يصادف هذا العام مرور 95 عاماً على الاحتفال بأول يوم وطني في التاريخ السعودي، والذي كان في العام 1930، ولعل ما يسترعي النظر أن من أبرز مرتكزات بناء الدولة التي تفرّد بها الملك عبد العزيز اختياره للكفاءات البشرية، والاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم بغض النظر عن خلفياتهم، أو انتماءاتهم.
وفرت المصادر التاريخية قائمة بأسماء كثيرين من رجالات الدولة في عهد الملك عبد العزيز الذي استمر أكثر من خمسين عاماً منذ استرداده الرياض عام 1902، وحتى وفاته عام 1953، إلا أن الملاحظ تداول أسماء محدودة عند الحديث عن مستشاري الملك المؤسس ورجالات دولته البارزين، وهناك انطباع أن أكثر مستشاريه الذين تُتداول أسماؤهم عادة كانوا من غير السعوديين؛ أمثال: حافظ وهبة، ويوسف ياسين، وفؤاد حمزة، وخالد القرقني، ورشدي ملحس، وغيرهم، والسبب الدارج أنه لم تكن هناك كفايات (سعودية) متعلمة؛ بيد أن الحقيقة عكس ذلك. وسبب وجود هذا الانطباع -في تقديري- أن أكثر أولئك المستشارين كتبوا مذكراتهم، وكان لهم حضورهم الإعلامي، أما السعوديون فكانوا كاتمي أسرار، لا يكتبون، ولا يتحدثون، رحلوا والمعلومات مكتومة في صدورهم؛ ما يتطلب موقفاً تصحيحياً للتاريخ، مع إعادة التوازن للروايات التاريخية. وهذا ما سيتناوله هذا البحث في التعريف بعدد من رجالات الدولة من السعوديين تحديداً، والذين عاصروا البدايات، وأسهموا في بناء الدولة، مع تتبع لسِيَرهم -رغم شح المعلومات عن بعضهم ونقصها عن البعض الآخر–، وتسليط الضوء على جوانب من حياتهم العملية، وتنوع وظائفهم ومسؤولياتهم، ما يوضح أسباب اختيارهم لتولي المهمات التي أُوكلت إليهم، ونوعية الخبرات التي كان يتمتع بها كل منهم.
تستعرض «الشرق الأوسط» بعضا من كبار رجالات البلاط الملكي، ومستشاري الملك، ومن حملوا لقب وزير دولة، أو حازوا عضوية مجلس الوكلاء، أو مجلس الشورى، أو تولوا سفارة في عهد الملك عبد العزيز. مع التأكيد على أهمية كتابة المذكرات، وإصدار السِيَر والتراجم لرجالات الدولة، حفظاً لتاريخهم وتاريخ دولتهم.
هذه نماذج فقط لبعض رجالات الدولة السعودية الحديثة، وهناك العشرات مثلهم الذين يستحقون أن تُفرد لهم الصفحات، وتُدوّن سِيَرهم، وتُوثق إسهاماتهم لتبقى شاهدة على مسيرة توحيد المملكة العربية السعودية، ورؤية الملك عبدالعزيز لبناء مملكته، واصطفائه لرجالات دولته رغم قلة الموارد، وضعف الإمكانات، ثم نظرته الثاقبة، واهتمامه بالتعليم، وبإنشاء المدارس والمعاهد والكليات، وإرساله البعثات التعليمية للدراسة في الخارج، والتي كانت حجر الأساس في البناء العلمي للدولة، وتطوير قدراتها البشرية، ونهضتها التنموية. وفيما يلي شذرات عن سير أولئك الشخصيات:
أحمد بن عبد الله بن ثنيان
وُلد ودرس في تركيا، وكان له باع في الشؤون الخارجية، ويتحدث اللغات التركية والفرنسية والإنجليزية. يعتبر أول مستشار سياسي يلتحق بخدمة الملك عبد العزيز نحو عام 1911م، وشارك في بعض الحملات العسكرية.

