تعرض صالات السينما السعودية، بدءاً من يوم الخميس المقبل، فيلم «بوغونيا» (Bugonia) للمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس، الذي يُعدّ من أبرز صُنّاع الأفلام في جيله. وهو أول عمل له يُعرض تجارياً في المملكة، في وقت تتسع فيه خيارات الجمهور السعودي وتتنوّع بين السينما الجماهيرية والسينما ذات الطابع الفني.
لانثيموس هو أيضاً أحد أبرز رموز ما يُعرف بـ«الموجة اليونانية الجديدة»، التي ظهرت عقب الأزمة الاقتصادية في بلاده عام 2008. وقد تميّزت أفلامه منذ بداياته بجرأتها وابتعادها عن القوالب السائدة. ففي فيلمه «أسنان الكلب» (Dogtooth) 2009، فاز بجائزة «نظرة ما» من مهرجان «كان السينمائي الدولي»، فاتحاً لنفسه طريقاً نحو العالمية.
قدّم لانثيموس فيلم «جراد البحر» (The Lobster) عام 2015، الذي رُشِّح لجائزة «الأوسكار»، وواصل خطَّه الغرائبي في فيلم «المفضلة» (The Favourite) عام 2018، الذي حصد 10 ترشيحات «أوسكار»، وفازت بطلته أوليفيا كولمان بجائزة أفضل ممثلة.
أما فيلمه السابق «كائنات مسكينة» (Poor Things)، فكان من أكثر أفلام عام 2023 إثارة للجدل، لما قدّمه من رؤية بصرية وجسدية صادمة، رسّخت مكانة لانثيموس بوصفه أحد أهم المخرجين في العقد الأخير.

«بوغونيا»... خيال علمي
يبدأ عرض الفيلم عالمياً في 30 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو مأخوذ عن الفيلم الكوري «أنقذوا الكوكب الأخضر» الصادر عام 2003؛ كتب نسخته الجديدة الكاتب الأميركي ويل ترايسي، في حين تولّى لانثيموس الإخراج. يقدّم الفيلم قصة شابين مهووسين بنظريات المؤامرة، يخطفان مديرة تنفيذية في شركة أدوية، معتقدين أنها مخلوقة فضائية جاءت لتدمير الأرض.
الفيلم من بطولة النجمة الأميركية إيما ستون، وهي الشخصية التي تُختطف على يد بطلَي الفيلم، ويشاركها البطولة الممثل الأميركي جيسي بليمونز الحاصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان «كان» لعام 2024، ويؤدي هنا دور أحد الشابين المهووسين بنظريات المؤامرة.
الفيلم من إنتاج استوديو «سيرشلايت بيكتشرز» التابع لمجموعة «ديزني»، مما يمنحه انتشاراً عالمياً واسعاً.
يخلط لانثيموس في «بوغونيا» بين الدراما النفسية والكوميديا السوداء والخيال العلمي، في أسلوبه المألوف الذي يمزج بين القسوة والسخرية. صُوِّر العمل بكاميرات 35 مم على يد مدير التصوير البريطاني روبي ريان، الذي تعاون مع لانثيموس سابقاً في «ذا فيفوريت»، مما يمنحه ملمساً بصرياً أنيقاً ومتحكّماً في الإضاءة والزوايا الغريبة التي تُميِّز أفلامه.

ترشيحات مبكرة
قبل أيام، صنّفت مجلة «ذا هوليوود ريبورتر» الفيلم ضمن قائمة الأفلام المرشحة للأوسكار، بعد أن أدرجته الأكاديمية الأوروبية للسينما في القائمة القصيرة لجوائزها (EFA Shortlist) لعام 2026، وهذه الإشارة المبكرة من واحدة من أعرق المؤسسات النقدية الأوروبية تُعدّ مؤشراً على ثقل الفيلم وموقعه ضمن موسم الجوائز العالمي، وهو ما يزيد من أهمية عرضه للمرة الأولى في السعودية.
يحافظ المخرج في هذا الفيلم على سماته الأسلوبية المعروفة، من الحوار البارد المقنّن، والوجوه الخالية من الانفعال، والإيقاع البصري المتأني، والزوايا التي تخلق شعوراً دائماً بعدم الارتياح. لكنه هذه المرة أكثر ميلاً إلى السينما الجماهيرية، مقارنة بأعماله السابقة، إذ أضفى على السرد خفّة وحركة تسمح للجمهور الأوسع بالانخراط في القصة دون أن يفقد عمقه الفلسفي. كما أن كثيراً من النقاد الذين شاهدوا الفيلم في عروضه الأولى بمهرجان «البندقية الدولي» وصفوه بأنه «أقرب أفلام لانثيموس إلى الجمهور».
من ناحية أخرى، فإن عرض الفيلم في السعودية لا يمكن اعتباره مجرد حدث ترفيهي، بل هو مؤشر ثقافي على توسّع السوق السينمائية المحلية في احتضان التجارب الفنية الجريئة؛ ففي حين اقتصرت السنوات الأولى بعد افتتاح الصالات السعودية على الأفلام التجارية الكبرى، تشهد المرحلة الحالية تزايداً في إقبال الجمهور على الأفلام المستقلة والأعمال المرشحة للجوائز العالمية.



