جو بايدن آلة لإنتاج زلات اللسان... هذه أبرز هفواته

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
TT

جو بايدن آلة لإنتاج زلات اللسان... هذه أبرز هفواته

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

«آلة لإنتاج زلات اللسان»، صفة تلتصق بالرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يتمتع بسجل طويل من الأخطاء الفادحة والمبالغات، ويتخبط بكلماته وعباراته خلال كثير من إطلالاته، إن لم يكن في معظمها، يخلط الحابل بالنابل، يحيي الموتى ويضيف عجيبتين إلى عجائب الدنيا السبع!

وفي أحدث زلة لسان لجو بايدن البالغ من العمر 80 عاما، لم يرحل الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران عن عالمنا عام 1996، بل ما زال حياً يرزق ويعقد اجتماعات أيضاً.

وقال بايدن أمام حشد من الناس في مدينة لاس فيغاس، أول من أمس (الأحد)، إنه التقى أخيرا فرنسوا ميتران، الرئيس الفرنسي الذي توفي قبل نحو 30 عاما.

جاءت هذه التعليقات بينما كان بايدن يحذر من مخاطر فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالرئاسة مرة ثانية.

وروى بايدن قصة تحدث عنها مرات عدّة خلال فترة رئاسته، عن لقاء جمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اجتماع «مجموعة السبع» في إنجلترا، بعد بضعة أشهر من تولي بايدن السلطة في البيت الأبيض.

ويتذكر بايدن قائلاً: «جلست وقلت: لقد عادت أميركا. ونظر إليّ ميتران من ألمانيا - أعني من فرنسا - وقال...»، قبل أن يستجمع الرئيس الأميركي أفكاره لينهي الجملة.

وتابع الرئيس قائلا إن «المستشار الألماني» سأله كيف سيكون رد فعله، وبالتالي الولايات المتحدة، إذا اقتحم آلاف الأشخاص، افتراضيا، مجلس العموم البريطاني وقتلوا اثنين من عناصر الشرطة البريطانية، في محاولة لوقف انتخاب رئيس الوزراء.

تظهر استطلاعات للرأي العام أن غالبية الأميركيين لديهم مخاوف من تقدم بايدن في العمر، وقال نحو 73 في المائة من المشاركين في استطلاع رأي أجرته «رويترز» و«إبسوس» بين يومي 21 و24 أبريل (نيسان) الماضي إنهم يعدون أن تقدم بايدن في العمر لا يؤهله للعمل في الحكومة. ووافقت أغلبية بنسبة 63 في المائة من الديمقراطيين على هذا.

ترمب الرئيس الحالي

ولطالما كان بايدن مادة دسمة لمتصيدي زلات لسانه، وفي 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، وصف الرئيس بايدن سلفه دونالد ترمب بـ«الرئيس الحالي»، وذلك في خطاب ألقاه خلال مأدبة عشاء للحزب الديمقراطي في ولاية كارولاينا الجنوبية.

وقال بايدن: «قريبا سنرى دليلا حقيقيا على أن المستهلكين الأمريكيين يستعيدون ثقة حقيقية في الاقتصاد. أنتم تعرفون من سيرى ذلك: دونالد ترمب. لقد قال إنه يريد أن ينهار الاقتصاد هذا العام... الرئيس الحالي... سامحني يا رب».

واعترف بايدن بأن بعض تصريحات منافسه تثير غضبه وطلب من الحاضرين أن يسامحوه على فقدانه رباطة جأشه.

تحية الصين أمام برلمان كندا

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو من كلمة جو بايدن أمام البرلمان الكندي وزلة اللسان التي حيا فيها الصين عوضا عن كندا في مارس (آذار) الماضي.

وقال بايدن في مقطع الفيديو المتداول وفقا لنص الكلمة المنشور على موقع البيت الأبيض الرسمي: «اليوم أحيي الصين لمضاعفتها... أو، معذرةً أنا أحيي كندا - (ضحك) - يمكنك معرفة ما أفكر فيه حول الصين. لن أتطرق إلى ذلك».

جائزة «إينيمي»

وعندما كان يهنئ مغنية الراب الشهيرة «الملكة لطيفة» في 3 ديسمبر (كانون الأول)، عندما أشار إلى حصولها على جائزة «إيمي»، استبدل بكلمة «إيمي» كلمة «إينيمي» (العدو)، لكنه سارع إلى تصحيح نفسه.

جو بايدن يصافح «كوين لطيفة» (إكس)

عجائب الدنيا التسع

وفي أغسطس (آب) الماضي، قال إن متنزه «غراند كانيون»، أو الأخدود العظيم هو إحدى عجائب الدنيا «التسع»، في زلة جديدة تضاف إلى سابقاتها.

وجاء ذلك خلال خطاب ألقاه بايدن في أريزونا، على مسافة أميال قليلة جنوب «غراند كانيون»، حيث ركز في حديثه على أجندة إدارة المناخ وجهود الحفاظ على البيئة، بحسب ما نقلته شبكة «فوكس نيوز» الأميركية.

وقال بايدن: «أيها الناس، ليس من المبالغة الإشارة إلى أنه لا يوجد كنز وطني أعظم من (غراند كانيون). إنه إحدى عجائب الدنيا التسع. إنه مدهش».

