أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية
TT

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

تشهد تقنيات الـ«بلوك تشين» تغييرات هائلة تلقي بأثر كبير على قطاع الخدمات المالية؛ فالتمويل اللامركزي وعملات البنوك المركزية الرقمية تغيّر سبل إجراء المعاملات المالية وطريقة صياغة الخدمات وتقديمها. فهذه التقنيات لا تُحدث تحولاً جذرياً في قطاع الخدمات المالية التقليدي فحسب، بل تتيح آفاقاً جديدة لابتكارات خلاقة وتمهد الطريق نحو تعزيز الكفاءة وترسيخ الشمول المالي.

نمو التمويل اللامركزي

يمثل التمويل اللامركزي نقلة نوعية في عالم الخدمات المالية، ويقدم مستويات غير مسبوقة من اللامركزية، والكفاءة، وسهولة الوصول. وتقود هذه السمات الثورية التطور والنمو السريع للتمويل اللامركزي، وتغيّر بشكل عميق من سبل تفاعلنا مع خدمات الدعم المالي.

وفي مشروعات التمويل اللامركزي، يتصاعد زخم تجربة خيارات الحوكمة اللامركزية، حيث تمنح مثل هذه الإجراءات المستهلكين مزيداً من التحكم في عمليات تطوير وتوجيه منصات التمويل اللامركزي. وتجسد مثل هذه الخطوات جهوداً حثيثة نحو إضفاء طابع عادل على الخدمات المالية يضمن الإصغاء لآراء المستخدمين ومراعاتها ضمن المنظومة المالية بالكامل.

يزداد الاهتمام المؤسسي بالتمويل اللامركزي والعملات الرقمية بشكل ملحوظ؛ إذ تجذب العملات الرقمية شهية كبار اللاعبين لما تقدمه من عوائد كبيرة وقدرتها على حماية رؤوس الأموال من التضخم. ومن جانب آخر؛ بدأت تتضح الأطر التنظيمية لقطاع التمويل اللامركزي بشكل أكثر دقة، وهو ما يعدّ أمراً أساسياً في ضوء ما يشهده هذا القطاع من توسع مستمر وتوجه متنامٍ نحو تبني خدماته.

ويمثل وصول تقنيات «الويب 3.0» أمراً ملحوظاً في خضم السيناريوهات المتغيرة لقطاع التمويل اللامركزي؛ إذ تعزز هذه التقنيات من سبل تفاعل الناس من خدمات التمويل اللامركزي. لذلك نجد الشركات المتمرسة في هذا المضمار، تعمل على إطلاق إمكانات تقنيات «الويب 3.0» في سياق خدمات التمويل اللامركزي، لتحقيق التكامل بين كثير من المحافظ، لتتيح للمستخدمين الوصول لأصول التمويل اللامركزي، والتطبيقات اللامركزية، وأسواق الرموز غير القابلة للاستبدال، بسرعة وسهولة كبيرتين.

وينطوي مثل هذا المشروع على أهمية كبيرة لجعل التمويل اللامركزي أكثر سهولة في الاستخدام ومتاحاً بيسر كبير. ويعكس هذا المشهد المتغير الذي يضع خدمات التمويل اللامركزي في متناول كل من يحتاجه دون أي عوائق. كما أن محاولاتنا لتأسيس منظومة مزدهرة من الرموز غير القابلة للاستبدال والتشجيع بشكل شامل على استكشاف عالم «الويب 3.0» بشكل قائم على المكافآت، هي خطوات رئيسية نحو وضع خدمات التمويل اللامركزي في متناول الجميع، مع تعزيز قدرتها على تلبية شتى الاحتياجات.