كُلف بمهام وبعثات سياسية، وتشير بعض المصادر إلى أن مهماته السياسية بدأت قبل ضم الأحساء، وأشرف على انسحاب الحامية التركية منها، ثم مثّل إمارة نجد في أول مفاوضات رسمية مع الحكومة البريطانية التي أسفرت عن توقيع اتفاقية دارين عام 1915م، كما رافق الأمير (الملك) فيصل في أول رحلة خارجية إلى أوروبا عام 1919، وكانت آخر مهماته السياسية مشاركته في مؤتمر المحمرة عام 1922، وتوفي في الرياض عام 1923.
عبد الله بن محمد الفضل

وُلد في عنيزة ودرس في كتاتيبها، ثم رحل إلى الهند، وواصل تعليمه هناك، وعمل في وكالة آل فضل، وتفتحت مداركه السياسية في بومباي حيث النفوذ البريطاني وقتذاك، وكان يجيد اللغتين الأوردية والإنجليزية. التحق مبكراً بخدمة الملك عبد العزيز، وأصبح وكيلاً له في عدن. كُلف بعدد من المهام، ورأس عدداً من الوفود واللجان، وعُيّن عضواً في اللجنة الدائمة بالديوان الملكي. يُعد أحد أبرز مساعدي الأمير (الملك) فيصل، إذ شغل منصب معاون نائب الملك في الحجاز، والنائب الأول لرئيس مجلس الشورى، ونائب رئيس مجلس الوكلاء.
محمد شرف بن أحمد عدنان آل غالب
تلقّى تعليمه الأولي على أيدي عدد من المعلمين الخاصين، ثم واصل نهل العلم على أيدي علماء عصره. غادر الحجاز، وواصل تعليمه في مصر وتركيا، وتشير المصادر إلى إجادته عدة لغات.

عاد فور دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة، وأُسند إليه عدد من المناصب، منها: مستشار نائب الملك في الحجاز، وعضو مجلس الشورى الأهلي. كما انتُخب عضواً في «الهيئة التأسيسية الاستشارية». كما صدر مرسوم بتعيينه رئيساً لمجلس الشورى الاستشاري، ثم عُيّن عضواً في مجلس الشورى العام الذي شُكّل برئاسة نائب الملك في الحجاز. كما تم تعيينه عضواً في لجنة التفتيش والإصلاح. تولى رئاسة جلسات مجلس الشورى نيابة عن نائب الملك في الحجاز.
عبد الرحمن بن حسن القصيبي

وُلد في الأحساء وتلقّى تعليمه في الكتاتيب، كما تعلم اللغتين الإنجليزية والفرنسية. عمل بالتجارة بين البحرين والهند وأوروبا وأفريقيا، وعيّنه الملك عبد العزيز معتمداً له في البحرين، واختاره ممثلاً له في بعض المحادثات السياسية الحساسة، وكلفه بعدد من المهمات السياسية. تولى عدة مناصب؛ منها عضويته في لجنة الإصلاح والتفتيش، وحمل بعد ذلك لقب وزير مفوّض، ثم وزير دولة.
إبراهيم بن محمد بن معمر
وُلد في الكويت ودرس في الهند. كان يتحدث اللغات الإنجليزية والأوردية والفارسية. من أوائل المستشارين السياسيين للملك عبد العزيز -مع أحمد بن ثنيان وعبدالله الدملوجي-؛ إذ التحق بخدمته نحو العام 1912م. عمل في البلاط الملكي، وكان رئيساً لإدارة المخابرات السياسية الأجنبية، إضافة إلى انتدابه في مهمات خاصة، وبعثات خارجية إلى أوروبا، وعدد من البلاد العربية.

كان له جهد إعلامي، وشارك في الرد على الحملات التي كانت تثار ضد الملك عبد العزيز، وفي عام 1926م عُيّن رئيساً للديوان الملكي، ثم وزيراً مفوّضاً في العراق عام 1933م، وهو صاحب مبدأ عدم تنكيس العلم السعودي في مناسبات الحداد، وهو تقليد تم اعتماده رسمياً بعد ذلك، ثم عُيّن قائماً لمقام (محافظ) جدة في عام 1937م، واستمر حتى وفاته عام 1958م، وقد كُلف خلال تلك المدة بعمل وكيل وزارة الخارجية.
حمزة بن إبراهيم غوث
وُلد في المدينة المنورة، وتلقّى تعليمه في المدرسة الرشدية، ثم الناصرية، وفي حلقات المسجد النبوي، كما تعلم اللغة التركية. تولى رئاسة بلدية المدينة المنورة أثناء الحكم العثماني، كما عمل مستشاراً ومبعوثاً سياسياً لأمير حائل آنذاك عبد الله المتعب الرشيد. التحق بخدمة الملك عبد العزيز عام 1922م، وأصبح مستشاراً للشؤون السياسية.