وأضاف: «في المرة الأولى التي رأيت فيها (غراند كانيون) قبل سنوات، كنت سيناتوراً شاباً. وعندما وقفت هناك قلت إن هذا يجب أن يكون (كاتدرائية الله). إنه رائع للغاية».

وأدرك الرئيس الأميركي خطأه، وحاول تداركه قائلاً: «لقد قلت تسعاً، لكنني أعني أنه إحدى عجائب الدنيا السبع».

«حفظ الله الملكة»

وفي 16 يونيو (حزيران) الماضي، كان يلقي خطابا خلال لقاء يتعلق بمنع انتشار الأسلحة، لم تتضح مقاصده من الكلمة بشكل عام، ولا بالخاتمة التي أنهى بها الخطاب عندما قال: «حفظ الله الملكة، يا رجل».

وتعذر على الجميع فهم ما يقصده على الفور أو أي ملكة يعني بكلامه، أو سبب تفوهه بهذه العبارة التي كانت تستخدم عادة في ختام الخطابات الرسمية بالمملكة المتحدة.

وألقى بايدن الخطاب خلال «القمة الوطنية من أجل مجتمعات أكثر أمانا» في ولاية كونيتيكت ودعا فيه الكونغرس إلى تشديد قوانين حيازة الأسلحة. وبعيد انتهاء كلمته، تفوه بايدن بالعبارة المتعلقة بالملكة. ولم يسع مساعدوه إلى توضيح من كان يقصد ولماذا استخدم العبارة.

مودي رئيس الوزراء الصيني

ويخلط بايدن أحيانا الحابل بالنابل، يدمج بين الأسماء والأحداث بشكل غريب، وهو ما حصل معه في 27 يونيو، حين تدارك بايدن زلة لسان أخرى في أثناء حملة لجمع الأموال، حين تحدث عن الصين بينما كان يقصد الهند التي زار رئيس وزرائها ناريندرا مودي البيت الأبيض قبل أسبوع.

وقال بايدن حينها: «ربما رأيتم صديقي المفضل الجديد، وهو رئيس وزراء دولة صغيرة هي الآن الأكبر في العالم، الصين... عفوا، أعني الهند».

«بوتين يخسر حرب العراق»

لم يكن شهر يونيو موفقا بالنسبة للرئيس الأميركي، إذ تفوه بزلة لسان ثانية في أقل من 24 ساعة من حديثه عن «صديقه مودي الصيني».

في 28 يونيو، عندما قال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يخسر الحرب في العراق».

وجاءت زلة اللسان خلال حديث بايدن للصحافيين قبيل مغادرته البيت الأبيض في رحلة إلى شيكاغو حين سُئل إذا كان بوتين قد أضعفه التمرد القصير الذي قاده رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة الذي تخوض قواته معارك في أوكرانيا.

وقال الرئيس الأميركي: «من الصعب إصدار حكم على ذلك... لكن من الواضح أنه يخسر الحرب في العراق... إنه يخسر الحرب في الداخل وأصبح منبوذا نوعا ما حول العالم. لا يقتصر الأمر على حلف شمال الأطلسي، ولا الاتحاد الأوروبي. هناك اليابان، هناك 40 دولة».

بايدن وكارثة الأرقام

وكثيرا ما يتباهى بايدن بالاستثمار في البنية التحتية، خصوصا بالمقارنة مع الرئيس السابق دونالد ترمب. وأشرف بايدن على إقرار قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف بقيمة 1.2 تريليون دولار العام الماضي، إلا أنه خلال خطاب ألقاه في 10 ديسمبر الماضي، استشهد برقم غريب بدا أعلى بكثير من ذلك، حيث قال: «أكثر من مليار و300 مليون وتريليون و300 مليون دولار».

أما في 25 يوليو (تموز)، فاستشهد برقم منخفض جدا عندما كان يتحدث حول فيروس كورونا وقال إنه قتل «أكثر من 100 شخص»، علما بأن الرقم الفعلي يزيد على 1.1 مليون شخص ماتوا بسبب المرض في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

ترمب يلغي قرارات العفو التي أصدرها بايدن باستخدام التوقيع الآلي

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)

ترمب يلغي قرارات العفو التي أصدرها بايدن باستخدام التوقيع الآلي

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم، أنه قرر إلغاء جميع الوثائق، بما في ذلك قرارات العفو، التي قال إن سلفه جو بايدن وقّعها باستخدام جهاز التوقيع الآلي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أحد عناصر الخدمة السرية يقف أمام صور للرئيس دونالد ترمب وأخرى للتوقيع الآلي للرئيس السابق جو بايدن في ممشى المشاهير الرئاسي في رواق البيت الأبيض (أ.ب) play-circle 02:10

«القلم الآلي» يضع بايدن في مرمى هجوم ترمب… فما قصته؟

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الجمعة إنه سيقوم بإلغاء كل ما وقّعه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن باستخدام «القلم الآلي» (Autopen).

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يعلن «إلغاء» كل وثيقة موقّعة بقلم آلي خلال رئاسة بايدن

قال الرئيس ترمب، الجمعة، إن كل الوثائق الموقّعة بواسطة قلم آلي خلال رئاسة بايدن قد «ألغيت»، في خطوة يلف غموض قانونيتها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والتركي رجب طيب إردوغان بالبيت الأبيض في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)

تفاؤل تركي بتوجّه ترمب لإلغاء عقوبات «كاتسا»

كشفت تركيا عن دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات الأميركية المفروضة على أنقرة بموجب قانون «مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات» (كاتسا).

