الحكومة اللبنانية أمام «مهمة صعبة» في التعامل مع قانون الانتخاب

تدخّل عون وسلام عطّل مؤقتاً إقحامها في انقسام يهدد وحدتها

جلسة الحكومة اللبنانية الأربعاء برئاسة الرئيس جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)
جلسة الحكومة اللبنانية الأربعاء برئاسة الرئيس جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)
TT

الحكومة اللبنانية أمام «مهمة صعبة» في التعامل مع قانون الانتخاب

جلسة الحكومة اللبنانية الأربعاء برئاسة الرئيس جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)
جلسة الحكومة اللبنانية الأربعاء برئاسة الرئيس جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

الخلاف حول التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية اللبنانية، الربيع المقبل، كاد يقحم الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء في انقسام سياسي حاد تصعب السيطرة عليه، لو لم يتدخل رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، لتبريد الأجواء بين وزراء «الثنائي» الشيعي المطالبين بإجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ، وبين وزراء «القوات اللبنانية» و«الكتائب» الذين يصرون على طرح اقتراح القانون الذي تقدّم به وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي، ويرمي إلى شطب المادتين 112 و122 من القانون بما يسمح للبنانيين في بلاد الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم، بحسب قيودهم في لوائح الشطب لـ128 نائباً.

وتلازم تدخّل عون مع تدخل لرئيس الحكومة نواف سلام الذي اقترح تشكيل لجنة وزارية، برئاسة نائبه طارق متري، أوكل إليها وضع مجموعة من الاقتراحات، على أن تُطرح على مجلس الوزراء في جلسته، الأسبوع المقبل، لمناقشتها واتخاذ القرار المناسب، تحت سقف الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها، وعلى حق المغتربين في المشاركة بالاستحقاق النيابي.

سلام يتدخل

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر وزاري بارز أن سلام تدخّل في الوقت المناسب لقطع الطريق على تهديد وزراء «القوات» و«الكتائب» بالخروج من الجلسة، إذا لم يُطرح اقتراح مشروع القانون المعجل المكرَّر الذي تقدم به الوزير رجي على التصويت، في مقابل تلويح وزراء «الثنائي» بالانسحاب ما لم يُطرح إجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ.

ولفت المصدر الوزاري إلى أن الخلاف على قانون الانتخاب تحوّل إلى مادة سياسية مشتعلة، وهذا ما دفع بعون إلى إدراجه كبند أخير على جدول أعمال الجلسة، ليكون في وسع الوزراء إقرار البنود الأخرى. وأكد أن تهديد بعض الوزراء بالخروج من الجلسة قوبل بموقف من عون دعاهم إلى عدم المزايدة عليه، بمشاركة المنتشرين في العملية الانتخابية.

وكشف أن الجلسة تخللتها مواقف حادة لم تكن مألوفة، وهذا ما دفع بأحد وزراء «القوات» للاعتذار من سلام، وأن تعاونه مع عون أدى إلى إنقاذ مجلس الوزراء من الانقسام، لكن لبعض الوقت، ما لم تؤدّ الجلسة المقبلة للحكومة إلى توافق حول التعديلات المقترحة على القانون بعد أن تعذّر على البرلمان النظر فيها؛ ليس بتطيير النصاب فحسب، وإنما لتصاعد وتيرة الخلاف حولها، وكانت وراء تبادل التحديات بالمفهوم السياسي للكلمة، وكان أبرزها بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، مع أن رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل انضم لاحقاً إلى السجال بتأييده لجعجع.

انقسام داخل البرلمان

وأكد المصدر الوزاري أن الانقسام بداخل البرلمان كان وراء تعطيل الجلسات التشريعية، وأدى إلى رمي كرة النار في حضن الحكومة التي تقف الآن موقفاً لا تُحسد عليه، ويحشرها في الزاوية، ما لم تتوصل إلى إنضاج تسوية في اللحظة الأخيرة، ليس لتجنيب الحكومة انقساماً لا تتوخاه، وإنما لأنه يهدد إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده، وهذا ما يلقى مقاومة سياسية من عون وسلام اللذين يصران على إتمامه بلا أي تأخير، وأن القانون، بغضّ النظر عن مضمونه، في حاجة إلى تعديل في البرلمان لتعليق العمل ببعض البنود الواردة فيه، وأبرزها استخدام البطاقة الممغنطة، واستحداث مراكز الـ«ميغاسنتر» تتيح للناخبين، بعد تسجيل أسمائهم، الاقتراع من أمام سكنهم.