تبني الـ«بلوك تشين» على المستوى المؤسسي

يكتسب استخدام الـ«بلوك تشين» على مستوى المؤسسات زخماً متصاعداً ضمن كثير من القطاعات؛ إذ باتت الشركات تعتمد على هذه التقنيات لتحسين عملياتها، وتعزيز موثوقيتها، وتبسيط إجراءاتها المعقدة. وهنا بعض السمات المهمة لهذا التوجه:

1- تمنح تقنيات الـ«بلوك تشين» الشركات القدرة على تتبع حركة البضائع، وتقديم الخدمات، وتدفق المعلومات، عبر تزويدها بأسلوب لامركزي واضح لتوثيق المعاملات. ويقود ذلك لتعزيز كفاءة وشفافية العمليات، ويحد من معدلات حدوث الخطأ والاحتيال.2- إن الثبات الذي تتمتع به تقنيات الـ«بلوك تشين» هو من مزاياها الرئيسية. فعند إضافة البيانات لشبكة الـ«بلوك تشين»، لا يمكن تغييرها دون الحصول على موافقات الشبكة بالإجماع. ولأنها تكفل نزاهة البيانات المخزنة، تعدّ هذه الميزة أمراً حيوياً للمؤسسات لتعزيز موثوقيتها بين الأطراف المعنية بأعمالها.

3- تعدّ العقود الذكية ذاتية التنفيذ؛ لأن محتوى العقود يوضع بشكل مباشر ضمن التعليمات البرمجية. وعند تلبية معيار محدد، تدخل أحكام العقود حيز التنفيذ بشكل تلقائي. وتبسط هذه العملية المؤتمتة من إجراءات الشركات المعقدة، وتحد من الحاجة للوسطاء، وتقلص من تكاليف المعاملات.

4- إن طبيعة شبكات الـ«بلوك تشين» المشفرة تقدم حماية مثلى للبيانات الحساسة، لذلك يشهد استخدامها نمواً متصاعداً لحماية البيانات في قطاعات مثل الرعاية الصحية، حيث تعدّ خصوصية المريض أمراً لا يقبل القسمة على اثنين. ويمكن لهذه الخصائص مساعدة الشركات على الوفاء بالتعهدات التنظيمية عبر تقديم سجلات مدققة تتسم بالشفافية، ومعاملات موثقة بالوقت. لذلك يعدّ هذا الانفتاح أمراً أساسياً لإعداد تقارير التنظيم والامتثال.

عملات البنوك المركزية الرقمية

يعدّ تبني عملات البنوك المركزية الرقمية توجهاً مالياً بارزاً؛ إذ يعكف كثير من الدول على بحث تبني عملاتها الرقمية الخاصة أو تعمل بكفاءة على تطويرها بالفعل. وتعدّ عملات البنوك المركزية الرقمية من أحدث التوجهات الراهنة لرقمنة الاقتصاد؛ إذ يغير هذا التوجه كلياً من سبل إدارة الأموال ويرتقي بالمشهد التجاري حول العالم.

وتعدّ عملات البنوك المركزية الرقمية بمثابة عملات رقمية أو افتراضية تصدرها البنوك المركزية للدول وتخضع لضوابطها ولوائحها التنظيمية. وتمثل نسخاً رقمية من الأموال الفعلية للدول وتحظى بدعم الحكومة بدلاً من العملات الرقمية اللامركزية.

وتعدّ قابلية البرمجة التي تتمتع بها عملات البنوك المركزية الرقمية من أبرز خصائصها وسماتها. فعندما تُستوفى معايير محددة، يمكن تفعيل أتمتة المدفوعات وتنفيذ العقود، بما قد يحول جذرياً من سبل مزاولة مختلف القطاعات أعمالها، على غرار ضمان تحصيل مدفوعات الشؤون الاجتماعية، والضرائب، والتزامات الاتفاقيات المالية.

ويمكن لعملات البنوك المركزية الرقمية تحسين الشمول المالي، وذلك عند غياب الخدمات المصرفية التقليدية بشكل رئيسي؛ لأنه يمكن الوصول إليها عبر الهواتف المتحركة والقنوات الرقمية الأخرى، بما يتيح وضعها في متناول شرائح سكانية أوسع.