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ محامي الرئيس الأميركي دونالد ترمب سابقاً رئيس بلدية نيويورك سابقاً رودولف جولياني (رويترز - أرشيفية)

ترمب يصدر «عفواً وقائياً» عن جولياني وآخرين

أصدر الرئيس دونالد ترمب عفواً عن محاميه الشخصي سابقاً رودي جولياني وكبير الموظفين السابق في البيت الأبيض مارك ميدوز وآخرين دعموا جهوده لقلب نتائج انتخابات 2020.

علي بردى (واشنطن)

استراتيجيّة ترمب للأمن القومي تعيد صياغة دور أميركا في العالم

الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد إلقائه كلمة أمام كبار القادة العسكريين في قاعدة «كوانتيكو» التابعة لمشاة البحرية في فرجينيا يوم 30 سبتمبر (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد إلقائه كلمة أمام كبار القادة العسكريين في قاعدة «كوانتيكو» التابعة لمشاة البحرية في فرجينيا يوم 30 سبتمبر (أ.ف.ب)
TT

استراتيجيّة ترمب للأمن القومي تعيد صياغة دور أميركا في العالم

الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد إلقائه كلمة أمام كبار القادة العسكريين في قاعدة «كوانتيكو» التابعة لمشاة البحرية في فرجينيا يوم 30 سبتمبر (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد إلقائه كلمة أمام كبار القادة العسكريين في قاعدة «كوانتيكو» التابعة لمشاة البحرية في فرجينيا يوم 30 سبتمبر (أ.ف.ب)

«أنت مطرود». جملة تعوّدنا سماعها من الرئيس دونالد ترمب عندما كان يُقدّم برنامج «The Apprentice». يتعامل الرئيس ترمب بصراحة مطلقة وعلنية مع الحلفاء، كما الأعداء. لم يعد هناك مستويات بيروقراطية لصناعة وإعداد السياسة الخارجيّة الأميركيّة. كل شيء يأتي ويُعلن من البيت الأبيض مباشرة، أو عبر منصّة الرئيس ترمب «تروث سوشيال». تُمارس السياسة الخارجيّة عبر رجال أعمال مقربين من الرئيس. وقياس النجاح في هذه المقاربة متعلق مباشرة بقيمة الاستثمارات لمرحلة ما بعد وقف الحرب.

كانت مؤشرات هذه الاستراتيجيّة علنية وظاهرة من خلال سلوك وتصريحات كل من الرئيس ترمب ونائبه جي دي فانس. وإذا جُمعت هذه المؤشرات، فقد يمكن استنتاج سياسة جديدة مختلفة جذرياً عن الإدارات السابقة. لكن الفارق اليوم مع استراتيجية الأمن القومي الجديدة، هو في النظرة الشاملة للولايات المتحدة الأميركية تجاه الأعداء والمنافسين كما الحلفاء.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقاء مع قادة عسكريين بقاعدة في فرجينيا يوم 30 سبتمبر الماضي (رويترز)

وبناء على الوثيقة التي نشرت الجمعة، سوف تبدأ الوزارات والوكالات الأميركية التخطيط كل فيما خصّه، بهدف تنفيذ هذه الاستراتيجيّة، وخصوصاً البنتاغون. إنها «مانيفستو» يضرب بالكامل ما كان قائماً، ليرسي واقعاً جديداً لم يتخيّله أحد. إنه تحول جذريّ في العقيدة الاستراتيجية الأميركيّة، يستلزم تحوّلات كبرى على صعيد الثقافة الاستراتيجية، كما على صعيد المؤسسات والأشخاص. يقول أحد الخبراء إن هذه الاستراتيجية تعكس قناعات الرئيس ترمب، وتتجاهل الحزب الديمقراطي. وإنها انطوائيّة تركّز على الداخل الأميركيّ وحمايته عبر مشروع القبّة الذهبيّة. ويقول عنها البعض الآخر، إنها لن تؤدّي إلى انسحاب الولايات المتحدة الأميركيّة من العالم، بل هي استراتيجيّة تعتمد مبدأ الإكراه عبر التهديد بالقوة العسكرية، بهدف تحقيق مكاسب اقتصاديّة. وفي مقاربة كهذه، لا خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها. كل شيء ممكن ومسموح، كالتخلّي عن الحلفاء إذا كانت الصفقة مُربحة.