وقال إن الحكومة هي الآن في حالة انتظار، ريثما تتمكن اللجنة الوزارية من إنجاز المهمة التي كلفها بها مجلس الوزراء، ولفت إلى وجود صعوبة في استحداث الدائرة الانتخابية السادسة عشرة المخصصة لتمثيل المنتشرين بـ6 مقاعد نيابية، وتوقع استبعادها من المقترحات التي سترفعها اللجنة إلى مجلس الوزراء.

اللجنة المشتركة لوزارتي الداخلية والخارجية الخميس حول قانون الانتخابات واقتراع المغتربين (الوكالة الوطنية)

ورأى أن الصعوبة في استحداثها تكمن في أن المراسيم التطبيقية لاستحداث هذه الدائرة في حاجة إلى تشريع يقرّه مجلس النواب، ولا يمكن للحكومة أن تنوب عنه بقرار يصدر عن مجلس الوزراء بناء على طلب وزير الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار. وهذا ما كانت أبلغته إلى رئاسة المجلس النيابي.

وأكد أنه لا يحق للجنة الوزارية أن ترفع تقريرها إلى مجلس الوزراء باقتراح واحد.

وأكد المصدر نفسه أنها سترفع إلى مجلس الوزراء الحصيلة النهائية للمقترحات التي جرى التداول فيها، لأنه من غير الجائز أن تنوب عنه بالتصويت على اقتراح معين، لأن المجلس هو الجهة الوحيدة المخولة النظر فيها، واتخاذ القرار المناسب، واعترف بأن الانقسام الذي لا يزال يحول دون انعقاد الجلسة النيابية، سرعان ما تمدّد إلى الحكومة، وأن ضيق الوقت لم يعد يسمح بعدم حسم الموقف على نحو يقطع الرهان على من يتطلع للتمديد للبرلمان، لأنه سيلقى اعتراضاً من الحكومة التي تنأى بنفسها عن التقدم من البرلمان باقتراح في هذا الخصوص، ورفضاً قاطعاً من المجتمع الدولي الذي ينظر إلى الاستحقاق النيابي على أنه محطة لإعادة تكوين السلطة بإحداث تغيير في ميزان القوى.

الانتخابات في موعدها

ورأى أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، كما رئيس البرلمان نبيه بري، يتوافقون على إجراء الانتخابات في موعدها، وهذا يتطلب من القوى السياسية تقديم التسهيلات المطلوبة لإنجاز الانتخابات في موعدها الذي لا يلقى أي رد من «حزب الله».

لذلك تقف الحكومة عند مفترق طرق؛ فإما أن تحافظ على تماسكها بالتوافق على القانون، أو أن مصيرها الانقسام، مع أن تمسك «الثنائي» الشيعي بالقانون النافذ لا يعني أنه يقفل الأبواب أمام احتمال التوصل إلى تسوية تقوم على استبعاد تمثيل الاغتراب بـ6 مقاعد، وتحصر التوافق حول اقتراع المنتشرين، لكن كيف وأين؟ وإن كان يتمسك بمجيئهم للبنان لممارسة حقهم في الاقتراع بذريعة عدم تكافؤ الفرص التي تسمح لمرشحيه ومحازبيه بالتحرك في عدد من دول الاغتراب، وأن هناك عقوبات أميركية مفروضة على بعض مرشحيه، ويخشى من أن تنسحب على مؤيديه بملاحقتهم من الدول التي تصنّف الحزب على خانة الإرهاب وتدرجه على لائحة العقوبات، كما قال مصدر في «الثنائي» لـ«الشرق الأوسط» مضيفاً أن الضغوط بدأت منذ الآن تُمارَس عليهم في أكثر من دولة.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يستبدل بذراعه المالية مؤسسةً تجاريةً وسط ضغوط لإغلاقها

خاص أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ب)

«حزب الله» يستبدل بذراعه المالية مؤسسةً تجاريةً وسط ضغوط لإغلاقها

بدأت مؤسسة «القرض الحسن»، الذراع المالية لـ«حزب الله» في لبنان، بخطة تحويل جزء من خدماتها نحو مؤسسة تجارية، كجزء من «سياسة تموضع قانوني»، في ظل الضغوط لإغلاقها.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي عائلات أسرى لبنانيين لدى إسرائيل يعتصمون في وسط بيروت (إ.ب.أ)

توثيق 23 أسيراً لبنانياً لدى إسرائيل

طالبت «هيئة ممثلي الأسرى والمحررين اللبنانيين»، الدولة اللبنانية بتحريك ملف الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل، ووضعه في صدارة الأولويات

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع (القوات اللبنانية)

جعجع يتّهم بري بضرب المهل الدستورية للاستحقاقات اللبنانية

تفاقم الخلاف السياسي حول تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان، مع انتقال السجال من إطار تقني - إجرائي إلى مواجهة مفتوحة تمسّ جوهر العمل البرلماني.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الأمين العام لـ«​حزب الله» نعيم قاسم (أرشيفية - رويترز)

الأمين العام لـ«حزب الله»: نزع سلاح المقاومة مطلب إسرائيلي - أميركي وليس لبنانياً

أكد الأمين لـ«​حزب الله» نعيم قاسم، أنّ «المقاومة مستعدة لأقصى تعاون مع الجيش ال​لبنان​ي، وموافقة على استراتيجية دفاعية للاستفادة من قوة لبنان ومقاومته».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يوجه تحذيراً لسكان قرية في جنوب لبنان قبل قصفها

أصدر المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي اليوم السبت إنذاراً عاجلاً إلى سكان جنوب لبنان وتحديدًا في قرية يانوح.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«حزب الله» يستبدل بذراعه المالية مؤسسةً تجاريةً وسط ضغوط لإغلاقها

أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ب)
أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ب)
TT

«حزب الله» يستبدل بذراعه المالية مؤسسةً تجاريةً وسط ضغوط لإغلاقها

أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ب)
أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ب)

بدأ «حزب الله» في لبنان استبدال مؤسسة تجارية مرخصة بالدولة اللبنانية بذراعه المالية «مؤسسة جمعية القرض الحسن»، كجزء من «سياسة تموضع قانوني» داخل البلاد للإفلات من الضغوط الدولية والمحلية لإغلاقها.

ورفض «حزب الله» في السابق المطالب الأميركية من السلطات اللبنانية بإغلاق المؤسسة، واتهم الولايات المتحدة بمحاولة «تجفيف الموارد المالية بغرض إلغاء وجود الحزب ومنعه من تقديم الخدمات الاجتماعية»، حسبما قال أمينه العام نعيم قاسم في خطاب الشهر الماضي.

وعُرفت «القرض الحسن» في السنوات الماضية كمؤسسة تمنح القروض المالية من دون فوائد، بضمانة الذهب أو كفالات مالية من قبل مودعين آخرين، وتخطى عدد زبائنها 300 ألف شخص في 2024 استفادوا من قروضها الميسرة. كما قدمت قروضاً زراعية وصناعية وتجارية لمؤسسات صغيرة، في حين تولت المؤسسة التي انتشرت بأكثر من 34 فرعاً داخل لبنان، صرف شيكات مالية للمتضررين من الحرب، موّلها «حزب الله» بعد الحرب الأخيرة.

أحد مراكز «القرض الحسن» بعد تدميره (الشرق الأوسط)

وفي ظل ضغوط دولية على لبنان لإغلاقها، بدا أن المؤسسة لجأت إلى «سياسة تموضع قانوني»، حسبما تقول مصادر مالية لـ«الشرق الأوسط»، وذلك «بحثاً عن بدائل قانونية تتيح لها الاستمرار»، وهذا «بعد سلسلة إجراءات محلية؛ أحدها اتخذه مصرف لبنان المركزي، يمنع التعامل معها».

