علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل

وردك على الخدين

كل حرف مبطّن بنغمة، وكل كلمة تحتضن جملة لحنية، وأنا أحب موسيقى الكلمات لأنها تدعم معانيها، ولكني عندما أستمع لجملة «مصر.. إلى أين» تشعرني موسيقاها الباردة بالانقباض، فموسيقى الجملة لا توحي بأن صاحبها يشك في أنها ستصل إلى بر الأمان، دعني أغني لك نفس السؤال بصياغة تدعو القلب للانشراح «وردك على الخدين.. حلو يا اللي ماشي.. آخرة طريقك فين.. حلو يا اللي ماشي». من المستحيل أن أنسى حلاوة هذا الكائن المسمى مصر وأنا أتكلم عن الـ«أين» الذي يقصده أو يهدف إليه، ما يجب أن أنشغل به هو أن مصر حلوة وأنها يجب أن تظل حلوة.

عودة قلم هارب

لعلك لاحظت رنة الحزن في كلماتي عن الضحك والنكتة والفكاهة، كما لو أني أتكلم عن صديق قديم اختطفه الموت من بيننا، فلم يتبقَّ منه سوى ذكريات ضاحكة قديمة، أحاول استعادتها فلا ينتج عن محاولاتي إلا مزيد من المرارة والاكتئاب. المنطقة مشتعلة بالموت والقتلة المجانين والغرقى الذين يحاولون الفرار بجلدهم، وأنا منشغل بالحديث معكم عن الفكاهة.. أمر غريب، أليس كذلك؟ أعتقد أنه جاء الوقت لكي أعترف بأمر لا بد أن عددًا كبيرًا منكم قد كشفه.. لقد حاولت الفرار مؤقتًا من كل ما يحدث حولي، فلجأت، كأي هارب، إلى عالمي القديم.

حكاية الفلاح والخاتم

تحلق شباب الأسرة وشاباتها حول الأب الراقد على فراشه من شدة المرض. نادى الأب ابنه عبده وأعطاه خاتمًا ليقوم بتثمينه عند الخواجة جورج الصايغ المتجول، الذي يطوف بأسواق القرى.. اعرف لي ثمنه ولا تبعه. جاء الابن آخر النهار، وقال: ثلاثة جنيهات. جميل.. أريدك أن تذهب إلى عاصمة المركز في الصباح الباكر، هناك عدد من محلات الجواهرجية، اعرض عليهم الخاتم واعرف لي كم يعرضون ثمنًا له ولا تبعه. وعاد الابن آخر النهار ليقول ما بين سبعة جنيهات وثمانية.. فقال الأب: حسنًا.. غدًا في الصباح ستسافر إلى القاهرة، وتتوجه من فورك إلى حي الصاغة في منطقة الأزهر، هناك ستجد عشرات محلات المصوغات.

حركة تبادل العقول العالمية

كل منا يريد عقلاً أفضل، وهو ما جعل الناس جميعًا في حالة استياء شديدة، كل منهم كان يتطلع لعقل شخص ما. أثيرت المشكلة على كل المستويات، بعد أن وصل الناس لحالة من التعاسة غير مسبوقة على الأرض. وظهرت صيحة جديدة من صيحات الحرية تطالب بحق الإنسان في الحصول على عقل يوافق قدراته وميوله. هكذا وبعد مداولات طويلة أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بأن من حق كل إنسان أن يخلع عقله، وأن يقوم بتركيب عقل شخص آخر.

الظاهرة المسرحية والخداع

كاميرا التلفزيون تنقل احتفالاً بأول إنتاج لمزرعة سمكية جديدة. كميات هائلة من أسماك البوري اللامع الجميل تخرج أمام عينيك من مياه المزرعة وهي «تتلعبط» من فرط حيويتها وطزاجتها. وتمر شهور ويفتح شخص ما ملف شخص آخر فنكتشف أن الأسماك التي شاهدتها سيادتك لا صلة لها بالمزرعة. لقد أحضرها تاجر سمك كبير باتفاق مع مسؤول صغير. مشهد آخر، تم الانتهاء من بناء مستشفى عصري، وتقرر أن يفتتحه مسؤول كبير، ولكن المستشفى ليس جدرانًا وعنابر وأجهزة طبية فقط، لا بد من أطباء وممرضين وممرضات وأيضًا مرضى.

