100 يوم على حرب غزة: قطاع مدمر ومشارح تغص بالعائلات الثكلى

TT

100 يوم على حرب غزة: قطاع مدمر ومشارح تغص بالعائلات الثكلى

فلسطينيون نازحون بسبب القصف الإسرائيلي على غزة يطبخون في مخيم الخيام المؤقت بمنطقة المواصي (أ.ب)
فلسطينيون نازحون بسبب القصف الإسرائيلي على غزة يطبخون في مخيم الخيام المؤقت بمنطقة المواصي (أ.ب)

مائة يوم مرت على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» حوّلت قطاع غزة إلى خراب، مع أحياء كاملة لم يبق منها سوى أنقاض ونظام صحي منهار ومشارح تغص بالعائلات الثكلى ومواطنين منهكين يسيطر عليهم الرعب.

في مخيم مستحدث في مدينة رفح جنوب القطاع، يقول عبد العزيز سعدات إنها «مائة يوم فقط، لكن كأنها مائة سنة». فرّ سعدات من منزله على غرار غالبية سكان غزة. في خيمته يشعر ببرد قارس في الليل.

تركت الحرب بصمات بدّلت تماماً شكل القطاع الساحلي الصغير المكتظ بـ2.4 مليون نسمة؛ فبعدما كانت أحياؤه تضجّ بالحركة والسيارات، باتت الآن مليئة بالركام والمباني المهدمة.

ويقول سعدات: «يعيش البعض في مدارس، والبعض الآخر في الشوارع، ينامون على الأرض أو على مقاعد. لم توفّر الحرب أياً كان».

ونزح نحو 1.9 مليون شخص يمثلون 85 في المائة من سكان القطاع المحاصر من منازلهم، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

امرأة فلسطينية نزحت إلى مخيم الخيام المؤقت في منطقة المواصي (أ.ب)

«مكان للموت واليأس»

ووصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث قطاع غزة بأنه بات «بكل بساطة غير صالح للسكن... مكاناً للموت واليأس».

ويسعى الغزاويّون للاستمرار كما يتيسّر لهم، وتمكَّن بضع مئات منهم فقط من الخروج من القطاع الخاضع منذ 2007 لحصار فرضته إسرائيل بعد سيطرة «حماس» عليه، وأحكمته بعد اندلاع الحرب.

وتوعدت إسرائيل بـ«القضاء» على «حماس» بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته الحركة على جنوب الدولة العبرية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وأدى إلى مقتل نحو 1140 شخصاً غالبيتهم من المدنيين، وفق تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» يستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية. كما اقتيد نحو 250 رهينة خلال الهجوم، لا يزال 132 منهم محتجزين في القطاع، بحسب الجيش الإسرائيلي.

وتردّ إسرائيل بقصف جوي ومدفعي عنيف، وباشرت، في 27 أكتوبر، عمليات برية في القطاع، ما أدى إلى مقتل 23469 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة نحو 60 ألفاً بجروح، فيما لا يزال الآلاف مطمورين تحت الأنقاض، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لـ«حماس».

وخلّف القصف حفراً في مخيمات اللاجئين والطرق، وتضرّرت مدارس وجامعات ومساجد ومرافق عامة.

وتتهم إسرائيل «حماس» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية من خلال شن عملياتها انطلاقاً من المساجد والمدارس والمستشفيات، وهي اتهامات تنفيها «حماس».

دمار هائل

وخلص أستاذان جامعيان أميركيان، هما خامون فان دين هوك وكوري شير، استناداً إلى صور عبر الأقمار الاصطناعية، إلى أن 45 إلى 56 في المائة من مباني قطاع غزة دُمِّرت أو تضررت حتى الخامس من يناير (كانون الثاني).

ورأى كوري شير أن الدمار «واسع جداً، وكان سريعاً للغاية»، معتبراً أن حجم الأضرار «مماثل للدمار في المناطق الأكثر عرضة للقصف في أوكرانيا».

وكشفت دراسة أجراها مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية أن 18 في المائة من المباني دمرت أو تضررت بعد 50 يوماً من الحرب.