وتمنح هذه العملات الرقمية البنوك المركزية أداة جديدة لإدارة السياسات النقدية؛ إذ يمكنها مساعدة هذه البنوك في تعزيز سيطرتها على التدفق المالي ومعدلات الفائدة، في حين تمنحها معلومات مفيدة حول النشاط الاقتصادي.

إن توفير أطر تنظيمية لعملات البنوك المركزية الرقمية، لا سيما للمعاملات بين الدول، هو أمر أساسي. ويشمل ذلك التعامل مع المسائل القانونية والتنظيمية والامتثال للوائح المالية الدولية.

تحسين تعليم الـ«بلوك تشين»

ألقى الطلب المتنامي على الأشخاص المتمرسين في أعمال الـ«بلوك تشين» الضوء على ضرورة تحسين تعليم الـ«بلوك تشين»، فهذا التوجه التعليمي الواسع يعدّ أمراً أساسياً لإعداد الكوادر البشرية القادرة على المساهمة في ذلك وتعزيز زخم الابتكارات التعليمية لمواكبة التغير المتسارع في هذا القطاع. وهنا بعض الملاحظات من هذا التوجه:

1- تعمل المؤسسات التعليمية حول العالم على تطوير دورات تعليمية وبرامج أكاديمية تركز على الـ«بلوك تشين». وتغطي الصفوف الدراسية في هذا المجال كثيراً من الموضوعات؛ بدءاً بأسس الـ«بلوك تشين»، إلى الأفكار الأكثر تقدماً، مثل العقود الذكية، والتطبيقات اللامركزية، وأمان الـ«بلوك تشين».

2- تلعب منصات التعليم الإلكترونية دوراً أساسياً في توفير وصول عادل وشامل لتعليم الـ«بلوك تشين»؛ إذ تقدم مجموعة من الدورات التعليمية لجميع الأشخاص على اختلاف مستوياتهم، من المبتدئين إلى الخبراء المتمرسين. وتتيح هذه المنصات المرنة للطلاب الدراسة وفق وقتهم الخاص وراحتهم.

3- تكتسب أيضاً ورشات العمل المكثفة والمخيمات التعليمية زخماً متصاعداً، حيث تقدم المعرفة والمهارات العملية حول سبل تطوير الـ«بلوك تشين» وتطبيقاته. وتوجه هذه البرامج قصيرة المدّة تركيزها نحو صقل مهارات الملتحقين بها بسرعة وتأهيلهم للمسارات المهنية في مجالات الـ«بلوك تشين».

وبينما يشهد تعليم الـ«بلوك تشين» اهتماماً متزايداً، فإن الصعوبات، مثل نقص المناهج المحددة والتطور التكنولوجي المتسارع، لا تزال بحاجة لإيجاد حلول لها. وتمنح هذه التحديات على أي حال فرص التعلم المستمر وتفتح آفاقاً واسعة لمواصلة تطوير تقنيات التدريس المبتكرة.

الـ«بلوك تشين» المدعوم بالذكاء الاصطناعي

يشهد إدخال الذكاء الاصطناعي على تقنيات الـ«بلوك تشين» تطوراً مستمراً ليرسم ملامح جديدة كلياً لمستويات الكفاءة والمرونة في شبكات الـ«بلوك تشين». ويقدم هذا التقارب بين الذكاء الاصطناعي والـ«بلوك تشين» كثيراً من المزايا والابتكارات، مثل:

خوارزميات الـ«بلوك تشين» التي يمكن استخدامها لتعزيز أمان شبكات الـ«بلوك تشين»؛ إذ يمكنها المساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية، على غرار معاملات الاحتيال أو خروقات الشبكات، عبر دراسة الأنماط والتعرف على المشكلات.

وعلاوة على ذلك، يمكنها تحسين معالجة المعاملات عبر شبكات الـ«بلوك تشين» عبر توقع أوقات الذروة وتنظيم حمولات المعاملات. ويقود ذلك لتقليص زمن معالجة المعاملات ويقلل من الضغط على شبكات الإنترنت. وفي مجال إدارة سلسلة الإمداد، يمكن للذكاء الاصطناعي تقييم البيانات عبر شبكة الـ«بلوك تشين» لتحسين العمليات اللوجستية ونشاطات إدارة المخزون.