كُلف بمهمات سياسية خارجية، ورأس الوفد النجدي إلى مؤتمر الكويت عام 1924م، كما كُلف معاوناً لأمير المدينة المنورة، وفي عام 1930م عُيّن عضواً في مجلس الشورى، وفي عام 1938م عُيّن قنصلاً عاماً، ووزيراً مفوَّضاً في العراق، ثم سفيراً لدى إيران عام 1947م. ولتعيينه قصة يجدر ذكرها تبين بُعد نظر الملك المؤسس، وإدراكه لواقع الدول، وتوجهات الرأي العام، ودقيق فهمه للسياسة الخارجية، وهي أن الملك عندما قرر تعيينه سفيراً في إيران قال له: «أنا عندما اخترتك سفيراً لدى إيران لأسباب لا تخفى عليك، منها أنك سيد! واسمك حمزة! ومن المدينة المنورة! والإيرانيون يهتمون بذلك! ولهذه الأسباب مجتمعة وقع اختياري عليك».
محمد شرف بن رضا آل يحيى

تلقّى تعليمه على أيدي أساتذة خاصين كعادة أبناء الأشراف وقتذاك، ثم واصل تعليمه على يد عدد من علماء المسجد الحرام. شغل عدداً من الوظائف والأعمال في العهد الهاشمي. أول من تولى إدارة المالية العامة (وزارة المالية فيما بعد) بعد دخول الملك عبد العزيز الحجاز. عُيّن عضواً في مجلس الشورى العام، ثم عضواً في مجلس الشورى، وأصبح نائباً ثانياً لرئيس المجلس، ومستشاراً للملك، ثم عُيّن عضواً في مجلس الوكلاء، وحمل لقب وزير دولة.
عبد العزيز بن حمود بن زيد
وُلد ودرس في حائل، ثم انتقل إلى إسطنبول حيث واصل تعليمه. رأس أحد الوفود، ممثلاً لأمير حائل محمد بن طلال الرشيد، للمفاوضة على تسليم حائل، واحتد النقاش بينه وبين الملك عبد العزيز، وفشلت مهمته.
بعد ضم حائل التحق بخدمة الملك المؤسس، الذي عيّنه مندوباً له في عمّان والقدس نحو العام 1926م.

عُيّن بعد ذلك عضواً في مجلس الشورى، ثم معاوناً لقائمقام جدة، ثم مفتشاً على الحدود الشمالية، وكُلف بعدد من المهمات، ورأس وفوداً ولجاناً تتعلق بقضايا ترسيم الحدود، وقضايا القبائل المتداخلة في شمال المملكة.
عُيّن قنصلاً عامّاً في دمشق، فمندوباً فوق العادة ووزيراً مفوَّضاً لدى جمهوريتي سوريا ولبنان، ثم سفيراً للمملكة العربية السعودية في دمشق. خلال مسيرته العملية برزت مهاراته السياسية، وقدراته التفاوضية في عدد من المواقف، ويُعد من أعلام الإدارة والدبلوماسية السعودية، وله اهتمامات ثقافية وأدبية، وأعمال خيرية.
محمد بن عبد القادر مغيربي فتيح

حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من الجامعة الأميركية في إسطنبول، والزمالة في الحقوق والسياسة الدولية من جامعة لوزان. كان يجيد اللغات الإنجليزية والتركية والإيطالية والألمانية والفرنسية. عمل مستشاراً لأمير حائل سعود بن عبد العزيز الرشيد، وتنقّل في عدد من الدول بسبب عدم استقرار الأوضاع في الحجاز. استدعاه الملك عبد العزيز بعد ضم الحجاز، وشارك في تنظيم المؤتمر الإسلامي، واختير عضواً في الوفد الذي يمثل الملك عبد العزيز في المؤتمر. عُيّن عضواً في مجلس الشورى. كما كُلف بعدد من المهمات، وشارك في عضوية كثير من المجالس واللجان، مثل مجلس المعارف، ولجنة المطالبة بأوقاف الحرمين الشريفين، وهيئة مراقبة النقد.
صالح بن أبو بكر شطا

تلقّى تعليمه على أيدي أعلام العلماء من أسرته، ومن علماء الحجاز، وحصل على إجازة بالتدريس في المسجد الحرام. أول من تولى مديرية المعارف بعد تشكيلها في العهد السعودي، أُسند إليه منصب معاون نائب الملك في الحجاز، وانتُخب عضواً في الهيئة التأسيسية الاستشارية، كما عُيّن عضواً في لجنة التفتيش والإصلاح، وعضواً في مجلس الشورى، ثم عضواً في مجلس الوكلاء، وأصبح نائباً لرئيس مجلس الشورى.
عبد الله بن عبد العزيز بن عثمان

