الطبيعي.


مقالات ذات صلة

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك فوائد الرياضة قد ترجع إلى زيادة تدفق الدم للدماغ وتحفيز المواد الكيميائية المعروفة باسم الناقلات العصبية (رويترز)

دراسة: ممارسة الرياضة لنصف ساعة تساهم في تحسين الذاكرة

يعتقد العلماء الآن أن النشاط البدني ليس مجرد فكرة جيدة لتحسين اليوم القادم؛ بل يمكن أن يرتبط بزيادة طفيفة في درجات عمل الذاكرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
TT

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

أحياناً، لا يستطيع بعضنا النوم، رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد؛ وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا، وفقاً لما توصلت إليه دراسة جديدة.

وكل ليلة، ومع غروب الشمس، تبدأ بعض ميكروبات الأمعاء، المعروفة بميكروبات الليل، التكاثر والازدهار، بينما تموت ميكروبات أخرى، وتتغير المواد الكيميائية التي تفرزها هذه الميكروبات أيضاً، مما يسهم في النعاس، وفق ما نقله موقع «سايكولوجي توداي» عن مؤلفي الدراسة الجديدة.

ويصل بعض هذه المواد الكيميائية إلى منطقة تحت المهاد، وهي جزء من دماغك يساعدك على البقاء هادئاً في أوقات التوتر.

وقال الباحثون في الدراسة الجديدة: «من المدهش أن الميكروبات التي تحكم أمعاءك لها إيقاعات يومية، فهي تنتظر الإفطار بفارغ الصبر في الصباح، وفي الليل تحب أن تأخذ قسطاً من الراحة، لذا فإن تناول وجبة خفيفة، في وقت متأخر من الليل، يؤثر إيجاباً بشكل عميق على ميكروبات الأمعاء لديك، ومن ثم على نومك ومدى شعورك بالتوتر».

وأضافوا أن عدم التفات الشخص لما يأكله في نهاية يومه ربما يؤثر بالسلب على نومه، حتى وإن كان يشعر بالتعب الشديد.

كما أن هذا الأمر يزيد من شعوره بالتوتر، وهذا الشعور يؤثر سلباً أيضاً على النوم.

ولفت الفريق، التابع لجامعة كوليدج كورك، إلى أنه توصّل لهذه النتائج بعد إجراء اختبارات على عدد من الفئران لدراسة تأثير الميكروبيوم على الإجهاد والإيقاعات اليومية لديهم.

وقد حددوا بكتيريا واحدة على وجه الخصوص؛ وهي «L. reuteri»، والتي يبدو أنها تهدئ الأمعاء وتؤثر إيجاباً على الإيقاعات اليومية والنوم.

ويقول الباحثون إن دراستهم تقدم «دليلاً دامغاً على أن ميكروبات الأمعاء لها تأثير عميق على التوتر وجودة النوم».

ونصح الباحثون بعدم تناول الأطعمة والمشروبات السكرية ليلاً، أو الوجبات السريعة، وتلك المليئة بالدهون، واستبدال الأطعمة الخفيفة والمليئة بالألياف، بها.