يقدم إدخال الذكاء الاصطناعي في مجال «البلوك» إمكانات هائلة لفحص الكميات الهائلة من البيانات المحفوظة على شبكات الـ«بلوك تشين». وبناءً على تحليلات مباشرة للبيانات؛ يقود ذلك نحو الخروج برؤى مهمة للأعمال بما يحسن من دقة اتخاذ القرارات. فالذكاء الاصطناعي قادر على مساعدة شبكات الـ«بلوك تشين» في تحقيق التوسع المطلوب عبر تطوير موارد الأنظمة وزيادة الإنتاجية دون المساس بمستويات الأمان أو اللامركزية المنشودة.

التشغيل البيني لشبكات الـ«بلوك تشين»

يعدّ التشغيل البيني لشبكات الـ«بلوك تشين» تطوراً كبيراً تتصاعد أهميته بشكل مطرد في ضوء التطور التكنولوجي المتواصل. ويتجلى هذا المفهوم في القدرة على تأمين التواصل ومشاركة المعلومات بين شبكات الـ«بلوك تشين» المختلفة، التي تتيح إجراء المعاملات بشكل أكثر سهولة ضمن عدد من المنصات.

ويمنح التشغيل البيني القدرة على التواصل بين عدد من شبكات الـ«بلوك تشين»، بما يعزز التعاون بين مختلف الجهات. ويعدّ هذا الأمر مفيداً على وجه الخصوص عندما تستخدم الأطراف المعنية منصات أخرى لـ«البلوك تشين»، في حالات مثل إدارة سلسلة الإمداد.

ويمكن للمطورين استخدام التشغيل البيني لتصميم تطبيقات معقدة تستفيد من مزايا كثير من شبكات الـ«بلوك تشين». وقد يقود ذلك إلى تأسيس تطبيقات لامركزية أكثر كفاءة ومرونة وقدرة على تلبية الاحتياجات.

إن التشغيل البيني يتيح إجراء المعاملات عبر الشبكات، حيث يمكن تحويل الأصول أو البيانات بكل أمان من شبكة «بلوك تشين» لأخرى. فهذه الخاصية عنصر حيوي لتعزيز انتشار وقبول تقنيات الـ«بلوك تشين» على نطاق واسع، مع زيادة فائدتها.

وفي الخلاصة، ومع الخوض في هذه التوجهات الثورية، يبدو واضحاً أن أهمية تقنيات الـ«بلوك تشين» تتخطى مجرد أنها أداة مالية؛ إذ تمثل أساساً متيناً للابتكار ضمن مختلف القطاعات. وفي هذا الإطار، تأتي ضرورة الالتزام بريادة هذه التطورات المهمة، والمساهمة في المستقبل المنشود، حيث ستطلق تقنيات الـ«بلوك تشين» كامل طاقاتها ليكون العالم أكثر تواصلاً وكفاءة وشفافية. فهذه الرحلة الطموح مليئة بالتحديات على قدر غناها بالفرص، ونحن متحمسون للغاية للمضي قدماً فيها وصولاً للمستقبل المنشود.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف
خاص رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)

خاص 2024... سنة معقّدة ومحورية للاقتصاد العالمي

الانخفاضات المتوقعة في معدلات الفائدة من قبل المصارف المركزية الرئيسية في يونيو (حزيران) 2024 تأتي مصحوبة بجوانب من عدم اليقين.

