قال مهندس الديكور ومصمم المناظر المصري أنسي أبو سيف إن تصميم المناظر ليس مجرد وظيفة فنية، بل «هو الأساس الذي تنطلق منه صناعة الفيلم»، موضحاً أن البداية الحقيقية لأي عمل لا تأتي من المخرج وحده، وإنما من الطاقم الفني الذي يضع التفاصيل الدقيقة للشخصيات والأماكن.
وأضاف في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن السينما في جوهرها عمل درامي قائم على حياة أشخاص في بيئات محددة، وبالتالي، فإن «مهمة مصمم المناظر هي خلق المكان الذي يمنح المخرج والممثل القدرة على الإقناع»، مشيراً إلى أن «اختيار المواقع وبناء الديكور يخضعان دائماً لحسابات إنتاجية؛ إذ قد يكون التصوير في أماكن حقيقية صعباً بسبب القيود أو الضغط على السكان، لذلك يضطر المنتج إلى بناء أماكن بديلة، وهو ما يبرز أهمية مصمم المناظر».

وأكّد أن العلاقة بينه وبين مدير التصوير أو مصمم الملابس علاقة تكامل، «فالألوان، أو الخلفيات، لا بدّ من انسجامهما مع ألوان الأزياء لتصنع تناغماً بصرياً يخدم الدراما، لا مجرد صورة جميلة»، مشيراً إلى أن تأثير المكان لا يقتصر على الكاميرا فقط، «بل يمتد إلى المونتاج والموسيقى، وحتى إلى أداء الممثل».
وضرب أبو سيف مثلاً بالممثل الذي يؤدي دور «السجين»، قائلاً: «إذا دخل زنزانة غير مقنعة فلن يتمكن من تجسيد شخصية السجين بصدق، والعكس بالعكس؛ فالمكان المناسب يساعد الممثل على التخلّي عن ذاته والانغماس في الشخصية».

وأضاف أن هذا الإيمان بدور المنظر جعله يتعامل مع المهنة بوصفها أسلوب حياة، فخبرته الممتدة لأكثر من 50 عاماً علّمته أن يختار التجارب التي تمنحه إضافة حقيقية، ويستمتع بتقديمها، ويجد تحدياً في تنفيذها على أرض الواقع، مؤكّداً أنه استفاد من جميع الأعمال التي قدّمها، سواء أنجحتْ جماهيرياً ونقدياً أم لا؛ «لأن الإخفاق أحياناً يكون مكسباً يمنح الخبرة في تطوير الأدوات المستقبلية».
وشارك أنسي أبو سيف في كثير من الأفلام السينمائية المهمّة بتاريخ السينما المصرية، من بينها: «المومياء»، و«زوجة رجل مهم»، و«الحرافيش»، و«الكيت كات»، و«الوداع يا بونابرت»، و«إبراهيم الأبيض».
وأشار أبو سيف إلى أن بعض تجاربه الكبيرة لم تنل التقدير الذي تستحقه، مثل فيلم المسافر، الذي يعد آخر أعمال الراحل عمر الشريف؛ إذ بنى أبو سيف سفينة ضخمة داخل الاستوديو، لكن الفيلم «لم يحقق النجاح المنشود رغم المجهود الكبير فيه».
وأضاف أن قيمة العمل الفني لا تُقاس بحجم الديكور فقط، «بل بقدرة الفيلم بأكمله على النجاح، فالفيلم الجيد يتجاوز أخطاء التفاصيل، بينما الفيلم الضعيف لا ينقذه أي إبداع شكلي».

وأكد أنه لا يختار مشروعاته بدافع المثالية، بل بدافع الرغبة في خوض مغامرة جديدة، موضحاً أن قراءته السيناريو دائماً ما تجعله يتساءل: هل سيمنحه هذا المشروع فرصة لاكتشاف شيء لم يجرّبه من قبل أم لا؟ مشيراً إلى أنه في فيلم «إبراهيم الأبيض» أعاد التفكير في تصميم الحارة الشعبية بشكل مختلف؛ «لأنها لم تكن مجرد ديكور حي، بل فضاء يعكس صراع السلطة مع الناس البسطاء».
وأضاف أنه يرفض العمل في أعمال تدور حول طبقات لا يعرفها أو لا تمس اهتماماته، مثل قصص «الكومباوندات» وحياة الأثرياء؛ لأنه لا يجد فيها ما يحفّزه أو ما يعبّر عنه، مشيراً إلى أن العبء الحقيقي بالنسبة إليه ليس الأشخاص، بل طبيعة المشروع نفسه.
وأوضح أنه قد يعمل مع مخرج جديد يخوض تجربته الإخراجية الأولى دون تردد إذا كان الموضوع يثير فضوله، في حين قد يرفض مشروعاً مع أصدقائه المخرجين إذا لم يرَ فيه تحدياً.
وأشار إلى أن ثقافته البصرية تتشكل من تنقله بين الأماكن المختلفة ووجوده في الشارع، مثل زيارته حي «الكيت كات» الذي تغيّر كثيراً بمرور السنوات، موضحاً أن هذه الخبرات تترسخ في ذاكرته وتعود في أعماله بأشكال جديدة، حتى لو في سياقات غير متوقعة، مع استلهام تفاصيل البيوت القديمة أو الأبواب أو العمارة الشعبية ليحوّلها إلى ملامح مكان درامي يعكس طبيعة الشخصية.
وتحدث عن تاريخ تغيّر الديكور في صناعة السينما، مبيناً أن الأفلام قديماً كانت تُبنى داخل الاستوديوهات بديكورات كاملة ومخازن ضخمة للإكسسوارات والملابس، قبل أن يتراجع هذا النمط في السبعينات مع ظهور نظام المقاولات والأفلام التجارية السريعة، مؤكداً أن هذا التغيير أثّر على جودة الصناعة، وأدى إلى هجرة عدد كبير من الحرفيين والعمّال.

وعبّر مصمم المناظر المصري عن سعادته بالجلسة الحوارية التي شارك فيها مؤخراً ضمن فعاليات جولات «ملتقى النقد» في مدينة أبها السعودية، وانخراط الجمهور والنقاد في مناقشته بمشاريعه السينمائية، مشيداً بما لمسه من اهتمام بصناعة السينما في المملكة خلال زيارته.






