في الواقع، يعتبر الالتهاب أشبه بنار داخل الجسد لا يمكنك رؤيتها أو الشعور بها. وعن هذا، قال د. أندرو لستر، من «مركز أمراض المناعة والالتهابات» بجامعة مستشفى ماساتشوستس العام التابع لجامعة هارفارد: «إنها أشبه بعملية احتراق تصيب أنسجة الجسم والمفاصل والأوعية الدموية، وغالبًا ما لا تلحظ ذلك لحين وقوع ضرر كبير»، وقد يظهر هذا الضرر في صورة التهاب مفاصل أو مرض بالقلب أو سكتة دماغية أو حتى مرض ألزهايمر.
ومع ذلك، فإن الالتهاب ليس شرًا في حد ذاته، بل على العكس تمامًا فإنه يضطلع بدور مهم في كيفية حفاظ جهاز المناعة على الجسم آمنًا وبحالة صحية جيدة. وفي هذا الصدد، قال لستر: «يتمثل الهدف في الإبقاء على الالتهاب قيد السيطرة وعدم إطلاق العنان له».
فوائد وأضرار
بوجه عام، هناك نوعان من الالتهاب: الحاد والمزمن. والملاحظ أن غالبية الأشخاص على معرفة بالنمط الحاد، الذي تتمثل أعراضه في احمرار وسخونة وتورم حول الأنسجة والمفاصل حال تعرض إصبعك، مثلاً، لجرح، أو اصطدام الركبة بجسم صلب.
وعندما يصدر الجسم إشارة تنبئ عن تعرضه لإصابة ما، يسارع جهاز المناعة لإرسال جحافل من خلايا الدم البيضاء للإحاطة بالمنطقة المصابة وحمايتها. وتجري هذه العملية على النحو ذاته، عندما يستجيب الجسم للإصابة بالإنفلونزا أو الالتهاب الرئوي.
وأوضح د. لستر أن «الالتهاب الحاد هو السبيل الذي يقاوم من خلاله جسدك، الأجسام الغازية التي قد تسبب العدوى، بجانب كونه جزءًا من عملية الشفاء. وبذلك يتضح أن الالتهاب أمر جيد لما يضطلع به من حماية للجسم».
في المقابل نجد أن الوضع مختلف مع الالتهاب المزمن، فرغم أن الجسم يظهر ردة الفعل ذاتها المرتبطة بالالتهاب الحاد، فإن الالتهاب في هذه الحالة يستمر، ذلك أن خلايا الدم البيضاء تغمر المنطقة المصابة، لكن ينتهي الحال بها إلى مهاجمة الأنسجة والأعضاء القريبة السليمة.
وعلى سبيل المثال، إذا كنت تعاني زيادة في الوزن ويحوي جسمك المزيد من الأنسجة الدهنية التي تتراكم بمنطقة البطن وتحيط بأعضائك، فإن جهاز المناعة ينظر إلى هذه الخلايا الدهنية باعتبارها مصدر تهديد ويضخ المزيد من خلايا الدم البيضاء. وكلما زادت فترة بقائك على هذا الوزن الزائد، زادت فترة بقاء جسدك في حالة التهاب، ذلك أن النيران تستمر في الاشتعال.
من جهته، شرح د. لستر أن «رد الفعل هذا لا يقتصر على مساحة بعينها من الجسم، وإنما من الممكن أن يتنقل الالتهاب عبر مختلف جنبات الجسم ويثير مشكلات بها جميعًا. وإذا أصبت بالتهاب المفاصل أو مرضًا بالقلب، فإن ثمة احتمال هو أن تكون الالتهابات المزمنة أحد الأسباب وراء ذلك».
وسائل الحماية
تشكل إدارة النظام الغذائي وأسلوب الحياة السبيلين الأمثلين للإبقاء على الالتهاب المزمن قيد السيطرة، حسبما ينصح د. لستر. ومثلما ذكرنا آنفًا، فإن الوزن الزائد يمثل سببًا متكررًا للالتهاب. وعليه، فإن فقدان بعض من وزن الجسم الزائد، خصوصًا حول البطن، يمكن أن يحد من مستويات الالتهاب. وفيما يلي عدد من الخطوات الوقائية الأخرى، تبعًا لنصائح د. لستر.