مؤسسة تجارية

وبالفعل، بدأت مؤسسة «القرض الحسن» في التحوّل، وظهر أول ملامحه في مؤسسة تجارية معنية بشراء وبيع الذهب بالتقسيط، تم إنشاؤها وبدأت في الظهور منذ مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقال مصدران في الضاحية الجنوبية لبيروت لـ«الشرق الأوسط» إنهما تفاجآ بعد إجراء معاملة في المؤسسة بفواتير صادرة عن مؤسسة تُدعى «جود» وليست «القرض الحسن». وقال أحدهما لـ«الشرق الأوسط» إنه توجّه إلى المؤسسة للحصول على قرض صغير يبلغ 1800 دولار بضمانة ذهب زوجته، واكتشف أن الإجراءات تبدلت. وأوضح: «لم ينفذوا معاملة رهن ذهب كما كان الأمر في السابق، بل تمت المعاملة وفق عقدين؛ أولهما تمثل في شراء الذهب مقابل فاتورة رسمية، وبعده تم تحرير معاملة تجارية أخرى تمثلت في بيع كمية الذهب نفسها لي بالتقسيط، مقابل فاتورة رسمية أيضاً».

وينصّ عقد الشراء، حسب المصدر، على دفع المستحقات المالية عليه على مدى 18 شهراً، ضمن قسط شهريّ محدد، ويستلم ذهبه الخاضع للتقسيط بعد 15 يوماً من تاريخ دفع القسط الأخير. ويضيف: «هي نفس الطريقة التي كان يتم التعامل بها في السابق، لكن أوراقها اختلفت عن السابق».

وعد بالبيع بالتقسيط

وقال المصدر الثاني لـ«الشرق الأوسط» إنه استطاع الحصول على قرض أيضاً بنفس الطريقة، واكتشف أن فاتورة الشراء بالتقسيط تتضمن عقداً من أربعة شروط. وأوضح أن الفاتورة صادرة عن مؤسسة تُدعى «جود»، وتتضمن رقم تسجيل المؤسسة (سجلاً تجارياً)، ورقماً مالياً للفاتورة، ما يعني أنها خاضعة لقانون التعامل التجاري المعمول به في لبنان، وتراعي الأنظمة المرعية الإجراء.

أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ب)

واطلعت «الشرق الأوسط» على بنود الفاتورة المدرجة في العقد، وتنصّ على أن الفاتورة «تعتبر وعداً بالبيع بالتقسيط، ولا يعتبر البيع ناجزاً إلا عند تسديد كامل قيمة الفاتورة».

كما تنص في البند الثاني من العقد على أن كافة الأقساط تعتبر مستحقة في حال تخلف المشتري عن دفع قسطين من الفاتورة. كما يفوض المشتري، حامل الفاتورة، بالتسديد عنه... أما البند الرابع فينصّ على تعهّد المشتري بتسلّم الذهب ضمن فترة لا تزيد على 15 يوماً من تاريخ تسديد القسط الأخير، وأنه في حال تأخر ستُضاف رسوم تخزين تبلغ (0.02 دولار) عن كل غرام شهرياً.

تجزئة للخدمات

ويعد هذا الإجراء جزءاً من خطة تحوّل للمؤسسة في مواجهة الضغوط الخارجية والمحلية لإغلاقها. وتقول مصادر لبنانية مواكبة للمطالب الدولية إن هذا التحول «يحمل مؤشرات على فشل جميع محاولات إنقاذها من خلال المحادثات بين الحزب والسلطات اللبنانية»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «القناعة لدى الحزب دفعته لتجزئة الخدمات التي تقدمها المؤسسة، بشكل يستطيع به أن يكمل بتقديم بعض خدماته، في حال استجابته لمطالب إغلاقها بالكامل».