وُلد في الكويت وتلقّى تعليمه فيها. التحق ببلاط الملك عبد العزيز في أواسط العشرينات الميلادية تقريباً، وعمل مساعداً لرئيس الديوان الملكي، ثم عُيّن رئيساً للديوان عام 1932، وجاء تعيينه متزامناً مع إعلان توحيد البلاد وتسميتها المملكة العربية السعودية، فعاصر مراحل بناء الدولة وتطوراتها، وُصف بتمتعه بعقلية إدارية فذة، وحس تنظيمي عالٍ، إضافة إلى حرصه ودقته في إنجاز ما يوكل إليه من مهام، ما يفسر استمرار رئاسته للديوان طوال عهد الملك عبد العزيز. أرسى قواعد العمل الإداري والتنظيمي في الديوان الملكي، ورافق الملك المؤسس في رحلاته وتنقلاته، وكان ينقل توجيهات الملك وأوامره إلى كافة أجهزة الدولة ومسؤوليها، وهناك مئات الوثائق والمعاملات التي تحمل توقيعاته، وتظهر عليها بصماته، وتعكس عمق خبرته السياسية، والإدارية.
عبد العزيز بن محمد العتيقي

درس في المجمعة على أيدي مشايخها، ثم انتقل لمدينة الزبير، وتابع تعليمه، ثم أتم دراسته في دار الدعوة والإرشاد بالقاهرة. تنقّل بين البحرين والهند وشرق آسيا، وعمل بالتعليم والدعوة، وكان له نشاط سياسي، وإعلامي. التحق بخدمة الملك عبد العزيز عام 1925م، وشارك في لجنة تسلُّم جدة، ثم عُيّن مستشاراً لنائب الملك في الحجاز، وعضواً في مجلس الشورى، كما عُيّن نائباً لمدير دائرة المطبوعات والمخابرات (الإعلام)، وتولى مديرية الشؤون الخارجية بالنيابة عام 1926م.
عبد الوهاب بن أحمد نائب الحرم

تلقّى تعليمه على أيدي علماء عصره، وتولى التدريس في المسجد الحرام. رحل إلى تركيا ودرس القانون، وكان يجيد اللغة التركية. عاد للحجاز بعد ضمها للحكم السعودي، وانتدبه الملك عبد العزيز لتنظيم الأمور المالية في عسير. انتخب رئيساً لأول مجلس بلدي في مكة بالعهد السعودي، وتولى رئاسة دائرة البلدية في مكة المكرمة. صدر الأمر بتعيينه عضواً في مجلس الشورى، ثم تولى إدارة الأوقاف في مكة المكرمة.
محمد بن عبد العزيز بن دغيثر

نشأ وتلقّى تعليمه في مدينة الزبير حيث كان والده يعمل بالتجارة هناك، وله صلة واتصالات بالملك عبد العزيز ورجالاته. التحق بالعمل في ديوان الملك عبد العزيز عام 1926م، وبعد تركيب محطات اللاسلكي في كافة أرجاء المملكة، استُحدث ديوان خاص بالبرقيات ضمن تشكيلات الديوان الملكي، وعُيّن ابن دغيثر رئيساً لديوان البرقيات، لذا يُعد أحد رواد الأنظمة الإدارية السعودية، إذ أسهم في تطوير جهاز البرقيات الذي كان الوسيلة الرئيسة للتواصل بين الملك ومختلف مناطق المملكة والعالم الخارجي. كان بمثابة أمين سر الملك عبد العزيز بحكم اطلاعه على كافة البرقيات الواردة إلى الملك، والصادرة منه. لازم ابن دغيثر الملك عبد العزيز في سفره وحضره، وتعرّف على جوانب شخصيته، ونقل إليه الأنباء المفرِحة والمحزِنة، وكان دائم الاتصال به، ومحط ثقته، كما كان شاهداً على بناء الدولة ومؤسساتها وأجهزتها ومراحل تطورها لِمَا يزيد عن نصف قرن.
رشيد بن ناصر بن ليلا