سمير عساف

هدنة 10 سنوات والتخلي عن حكم غزة... عرض حماس «الملحّ» بعد حرب 7 أكتوبر

أطفال مع أهليهم يُلوِّحون بعد سريان اتفاق الهدنة في مخيم النصيرات (أ.ف.ب)
أطفال مع أهليهم يُلوِّحون بعد سريان اتفاق الهدنة في مخيم النصيرات (أ.ف.ب)
TT

هدنة 10 سنوات والتخلي عن حكم غزة... عرض حماس «الملحّ» بعد حرب 7 أكتوبر

أطفال مع أهليهم يُلوِّحون بعد سريان اتفاق الهدنة في مخيم النصيرات (أ.ف.ب)
أطفال مع أهليهم يُلوِّحون بعد سريان اتفاق الهدنة في مخيم النصيرات (أ.ف.ب)

لم تكن مجرد مزاعم أو بالونات اختبار أطلقها في مقابلات مع وسائل إعلام عبرية مطلع الشهر الحالي تلك التصريحات المفاجئة التي صدرت عن المفاوض الأميركي السابق لشؤون الرهائن آدم بوهلر، إذ قال إن حركة «حماس» اقترحت تبادل جميع الأسرى وهدنة من 5 إلى 10 سنوات تتخلى فيها عن سلاحها، وتكون الولايات المتحدة ودول أخرى ضامنة ألا تشكل الحركة تهديداً عسكرياً لإسرائيل، وألا تشارك في السياسة مستقبلاً، وضامنة أيضاً لعدم وجود أنفاق.

فقد أكدت مصادر داخل حركة «حماس» لـ«الشرق الأوسط» أن قيادة الحركة طرحت بالفعل هذه الفكرة، وليس لعشر سنوات فحسب، بل مع احتمال تمديدها أكثر من ذلك.

وشرح مصدر مسؤول أن الحركة منفتحة على هذا الخيار منذ قبل الحرب، وليس بعدها، لا بل إن الفكرة كانت مطروحة في سنوات سابقة، لكن إسرائيل هي من كانت ترفضها.

وأعادت المصادر التأكيد على أن قيادة الحركة لم تلتزم لأي طرف بأنها ستقبل بنزع سلاحها، وعدت هذا الأمر شأناً فلسطينياً، وأنه فقط يمكن ذلك في حالة واحدة، ضمن مسار سياسي واضح يسمح بإقامة دولة فلسطينية.

موقف تاريخي متكرّر

قبل نحو عام ونصف العام من اغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس»، في الثاني والعشرين من مارس (آذار) 2004، ظهر ياسين أمام منزله في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، مؤكداً أن حركته منفتحة على هدنة لمدة 10 سنوات أو أكثر، شريطة انسحاب إسرائيل من كل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، وعدم التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي.

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن اتفاق الهدنة (رويترز)

جاءت تصريحات ياسين لتؤكد جدلاً حول تصريحات سابقة له، تعود إلى عام 1997، عندما عاد إلى قطاع غزة عام بعد إطلاق سراحه من السجون الإسرائيلية إلى الأردن، وأكد خلالها استعداد حركته لهدنة تستمر عدة سنوات مع إسرائيل بعد هجمات «انتحارية» نفذتها حركته في داخل المدن الإسرائيلية.

وطرح ياسين لم يكن رأياً شخصياً، فقد تبنى عبد العزيز الرنتيسي الذي قاد «حماس» لنحو شهر بعد اغتيال ياسين، قبل أن تغتاله إسرائيل في أبريل (نيسان) 2004، النهج نفسه، وأكد موافقة حركته على هدنة طويلة الأمد تمتد لعشر سنوات، حتى أنه صرح بذلك لوكالة «رويترز» في السادس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2004، أي قبل اغتياله، واغتيال أحمد ياسين، وفي خضم سلسلة هجمات كانت تقودها الحركة من جانب، وأخرى تنفذها إسرائيل ضد قيادات الحركة في الضفة وغزة من جانب آخر.

ولم تتخل «حماس» عن الفكرة حتى بعدما تغيرت واشتد عودها وحكمت قطاع غزة الذي سيطرت عليه في عام 2007 بعد اشتباكات داخلية دامية مع السلطة الفلسطينية.

وتظهر تصريحات لقادة الحركة، بينهم رئيسا المكتب السياسي السابقان، خالد مشعل، وإسماعيل هنية، موافقة حركتهم على هدنة طويلة الأمد، تقابلها إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعدم الاعتراف بإسرائيل.