وتقول الجمعية في موقعها الإلكتروني إنها «تهدف إلى مساعدة النّاس من خلال منحهم القروض لآجال محدّدة مساهمة منها في حل بعض مشكلاتهم الاجتماعيّة»، كما «تهدف إلى تعزيز روح التعاون والتكافل والتضامن بين أفراد المجتمع».

وتضيف المصادر: «إثر تجزئة الخدمات، فإن رهن الذهب يكون قد خرج من مهامها لصالح المؤسسة التجارية بما يمكّنها من مواصلة تقديم الخدمات تحت سقف القانون، ويُضاف إلى سلسلة أخرى من الخدمات التي توقفت، بينها خدمة الصراف الآلي»، كما «يرسل رسالة للسلطات اللبنانية بأن هذه الخدمات تُقدم تحت سقف القانون ضمن فواتير رسمية، وخاضعة للضرائب ونظام المعاملات التجارية».

صورة متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي لصراف آلي لـ«القرض الحسن» تم تثبيته في 2018 بالضاحية (أرشيفية)

لكن المصادر نفسها تلحظ أن التصريح المالي الرسمي في هذه الحالة يكون عن الزبائن، وليس عن المودعين ومصدر الأموال، وهو «ما يعقّد فرضية القبول الدولي بهذا التحول»، مشيرة إلى أن «ثلاثة اقتراحات لتسوية وضع (القرض الحسن) قُدمت في السابق ورفضها الأميركيون؛ تمثّل الأول في أن تكون جمعية تعاضدية، في حين كان الاقتراح الثاني أن تكون شركة مالية مرخصة، وهو ما رفضه مصرف لبنان أيضاً»، أما المقترح الثالث فتمثّل في أن تكون «تعاونية مالية تقدم التسليفات والقروض الميسرة مثل تعاونيات مالية موجودة في لبنان والعالم، وتخضع للقانون اللبناني، وتصرّح عن زبائنها»، لكن كل تلك المقترحات «رُفضت بالكامل»، حسبما تقول المصادر.

رفض أميركي

ويتقاطع ذلك مع تقديرات مالية لبنانية استبعدت أن يكون أي تحول للمؤسسة سيلقى موافقة أميركية. وقال مصدر مالي لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط»: «من غير المتوقع أن يلاقي هذا التموضع استجابة في وزارة الخزانة الأميركية التي تدقق بتفاصيل مالية مملّة في لبنان»، مشيراً إلى أن لبنان «خاضع لرقابة مشددة من (الخزانة الأميركية) بسبب الانفلاش النقدي الكبير، وتشير تقديراتهم إلى أنه لا يمكن ضبط الأموال النقدية خارج القطاع المصرفي، في وقت يعد هذا الإجراء جزءاً من التداول بالاقتصاد النقدي خارج القطاع المصرفي».

أحد مباني «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد تعرضه لغارة إسرائيلية خلال الحرب في 2024 (الشرق الأوسط)

ويضيف المصدر: «لا يمكن لهذا التموضع أن يرضي الأميركيين الذين اتخذوا قراراً بوجوب إغلاقها، وأبلغوا ذلك للدولة اللبنانية، ولن يرضيهم تغيير الشكل، ما دام الأصل لا يزال قائماً»، في إشارة إلى وجود «القرض الحسن» واستمرار خدماتها ولو بشكل آخر. وأوضح: «بالشكل القانوني، وبموجب قوانين لبنان السارية (ما عدا مصرف لبنان)، تستطيع شركة تجارية أن تمارس مهمات البيع والشراء، ومن ضمنها التقسيط، لكن ذلك لا يعني أن المشكلة الأساسية تم حلها، وهي الرفض الأميركي؛ لأنها ستبقى سيولة خارج القطاع المصرفي، وستبقى من وجهة نظر الأميركيين موضع شبهات في ظل الظروف السياسية الحالية».


