تمكَّن باحثون في بريطانيا، للمرّة الأولى، من اكتشاف أدلّة تُثبت التأثير الدائم للتدخين في أسنان الإنسان، إذ تبقى «بصماته» محفورة داخلها حتى بعد الإقلاع عن هذه العادة.
وأوضح فريق البحث من جامعة نورثمبريا أنّ التدخين يترك أثراً دائماً في جذور الأسنان، في اكتشاف علمي قد يفتح آفاقاً جديدة أمام الطبّ الشرعي والدراسات الأثرية، ونُشرت النتائج، الخميس، في دورية «PLOS One» العلمية.
ويُعدُّ التدخين من أبرز العوامل المسببة للأمراض المزمنة والوفاة المبكرة حول العالم، إذ يحتوي التبغ على مئات المواد الكيميائية السامة، من بينها مواد مسرطنة. كما يؤثر التدخين في مختلف أجهزة الجسم، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكتات الدماغية، وسرطان الرئة، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة. بالإضافة إلى تأثيره السلبي في صحة الفم والأسنان، وضعف جهاز المناعة، والقدرة الإنجابية.
ووفق الدراسة، فإنّ المدخنين الحاليين والسابقين يحملون علامات واضحة في أسنانهم نتيجة التدخين، تظهر في طبقة تُعرف باسم «السِّمنتوم» (Cementum)، وهي نسيج يغلِّف جذور الأسنان ويتكوَّن على شكل حلقات سنوية شبيهة بحلقات جذوع الأشجار، يمكن تحليلها لتحديد بعض الخصائص الحيوية.
وكان الهدف الأولي للدراسة هو استكشاف إمكان استخدام هذه الحلقات لتقدير أعمار الأفراد في سياقات الطبّ الشرعي، مثل التعرُّف إلى ضحايا الكوارث أو الحالات التي يتعذَّر فيها تحديد الهوية بالحمض النووي. لكن المفاجأة جاءت عندما لاحظ الباحثون، خلال تحليل 88 سنّاً مأخوذةً من أشخاص أحياء وأخرى من بقايا أثرية، وجود اضطرابات في نمط الحلقات لدى بعض العيّنات دون غيرها.
وتبيَّن أنَّ هذه الاضطرابات ترتبط بشكل واضح بتاريخ التدخين؛ إذ وُجدت علامات التلف في 70 في المائة من أسنان المدخنين السابقين، و33 في المائة من المدخنين الحاليين، مقابل 3 في المائة فقط لدى غير المدخنين.
وأشار الباحثون إلى أنّ طبقة «السِّمنتوم» كانت أكثر سُمكاً لدى المدخنين السابقين، مما يُرجح أنَّ الجسم ربما حاول ترميم الأنسجة بعد الإقلاع عن التدخين، ما أدّى إلى تكوُّن طبقات أكثر كثافة فوق الحلقات المتضرّرة. أما المدخنون الحاليون، فظلَّت الحلقات لديهم مضطربة بسبب استمرار التأثير الضار للتدخين.
ولتعزيز نتائجهم، استعان الفريق بأسنان لجثث تعود إلى القرنين الـ18 والـ19، وتبيَّن أن هذه الأسنان تحمل الأنماط نفسها من التشوّهات في طبقة «السِّمنتوم» لدى الأفراد الذين يُعتَقد أنهم كانوا مدخّنين، مقارنة بغير المدخنين.
ووفق الباحثين، فإنّ لهذا الاكتشاف أهمية كبيرة في مجال الطبّ الشرعي، إذ يمكن أن يُستخدم في التعرُّف إلى هوية الأفراد في الكوارث أو المقابر الجماعية، بجانب دوره في فهم أنماط التدخين في المجتمعات القديمة، مما يُثري الدراسات الأثرية والثقافية. كما يشكل دليلاً بيولوجياً مباشراً على الضرر الذي يسببه التدخين لصحة الفم، حتى بعد التوقف عنه.