لم تكن إقامة الدولة الفلسطينية ضمن رؤية «حماس» التي كانت تطرح على الدوام تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتهاجم السلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاقية أوسلو «الخيانية»، قبل أن تحول الحركة الأقوال إلى أفعال، وتغير عام 2017 ميثاقها الذي كان ينص على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1948، معلنةً التزامها بإقامة دولة على حدود 1967. وأكد الميثاق على التخلي عن باقي الأراضي الفلسطينية، وضمان عودة اللاجئين للأراضي التي هجروا منها، وأنه لا تخلٍ عن المقاومة المسلّحة واعتبارها مشروعة، إلى جانب التأكيد على عدم اعتراف الحركة بإسرائيل، وهو الموقف الذي عاد وتبناه إسماعيل هنية بشكل أكبر خلال توليه منصب رئيس وزراء حكومة «حماس» ورئاسة مكتبها السياسي لسنوات.

فلسطينيون في سوق أُقيمت في الهواء الطلق قرب أنقاض المباني التي دمرتها الضربات الإسرائيلية وسط هدنة مؤقتة في مخيم النصيرات بقطاع غزة (رويترز)

براغماتية العرض

حسب مصادر في الحركة، فإن البراغماتية التي أظهرتها «حماس» عندما غيّرت الميثاق وقبلت بدولة فلسطينية كانت جزءاً من رؤية الحركة ضرورة إقامة هدنة طويلة.

ولكن على الرغم من أن أي جولة من المفاوضات بين إسرائيل وحماس لم تصل إلى هدنة طويلة، ولكن إلى هدن مفتوحة، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن المسألة كانت على طاولة المفاوضات فعلاً.

وكان ضابط كبير في جهاز الموساد الإسرائيلي كشف لـ«القناة 13» العبرية، في ديسمبر (كانون الأول) 2013، خلال برنامج تناول الكواليس التي سبقت محاولة اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» آنذاك، في الأردن عام 1997، وهي التي أفضت في النهاية للإفراج عن الشيخ ياسين، أنه التقى بصفته مسؤولاً عن العلاقات مع الأردن، العاهل الأردني حينها الملك حسين، الذي نقل له طرحاً من «حماس» بالتوصل لهدنة طويلة الأمد تستمر 10 سنوات، توقف فيها الحركة هجماتها التفجيرية العنيفة في تلك الحقبة داخل المدن الإسرائيلية، لكن تل أبيب لم تأخذ ذلك على محمل الجد، وتجاهلت الرسالة التي علم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آنذاك، بعد أيام من مصادقته على قرار تنفيذ العملية ضد مشعل.

وحسب الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، أفرايم هليفي، في مقابلة سابقة مع «القناة 12»، فإن إسرائيل رفضت، قبل 7 سنوات من اغتيال ياسين، اقتراحاً بإعلان هدنة مع الحركة لمدة 30 عاماً، كان عرضه ياسين بنفسه عبر وساطة الأردن وجهات أخرى، وهو ما لم تؤكده الحركة أو أي مصادر أخرى.

فلسطينيون يتفقدون موقع غارة إسرائيلية على مرفأ الصيادين بدير البلح وسط قطاع غزة يوم السبت (أ.ف.ب)

ويبدو أن طرح «حماس» الذي لم يلق قبولاً جعل الحركة تطمع في تثبيته عبر مفاوضات مباشرة، وهو ما يفسر تصريح موسى أبو مرزوق حين كان نائباً لمشعل في رئاسة المكتب السياسي لحركة «حماس»، بعد حرب عام 2014 مقترحاً إجراء مفاوضات مع إسرائيل.