توثيق 23 أسيراً لبنانياً لدى إسرائيل

عائلات أسرى لبنانيين لدى إسرائيل يعتصمون في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عائلات أسرى لبنانيين لدى إسرائيل يعتصمون في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

توثيق 23 أسيراً لبنانياً لدى إسرائيل

عائلات أسرى لبنانيين لدى إسرائيل يعتصمون في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عائلات أسرى لبنانيين لدى إسرائيل يعتصمون في وسط بيروت (إ.ب.أ)

طالبت «هيئة ممثلي الأسرى والمحررين اللبنانيين»، الدولة اللبنانية بتحريك ملف الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل، ووضعه في صدارة الأولويات السياسية والدبلوماسية، في ظل استمرار احتجاز 23 أسيراً لبنانياً، بينهم 3 أسرى منذ عقود، إضافة إلى أسرى جدد اعتقلوا خلال الحرب الأخيرة وما بعدها، إلى جانب 42 مفقوداً لا يزال مصيرهم مجهولاً.

وجاء ذلك في مذكرة رسمية وجّهتها الهيئة إلى رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون، دعت فيها إلى اعتماد مقاربة وطنية شاملة للتعامل مع هذا الملف، تشمل التحرك الدبلوماسي والقانوني والإنساني، والعمل على تدويله عبر المؤسسات الدولية المختصة.

أسرى منذ عقود

وبحسب المذكرة، فإن ثلاثة أسرى لبنانيين لا يزالون محتجزين لدى إسرائيل منذ ما قبل الحرب، أحدهم منذ عام 1978، والثاني منذ عام 1981، والثالث منذ عام 2005. في المقابل، ارتفع عدد الأسرى الموثقين خلال المرحلة الأخيرة إلى 20 أسيراً جديداً، توزّعوا بين 11 أُسروا خلال المعركة العسكرية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، و9 مدنيين أُسروا بعد وقف المعركة الموسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

وأشارت الهيئة إلى أن الأسرى الجدد اختُطفوا في حوادث متفرقة طالت صيادين ورعاة وعمّالاً وشرطيّاً بلدياً، وذلك خارج إطار العمليات العسكرية، وفي بعض الحالات بعد إصابات مباشرة.

صور لمحتجزين لبنانيين لدى إسرائيل مرفوعة أمام مبنى «الإسكوا» في وسط بيروت (إ.ب.أ)

كما أفادت المذكرة بوجود 42 مفقوداً ومفقودي أثر، بينهم قتلى لم يُعرف حتى تاريخه ما إذا كانت جثثهم محتجزة لدى إسرائيل، في ظل غياب أي تعاون من الجانب الإسرائيلي مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

اتهامات بانتهاكات ومطالب بالتحرك

واتهمت الهيئة إسرائيل بالاستمرار في رفض التعاون مع «الصليب الأحمر الدولي»، ومنع زيارات الأسرى أو تقديم معلومات عن أوضاعهم، مؤكدة، استناداً إلى إفادات أسرى فلسطينيين أُفرج عنهم أخيراً، أن الأسرى اللبنانيين يتعرضون لتعذيب جسدي ونفسي، وحرمان من الغذاء والمياه، وإهمال طبي متعمّد، إضافة إلى معاملة مهينة وحاطة بالكرامة، لا سيما للمصابين منهم.

أقارب وعائلات أسرى لبنانيين لدى إسرائيل يعتصمون في وسط بيروت ويرفعون صورهم (إ.ب.أ)

ودعت الهيئة رئاسة الجمهورية والحكومة إلى ترجمة ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري لجهة اعتبار قضية الأسرى أولوية وطنية، عبر تحرك فوري لوزارة الخارجية على المستويين العربي والدولي، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة واللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر»، إضافة إلى الاستفادة من آليات الأمم المتحدة المختصة وتشكيل لجنة وطنية مستقلة لمتابعة الملف.


إسرائيل تغتال القيادي البارز في «القسام» رائد سعد

العمل على رفع أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي لإعادة فتح شارع في خان يونس جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
العمل على رفع أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي لإعادة فتح شارع في خان يونس جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تغتال القيادي البارز في «القسام» رائد سعد

العمل على رفع أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي لإعادة فتح شارع في خان يونس جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
العمل على رفع أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي لإعادة فتح شارع في خان يونس جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

نفَّذت مُسيَّرة إسرائيلية هجوماً جوياً على مركبة من طراز «جيب» على شارع الرشيد الساحلي، جنوب غربي مدينة غزة، ما أدى لمقتل 4 فلسطينيين على الأقل، وإصابة عدد آخر، بعد أن أطلقت الطائرة 3 صواريخ باتجاه المركبة ومحيطها، لقتل كل من بداخلها.

