عبر ليلة طويلة تشهد مواجهات حادة بين أب وابنه يستدعيان فيها ذكرياتهما وخلافاتهما القديمة والصورة السيئة التي يحملها كل منهما تجاه الآخر، في دراما عائلية جريئة يقدمها المخرج محمد صيام في فيلمه الطويل الأول «كولونيا» الذي يشارك بمسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة، وذلك بعد عرضه الدولي الأول مؤخراً بمهرجان «وارسو» السينمائي.
الفيلم من بطولة أحمد مالك، وكامل الباشا، ومايان السيد، ودنيا ماهر، وعبيد عناني، وإنتاج كل من مصر وفرنسا والنرويج والسويد وقطر، وحاز دعماً من مهرجانات عدة من بينها «سيني جونة» ، والمنظمة الدولية للفرنكفونية ومعهد الدوحة.
وأقيم العرض الأول للفيلم بالمهرجان مساء السبت، وصعد أبطال الفيلم ومخرجه على المسرح، وقدمتهم ماريان خوري المدير الفني للمهرجان، حيث تحدّث المخرج محمد صيام موجهاً الشكر لكل الجهات التي ساندت فيلمه، كما قدّم أبطاله، وعلّق الفنان الفلسطيني كامل الباشا قائلاً إنه لا توجد كلمة يقولها سوى «فلسطين»، لترددها بعده الفنانة مايان السيد.

وعبّر المنتج محمد حفظي، أحد منتجي الفيلم من الجانب المصري في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته بردود فعل الجمهور بالفيلم في عرضه الأول بالمهرجان، حيث اكتملت القاعة الكبرى عن آخرها بالحضور، مؤكداً أنه تلقى ردود أفعال طيبة وإجماعاً على جودة الفيلم بعد أن نال تصفيقاً كبيراً».
ولفت إلى أنه تم «تصوير أغلب مشاهد الفيلم بمدينة الإسكندرية، متمنياً أن تنتهي جولة الفيلم بالمهرجانات حتى يتاح عرضه التجاري للجمهور».
في المشاهد الأولى للفيلم يظهر بطله الفنان أحمد مالك وهو مُلقى على شاطئ البحر، بينما الأب العجوز الذي يجسد دوره الفنان كامل الباشا، يتم تكفينه استعداداً لدفنه، وسط دهشة من حوله، لموته بعد يوم واحد من وصوله إلى بيته، بعد أن قضى 6 أشهر في غيبوبة مَرضية.

عبر «فلاش باك» طويل تبدأ أحداث الفيلم حين يصل الأب إلى بيته ليجد المصعد معطلاً ويضطر ابناه لحمله حتى يصل إلى شقته، وبينما تتردد في الخلفية صلاة عيد الأضحى عبر مكبرات المساجد، يبدي الابن الأكبر «عادل» تعاطفه مع أبيه، فيما يضطر للانصراف إلى بيته بعد أن أوصى شقيقه الأصغر «فاروق» - يؤدي دوره أحمد مالك - بالاهتمام بأبيه، محذراً إياه من أي إهمال يتعرض له الأب، واعداً بعودته وأطفاله بعد صلاة العيد لزيارة أبيه.
هذه الليلة الصعبة يتعنت فيها الابن الشاب المدمن للمخدرات في تعامله مع أبيه الذي ينعته بدوره بأوصاف قاسية ويرفض مساعدته، فلدى كل منهما صورة سيئة عن الآخر، الابن يعتقد أن والده كان يعامل والدته معاملة سيئة أودت بحياتها، مما سبب له صدمة، وتمنى له الموت بدلاً منها. والأب يعده ابناً «عاقاً» و«فاشلاً».
ويتواصل الحوار بينهما في غلظة، لكن مع مرور الوقت تتراجع حالة الجفاء، وتجمعهما مشاهد إنسانية حين يقوم الابن بحلاقة شعر أبيه ويجلس معه في غرفته فيغفو قليلاً على كتفه، ويخرجان معاً إلى البحر ويتناولان طعاماً يحبه الأب ويغنيان معاً في تحول مثير لعلاقتهما.

لا يخفف من وطأة المواجهات بين الأب والابن سوى أغنيات عبد الوهاب القديمة التي يفضلها الأب ويختارها المخرج في خلفية المواجهات بينهما، بينما يرتبط عنوان الفيلم بتلك الزجاجة التي يقتنيها الأب باعتزاز من العطر القديم «الكولونيا».
ويرى الناقد طارق الشناوي أننا بصدد فيلم جريء على مستوى اللغة السينمائية، وأنه يقع في إطار الـ«الدوستوبيا» وهو جنس أدبي يرى أصحابه أن الأرض كلها شر وأحقاد، وهو على النقيض من «اليوتوبيا» التي تعكس الحلم المثالي، مضيفاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن بناء السيناريو الذي كتبه المخرج محمد صيام، جاء مناسباً؛ إذ يبدأ بموت الأب وهو مسجى على السرير، في أسرة لا يوجد بها أي تواصل حتى بين الشقيقين، الشخصيات عدمية في مجملها ليبدو كل شيء متهالكاً في عمل متشح بالسواد، لكن في داخله لحظات إبداعية يعكسها أداء أبطاله.

ويشير الشناوي إلى «براعة أداء أحمد مالك وقدرته على التلون والتعبير في أعمال متميزة ومتفردة وطازجة»، مؤكداً أن «كامل الباشا فنان بارع في الأداء، لكن يخونه إتقان اللهجة المصرية أحياناً».
ويلفت إلى استعانة المخرج بأغنية من فيلم «سلام يا صاحبي» التي يؤديها الأب وابنه ضمن أحداث الفيلم، وأن حالة الشجن التي تُغلف الأغنية هي نفسها حالة الشجن التي تضمنها فيلم «كولونيا»، مشيراً إلى تميز الموسيقى التصويرية التي ألفتها الموسيقية السورية ليال وطفة.