وظهر أبو مرزوق، وهو يقول في تصريحات متلفزة لفضائية «القدس» رداً على سؤال حول إمكانية إجراء «حماس» مفاوضات مع إسرائيل: «من الناحية الشرعية، لا غبار على مفاوضة الاحتلال، فكما تفاوضه بالسلاح تفاوضه بالكلام. أعتقد إذا بقي الحال على ما هو عليه فلا مانع من ذلك، لأنه أصبح شبه مطلب شعبي عند كل الناس، وقد تجد (حماس) نفسها مضطرة لهذا السلوك».

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الطرح، أي المفاوضات المباشرة مع إسرائيل حول اتفاق هدنة طويلة، كثيراً ما نُوقش داخل أطر الحركة المختلفة. وأشارت المصادر إلى أنه في بعض الفترات كان يتم طرح ذلك من قبل الوسطاء، كما في مفاوضات وقف إطلاق النار عام 2005، وعام 2014 بعد الحرب الإسرائيلية، ثم أعيد طرحه عام 2016، لكن من دون التوصل إلى أي نتائج.

وحسب المصادر، فإن سياسات الحركة وأفكارها ليست منغلقةً بل منفتحة وتطورت كثيراً مع الوقت.

فلسطينيون نازحون يسيرون عبر طريق موحل وسط الدمار في جباليا شمال قطاع غزة خلال الهدنة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)

الهدنة التي أصبحت ملحَّة

لكن إذا كانت رؤية الحركة تجاه هدنة طويلة ثبتت على ما هي عليه منذ عقود، فإن أسباب الهدنة ومسببات المطالبة بها تغيرت بعد السابع من أكتوبر 2023، فلا يمكن إخفاء حجم الضرر الذي تعرضت له الحركة في الحرب الحالية على قطاع غزة، وليس سراً أنها تلقت أكبر ضربة قاسية منذ تأسيسها على جميع الصعد.

وقال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم إن حركة «حماس» تتميز بأنها حركة فتية ومتجددة في أفكارها، وقد غيَّرت سياساتها خلال حقبات زمنية مختلفة.

ويرى إبراهيم أن ذلك ميَّز «حماس» وجعلها متفوقة، لكن ذلك بقي صحيحاً حتى السابع من أكتوبر، عندما تغير كل شيء.

يؤكد إبراهيم على أن نتائج هجوم السابع من أكتوبر على الحركة نفسها وشعبيتها شكّلت عاملاً مهماً في قرارات الحركة المستقبلية على كافة الأصعدة.

وحسب إبراهيم، يمكن تلمس أول تأثير مهم في الحركة حتى الآن، وهو تنازلها عن حكم القطاع.

ولا تخفي «حماس»، وبشكل واضح، أنها ترغب في التخلي عن حكم غزة، في إطار المفاوضات الجارية حالياً، لكنها تشترط أن يكون ذلك ضمن وفاق وطني، وأن يتم إجراء انتخابات عامة فلسطينية في غضون عام، وهو أمر تنص عليه المبادرة المصرية التي تبنتها القمة العربية الأخيرة.

وإلى جانب التخلّي عن الحكم أعادت «حماس» طرح هدنة طويلة الأمد.

استراحة محارب ورصّ صفوف

قالت مصادر من داخل «حماس» إنه منذ طرح الشيخ أحمد ياسين هذه الفكرة، كانت تقوم بالأساس على وقف القتل، لكن اليوم هناك الكثير من الأهداف الأخرى وراء هذا الطرح، من بينها «أخذ نفس لإعادة ترتيب أوضاع الحركة بعد الحرب الحالية، وإجراء مراجعة شاملة، بما في ذلك العلاقة مع السلطة والفصائل وإسرائيل».

أفراد من حركة «حماس» في مخيم النصيرات مع بدء الهدنة مع إسرائيل (أ.ف.ب)

وأضافت المصادر: «ستحاول الحركة خلال ذلك التوصل لاتفاق وطني جامع مع جميع الفصائل لإعادة بناء منظمة التحرير والمجلس الوطني وانضمام الحركة إليهما».

وأقرت المصادر بأن «حماس» بعد الحرب الحالية بحاجة لتجديد دماء القيادة فيها، وكذلك العناصر المقاتلة، بعد أن فقدت الآلاف منهم في قطاع غزة.