تعديلات ترمب على عقيدة مونرو

تركّز الاستراتيجيّة على المحيط المباشر، ضمن ترتيب جديد للأولويات الجيوسياسيّة. في المركز الأول، الداخل الأميركي كما المحيط المباشر. تأتي آسيا في المركز الثاني، والمركز الثالث يتأرجح بين الشرق الأوسط وأوروبا. فهل عدنا إلى عقيدة الرئيس الأميركي جيمس مونرو عام 1823؟ لكن مع تعديلات ترمب؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث عن «القبة الذهبية» في البيت الأبيض يوم 20 مايو (رويترز)

إذا كان الأمر كذلك، ولتطبيق هذه الاستراتيجيّة والأولويات، وبهدف تأمين الوسائل العسكريّة، لا بد للرئيس ترمب من إعادة تموضع القوات الأميركية في العالم، كما تعديل خرائط المناطق العسكرية للقوات الأميركيّة، وعددها 11. ولأن أوروبا لم تعد أولويّة للرئيس ترمب، فماذا عن القوات الأميركية المنتشرة في أوروبا من ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتي يصل عددها إلى نحو 100 ألف؟ هل سيتم تخفيضها؟ أم تبقى مع إلزام أوروبا بتحمّل التكلفة المالية؟ أم هل سيتم سحبها بالكامل وتعريض حلف «الناتو» للانحلال؟ وماذا عن المظلّة النووية الأميركية لحلف «الناتو»؟ وهل سيلتزم الرئيس ترمب بالبند الخامس للحلف، هو الذي قال إن هناك الكثير من التفسيرات لهذا البند؟

وإذا اعتبر الرئيس ترمب في هذه الاستراتيجيّة أن أوروبا ضعيفة، متراجعة وتعاني من تآكل حضاريّ، وإذا كانت الاستراتيجيّة لا تذكر حتى ولو مرّة واحدة أن روسيا تشكل خطراً على الأمن القوميّ، فلماذا سيبقى حلف «الناتو»؟ وضد من ستكون المظلّة النووية الأميركيّة؟ فهل سنشهد قريباً وعبر تقرير إعادة تموضع القوات الأميركيّة في العالم، الانسحاب الأميركي الكامل من القارة العجوز؟

ألم يعتبر الرئيس ترمب أميركا أنها وسيط، وليست لاعباً مؤسساً للحلف، بين روسيا و«الناتو» خلال التفاوض حول وقف الحرب في أوكرانيا؟ ألم يُحيّد أوروبا عن التفاوض المباشر حول أوكرانيا، وحاول أن يفرض عليها اقتراحاً من 28 نقطة؟

ترمب برفقة قادة أوروبيين لبحث حرب أوكرانيا في البيت الأبيض 18 أغسطس (رويترز)

هذا في القارة العجوز، أما الصين فهي مرحلة جديدة وهي التحدّي الأكبر للولايات المتحدة الأميركيّة وفي كل الأبعاد. ألم تصل الرسالة الصينية للبيت الأبيض خلال العرض العسكري الصيني الهائل في سبتمبر (أيلول) الماضي؟

في الشق الأمني - العسكري، لم تذكر الوثيقة الصين مباشرة. لكنها شدّدت على الحفاظ على خط الجزر الأول حول الصين (First Chain Island)، كون الصين بدأت تحضر بحريتها الزرقاء لتجاوز هذا الخط. كذلك الأمر، ودون ذكر الصين، انتقدت الوثيقة بعض الدول التي تحاول التوسع في بحر الصين الجنوبيّ. وشدّدت الوثيقة على ضرورة استعداد الدول الحليفة في تلك المنطقة على التعاون، والاستثمار في القدرات العسكرية لإبقاء الخطوط البحرية التجارية مفتوحة وآمنة. وأخيراً وليس آخراً، تشدد الوثيقة على الحفاظ على موازين القوى في تلك المنطقة، بهدف إبقاء إمكانيّة الدفاع عن تايوان قائمة.

قواعد جديدة

إنها استراتيجيّة بوقع حدث «البجعة السوداء». فهو حدث يضرب كل ما كان قائماً، ليُرسي ديناميكيّة جديدة، قواعد جديدة، باتجاه تشكيل نظام مستقبلي لم يحصل بعد. وفي المرحلة الانتقالية، تدبّ الفوضى، وتستعر الحروب، وتطلّ الصراعات القديمة برأسها. ويبدأ كل من يقدر من اللاعبين استغلال الفرص الجيوسياسيّة لفرض أمر واقع في محيطه المباشر.

جانب من اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع قادة أوروبا حول حرب أوكرانيا يوم 15 أغسطس (إ.ب.أ)

فماذا عن التحوّلات في الاستراتيجيّات الأميركية الكبرى؟ خلال الحرب الباردة، كانت أوروبا المسرح الأساسيّ ضد الاتحاد السوفياتي. يليها المسرح الآسيوي، وبعده منطقة الشرق الأوسط التي كانت تُسمّى بـ«الحزام المُتصدّع» (Shatterbelt). فهي منطقة مُجزأة سياسياً، وغير مستقرّة، وتشكل مسرح صراع بين القوى العظمى.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، تبوّأت أميركا مركز الصدارة العالمية، بحيث سُمي النظام العالمي آنذاك بـ«النظام الآحادي». في هذه المرحلة، تحوّل مركز الثقل العالمي إلى واشنطن، الأمر الذي حدا بالرئيس بوش الأب إلى إعلان قيام نظام عالميّ جديد.

وبعد كارثة 11 سبتمبر، احتل الشرق الأوسط، من ضمن الحرب الاستباقية والحرب العالمية على الإرهاب، المركز الأولّ في الاهتمامات الجيوسياسيّة الأميركيّة وفي كل استراتيجيات الأمن القومي آنذاك. وتراجعت حينها أوروبا إلى المركز الثاني.

