نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024 تشهد المملكة العربية السعودية وتيرة تطور استثنائية على مختلف الصعد تضعها على أعتاب تحول كبير خلال السنوات المقبلة. فمن خططها لاستضافة «إكسبو 2030» وكأس العالم لكرة القدم 2034، إلى تنفيذها حزمة من الحلول على نطاق واسع لكبح جماح الأزمة المناخية، يبدو جلياً أن المملكة عازمة على تقلُّد موقع الريادة على مستوى الرخاء الاقتصادي والاجتماعي.
وفي خضم هذا التحول الذي استقطب أنظار العالم بأسره، يبرز الاقتصاد الرقمي بوصفه أحد مكوناته وممكناته الرئيسية، إذ خصصت المملكة العربية السعودية استثمارات ضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني وتحليلات البيانات الضخمة، انطلاقاً من إدراك حكومتها العميق أهمية هذه المجالات، والإيمان بأنها الركائز الرئيسية لاقتصاد التجربة المنشود، في حين تتطلع المملكة لرفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي إلى 19.2 في المائة بحلول عام 2025، وهو أمر سيطلق طيفاً واسعاً من الفرص الثمينة لأبرز اللاعبين في قطاع التقنيات الرقمية وداعمي المجال التكنولوجي، على المستويين المحلي والدولي.
مهمة هامة
سيجسد عام 2024 محطة هامة للاقتصاد الرقمي وداعميه، إذ من المتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق على تقنية المعلومات والاتصالات حاجز 34.5 مليار دولار في هذا العام، في حين تستعد المملكة العربية السعودية لاستضافة المؤتمر التقني الضخم «ليب» مجدداً تحت شعار «نحو عوالم جديدة» مشجعةً شركات التكنولوجيا على الخروج بمزيد من المشروعات المبتكرة والأفكار البناءة.
إن هذه الآفاق الواعدة تدعونا للتساؤل، ما الذي يمكننا توقعه تحديداً في المملكة العربية السعودية خلال عام 2024؟
حكومة تأخذ زمام المبادرة
لا يوجد أدنى شك بأن الحكومة السعودية تقود دفة الثورة الرقمية الراهنة في البلاد. ونتيجة جهودها الحثيثة، تبوأت المملكة العام الماضي المركز الثاني بين دول مجموعة العشرين، وحلت في المرتبة الرابعة عالمياً في جاهزية الأنظمة الرقمية. ولتحقيق أهداف خطة التحول الوطني المحددة لعام 2025، كلي ثقة بأننا سنشهد عدداً من المبادرات التي تمهد الطريق لنشوء مزيد من مشروعات الاقتصاد الرقمي، من بينها إنشاء مزيد من المنصات الإلكترونية الحكومية على غرار منصة «أبشر» التابعة لوزارة الداخلية، إلى جانب تقديم الخدمات الرقمية للمواطنين والمقيمين عبر تطبيقات الهاتف المتحرك، وتطبيق «توكلنا» خير مثال لذلك.
سنرى أيضاً إبرام كثير من الاتفاقات الاستراتيجية مع جهات ومؤسسات عالمية ومكاتب حكومية محلية. وفي الحقيقة، فإن العمل جارٍ على قدم وساق لتنفيذ خطة إنشاء مركز رقمي متكامل في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.
القطاعات التقليدية:
نحو تحول جذري
تعكف 52 في المائة من المؤسسات السعودية على التحول بنماذج أعمالها التقليدية نحو شكل يواكب متطلبات المرحلة، ويتبنى منهجية العمل الرقمي. وفي ضوء هذه المساعي، من المتوقع أن تشهد قطاعات الرعاية الصحية، والخدمات المالية، والتجزئة - البيع بالجملة، والخدمات المتخصصة، والتعليم، وتيرة نمو متسارعة خلال السنوات الخمس المقبلة، وأعتقد أن رؤية الشركات العاملة في هذه المجالات تضع خططها لتسخير إمكانات التكنولوجيا على غرار الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء... وغيرها، بأفضل شكل ممكن.
