الغزّيون عُرضة لاستغلال «أباطرة المال» في ظل نقص السيولة النقدية و«عملة تالفة»

لا يقبل الصيارفة بأقل من 20 % على أي تحويل مالي

متداولة على مواقع التواصل
متداولة على مواقع التواصل
TT

الغزّيون عُرضة لاستغلال «أباطرة المال» في ظل نقص السيولة النقدية و«عملة تالفة»

متداولة على مواقع التواصل
متداولة على مواقع التواصل

يتعرض الغزيون لاستغلال واضح من «الصيارفة»، أو من يطلق عليهم البعض «أباطرة المال»، الذين يصرون على الحصول على عمولة مالية عالية مقابل عمليات تحويل الأموال التي أصبح كل غزي تقريباً مضطراً إليها في ظل نقص السيولة.

ويعاني وسط وجنوب القطاع توقفاً شبه كامل للبنوك منذ نحو أسبوعين بسبب انعدام السيولة النقدية، في حين أن البنوك توقفت نهائياً في مناطق شمال القطاع منذ منتصف الشهر الثاني للحرب المدمِّرة، مما جعل السكان عُرضة للاستغلال مع مرور الوقت.

وتعمدت قوات الاحتلال استهداف البنوك العاملة في القطاع، حتى تلك التابعة لسلطة النقد الفلسطينية في رام الله، إلى جانب استهداف واضح للصرافات الآلية وتفجيرها، في إطار حرب استهدفت الاقتصاد الفلسطيني.

وقال رمضان الملاحي (41 عاماً)، وهو موظف مدني يعمل مع السلطة الفلسطينية ويقطن مدينة غزة، إنه اضطر في الأشهر القليلة الماضية وحتى قبيل عيد الفطر بأيام، إلى تسلم راتبه عبر الصرافين الذين يملكون السيولة المالية، مقابل عمولة وصلت إلى 20 في المائة. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «استغلال واضح وبشع. لكن ما باليد حيلة».

فلسطينيون يجرّون عربتهم وسط الدمار في خان يونس بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقالت آلاء أبو موسى (27 عاماً) من سكان جباليا شمال القطاع، إنها اضطرت أيضاً إلى دفع عمولة 20 في المائة للصرافين بعدما تلقت حوالة مالية من شقيقها في تركيا، الذي دفع أيضاً عمولة وصلت 5 في المائة في إسطنبول. وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «يريدون أن يقاسمونا لقمة عيشنا... أباطرة مال يسرقوننا في وضح النهار ولا نستطيع فعل شيء».

وتساءلت أبو موسى عن دور الجهات الرقابية: «أين سلطة النقد؟ أين الحكومة؟ أين السلطة؟ أين الشرطة؟ أين الفصائل؟».

مديرو البنوك في غزة رفضوا التعليق على إمكانية إعادة تشغيل البنوك أو على الأقل الصرافات الآلية، كما رفض الصرافون التعليق، فيما تتجاهل الأمر الجهاتُ الرقابية في حكومة «حماس» بغزة والتي تنشط بالحد الأدنى من المهام.

وقال الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر لـ«الشرق الأوسط»، إن أهمية السيولة في أنها تعد عصب العملية التجارية ودونها لا يمكن التجارة والتسوق.

فلسطينيون عند معبر رفح بعد إجلائهم من قطاع غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأرجع أبو قمر الأزمة إلى خروج كميات كبيرة من الأموال للسفر وشراء السلع عبر المعابر دون دخول أي أموال لقطاع غزة.

ورأى أن سلوك سلطة النقد وبعض البنوك، قد يحوّلهم إلى مشاركين في أزمة السيولة، مشيراً إلى أن سلطة النقد لم تتخذ أياً من التدابير التي تحدّ من الأزمة، كتوفير سيولة من البنوك وفتح فروع أكبر لصرف الأموال وضمان عدم تكدس المواطنين وعملاء البنوك أمام الصرافات. كما لم تنجح بإدخال أي مبالغ لأسواق قطاع غزة رغم أن بروتوكول باريس الاقتصادي الموقّع عام 1994 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل يضمن ذلك.

كما أن سلطة النقد لم تتخذ أي خطوات تدابير لتجميد حسابات أشخاص يعملون في السوق السوداء ويتحكمون في السيولة.

ورأى أبو قمر أن الحكومة في غزة تتحمل كذلك مسؤولية كبيرة. وقال إن على الحكومة أن يكون لها دور فاعل في تخفيف أزمة السيولة. مشدداً على أنه «يمكنها ذلك من خلال تقليل الأموال التي تخرج من قطاع غزة عبر تقييد الاستيراد للسلع التي يمكن للمواطنين الاستغناء عنها، وتتبع الأشخاص الذين يحتكرون السيولة ويرفعون نسبة العمولة حتى وصلت إلى 20 في المائة، ومعاقبتهم».

وطالب أبو قمر بسرعة التدخل، لأن السكان بدأوا يعانون مشكلة أخرى مرتبطة بنقص السيولة، وهي «العملة التالفة» التي تملأ الأسواق، وقال: «على سلطة النقد وبالتعاون مع البنوك سرعة جمع هذه العملة واستبدال عملة جديدة بها، لأنها تفاقم الأزمة وتخلق متاعب للبائعين والمتسوقين على حد سواء».

وبدأت الأزمة في وقت مبكر في شمال القطاع، وامتدت في الأسبوعين الأخيرين على الأقل، إلى مناطق وسط وجنوب القطاع، خصوصاً رفح التي يتكدس فيها مليون ونصف المليون نازح.

وقال أيمن حمدونة، في رفح، إنه توجه إلى البنك عدة مرات لسحب مبلغ مالي من حسابه، إلا أنه لم يتمكن من ذلك.

وأضاف: «البنك أبلغنا جميعاً أنه لم تعد تتوفر لديه أي سيولة مالية، وهذا خلق وضعاً صعباً».

واضطر حمدونة، مثل الآلاف من سكان رفح والنازحين فيها، إلى تسلم أموالهم عبر صرافين يستخدمون نظام تطبيق بنكي لتحويل الأموال من حسابات الناس إلى حساباتهم، ثم يسلمونهم قيمة المبالغ التي يتم سحبها مقابل عمولة مالية تراوحت ما بين 15 و20 في المائة.

ولم يتمكن الآلاف من الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية من سحب رواتبهم، في الشهرين الأخيرين على الأقل. ويتهم الشاب حمدونة الكثير من التجار ورجال الأعمال بالتعاون مع أشخاص يعملون داخل البنوك وغيرها لتسهيل سحبهم مبالغ كبيرة، لاستخدامها في استغلال الناس، وهو أمر لم يتسنى التأكد من صحته بشكل مستقل.

لوغو سلطة النقد الفلسطينية

كانت سلطة النقد الفلسطينية في رام الله، قد أكدت، الشهر الماضي، أن عدداً من فروع المصارف ومقراتها تعرضت للتدمير، وتعذر فتح ما تبقى من فروع للقيام بعمليات السحب والإيداع في القطاع كافة، بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني.

وبيَّنت سلطة النقد، أن ذلك تسبب في أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي الغزيين وفي الأسواق، وتفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة.

ولفتت إلى أنها تتابع شكاوى السكان عن عمليات ابتزاز يمارسها أشخاص وتجار وبعض أصحاب محلات الصرافة غير المرخصة باستخدام أجهزة الخصم المباشر في نقاط البيع، أو التحويلات المالية على التطبيقات البنكية.


مقالات ذات صلة

ماكرون يطالب بالكفّ عن تسليم الأسلحة للقتال في غزة

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)

ماكرون يطالب بالكفّ عن تسليم الأسلحة للقتال في غزة

دعا الرئيس الفرنسي، السبت، إلى الكفّ عن تسليم الأسلحة للقتال في غزة، لافتاً إلى أن الأولوية هي للحلّ السياسي للحرب المستمرة منذ عام بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة ترفع صورهم خلال احتجاج قرب مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس يوم 30 سبتمبر (إ.ب.أ)

عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة تنفّذ إضراباً عن الطعام

بدأ أفراد في عائلات الإسرائيليين المحتجزين في أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة إضراباً عن الطعام، متهمين حكومة بنيامين نتنياهو بأنها أهملت قضيتهم في ظل حرب لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فوزية أمين سيدو امرأة إيزيدية اختطفها «داعش» في العراق وتم إنقاذها بعملية في غزة (وزارة الخارجية العراقية)

عملية بقيادة أميركية تحرر إيزيدية من غزة بعد 10 سنوات في الأسر

قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إن شابة إيزيدية عمرها 21 عاماً اختطفها مسلحون من تنظيم «داعش» في العراق قبل أكثر من عقد تم تحريرها من قطاع غزة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج وزراء خارجية دول الخليج بعد اجتماعهم الاستثنائي في الدوحة الأربعاء (مجلس التعاون)

دول الخليج تؤكد الوقوف مع لبنان وتحذر من اتساع رقعة الحرب

أكد مجلس التعاون الخليجي خلال الاجتماع الوزاري الاستثنائي بالدوحة، مساء الأربعاء، على وقف النار في غزة بشكل فوري، والوقوف مع «لبنان في هذه المرحلة الحرجة».

ميرزا الخويلدي (الدوحة)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون لتلقي المساعدات بما في ذلك الإمدادات الغذائية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي خارج مركز توزيع تابع للأمم المتحدة وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» في جباليا شمال قطاع غزة 24 أغسطس 2024 (رويترز)

مصادر: تراجع المساعدات الغذائية لغزة بعد قواعد إسرائيلية جديدة

قالت مصادر مشاركة في توصيل البضائع إلى غزة لوكالة «رويترز» للأنباء، إن الإمدادات الغذائية للقطاع تراجعت بصورة حادة في الأسابيع القليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (غزة)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: قيادة جماعية لـ«حزب الله» بانتظار نهاية الحرب

صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)
صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)
TT

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: قيادة جماعية لـ«حزب الله» بانتظار نهاية الحرب

صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)
صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)

بدأ في لبنان التداول باسم رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» إبراهيم أمين السيد، خليفة محتملاً للأمين العام للحزب حسن نصر الله الذي قتل في غارة إسرائيلية، قبل نحو أسبوعين في ضاحية بيروت الجنوبية.

إبراهيم أمين السيد رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» (موقعه في الإنترنت)

وبرز اسم السيد رغم عدم تأكيد إسرائيل، كما «حزب الله»، حتى الساعة مقتل رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين، في الغارات التي شنتها طائرات حربية إسرائيلية بعد منتصف ليل الخميس - الجمعة، على موقع يُعتقد أنه كان يوجد فيه تحت الأرض في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو الذي كان يُرجح أن يخلف نصر الله.

إلا أن مصادر مطلعة على أجواء الحزب تنفي كل ما يُتداول في هذا المجال «جملة وتفصيلاً»، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد حالياً مرشح لخلافة نصر الله. لا صفي الدين ولا السيد ولا أي شخصية أخرى، فالقيادة الراهنة جماعية».

وأصدرت العلاقات الإعلامية في «حزب الله» السبت، بياناً تحدثت فيه عن «أخبار كاذبة وشائعات لا قيمة لها يتم تداولها تتعلق بالوضع التنظيمي لعدد من كبار مسؤولي (حزب الله)»، مشيرة إلى أنها «تندرج في إطار الحرب النفسية المعنوية ضد جمهور المقاومة».

القيادي البارز في «حزب الله» هاشم صفي الدين خلال مشاركته في تشييع قيادي من الحزب قُتل في إدلب بسوريا (أ.ف.ب)

ويستبعد الناشط السياسي المعارض لـ«حزب الله» علي الأمين، إقدام الحزب في هذه الفترة على تعيين أمين عام جديد، «لأن المرشح أو المُعيّن، أياً كان، مرشح للموت»، مؤكداً أن «الحزب أصلاً في حالة تشتت وغير قادر على القيام بخطوة كهذه في ظرف كهذا، فضلاً عن أن الشيخ نعيم قاسم هو أمين عام بالوكالة بوصفه نائباً للأمين العام».

 

من هو السيد؟

ولد السيد في منطقة البقاع، شرق لبنان، عام 1955. تلقى تعليماً دينياً مكثفاً في الحوزات العلمية. وانضم إلى «حزب الله» منذ تأسيسه في أوائل الثمانينات، وأسهم في تطوير الحركة السياسية والعسكرية للحزب. والسيد تدرج في المناصب في «حزب الله» حتى أصبح رئيس المجلس السياسي، حيث يقوم بإدارة السياسات العامة للحزب والتواصل مع القوى السياسية اللبنانية والدولية.

ووفق الأمين، فإن السيد «كان مندوب حركة (أمل) في إيران قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم انتسب إلى (حزب الله). وقد قرأ الرسالة المفتوحة للحزب والبيان الأول له عند تأسيسه رسمياً، أي كان الناطق باسمه في فبراير (شباط) 1985».

السيد خلال إحدى زياراته للبطريرك الماروني بشارة الراعي (موقعه على الإنترنت)

ويشير إلى أنه «قريب للنائب جميل السيد، وكان نائباً في البرلمان ورئيس كتلة (الوفاء للمقاومة) من عام 1992 إلى عام 1996». ويرى الأمين أن «اقتراب السيد من إتمام السبعين لا يجعله خياراً موفقاً للأمانة العامة، وبخاصة في هذه الظروف»، مرجحاً أن يكون «الكلام عن تعيين السيد من خارج سياق الحزب... خصوصاً أنه في الـ15 سنة الأخيرة كان مهمشاً وأشبه بمتقاعد، فلا نراه إلا في زياراته إلى البطريركية المارونية، كما أنه لا يُعدّ من القيادات الحيوية داخل الحزب التي تم اغتيال معظمها».

موقع إلكتروني رسمي

ويُعدّ السيد أول رئيس للمجلس السياسي للحزب ومن الشخصيات القيادية القديمة، وله دور بارز في بناء شبكة العلاقات السياسية بلبنان، خصوصاً مع القوى السياسية الأخرى مثل حركه «أمل» و«التيار الوطني الحر» وغيرهما.

وبعكس صفي الدين الذي كانت إطلالاته العلنية والإعلامية محدودة، تُسجل إطلالات كثيرة للسيد سواء خلال خطب في عاشوراء، أو خلال لقاءات سياسية علنية مصورة كان يقوم بها.

كما أن اللافت أن «له موقعاً رسمياً على شبكة الإنترنت يحمل اسمه، وهو ما يفتقده معظم مسؤولي وقيادات (حزب الله)».

دمار هائل نتيجة إحدى الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

هذا الموقع ينشر خطاباته ومواقفه التي يعود آخرها لشهر يوليو (تموز) الماضي، والتي عدّ فيها أن «الانتصار على العدوّ سينتج تداعيات كبرى على مستوى الأجيال المقبلة».

رفض المنصب

وتردد عبر مواقع إلكترونية أنه بعد ترجيح فرضية اغتيال هاشم صفي الدين، رفض أمين السيد تولي منصب الأمين العام للحزب، وطلب السفر إلى طهران للتفرغ للعبادة. لكن هذه المعلومات لم يؤكدها أي مصدر موثوق.

ويقول مطلعون على جو الحزب إن «منصبه رئيساً للمجلس السياسي يجعله مسؤولاً عن توجيه السياسات الداخلية والخارجية للحزب»، ويتحدثون عن «شخصية مؤثرة في النقاشات السياسية المتعلقة بالصراعات الإقليمية».