وبينما لم تؤكد أي مصادر فلسطينية هوية القتلى، ذهب الجيش الإسرائيلي لتسريب أخبار لوسائل إعلام عبرية، أن الهدف هو القيادي البارز في «كتائب القسام» (الجناح المسلح لحركة «حماس») رائد سعد، وعدد من مرافقيه.

فلسطينيون يعاينون موقع الغارة الإسرائيلية التي استهدفت سيارة في مدينة غزة السبت (رويترز)

وحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن إسرائيل حاولت اغتيال سعد في أثناء تنقله إلى شمال القطاع، مبينة أن نتائج الهجوم لم تتبين بعد، وسط تأكيدات تشير إلى نجاح العملية؛ لافتة إلى أنه مؤخراً تمت الاستعدادات لاغتياله في مناسبتين على الأقل خلال الأسبوعين الماضيين، وتقرر إلغاؤهما في اللحظات الأخيرة.

ووفقاً لما ذكرته الإذاعة، فإن سعد أقيل من منصبه قائداً لقسم العمليات بعد عملية «حارس الأسوار/ سيف القدس» عام 2021، وتولى مسؤولية مناصب أخرى، منها حالياً ركن إنتاج الأسلحة، مشيرة إلى أنه يعمل حالياً على إعادة بناء الجناح العسكري لـ«حماس»، ويعتبر الرجل الثاني في التنظيم بعد عز الدين الحداد، كما أنه كان المسؤول الأول عن تجهيز خطة اقتحام الحدود التي عُرفت سابقاً باسم «جدار أريحا».

وحسب قناة «12» العبرية، فإنه أُطلق على العملية اسم «العشاء الأخير»، مشيرة إلى أنها جاءت رداً على إصابة جنديين بجروح طفيفة، إثر انفجار عبوة ناسفة بقوة إسرائيلية على حدود غزة في الأيام الأخيرة.

من هو رائد سعد؟

في مارس (آذار) 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي -على ما يبدو أنه عن طريق الخطأ- أنه اعتقل سعد في «مجمع الشفاء الطبي»، ولكن تبين أنه لم يُعتقل. وقالت مصادر حينها لـ«الشرق الأوسط»، إنه كان في تلك الليلة مشاركاً في اجتماع مع مخاتير ووجهاء كانت إسرائيل تحاول تجنيدهم، لخطة إقامة سلطات محلية، وقد غادر المكان قبل ذلك.

فلسطيني وسط أنقاض مبانٍ دمَّرها القصف الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

وتؤكد مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، أن سعد هو المسؤول عن ركن التصنيع، كما أنه كان لسنوات مسؤولاً عن ركن العمليات في «كتائب القسام» داخل قطاع غزة، مشيرة إلى أنه عضو في المجلس العسكري العام، كما أنه كان مقرباً من محمد الضيف، ومحمد السنوار، وغيرهما من كبار القادة، وكان قائداً للواء غزة لسنوات عدة، وكان مقرباً جداً من القائد السابق للكتائب أحمد الجعبري.

وبينت المصادر أنه خلال الحرب الحالية نجا سعد من 4 محاولات اغتيال على الأقل، إحداها كانت في جباليا البلد شمال قطاع غزة، وقد نجا منها، بينما استهدفته غارة عنيفة في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والذي ينحدر منه وعاش وتربى فيه، وذلك بعد أن قصفت طائرة حربية مربعاً سكنياً لاغتياله، ولكن تبين أنه غادر المكان قبل دقائق من الهجوم.

ونجا سعد من محاولات اغتيال طالته على مدار عقود، من أبرزها إصابته في إحداها حين كان برفقة محمد الضيف والمجلس العسكري في منزل بحي الشيخ رضوان، عام 2003، وأصيب أيضاً الضيف برفقته حينها.