وفي حال انتهاء القتال، فهذا لا يعني أنه سيكون بإمكان سكان القطاع العودة إلى منازلهم؛ إذ إن إعادة الإعمار ستكون عملية شاقة تتطلب مجهوداً هائلاً.

وحدة مدفعية إسرائيلية متنقلة تطلق قذيفة من جنوب إسرائيل باتجاه قطاع غزة (أ.ب)

فقد أُصيبت مواقع أثرية ومعالم مهمة في قطاع غزة، وعلى الأخص بين الأزقة الضيقة المتشابكة في وسط مدينة غزة التاريخي، حيث دمر المسجد العمري، أقدم مساجد القطاع.

وضاقت المقابر بالقتلى، فدُفنوا في مقابر جماعية حُفِرت في البساتين وباحات المستشفيات وحتى في ملعب لكرة القدم، على ما أفاد به صحافيون في «وكالة الصحافة الفرنسية».

تتوالى الأيّام والمشهد واحد: رجال ونساء ينتحبون وهم يتعرفون على الجثث الملفوفة بأغطية بلاستيكية بيضاء، فتكتب عليها الأسماء بقلم حبر أسود.

وحين يتمكن الجرحى من الوصول إلى واحد من المستشفيات الـ15 التي لا تزال في الخدمة جزئياً من أصل 36، يكتشفون «ساحة معركة» من نوع آخر، بحسب ممثل «منظمة الصحة العالمية» في الأراضي الفلسطينية، ريك بيبركورن.

في المستشفيات التي تمكن من زيارتها، وصف «الفوضى» و«بقع الدماء على الأرض» وصراخ الجرحى الذين ينتظرون أحياناً أياماً قبل تلقي العلاج، مشيراً إلى أن بعض غرف العمليات تُضاء بالهواتف الجوالة لانقطاع الكهرباء، وتجري العمليات الجراحية أحياناً دون تخدير.

وقال ممثل «منظمة الصحة العالمية»: «هناك انقطاع في كل المعدات الطبية تقريباً»، مضيفاً: «لم أرَ في حياتي هذا العدد من الأطراف المبتورة».

مخيمات إيواء النازحين في رفح (أ.ف.ب)

«الناس يتضورون جوعا»

ويقول إبراهيم سعدات النازح أيضاً إلى رفح «فقدنا الأمل»، مضيفاً: «لا ماء ولا كهرباء، وبسبب نقص الماء لا نستحمّ إلا مرة في الشهر، حالتنا النفسية متعَبة وانتشرت الأمراض في كل مكان».

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، ازدادت حالات الإسهال لدى الأطفال الشهر الماضي من 48 ألف حالة إلى 71 ألفاً، خلال أسبوع، بالمقارنة مع ألفَي حالة في الشهر قبل الحرب.

وحذّرت مديرة «برنامج الأغذية العالمي» في المنطقة كورين فلايشر: «لم أرَ خلال 30 عاماً نقصاً في الأغذية بهذا الحجم».

وقالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنتاج الأغذية متوقف تماماً، ولا يستطيع الناس التوجه إلى حقولهم ولا الصيد في البحر، لا سيما مع قصف مرفأ غزة» الذي كان الصيادون يفرغون أسماكهم فيه كل يوم.

أما الأراضي الزراعية، فلا يمكن الوصول إليها.

وأُصيب العديد من المخابز أو أغلقت لعدم توافر الوقود. وصعد سكان يائسون إلى شاحنات المساعدات بحثاً عن طعام، على ما أفاد به صحافيون في «الصحافة الفرنسية».

وقالت فلايشر: «المتاجر فارغة، ليس هناك ما يمكن شراؤه لتناول الطعام»، مضيفة: «الناس يتضورون جوعاً».

وتعبّر هديل شحاتة (23 عاماً) المقيمة في خيمة بمدينة رفح (جنوب) عن يأس الشباب الذين يشكّلون نصف سكان القطاع، فتقول: «كل أحلامنا راحت... سنين راحت من عمرنا».