ترمب يؤدّي رقصته الشهيرة خلال حفل قرعة كأس العالم لكرة القدم بمركز كيندي يوم 5 ديسمبر (أ.ب)

وفي عام 2011، كتبت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة مقالاً نُشر في مجلة «فورين بوليسي» تحت عنوان «المحور» (The Pivot)، أو القرن الأميركي في الهادئ، وذلك إعلاناً بانتقال اهتمام الولايات المتحدة إلى شرق آسيا. وعليه، احتلت الصين المركز الأول.

بعد الحرب على أوكرانيا، عادت أوروبا إلى المركز الأولّ. فتوسّع «الناتو»، وعادت أميركا مع الرئيس جو بايدن بكامل ثقلها لدعم أوكرانيا والحلف الأطلسي. في تلك المرحلة، احتلّ الشرق الأوسط المركز الثاني بعد كارثة 7 أكتوبر (تشرين الأول). أما الصين، فهي كانت حرّة تقريباً بسبب الانشغال الأميركيّ في أماكن أخرى.


واشنطن وكييف تواصلان محادثات «السلام الصعب» في فلوريدا لليوم الثالث

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)
إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)
TT

واشنطن وكييف تواصلان محادثات «السلام الصعب» في فلوريدا لليوم الثالث

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)
إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)

تتواصل في فلوريدا لليوم الثالث على التوالي المحادثات الأميركية – الأوكرانية حول خطة واشنطن لإنهاء الحرب مع روسيا، في وقت تواصل فيه القوات الروسية توسيع مكاسبها الميدانية على عدة جبهات، وتكثّف عمليات القصف بالطائرات المسيّرة والصواريخ ضد منشآت الطاقة والبنى التحتية الحيوية في أوكرانيا، ما يلقي بظلال ثقيلة على آفاق التوصل إلى تسوية سياسية ويزيد من تعقيد حسابات الطرفين.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف يتصافحان خلال اجتماعهما في الكرملين بموسكو 6 أغسطس 2025 (أ.ب)

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إن الجانبين «اتفقا على أن التقدم الحقيقي نحو أي اتفاق يعتمد على استعداد روسيا لإظهار التزام جاد بسلام طويل الأمد، بما في ذلك اتخاذ خطوات نحو خفض التصعيد ووقف أعمال القتل»، وأن كبير المفاوضين رستم عميروف أكد مجدداً أن أولوية أوكرانيا هي التوصل إلى اتفاق «يحمي استقلالها وسيادتها».

وأشار البيان إلى توافق على «إطار للترتيبات الأمنية وقدرات الردع الضرورية للحفاظ على سلام دائم»، من دون الإفصاح عن طبيعة هذه الضمانات، التي تبقى جوهر الخلاف بين كييف وواشنطن من جهة، وموسكو من جهة أخرى.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يتوسط جاريد كوشنر إلى يساره وستيف ويتكوف خلال لقائهم وفدا أوكرانيا في فلوريدا الأحد الماضي (أ.ب)

ويقود المحادثات في الجانب الأميركي المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترمب، ستيف ويتكوف، ويرافقه جاريد كوشنر، في مؤشر إلى رغبة الإدارة الأميركية في دمج قنوات سياسية غير تقليدية في مسار الوساطة. وتمثل كييف في المفاوضات شخصيات بارزة، بينها كبير المفاوضين رستم عميروف والجنرال أندريه هناتوف. وجاءت جلسات فلوريدا بعد سلسلة اجتماعات في جنيف وميامي، وفي أعقاب زيارة قام بها ويتكوف وكوشنر إلى موسكو حيث عرضا النسخة المعدلة من الخطة على الرئيس فلاديمير بوتين.

ومنذ عرض الخطة الأميركية قبل نحو ثلاثة أسابيع، جرت جلسات محادثات عدة مع الأوكرانيين في جنيف وميامي بهدف تعديل النص لمراعاة مصالح كييف. كما عُرضت الوثيقة الأربعاء على الرئيس الروسي خلال زيارة لموسكو أجراها ويتكوف وكوشنر.

الجمعة، أشار المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف، إلى أنّ اجتماع الثلاثاء في موسكو جرى في جو ودي، مرحّباً بمشاركة جاريد كوشنر في المناقشات. وصرح أوشاكوف للتلفزيون الرسمي بأن الرئيس الروسي وويتكوف أجريا «محادثة ودية حقيقية ويفهم كل منهما الآخر». وفي إشارة إلى جاريد كوشنر، وأضاف: «انضمّ إلينا شخص جديد وأود القول إنّه كان مفيداً للغاية».

ولم يعلن عن تفاصيل كثيرة على صلة بالخطة المعدلة، في حين عُدّت النسخة الأولية منها مراعية إلى حد كبير لمصالح روسيا.

بوتين ومستشاره للسياسة الخارجية يوري أوشاكوف (يسار) والرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف (يمين) (أ.ب)

وقد تضمنت المسودة الأولى لخطة واشنطن تنازل أوكرانيا عن أراض بعضها لم تتمكن روسيا من احتلالها حتى الآن، مقابل وعود أمنية لا ترقى إلى مستوى تطلعات كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ورغم أن التفاصيل لا تزال محاطة بالغموض، فإن النسخة الأولية من الخطة وُصفت بأنها «مائلة لمصلحة موسكو»، إذ تضمّنت تنازلات إقليمية من جانب أوكرانيا، بعضها في مناطق لم تحتلها روسيا بعد، مقابل ضمانات أمنية دون مستوى الانضمام إلى «الناتو». وفي حين تطالب كييف بضمانات صارمة تمنع تجدد العدوان الروسي، تبدي واشنطن حذراً في التعهد بخطوات قد تثير مواجهة مباشرة مع موسكو. وبين هذين الموقفين، تواصل روسيا توظيف مكاسبها العسكرية في المفاوضات، وفق مراقبين.

تقدّم روسي يفرض منطقه

على الأرض، كانت موسكو تُرسل إشارات واضحة إلى أنها ماضية في خيار الحسم الميداني. وأعلن الجيش الروسي سيطرته على بلدة بيزيمينيه في دونيتسك، فيما تتواصل محاولات التقدم باتجاه محاور أخرى في باخموت وسيفرسك وكوبينسك. وبحسب خرائط معارك نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» لـ«معهد دراسات الحرب في واشنطن»، ومحللين في منصات مراقبة مستقلة، فإن القوات الروسية تحقق مكاسب بطيئة، ولكن ثابتة، بعدما كثّفت خلال الأسابيع الماضية اعتمادها على الطائرات المسيّرة الهجومية، والمسيّرات الانتحارية الصغيرة التي تصعّب مهمة الدفاع الأوكراني.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف يتصافحان خلال اجتماعهما في الكرملين بموسكو 6 أغسطس 2025 (أ.ب)

ويشير التقرير إلى أن روسيا استولت خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) على نحو 505 كيلومترات مربعة من الأراضي، أي ضعف ما حققته في أكتوبر (تشرين الأول). ويرى محللون أن هذه المكاسب تُغري الكرملين بتشديد شروطه السياسية، وتمنحه شعوراً بأنه قادر على فرض إملاءاته في المفاوضات.

وبعد مناقشاته مع الوفد الأميركي، قال بوتين في تصريحات للتلفزيون الروسي إن اللقاءات جرت «في جو ودي»، لكنه شدد على أن روسيا «لن تغيّر مطالبها الأساسية»، وهو ما فُسر بأنه رفض غير معلن لأي تنازل كبير في الخطة الأميركية.

تصعيد واسع على البنية التحتية

وفي موازاة مسار المفاوضات، شنّت روسيا واحدة من أعنف موجات القصف منذ أشهر، مستخدمة أكثر من 650 طائرة مسيّرة و51 صاروخاً، وفق الجيش الأوكراني الذي أعلن إسقاط الغالبية منها، لكنه أقر بوقوع أضرار جسيمة في منشآت الطاقة ومحطات التدفئة والسكك الحديدية.

وأفاد حاكم العاصمة كييف بأن هجوماً واسعاً بالصواريخ والمسيّرات استهدف ضواحي المدينة ومنطقة فاستيف، حيث تعرض مركز رئيسي للسكك الحديدية للقصف، ما أدى إلى تدمير عربات ومحطات شحن وإلغاء عدد من الرحلات. كما تعرّضت البنية التحتية في تشيرنيهيف، وزابوريجيا، وأوديسا، ودنيبروبتروفسك لضربات تسببت في انقطاع الكهرباء والمياه عن عشرات الآلاف.

جنود روس يقومون بدورية بمنطقة سودجا بإقليم كورسك (أرشيفية - أ.ب)

وأوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن «منشآت الطاقة كانت الهدف الرئيس للهجمات» التي وصفها بأنها محاولة لـ«إلحاق المعاناة بملايين الأوكرانيين، وانحدروا إلى حد إطلاق الصواريخ على مدن مسالمة في يوم القديس نيكولاس»، في إشارة إلى بداية فترة عيد الميلاد في السادس من ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف هذا التاريخ أيضاً يوم القوات المسلحة الأوكرانية، حسب «وكالة الأنباء الألمانية»، اليوم السبت. وجدّد دعوته لزيادة الضغط على موسكو وتعزيز الدعم العسكري لكييف، مشدداً على أن «روسيا لا تسعى للسلام، بل لفرض الاستسلام بالقوة».

وفي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن «ضربة كبيرة» نُفذت رداً على ما قالت إنه «هجمات أوكرانية على أهداف مدنية داخل روسيا»، مؤكدة استهداف «منشآت عسكرية وصناعية وموانٍ وبنية طاقة» في مختلف أنحاء أوكرانيا.

أوكرانيا تردّ بقدرات محدودة

جندي روسي يرفع علم بلاده في إحدى البلدات بإقليم دونيستك الأوكراني الثلاثاء (إ.ب.أ)

ورغم تراجع قدراتها الهجومية، قالت القوات الأوكرانية إنها قصفت مصفاة ريازان الروسية لتكرير النفط ومنشأة لصناعة أغلفة القذائف في منطقة لوهانسك، في محاولة لتهديد القدرات اللوجيستية الروسية. غير أن حجم هذه الضربات يبقى أقل بكثير من تأثير الهجمات الروسية واسعة النطاق، وفق محللين عسكريين.

وتشير شهادات جنود أوكرانيين إلى حالة «إرهاق» في الخطوط الأمامية، وخصوصاً في محيط مدينة بوكروفسك التي تشهد معارك ضارية منذ 18 شهراً. وتصف قوات أوكرانية الوضع هناك بأنه «انهيار تدريجي» ناجم عن تفوق روسي في الطائرات المسيّرة والذخيرة والاستطلاع الليلي، وبسبب نقص الاحتياطيات البشرية في الجيش الأوكراني.

يرى مراقبون أن المفاوضات الجارية في فلوريدا تتأثر مباشرة بالتطورات الميدانية. إذ تدخل كييف المفاوضات من موقع أضعف نسبياً مقارنة بفترات سابقة، بينما يسعى بوتين إلى استثمار التقدم العسكري لفرض خطوط تماس جديدة كأساس لأي تسوية، وربما لانتزاع تنازلات سياسية من واشنطن نفسها.

ورغم تأكيد الجانب الأميركي أن المناقشات «بنّاءة»، فإن طبيعة الوفد الأميركي، الذي يضم شخصيات قريبة من ترمب، تثير تساؤلات حول الاتجاه المستقبلي للسياسة الأميركية تجاه الحرب، خصوصاً في ظل تراجع الحماسة في الكونغرس لتمويل دعم واسع لأوكرانيا. أما كييف، التي تصر على ضمانات أمنية راسخة واستعادة سيادتها، فتبدو في سباق مع الزمن لمنع روسيا من تحقيق مكاسب إضافية قد تفرض واقعاً تفاوضياً أكثر قسوة.


حملة واشنطن على فنزويلا بين الحرب على المخدرات ومساعي إسقاط النظام

روبيو يتحدث إلى جانب ترمب في البيت الأبيض يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)
روبيو يتحدث إلى جانب ترمب في البيت الأبيض يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

حملة واشنطن على فنزويلا بين الحرب على المخدرات ومساعي إسقاط النظام

روبيو يتحدث إلى جانب ترمب في البيت الأبيض يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)
روبيو يتحدث إلى جانب ترمب في البيت الأبيض يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

لا يبدو أن المشهد المُعقّد بين الولايات المتحدة وفنزويلا يسير نحو التهدئة، فالتصعيد في القول والفعل هو سيد الموقف حالياً، ومن الواضح أن استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيال كاراكاس التي يشوبها الغموض أحياناً لن ترضى بحلول جزئية وخطوات رمزية، فالهدف العلني الذي وضعته الإدارة الأميركية هو الحرب على المخدرات التي تتدفق إلى الولايات المتحدة، وتؤذي الأميركيين، ليكون شعار «أميركا أولاً» الذي تعهّد به المبرر الأساسي لهذه الحملة.

لكن خلف هذه السردية تتحدث التسريبات والتقارير عن هدف مختلف هو تغيير نظام نيكولاس مادورو، وإزاحته عن الحكم. كما أتت تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو التي أكد فيها أن فنزويلا هي موطئ قدم استراتيجي لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» اللبناني، لتزيد من حجم التساؤلات حول دوافع التصعيد وأسبابه. يستعرض برنامج «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، أسباب فتح باب المواجهة بين واشنطن وكاراكاس، والدور الذي يلعبه كبار مسؤولي إدارة ترمب في هذه الاستراتيجية.

مخاوف من التصعيد

لم يستبعد ترمب توسيع الضربات الجوية على قوارب في الكاريبي، لتشمل ضربات برية في فنزويلا. وفيما يُعرب ضابط الاستخبارات السابق في البحرية الأميركية ورئيس مجموعة «برايمر» للخدمات الحكومية، دون برايمر، عن أمله في عدم حدوث أي هجمات برية، خوفاً من تصعيد «قد يخرج عن السيطرة»، فإنّه يعترف في الوقت نفسه بأن قطع طريق نقل المخدرات عبر البحر سيدفع بتجار المخدرات إلى اللجوء لعمليات نقل برية أو جوية، مما سيؤدي إلى دفع أميركا لتنفيذ ضربات برية لقطع هذه الطرق.

مسؤولون عسكريون خضعوا لمساءلة الكونغرس بشأن ضربات الكاريبي 4 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

من ناحيته، يحذّر كبير الباحثين في مركز «يورو آسيا» في معهد الأطلسي، جايكوب هايلبرن، من تداعيات خطوة من هذا النوع. ويرى أن إدارة ترمب تستعمل ذريعة المخدرات في فنزويلا كما فعلت مع أسلحة الدمار الشامل في العراق، ويقول: «هذا قد يتحول إلى كارثة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فترمب يسعى إلى تغيير نظام مادورو، لكنه يريد في الوقت نفسه تجنّب احتلال فنزويلا».

أما السفير الأميركي السابق لدى هندوراس، مستشار الرئيس الأميركي سابقاً لشؤون فنزويلا، هيوغو لورانس، فيعدّ إدارة ترمب «غير واضحة فيما يتعلق بالهدف النهائي في فنزويلا»، لكنه يشير إلى مجموعة كبيرة من الأهداف، منها الحرب على المخدرات، وإبقاؤها خارج الولايات المتحدة، وهو هدف داخلي سياسي لترمب وعد به خلال حملته الانتخابية.

«مشروع روبيو»

يتحدث لورانس في الوقت نفسه عن الدور البارز الذي يلعبه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في هذا الملف، ودوافعه في إزاحة مادورو عن السلطة. ويفسّر: «روبيو هو من أصول كوبية، وهو متشدد ضد اليسار في أميركا اللاتينية. بالنسبة إليه فنزويلا عدو، وهو من بين أعضاء الإدارة الذين يودون تغيير النظام في فنزويلا».

تتزايد احتمالات التصعيد بين أميركا وفنزويلا (أ.ف.ب)

في المقابل، يشير لورانس إلى أن هناك أعضاء من حركة «ماغا» يحذّرون من الدخول في هذه المعركة، قائلاً: «لهذا يحاول ترمب التركيز على قضية المخدرات والسعي دبلوماسياً للضغط على مادورو لمغادرة البلاد من دون الدخول في عملية عسكرية مع فنزويلا».

وفي حين يُرجّح هيوغو احتمال تنفيذ أميركا «ضربة استراتيجية» لدفع مادورو خارج السلطة، فإنه يتساءل: «في حال لم يخرج مادورو من سيكون الخاسر؟».

ويوافق بريمر على الدور المهم الذي يلعبه روبيو في هذه المواجهة، فيقول: «هذه المشكلة مع فنزويلا هي مشكلة شخصية جداً للوزير روبيو وكأنه مشروع خاص له. لقد أخذ هذا الصراع على عاتقه». ويُحذّر من انقلاب هذه المسألة عليه في حال تذمر القاعدة الشعبية لترمب، خصوصاً أن مشكلة المخدرات لا تقتصر على فنزويلا فحسب، مُذكراً بأن الصين هي المصدر الأساسي لمخدّر الفنتانيل الذي يفتك بالأميركيين.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يلقي كلمة أمام أنصاره في 1 ديسمبر 2025 (رويترز)

وهذا ما يكرره هايلبرن الذي يشير إلى عدم وجود أي دليل على كون فنزويلا المورد الأول للمخدرات إلى الولايات المتحدة، وأن مشكلة الفنتانيل القادم من الصين أكبر بكثير. ولهذا السبب، يشير إلى «مشكلة روبيو الشخصية ضد فنزويلا»، لافتاً إلى أن مستقبله السياسي سيكون على المحك في حال تسبب هذه الأزمة بإحراج ترمب، لكنه يتحدث في الوقت نفسه عن محفز آخر للرئيس الأميركي، وهو النفط الفنزويلي. ويشير إلى أنه لهذا السبب، يسعى لإزاحة مادورو على أمل أن يكون بديله رئيساً يتعاون مع أميركا في قضايا الاقتصاد والهجرة والسعي لتخفيض أسعار النفط في الولايات المتحدة.

ويُسلّط لورانس الضوء على منهج ترمب في التعامل مع القضايا الدولية، ويقول إن «الرئيس الأميركي يؤمن إيماناً كبيراً بالاستراتيجية الاقتصادية المبنية على الطاقة الميسورة التكلفة. هو دائماً يبحث عن طرق من أجل زيادة توفير الطاقة ومواردها، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في الأسواق الدولية أيضاً، وفنزويلا تمتلك أكبر مخزون للنفط الخام».

إيران و«حزب الله»

يُرجّح لورانس أنه في حال رفض مادورو التنحي قد يسمح ترمب ببعض الضربات العسكرية لإحلال المعارضة التي كسبت الانتخابات في عام 2014 محل الرئيس الفنزويلي في مرحلة انتقالية، مؤكداً وجود تواصل بين الاستخبارات الأميركية والعسكر في فنزويلا. لكنه يسلط الضوء على دور كوبا البارز في حماية مادورو، ويقول: «من يحمي مادورو استخباراتياً وأمنياً هو النظام الكوبي. وأنا أضمن أن الكوبيين يقومون بكل ما بوسعهم لحماية مادورو من أي ضربة محتملة من الولايات المتحدة، لأنه من المعروف أنه في حال انهيار النظام الفنزويلي، سينتقل تركيز الولايات المتحدة إلى كوبا والنظام هناك. وهذا ما يريده روبيو».

ترمب في معهد السلام الأميركي 4 ديسمبر 2025 (رويترز)

وقد ذكر روبيو مؤخراً أن فنزويلا هي موطئ قدم لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» اللبناني. ويرى بريمر أن تصريحات من هذا النوع تؤكد أن الخلاف مع فنزويلا هو بالفعل أكبر من قضية المخدرات، ولا يشمل فقط الروابط مع إيران، بل روابط قوية مع الصين وودائع جمة من النفط والمعادن الثمينة. ويضيف: «إذن ما يجري هو ليس رسالة لإيران فحسب، بل للصين أيضاً».

ويشدد لورانس على عمق العلاقات بين فنزويلا والنظام الإيراني الذي يبيع الأسلحة إلى مادورو ويوفّر له المسيرات والتدريب، على حد قوله. كما يتحدث عن وجود وكلاء إيران الإقليميين، مثل «حزب الله» في فنزويلا، مشيراً إلى أن بعض عملياتهم تنطلق من أميركا اللاتينية. ويضيف: «إنها مسألة أمن قومي، من الصين وروسيا إلى إيران و(حزب الله). وبعد الضربات الإسرائيلية الناجحة ضد (حزب الله) في لبنان، فقد تعيّن عليه الانتقال إلى الحضور بشكل أكبر في أميركا اللاتينية».