وأوضحت المصادر: «خلال الحرب استمرت الحركة في سد الفراغات، وفق الظروف الميدانية، وضمن عمل منظم اتبعته وفق ما تنص عليه اللوائح الداخلية في تولي المناصب، لكن ما زلنا بحاجة لضبط الوضع».

وتابعت: «الحركة تأثرت بشدة، وهي بحاجة حالياً لهدنة طويلة الأمد من أجل إعادة بناء نفسها».

وخلال فترة وقف إطلاق النار التي امتدت في مرحلتها الأولى لـ58 يوماً فعلياً قبل أن تستأنف إسرائيل ضرباتها بقوة، استغلت الحركة وقف إطلاق النار المؤقت لإعادة ترتيب صفوفها ومحاولة إعادة هيكلة التنظيم سياسياً وحكومياً وعسكرياً.

وكانت الحركة حاولت إظهار قوتها أثناء إجراء صفقات التبادل، وأرسلت رسائل تحدٍ لإسرائيل.

لكن إسرائيل ردت بضربات متتالية باغتيال القيادات القائمة على محاولة إعادة ترتيب صفوفها، منهم أعضاء مكتب سياسي مثل محمد الجماصي، وياسر حرب، أو شخصيات حكومية مثل عصام الدعاليس، أو عسكرية مثل أحمد شمالي نائب قائد «لواء غزة» في «كتائب القسام» الذي كان يقود إعادة هيكلة الكتائب، علماً بأن «حماس» تعتبر «القسام» درة التاج.

مقاتلون جدد

خلال سنوات مضت عملت الحركة على تخريج جيل جديد من المقاتلين وضمهم لصفوفها، خصوصاً الجيل الفلسطيني الصاعد من الشباب الذين كانت تسعى دوماً لاستقطابهم وتعمل على تدريبهم عسكرياً، وشارك عدد منهم في هجوم السابع من أكتوبر، فيما استخدم آخرون لسد الفراغ وقد أعيد تنشيطهم لكي يشاركوا في هجمات ضد القوات الإسرائيلية البرية، وهو ما حصل في مخيم جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون في الأشهر الأربعة الأخيرة قبل وقف إطلاق النار.

وكانت «الشرق الأوسط» انفردت بتقرير خاص عن نجاح «حماس» في تجنيد أولئك، ونشرت صوراً لمطوية وكتيب حول تعليمات إطلاق القذائف المضادة للدروع تجاه الآليات الإسرائيلية.

صورة ملتقطة 15 فبراير 2025 في خان يونس بقطاع غزة تُظهر مقاتلين من حركة «الجهاد الإسلامي» و«كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» يقفون خلال تسليم 3 رهائن إسرائيليين لممثلي الصليب الأحمر (د.ب.أ)

وقال المحلل السياسي مصطفى إبراهيم: «بالتأكيد تسعى (حماس) بعد هذه الحرب الإسرائيلية الطاحنة لتجديد الدماء فيها بعدما فقدت الآلاف من قياداتها وعناصرها، وهذا سيكون أحد أهم أهداف الهدنة طويلة الأمد في حال تم التوصل لاتفاق بشأنها».

وفي حال نجحت الجهود الرامية للتوصل لوقف إطلاق نار دائم، وربما لسنوات طويلة، وهو أمر تنخرط به الولايات المتحدة، فإن السؤال الذي سيبقى مطروحاً، حول قدرة «حماس» على البقاء وعلى إعادة تشكيل نفسها في مواجهة إصرار إسرائيلي وقناعة فلسطينية رسمية وعربية على إخراج الحركة من المشهد.

لم تستطع إسرائيل بعد عقود من المواجهة وحرب دموية طاحنة مستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام هزيمة الفكرة، وتريد هزيمة التنظيم نفسه، وهو أمر لن يحصل أغلب الظن بإعطاء الحركة سنوات طويلة من الراحة.