عندما أنقذني جهلي

نحو خمسة عشر عامًا مرت على هذه الواقعة، عندما كتبت فيلمًا قصيرًا نحو سبع دقائق عن الانتخابات. كان الهدف منه هو تحريض الناس على الذهاب إلى أماكن الاقتراع والإدلاء بأصواتهم. كتبت الفيلم لحساب مركز ابن خلدون الذي يديره عالم الاجتماع الدكتور سعد الدين إبراهيم. وفجأة قبض عليه ووجهت إليه اتهامات كثيرة تقترب من الخيانة العظمى. وبدأت أقرأ اسمي في الجرائد بوصفي متهمًا في جريمة عجزت عن معرفتها. وكان الدليل الوحيد على جريمتي هو هذا الفيلم القصير. قال لي فريد الديب محامي الدكتور سعد: مطلوب مني أن أتقدم بمذكرة خاصة بالدفاع في القضية..

أجب عن السؤال من فضلك

في الأسطورة الإغريقية القديمة يوجد وحش هائل الحجم على هيئة «أبو الهول» يتخذ موقعًا خارج مدينة طيبة اليونانية ويلقي أسئلة على المسافرين إليها والخارجين منها. ومن يعجز منهم عن تقديم الإجابة الصحيحة يأكله الوحش. أما في حالة أن تكون الإجابة صحيحة، يهلك الوحش. حول سوفوكليس هذه الأسطورة إلى مسرحية هي «أوديب ملكًا».

هندسة البشر من أعلى

إنها الركيزة الأولى للاشتراكية كفكرة ووسيلة حكم. الحزب الحاكم هو المهندس الوحيد ينظر من نافذة الحكم العليا للبشر في كل أنحاء البلاد ويرسم لهم خريطة طريق يلتزمون بها فيتحولون في نهاية الأمر إلى مجرد علامات تكون شكلاً هندسيًا تتم إدارته من أعلى. ومن الطريف أن الأفكار الاشتراكية حريصة على وصف نفسها بالأفكار «العلمية» البعيدة عن الأساطير والخرافات والغيبيّات. ومع ذلك فهي تقع في حجر الفكر الغيبي عندما تتكلّم عن نفسها بوصفها «حتمية»، وذلك في المقولة الشهيرة «حتمية الحل الاشتراكي»، الحتمية هنا هي فكرة القدرية، أي أن الاشتراكية قدر من المستحيل الفكاك منه أو تفاديه.

العقارب والمنطق الصوري

تقول الحدوتة القديمة إن عقربًا قالت لضفدعة: أنا أريد الانتقال إلى الشط الآخر من هذا المجرى المائي، وأنا عاجزة عن السباحة كما تعرفين، فهل أطمع في كرمك بأن أركب على ظهرك وتسبحين بي إلى هناك؟ قالت الضفدعة: بصراحة.. أنا أخشى أن تلدغيني.. فقالت العقرب: ماذا؟ هل أنا مجنونة؟ إذا لدغتك فستموتين وأغرق أنا وأموت معك. فكرت الضفدعة في أن منطق العقرب كان سليمًا تمامًا. من المستحيل أن تلحق بها ضررًا. فقالت لها: اتفضلي.. تعالي اركبي. ركبت العقرب على ظهر الضفدعة التي أخذت تسبح في هدوء في اتجاه الشاطئ الآخر. وفي منتصف المجرى المائي بالضبط، لدغتها العقرب. صرخت الضفدعة من فرط الألم والصدمة وصاحت: يا مجنونة..

رجلان وحمار ومولد

اثنان من فقراء الدنيا ومعهما حمار يحمل حاجياتهما القليلة. الثلاثة متعبون جائعون ضائعون، خرجوا من بلدهم باحثين عن العدل والأمن وشربة ماء وكسرة خبز. وفي البرية وبالقرب من قرية مصرية على أطراف الوادي، مات الحمار من الجوع وفرط الإجهاد، فدفناه تحت شجرة ظليلة. مرت بهما سيدة قروية، سألتهما عن سبب وجودهما في هذا القفر. ويبدو أن كل ما يشعران به من اكتئاب ويأس وتعاسة تحول إلى طاقة مرح، فقالا لها: نحن هنا في زيارة لأحد أولياء الله الصالحين المدفون تحت هذه الشجرة.. إنه «سيدي الحمار».. لم أسمع عنه من قبل، وهل له كرامات؟ ما هي..؟ كراماته لا تعد ولا تحصى يا سيدتي..