مقالات ذات صلة

مسؤول في حركة «حماس»: مستعدون لمناقشة مسألة «تجميد أو تخزين» الأسلحة

المشرق العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

مسؤول في حركة «حماس»: مستعدون لمناقشة مسألة «تجميد أو تخزين» الأسلحة

قال مسؤول رفيع في حركة «حماس»، اليوم (الأحد)، إن الحركة مستعدة لمناقشة مسألة «تجميد أو تخزين» ترسانتها من الأسلحة ضمن اتفاقها لوقف إطلاق النار مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (الدوحة )
شؤون إقليمية رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير (أ.ف.ب)

رئيس الأركان الإسرائيلي: «الخط الأصفر» في غزة يمثل «حدوداً جديدة»

أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، في بيان، اليوم الأحد، أن «الخط الأصفر» الفاصل في غزة هو الحدود الجديدة للقطاع مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية نتنياهو يتحدث إلى وسائل الإعلام خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني فريدريك ميرتس في القدس يوم الأحد (رويترز) play-circle 00:24

نتنياهو يرى أن المرحلة الثانية اقتربت في غزة... ويرهنها بـ «إنهاء حكم حماس»

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل ستنتقل قريباً إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار في قطاع غزة، لكنه رهن ذلك بإنهاء حكم حركة «حماس».

المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمستشار الألماني فريدريش ميرتس في القدس (د.ب.أ) play-circle 00:24

 نتنياهو: إسرائيل و«حماس» ستبدآن قريباً المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار

صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه «من المتوقع قريباً جداً أن تنتقل إسرائيل و(حماس) إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي 52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)

«صحة غزة» تحذر من النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بالقطاع

حذَّرت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم (الأحد)، من النقص الشديد في الأدوية والمستهلكات الطبية الذي وصفته بأنه عند «مستويات كارثية».

«الشرق الأوسط» (غزة)

مسؤول في حركة «حماس»: مستعدون لمناقشة مسألة «تجميد أو تخزين» الأسلحة

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)
TT

مسؤول في حركة «حماس»: مستعدون لمناقشة مسألة «تجميد أو تخزين» الأسلحة

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

قال مسؤول رفيع في حركة «حماس»، اليوم (الأحد)، إن الحركة مستعدة لمناقشة مسألة «تجميد أو تخزين» ترسانتها من الأسلحة ضمن اتفاقها لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، ليقدم بذلك صيغة محتملة لحل إحدى أكثر القضايا تعقيداً في الاتفاق الذي تم بوساطة أميركية.

وجاءت تصريحات باسم نعيم، عضو المكتب السياسي للحركة وهو الجهاز المسؤول عن اتخاذ القرارات، بينما تستعد الأطراف للانتقال إلى المرحلة الثانية والأكثر تعقيداً من الاتفاق.

وقال باسم نعيم لوكالة «أسوشييتد برس» في العاصمة القطرية، الدوحة، حيث يوجد معظم قيادات الحركة: «نحن منفتحون على تبني نهج شامل لتجنب مزيد من التصعيد، أو لتفادي أي اشتباكات أو انفجارات أخرى».

وأوضح نعيم أن «حماس» تحتفظ بـ«حقها في المقاومة»، لكنه أضاف أن الحركة مستعدة لإلقاء أسلحتها ضمن عملية تهدف للتوصل إلى إقامة دولة فلسطينية. ورغم أن نعيم لم يتطرق إلى تفاصيل كيفية تطبيق ذلك، فإنه اقترح هدنة طويلة الأمد تمتد لـ5 أو 10 سنوات لإتاحة المجال لإجراء مناقشات.

وشدد نعيم على أنه «يجب استغلال هذا الوقت بجدية وبطريقة شاملة»، مضيفاً أن «(حماس) منفتحة جداً» بشأن الخيارات المتاحة بشأن أسلحتها. وتابع: «يمكننا التحدث عن تجميد أو تخزين أو إلقاء الأسلحة، مع ضمانات فلسطينية بعدم استخدامها على الإطلاق خلال فترة وقف إطلاق النار أو الهدنة».

ويستند وقف إطلاق النار إلى خطة من 20 نقطة قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أكتوبر (تشرين الأول)، بمشاركة أطراف دولية بصفتها «دول ضامنة». وأشار نعيم إلى أن «الخطة تحتاج إلى كثير من التوضيحات».

وتعدّ مسألة نشر قوة الاستقرار الدولية من بين أبرز الشواغل الملحة حالياً.

وتتمثل إحدى القضايا الأساسية فيما إذا كانت هذه القوة ستتولى مسؤولية نزع سلاح «حماس».

وأكد نعيم أن هذا سيكون غير مقبول لـ«حماس»، وتتوقع الحركة من القوة أن تراقب تنفيذ الاتفاق. واستطرد قائلاً: «نرحب بقوة أممية تكون بالقرب من الحدود، تراقب اتفاق وقف إطلاق النار، وتبلغ عن الانتهاكات، وتمنع أي تصعيد محتمل». وأضاف: «لكننا لا نقبل بأن يتم منح هذه القوات أي نوع من التفويض لنزع السلاح يخول لها القيام به أو تنفيذه داخل الأراضي الفلسطينية».

وفي مؤشر على إحراز تقدم، أوضح نعيم أن «(حماس) وخصمها السلطة الفلسطينية أحرزتا تقدماً بشأن تشكيل لجنة التكنوقراط الجديدة التي ستتولى إدارة الشؤون اليومية في غزة».

وقال إن السلطة والحركة اتفقتا على تولي وزير في الحكومة الفلسطينية يقيم في الضفة الغربية، لكن أصله من غزة، رئاسة اللجنة.

ولم يفصح نعيم عن اسمه، إلا أن مسؤولين في «حماس»، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لعدم تفويضهم التطرق مناقشة المفاوضات، أشاروا إلى أن هذا الوزير هو وزير الصحة ماجد أبو رمضان.


قائد «قسد» يؤكد الالتزام باتفاق 10 مارس مع الحكومة السورية

قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)
قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)
TT

قائد «قسد» يؤكد الالتزام باتفاق 10 مارس مع الحكومة السورية

قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)
قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)

أكد قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي اليوم (الأحد)، التزام القوات باتفاق 10 مارس (آذار)، بوصفه أساساً لبناء دولة سورية ديمقراطية لا مركزية، تتمتع بالحرية والعدالة والمساواة.

وأضاف عبدي عبر منصة «إكس» بمناسبة مرور عام على سقوط نظام الأسد، أن المرحلة الراهنة تفرض على الجميع مسؤولية مشتركة تضع مصلحة السوريين فوق كل اعتبار.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قالت في الشهر الماضي، إن لجنة عسكرية تابعة لها استقبلت وفداً من الحكومة السورية في مدينة الطبقة بمحافظة الرقة شمال سوريا.

وأكدت «قسد» في بيان، أنها قامت بتسليم عدد من المعتقلين من عناصر قوات الحكومة السورية الذين تم إلقاء القبض عليهم في أماكن مختلفة خلال الفترة الماضية، وذلك «في بادرة حسن نية».


خطة إعادة إعمار غزة إلى مزيد من الضغوط والغموض

TT

خطة إعادة إعمار غزة إلى مزيد من الضغوط والغموض

فلسطينيون يقفون يوم السبت أمام الأنقاض في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يقفون يوم السبت أمام الأنقاض في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب)

عاد الغموض ليكتنف مصير خطة إعادة إعمار غزة، وسط عقبات عديدة بشأن تعثر تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، مع حديث قطري على أنها «لن تمول ما دمره آخرون».

ذلك الموقف الذي لوّح به رئيس وزراء قطر وزير الخارجية، الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني، في جلسة بمنتدى الدوحة الأحد، ينضم إلى إشارات أخرى، منها عدم تحديد موعد جديد لانعقاد مؤتمر إعادة الإعمار، الذي كان مقرراً أن تستضيفه القاهرة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والإعلان عن خطط أميركية لتنفيذ جزئي للإعمار في رفح.

تلك التطورات يراها خبراء، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، خطوة لزيادة الضغوط على إسرائيل، لكنها تضفي مزيداً من الغموض بشأن مصير ذلك البند الرئيسي في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي أقرت اتفاقاً لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بين «حماس» وإسرائيل، في ظل تعثر الانتقال للمرحلة الثانية حالياً.

وقال رئيس وزراء قطر، في جلسة بمنتدى الدوحة، الأحد: «إننا سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، مؤكداً أن بقاء القوات الإسرائيلية داخل القطاع واستمرار الانتهاكات قد يؤديان إلى تصاعد النزاع مجدداً، خاصة أن المنطقة لا يمكن أن تبقى «رهينة لأجندة المتطرفين، التي تسعى للتطهير العرقي للفلسطينيين».

مسلحون ملثمون من حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية يبحثون عن جثث في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وأوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

وفي 25 نوفمبر الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر «لن ينعقد في موعده (نهاية نوفمبر) وسيتأجل». وأرجع ذلك إلى التصعيد الحالي بالقطاع، وسعي القاهرة إلى توفر ظروف وأوضاع أفضل على الأرض من أجل تحقيق أهدافه.

وفي نهاية نوفمبر الماضي، أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، أن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». وقال: «تتطلع مصر لعقد المؤتمر، بما يضمن تحقيق أكبر قدرة من الفاعلية والاستفادة»، وذلك في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وذلك وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار. ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

محاولات لفرض الشروط

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور، أنه مع تصاعد مساعي تنفيذ المرحلة الثانية، يحاول كل طرف أن يفرض شروطه، خاصة الجانب العربي الذي يطالب بمشاركة جادة بالإعمار، مشروطة بانسحاب إسرائيلي وألا يتكرر التدمير، مشيراً إلى أن إسرائيل تحاول أن تراوغ وتناور في تنفيذ الالتزامات التي يقرّها اتفاق غزة.

كذلك يرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن «الموقف القطري محاولة لمزيد من الضغوط لفرض موقفها أمام رفض إسرائيلي يتصاعد بشأن عدم مشاركة الدوحة في قوات الاستقرار بغزة. وبالتالي، فلا معنى لتمويل قطر شيئاً لن تشارك فيه، وقد تدمره إسرائيل مجدداً»، مشيراً إلى أن هذه الرسالة قد تقرأها واشنطن وتدفعها لممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لإنهاء تلك العقبات في ظل تلك المرحلة.

آثار الدمار في مدينة غزة نتيجة الحرب (أ.ب)

ورأى رئيس الوزراء القطري أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بمرحلة حرجة. وأضاف، خلال جلسة نقاش أخرى ضمن فعاليات «منتدى الدوحة» في قطر، السبت: «نحن الآن في اللحظة الحاسمة... لا يمكننا أن نعدّ أن هناك وقفاً لإطلاق النار، وقف إطلاق النار لا يكتمل إلا بانسحاب إسرائيلي كامل وعودة الاستقرار إلى غزة».

كما دعا وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت، إلى الإسراع في نشر قوة استقرار دولية نصّت عليها المرحلة الثانية من اتفاق السلام في قطاع غزة، لمراقبة وقف إطلاق النار.

وقال عبد العاطي، خلال منتدى الدوحة: «فيما يتعلق بقوة الاستقرار الدولية، فإننا بحاجة إلى نشر هذه القوة بأسرع وقت ممكن على الأرض؛ لأن أحد الأطراف - وهو إسرائيل - ينتهك وقف إطلاق النار يومياً... لذا نحن بحاجة إلى مراقبين».

ويتوقع أنور أن «العدّ التنازلي نحو المرحلة الثانية بدأ، وكل العقبات تتوالى، لكن الوسيطين المصري والقطري في المقابل يضغطان للدفع بتعجيلها»، مشيراً إلى أن واشنطن عليها دور كبير في إنهاء عراقيل إسرائيلية.

وأكّد الرقب أن الانتقال للمرحلة الثانية يواجه عقبات عديدة، وليست الأزمة في الإعمار فقط، مشيراً إلى أن قضايا تشكيل لجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار وغيرها تعيقها إسرائيل للاستمرار في القطاع واستكمال التدمير.