في الحقيقة، وسعنا مؤخراً شراكتنا مع شركة «حلول السحابة»، المزود الرائد لخدمات تقنية المعلومات للرعاية الصحية، لتعزيز حضورنا في المنطقة استجابة للطلب المتنامي على هذه الخدمات. ويتحول رواد قطاع الرعاية الصحية، مثل مجموعة مستشفيات د. سليمان الحبيب الطبية، نحو حلول الشبكات التي تتيح لهم رقمنة سجلاتهم، وأتمتة عملياتهم بسلاسة تامة، ومزاولة أعمالهم اليومية وفق أرقى مستويات الموثوقية والأمان. وبالنسبة للقطاعات الأخرى، تحرص المؤسسات على مراجعة استراتيجياتها المعدّة للتكنولوجيا مع استعدادها لرسم مسارات نموها المستقبلية وتعزيز قدرتها على تلبية ارتفاع الطلب المتوقع.
وعلى أية حال، من الأهمية بمكان ملاحظة أن تبني التكنولوجيا لا يتعين أن يكون مجرّد واجب، بل آمل من الشركات أن ترى هذا التوجه الجديد من منظور استراتيجي بحت، ضماناً لامتلاكها الأساس الرقمي المناسب لتفعيل النمو التكنولوجي وتطبيق التحول الرقمي بأكثر الأشكال كفاءة، وفي المواضع التي يتحقق فيها أكبر أثر ممكن.
صقل المهارات والإمكانات استجابة لضرورات المرحلة
حقيقة أن الجيل السعودي الشاب والمتمرس في التكنولوجيا يشكل الغالبية العظمى من سكان المملكة ليست بالموضوع الجديد؛ فقد جرت كثير من النقاشات حول الحاجة لصقل مهارات الشباب السعودي، ومنحهم أفضل فرص التعلّم ليتمكنوا من لعب دور فاعل في الاقتصاد الرقمي المستهدف. ووفقاً لنتائج استطلاع رأي أعدته شركة «كيه بي إم جي»، ظهر أن جذب وتطوير المواهب اللازمة لتلبية احتياجات التحول الرقمي في المملكة هو محط اهتمام 41 في المائة من الشركات التي شاركت في الاستطلاع، وهو معدل ينسجم عموماً مع المتوسط العالمي المَعنيّ بهذه القضية.
لذلك نجد الحكومة السعودية، اليوم، عكفت بالفعل على وضع خطط مُحكمة لجسر هذه الفجوة من خلال تدريب وتطوير 20 ألف متخصص ومتمرس في الذكاء الاصطناعي والبيانات، وأتوقع أن يحذو القطاع الخاص حذوها مع تكثيف جهوده الموجهة لهذا الغرض. ومن أبرز الأمثلة لذلك التعاون الذي أبرمته «آبل» وأكاديمية طويق مع «إكستريم نتوركس» لإطلاق أكاديمية مطوري «آبل» الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتمكين وإلهام الشابات السعوديات الواعدات في مجالات التكنولوجيا وتطوير التطبيقات.
تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الرابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مستوى نظم الشركات الناشئة، ويمثل ذلك أحد الآثار الإيجابية للجهود التعليمية التي بذلها القطاعان العام والخاص في المملكة. ومن هذا المنطلق، أعتقد أننا سنشهد خلال العام المقبل عدداً من مشروعات ريادة الأعمال الجديدة القائمة على التكنولوجيا.
فرص لا تحصى
ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة، وستعتمد بشكل أكبر على الناس والشركات واللاعبين الرئيسيين الذين سيأخذون زمام المبادرة، وسيقودون دفة التحول؛ لذلك تؤمن «إكستريم نتوركس»، بوصفها من داعمي الاقتصاد الرقمي، بأن أثرنا الأكبر العام المقبل سيتحقق من خلال استنباط السبل المثلى للتعاون مع العملاء والشركاء والأقران، دعماً لـ«رؤية السعودية 2030»، وسعياً لاستقطاب الخبرات القادرة على ترسيخ ازدهار المملكة العربية السعودية.