* مكافحة أمراض اللثة. لو كانت لثتك تنزف عندما تنظف أسنانك، فإن الاحتمال الأكبر أنك تعاني من التهاب. لذا، عليك أن تبادر إلى حجز موعد لدى طبيب الأسنان لإجراء فحص عام، والعمل على تعزيز العناية بالفم.
* علاج الكولسترول المرتفع. عليك إجراء تحليل للتعرف على مستوى الكولسترول، ثم تحدث إلى طبيبك بخصوص تناول عقاقير الستاتين للإبقاء على الدهون قيد السيطرة، إذا ما رأى الطبيب أنها شديدة الارتفاع.
* الإقلاع عن التدخين. هذا أمر جيد، ونصيحة طبية عامة. فيما يخص الالتهابات على وجه التحديد، فإن المواد السامة الناجمة عن التدخين تعتبر من المسببات المباشرة لها.
تغيير النظام الغذائي
فيما يتعلق بالنظام الغذائي، هناك عناصر ينبغي التخلي عنها وأخرى ينبغي إضافتها. من الضروري تقليص، أو التخلي نهائيًا، عن السكريات البسيطة (مثل المشروبات الغازية والحلوى)، والمشروبات التي تحوي عصير عالي الفركتوز (مثل مشروبات العصائر والمشروبات الرياضية) وكذلك الكربوهيدرات المنقحة (مثل الخبز الأبيض والمعكرونة). وفي هذا الصدد، قال د. لستر: «الإفراط في تناول هذه المشروبات والأطعمة يزيد الوزن بسهولة، وبالتالي قد يسبب الالتهاب».
في المقابل، عليك أن تضيف لنظامك الغذائي الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة المعروفة باسم «مركبات البوليفينول»polyphenols ، وأظهرت دراسات أن هذه النوعية من مضادات الأكسدة تملك الكثير من الخصائص المضادة للالتهابات.
ويبقى التساؤل الآن: أي الأطعمة تعتبر الأفضل؟ خلصت دراسة في عدد مايو (أيار) 2016 من «بريتيش جورنال أوف نيوتريشن» أن مركبات البوليفينول التي توجد في البصل والكركم والعنب الأحمر والشاي الأخضر، قلصت فرص ظهور الالتهابات بالجسم. وكذلك جميع أنواع التوت، والخضراوات المتميزة بأوراق خضراء داكنة، مثل السبانخ واللفت والكرنب.
أيضًا، يوفر زيت الزيتون والأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين والمكاريل جرعات صحية من الأحماض الدهنية «أوميغا 3»، التي أثبتت منذ أمد بعيد قدرتها على تقليص الالتهابات، بل وباستطاعتها تقليص الالتهابات في المخ.
وهنا، أكد د. لستر على أن «الهدف ليس تناول كمية معينة يوميًا، وإنما دمج أكبر عدد ممكن من هذه العناصر في الوجبات العادية اليومية».
«أوميغا 3» والمخ
تشير أبحاث جديدة إلى أن مركب «أوميغا 3» يمكنه تجاوز الحاجز بين الدم والمخ والمعاونة في تقليص الالتهابات التي قد تسهم في الإصابة بألزهايمر. وعرض عدد 21 مايو عام 2015 من دورية «فرونتيرز إن أيدجينغ نيوروساينس» دراسة أجريت على 40 شخصا بالغا حول مخاطر الإصابة بألزهايمر، وخلصت إلى أن من يتناولون كميات أكبر من «أوميغا 3» قدموا أداء أفضل عن نظرائهم فيما يتعلق بالمرونة الذهنية - بمعنى القدرة على التنقل ما بين مهام مختلفة.
هل تعاني من التهاب مزمن؟
> يمكنك التعرف على الإجابة عبر إجراء تحليل بسيط للدم لدى طبيبك. ومن خلال التحليل، سيقيس الطبيب مستوى مادة كيميائية معينة مرتبطة بالكبد تعرف باسم «البروتين المتفاعل سي»، ويشار إليها اختصارًا باسم «سي آر بي»
> C - reactive protein (CRP)، التي ترتفع عادة عند وجود الالتهابات. وعادة ما يشير مستوى «سي آر بي» من 1 إلى 3 ملليغرامات لكل لتر إلى مستوى منخفض من الالتهاب. أما المستويات الأعلى من 3 ملليغرامات لكل لتر فتنبئ باحتمال كبير لوجود التهاب. ويمكن للطبيب أن يحدد استراتيجية معينة لخفض مستويات هذه المادة بالجسم.
* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا»