مشروع قانون محدث ينعش الجدليات المالية في لبنان

التباسات في تحديد مسؤوليات الخسائر وتحميلها للمودعين

من اجتماع سابق بين رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووفد من جمعية المصارف (الوكالة الوطنية)
من اجتماع سابق بين رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووفد من جمعية المصارف (الوكالة الوطنية)
TT

مشروع قانون محدث ينعش الجدليات المالية في لبنان

من اجتماع سابق بين رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووفد من جمعية المصارف (الوكالة الوطنية)
من اجتماع سابق بين رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووفد من جمعية المصارف (الوكالة الوطنية)

استعادت الجدليات المالية والمصرفية حضورها القوي على لائحة الاستحقاقات الداخلية في لبنان، رغم الانشغال بيوميات المواجهات العسكرية المحتدمة في الجنوب، ربطاً بحرب غزّة، وما توجبه من أولوية في الاهتمام، خصوصاً في ظل تنامي المخاوف من توسعها، والعجز عن مواجهة التداعيات المحتملة اقتصادياً واجتماعياً.

وقد حاز مشروع القانون المحدث تحت عنوان «معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها»، صدارة مبكرة في المتابعة والتحقّق في أوساط القطاع المالي، بعدما جرى تسريب نصوصه الكاملة التي تسلمها الوزراء بغرض «الاطلاع» ووضع الملاحظات، قُبيل إدراج المشروع على جدول أعمال مجلس الوزراء في الجلسة المنتظرة يوم 22 فبراير (شباط) الحالي.

ويرجّح أن تستلزم عمليات التدقيق والمداولات في السياقات القانونية والإجرائية وقتاً غير قصير، سواء على المستوى الحكومي أو النيابي، واستطراداً من قبل هيئات القطاع المالي بمرجعياته المعنية في حاكمية البنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وجمعية المصارف، إضافة إلى جمعيات وروابط المودعين والحقوقيين.

هيئة مختصة

ويتضمن المشروع الواقع في 59 صفحة، 61 مادة موزعة على 12 عنواناً رئيسياً، تشمل بعد التعريفات والأحكام العامة، إنشاء الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة، ومحدّدات التخمين المستقل، ومعايير إعادة الهيكلة، وصلاحيات لجنة الرقابة على المصارف ومسؤولياتها، وآليات الإدارة المؤقتة والتصفية، ونطاق تطبيق الأحكام الاستثنائية، بما يشمل معالجة وضع البنك المركزي وإعادة رسملته، وتصنيف الودائع بين «مؤهلة» و«غير مؤهلة»، وسُبل سداد المبالغ المضمونة بمائة ألف دولار للفئة الأولى، و36 ألف دولار للفئة الثانية، وضمن مدى زمني يتراوح بين 10 و15 سنة.

وبرز في المعطيات توسّع الفصول والمندرجات بما يتعدى محور إعادة هيكلة القطاع المصرفي، لتشمل البنود، بشكل مباشر وغير مباشر، والمقاربات الحكومية السابقة لاستعادة الانتظام المالي، ووضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كنترول)، التي تعدّدت صياغتها في مشاريع قوانين مستقلة انتهت رحلتها التشريعية قبل بلوغها محطة الهيئة العامة لمجلس النواب، بسبب ما تضمنته من إشكاليات وانتقادات لدى عرضها في اللجان النيابية، ومن دون تبنٍّ حكومي صريح أو دفاع عن المحتوى.

تجاهل القطاع المصرفي

ووفق رصد أولي أجرته «الشرق الأوسط» مع معنيين ومسؤولين في القطاع المالي، لوحظ الاعتراض الشكلي الجامع على سياسة تجاهل إشراك الجهاز المصرفي في إعداد مسودات قوانين تخصّه، والأهم إغفال وضعية الخصومة ضد الدولة المستندة إلى مذكرة «ربط النزاع» التي رفعتها مجموعة من أكبر المصارف أواخر العام الماضي، ثم الإنذار، مطلع الشهر الحالي، برفع دعوى لدى القضاء الإداري، بُغية سداد المبالغ المستحقة بذمة الدولة تجاه البنك المركزي، وبالتالي تمكينه من الوفاء بالتزاماته، وسداد مستحقات توظيفات البنوك لديه.

ويرتقب أن يشهد الأسبوع المقبل تحركات استباقية من قبل جمعية المصارف ومكاتبها القانونية، بهدف تصويب المقاربات المحدثة تأسيساً على أولوية مسؤولية الدولة في تحمل مسؤولية الخسائر المتراكمة، بوصف ذلك منطلقاً إلزامياً للانتظام المالي وإيفاء حقوق المودعين، عبر الاستناد إلى المادة 113 من قانون النقد والتسليف، والتي تلزم الدولة بسد العجز في البنك المركزي، والمعزّزة أكثر باستنتاجات ومستندات شركة التدقيق الجنائي «ألفاريز آند مارسال» التي كلفتها الحكومة، والتي صنّف الجزء الأكبر منها بأنه ناجم عن تغطية عجز الموازنات المتعاقبة للدولة.

استغراب مصرفي

ويستغرب مسؤول مصرفي كبير إصرار الفريق الاقتصادي الحكومي على «إحياء» المقاربات ذاتها مع توخي تحقيق نتائج مختلفة لنظريات ومقترحات أسهمت في تفاقم التعثر المالي القائم للعام الخامس على التوالي، ثم محاولة تمريرها بالجملة بعد فشل تشريعها بالمفرق.

وتالياً، يؤكد المسؤول المصرفي أن المندرجات المحدثة في مشروع القانون الجديد، ورغم التعديلات الشكلية لسابقاتها، لا تخرج البتة عن استهداف إلقاء الجزء الأكبر من أحمال الفجوة المالية على البنوك ومودعيها، في حين تستمر الدولة بالتنصل من موجبات ديونها القائمة، وتتباهى بتحقيق فوائض في حسابها لدى المركزي.

الشامي: حماية الودائع

من جهته، أوضح نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي، أن مشروع القانون يهدف إلى «تأمين الحماية للودائع المشروعة، وتعزيز الاستقرار المالي، وإعادة تفعيل القطاع المصرفي ليؤدي دورَه في تمويل القطاع الخاص والمواطن، وتحفيز النمو، ووضع لبنان على سكة التعافي، آخذين بعين الاعتبار استدامة الدين العام وديمومة الدولة في تقديم الخدمات العامة، ولكن دون إثقال كاهل المواطنين بأعباء ضريبية إضافية».

نائب رئيس الوزراء اللبناني سعادة الشامي (الرئاسة اللبنانية - إكس)

وأكد الشامي أن المشروع الخالي يطوّر المشروع السابق، بحيث يدمج ضمنه قانون إعادة الانتظام للقطاع المصرفي، و«لا أحد يمكن أن يدَّعي أن معالجة الأزمة ممكنة دون وجعٍ ما، ولكن علينا جميعاً العمل للحدّ ما أمكن من وقعِه، ولنخرج من الأزمة في أقرب وقت ممكن».

وفي تنويه لافت، ذكر الشامي أن «هذا القانون كُتب من ألفه إلى يائه من قبل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. والحق يقال إنهم أدخلوا أفكاراً جديدة وقيِّمة تستحق الشكر والامتنان على صيغة المشروع السابقة، ومنها إضفاء مزيدٍ من الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، بعد الأخذ بعين الاعتبار الإطار الأساسي لخطة التعافي الحكومية».

وقال الشامي: «إننا بوصفنا فريق عمل، على استعداد لدرس أي ملاحظات وأفكار جديدة تُضيف قيمةً على القانون».


مقالات ذات صلة

مقتل 20 شخصاً في قصف إسرائيلي على بعلبك الهرمل بلبنان

المشرق العربي صحافيون يسيرون وسط مبانٍ مهدمة بفعل الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية (د.ب.أ)

مقتل 20 شخصاً في قصف إسرائيلي على بعلبك الهرمل بلبنان

أفادت وزارة الصحة اللبنانية، السبت، بسقوط 20 قتيلاً وإصابة 14 جريحاً على الأقل في حصيلة أولية للغارات على بعلبك الهرمل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر الإنقاذ ينتشلون جثمان إحدى ضحايا القصف الإسرائيلي على مدينة صور اللبنانية (أ.ف.ب)

17 قتيلاً بينهم طفلتان في غارات إسرائيلية على صور جنوب لبنان

قُتل 7 أشخاص في غارات إسرائيلية على مدينة صور، جنوب لبنان، وفق حصيلة جديدة أوردتها وزارة الصحة اللبنانية، السبت، غداة الغارات التي استهدفت مباني سكنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي تضمنت حمولة الطائرة الإغاثية السعودية الـ21 مساعدات متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

الطائرة السعودية الإغاثية الـ21 تحط في بيروت

يتواصل الجسر الجوي الإغاثي السعودي إلى لبنان، محملاً بمئات الأطنان من المساعدات الغذائية والطبية والإيوائية المتنوعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الأدخنة جراء قصف إسرائيلي على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية (رويترز)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450»

أعلن حزب الله اللبناني، اليوم السبت، إسقاط مسيرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» بصاروخ أرض - جو.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نيران تتوهج بعد قصف إسرائيلي طال ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

11 غارة عنيفة تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية إثر إنذار إسرائيلي

أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية، الجمعة، بوقوع غارتين وصفتهما بأنهما «عنيفتان جداً» استهدفتا منطقة برج البراجنة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الخيارات تضيق أمام قيادة «حماس» في الخارج

خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» (رويترز)
خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» (رويترز)
TT

الخيارات تضيق أمام قيادة «حماس» في الخارج

خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» (رويترز)
خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» (رويترز)

في ظل ضغوط أميركية متصاعدة لإبعاد قيادة «حماس» من الدوحة، أُفيد أمس بأن قطر أبلغت الحركة بأن مكتبها السياسي الذي ينشط منذ سنوات انطلاقاً من عاصمتها، «لم يعد يخدم الغرض منه»، وبأنها ستنسحب من لعب دور الوساطة في جهود وقف النار وتبادل المحتجزين في غزة. لكن الخارجية القطرية سارعت إلى التوضيح أن المعلومات عن مكتب «حماس» غير دقيقة، مشيرة إلى أنها «ستستأنف جهودها مع الشركاء عند توافر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب الوحشية ومعاناة المدنيين المستمرة جراء الأوضاع الإنسانية الكارثية بالقطاع».

وقال مصدر مسؤول في «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن الحركة لم تتلقَّ طلباً من الحكومة القطرية بمغادرة الدوحة، مضيفاً أنها أُحيطت علماً بوجود طلب أميركي في هذا الخصوص.

وفي حال مغادرة قيادة «حماس» الدوحة فعلاً، فليس واضحاً أين ستكون وجهتها المقبلة. ويُعتقد أن ضغوط الإدارة الأميركية الحالية التي يمكن أن تتصاعد في ظل الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترمب، ستجعل أكثر من دولة متردّدة في استضافة الحركة التي ستجد أن الخيارات تضيق في وجهها.

وتستضيف قطر مسؤولين من «حماس» منذ عام 2012، عندما نقلت الحركة مقرها من دمشق. وذُكرت في الماضي تركيا وإيران وعُمان ولبنان والجزائر وجهات محتملة لقادة «حماس».