وأشارت إلى أن سعد أشرف على سلسلة عمليات خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت نهاية عام 2000، بعد أن فر من سجون السلطة الفلسطينية آنذاك، وقُتل وأصيب خلالها كثير من الإسرائيليين، كما كان له دور في عملية تطوير الصواريخ وإطلاقها تجاه مستوطنات إسرائيلية، وكذلك في بناء قوة «القسام» على مدار عقود.

ويلقَّب سعد في أوساط قادة ونشطاء «القسام» باسم «الشيخ»، وكان مقرباً جداً من الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، وعمل في مكتبه سنوات، كما أنه كان قريباً من أحد أبرز قادة الحركة، إبراهيم المقادمة، وتزوج من ابنته، ويطلق عليه اسم «أبو معاذ»، كما تربطه علاقة قوية بكثير من قادة «حماس» و«القسام» على مختلف المستويات، وجهَّز قوة عسكرية خاصة لحماية عبد العزيز الرنتيسي، بعد أن حاولت السلطة الفلسطينية مهاجمة منزله بداية الانتفاضة الثانية.

أطفال فلسطينيون في مخيم للنازحين خلال يوم ماطر شرق مدينة غزة السبت (إ.ب.أ)

وتؤكد المصادر أنه بعد انتهاء الحرب عمل مجدداً على محاولة بناء ركن التصنيع من جديد، وترتيبه إدارياً وهيكلياً، إلى جانب عودة عمل تصنيع بعض أنواع العبوات الناسفة وقذائف «الهاون» وغيرها.

وبشأن رواية إسرائيل حول مسؤوليته عن خطة ما عُرف باسم «جدار أريحا» أو «القيامة» التي طُبقت في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قالت المصادر إنه حين كان سعد مسؤولاً عن قسم العمليات، كان أحد المخططين للهجوم منذ سنوات، وكان يعمل على التجهيز لتنفيذها في وقت أقرب، ولكن الفرصة لم تحِن آنذاك.

وكانت «الشرق الأوسط» قد انفردت في يناير (كانون الثاني) 2024، بمعلومات حصرية عن خطة هجوم السابع من أكتوبر، وأكدت مصادرها حينها أن خطة اقتحام مستوطنات غلاف غزة ليست بجديدة؛ بل تم التفكير فيها وبدء الإعداد لها قبل حرب عام 2014، وعندما اندلعت تلك الحرب تم تجميد الخطة، قبل أن تتجدد المساعي بعد عام، وما إن وقعت معركة «سيف القدس» عام 2021، حتى تقرر في الجناح العسكري لـ«حماس» الاستعداد لها وتنفيذها حين تحين الظروف.

وبعد معركة «سيف القدس» تقرر نقل رائد سعد من مهامه الموكلة إليه في قسم العمليات إلى قسم ركن التصنيع، فيما يبدو بسبب فشل تطبيق تلك الخطة خلال تلك المعركة.

وفي إطار الخروق الإسرائيلية، قُتل فلسطينيان أيضاً، اليوم (السبت)، إثر إطلاق نار من قبل القوات الإسرائيلية في شمال قطاع غزة، بينما توفي ثالث متأثراً بجروحه في قصف سابق على خان يونس، وهو محمد أبو حسين، قائد جهاز الاستخبارات في لواء رفح بـ«كتائب القسام».

خيام للنازحين وسط أنقاض مبانٍ دمَّرها القصف الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة السبت (أ.ب.أ)

وحسب وزارة الصحة بغزة، فإن 391 فلسطينياً قُتلوا منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، بينما أصيب 1018، وانتُشلت جثامين 628 إثر غارات وعمليات إسرائيلية سابقة. وبذلك وصل عدد ضحايا الحرب منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى 70659.

وشنت الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة من الغارات الجوية، شرق حي التفاح شرق مدينة غزة، وشمال مدينة رفح، وكذلك شرق خان يونس، وسط عمليات نسف على جانبَي الخط الأصفر شرقي عدة مناطق.