تلقّى تعليمه في كتاتيب حائل، ثم على أيدي عدد من علماء عصره. يجيد اللغة التركية، تولى عدداً من المناصب، وكُلف بمهمات في عهد إمارة آل رشيد على حائل، وعُيّن وكيلاً لهم في إسطنبول. وفد على الملك عبد العزيز الذي اصطفاه وكلفه بعدد من المهام. شارك في عضوية المؤتمر الوطني، كما عُيّن عضواً في مجلس الشورى، ثم صدر الأمر بتعيينه قنصلاً عامّاً وقائماً بالأعمال لدى العراق، ثم عُيّن قنصلاً عامّاً ووكيلاً معتمداً للملك عبد العزيز لدى سوريا.
فوزان بن سابق السابق
تتلمذ في كتاتيب بريدة، ثم درس في الرياض والبحرين والعراق والهند، وحصل على إجازات في العلوم الشرعية. مارس التجارة بين نجد والعراق والشام ومصر مع العقيلات، وكان من رموزهم.
في عام 1922م اختاره الملك عبد العزيز وكيلاً له في دمشق، وبين عامي 1925 و1926م عيّنه وكيلاً له في القاهرة، ونظراً لتوتر العلاقات السياسية بين المملكة المصرية ومملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، ما أدى إلى قطعها في عام 1928م، لم تعترف الحكومة المصرية بالوكالة التي أنشئت، ولا بالسابق بوصف أنه وكيل للملك عبد العزيز، إلا أنه استمر في ممارسة أعماله دون اعتراف رسمي، مستثمراً اتصالاته وعلاقاته الشخصية، وكان له نشاط إعلامي، وجهود علمية وفكرية، وحضور لافت في الأوساط الدبلوماسية في القاهرة.

تعرّف السابق إلى المستر كرين، ورتّب له مقابلة مع الملك عبد العزيز أسفرت عن إرسال كرين بعثة لعمل مسح عن المياه، وتوصلت إلى دلائل عن وجود النفط والمعادن في المملكة، والتي انتهت بتقرير تويتشل الشهير الذي أفضى إلى توقيع اتفاقية الامتياز بين الحكومة السعودية وشركة «سوكال» في عام 1933م.
كُلف بمهام سياسية واستخباراتية متعددة، وشارك في اجتماعات ومفاوضات، وحمل رسائل، ووقع على اتفاقيات ممثلاً للحكومة السعودية، وبعد توقيع معاهدة الصداقة السعودية-المصرية، واستئناف العلاقات في عام 1936م، تم افتتاح المفوَّضية في القاهرة، وتعيينه قائماً بالأعمال، وقنصلاً عامّاً، ثم وزيراً مفوَّضاً، ومندوباً فوق العادة، إلى أن تقاعد عام 1946م.
عبد الله بن سليمان الحمدان
درس في كتاتيب عنيزة، ثم انتقل إلى البحرين فالهند وعمل فيها، وواصل تعليمه هناك، وتواصل مع البيوتات التجارية العربية الموجودة في الهند –مثل آل فضل، وآل فوزان، وآل بسام، وآل زينل-، وأتقن أساليب التجارة والحساب، كما مارس التجارة بين الأحساء والبحرين والهند، لكنه لم يحقق نجاحاً كبيراً. التحق كاتباً في ديوان (السلطان) عبد العزيز نحو عام 1920م، واكتسب الثقة بسبب ذكائه، وتعدُّد مواهبه، وحُسْن تصرفه وتدبيره للأمور، وفهمه الدقيق لشخصية الملك عبد العزيز وأسلوب عمله، فتدرج في البلاط الملكي، وتولى إدارة المالية عام 1927م والتي تحولت إلى وكالة المالية العامة عام 1928م، ثم أصبحت وزارة المالية عام 1932م.

كما أُسندت إليه مناصب أخرى من بينها تكليفه بعمل نائب وزير الخارجية. وعدا عن مواهبه الإدارية والقيادية، فإن التصاقه بالملك عبد العزيز أكسبه حنكة سياسية ومهارات تفاوضية مكنته من قيادة المفاوضات مع شركة «سوكال»، والتوقيع على اتفاقية الامتياز بأمر الملك عبد العزيز، ثم تفاوضه لرفع دخل الحكومة السعودية من عائدات النفط والذي لم توافق عليه الشركة. فعرض على الملك مقترح إخضاع شركة البترول لضريبة الدخل والضرائب الأخرى، وتم اعتماد المقترح من قبل الملك، واضطرت الشركة للموافقة على دفع الضرائب، وتم توقيع اتفاق بذلك عام 1951م. استمر (ابن سليمان) أو (الوزير) -كما كان يطلق عليه- في تأدية مهامه حتى بداية عهد الملك سعود حين طلب إعفاءه عام 1954م. لقد اختصر المؤرخ جلال كشك وصف جهود ابن سليمان: «لعل ما فعله من أعاجيب خلال سنوات الأزمة العالمية لإبقاء جهاز الدولة يعمل رغم جفاف الموارد، كان شفيعه في سنوات الرخاء حين تناثرت الأقاويل حوله...».

