مع مضينا باتجاه عالم يقوم على الاتصالات المترابطة والتنقُّل الذكي من المهم للجهات المعنية بمجال التنقُّل والمواصلات الدفع باتجاه توفير حلول مبتكَرة، تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية الهائلة التي تشهدها المدن. فالعدد المتكاثر من الناس يرتبط بالأعداد الكبيرة للمركبات الموجودة على الطرقات، التي تُقدَّر حالياً بنحو 1.2 مليار مركبة يومياً. وعند اقتران هذا مع البنية التحتية التقليدية للمواصَلات، تنتج عن ذلك بيئة مدنية مكتظّة جداً، الأمر الذي يُبرِز الحاجة لحلول نقل مستدامة وقابلة للتعديل وفق الطلب. وبينما تواجه هذا الشيء تحدّيات لوجستية، إلا أنه في الوقت ذاته يفتح المجال أيضاً أمام انبثاق فرص بارزة للأعمال.
منعطف بارز
ضمن هذا السياق، يستطيع الأفرقاء المعنيون بقطاع التنقُّل والمواصَلات الاستفادة من الحاجة الاقتصادية والتوجّهات السائدة في الأسواق للتركيز على مسارات استراتيجية باتجاه تحقيق مستقبل التنقُّل المنشود، وذلك كجزء من محافظهم المقبلة.
ومع اقترابنا من بداية عام 2024، فإننا نصل إلى منعطف بارز في الثورة بمجال المواصَلات، ويدفع بهذا الاتجاه التبنّي القوي للمركبات الكهربائية (EV) والمركبات ذاتية القيادة (AV) وتقنيات الاتصال المتطوّرة، التي ستستمر بصياغة التوجّهات في قطاع السيارات على مدى السنوات المقبلة. من جهة أخرى، يتوجّب على التقنيات الموجودة في المجموعة المقبلة من المركبات، التي نتوقّع رؤيتها على الطرقات، ألا تُعنى بمعالَجة مشكلة الازدحام المروري فقط، بل أيضاً تلبية المتطلّبات الملحّة فيما يتعلّق بإحداث أثر مناخي إيجابي واعتماد عمليات مستدامة فعلياً.
أنظمة أكثر ذكاء
ونشير إلى أن المستقبل القريب سيشهد تحوُّلاً إلى أنظمة أكثر ذكاءً وترابُطاً من ناحية الاتصالات، التي من شأنها أن تغيّر طريقة التنقُّل في المدن، وتفتح آفاقاً جديدة أمام الابتكار والاستثمار في الجيل المقبل من أساليب المواصَلات المتطوّرة.
أحد التوجُّهات البارزة ضمن هذا المجال يقوم على تعزيز سُبُل الاتصالات وتوسعة نطاق قدراتها عبر تقنية إنترنت الأشياء (IoT). وأمر مهم يجب تسليط الضوء عليه هو أن العملاء صاروا يتوقّعون التكامل السلس بين مختلف الخصائص والوظائف، أكانت تتعلّق بالترفيه أم الصيانة المنزلية أم التعليم، وغير هذا الكثير – ويُترجَم هذا عبر ما يتوقّعونه من المركبات التي يقودونها. وتناغماً مع هذا المشهد البارز بقطاع التنقُّل، تظهر الحاجة لمركبات حديثة تعمل وكأنها هواتف ذكية على عجلات. فالعميل في العصر الحالي لا يُقدِّر عنصر التكامل فقط، بل يسعى أيضاً لمزيد من التطوّرات في التقنيات، وهو ما يُرسي الأرضية الصلبة لمجموعة الخيارات المطروحة في مجال التنقُّل، التي تكون متميّزة بالاتصال من أساسها.
هذا الاتجاه مثبَت عبر تقارير بارزة من قطاعات الأعمال، مثل دراسات ماكينزي الأخيرة التي تشير إلى أن السيارات المتصِلة تشكّل عنصراً حيوياً ضمن مستقبل قطاع السيارات. فنحو 55 في المائة من المسؤولين بقطاع السيارات يعتبِرون أن السيارات المتصِلة – المركبات التي تستخدم الاتصالات والخصائص الرقمية لتوفير تجربة تنقُّل معزَّزة ومعرَّفة برمجياً – هي واحدة من توجّهين اثنين بارزين يصوغان مستقبل هذا القطاع، بحيث تأتي مباشرة بعد التحوُّل الكهربائي.
هذا التبدُّل لا يَعِدُ بتخفيض التكاليف فحسب، بل يُمكِنه أيضاً توليد مصادر إيرادات جديدة لصالح المنخرطين به وذلك ضمن نطاق واسع من النظام الإيكولوجي العام لقطاع التنقُّل. وتتميّز الاتصالات بكونها تترافق مع فرصة تخصيص تجربة القيادة لفئات مختلفة من العملاء، وتلبية متطلّباتهم المحدَّدة كما يظهر من خلال دراسة سابقة لدى ماكينزي، بالإضافة للتمكُّن من التعامل مع مجموعة تحدّيات فيما يتعلّق بالسلامة والاتصال والترفيه.
لكن لأجل تحقيق المنافع التي توفرها الاتصالات وجعلها واقعاً فعلياً، ينبغي تخطّي مختلف المعوّقات المحتمَلة، وهذا يشمل بشكل أساسي التأكُّد من اعتماد توجّه موحَّد مدعوم من مختلف الأفرقاء، بمن فيهم الجهات الناظمة والعملاء وموفرو خدمات الاتصال والمعنيون بقطاع التنقُّل وغيرهم من الجهات الأخرى. وتَكمُن النقطة الأساس في تسهيل سُبُل الاتصال والتأكّد من أن الخيارات المستقبلية المتلاحقة التي يتم توفيرها تتوافق مع الاحتياجات المحدَّدة للعملاء، وأن تتمحور حول ثلاثة أبعاد مختلفة هي: البُنية التحتية، إدارة المعرفة، والتعاوُن.
1. بناء بُنية تحتية متينة لاتصالات معزَّزة
ترتكز استراتيجية التنقُّل الملائمة للمستقبل على عنصر أساسي هو البُنية التحتية التي يتم التخطيط لها بعناية. فخارج نطاق المكوّنات الحسّية كمحطّات شحن المركبات الكهربائية على سبيل المثال لا الحصر، تتجه الحكومات والهيئات الناظمة للاستثمار في البُنية التحتية الرقمية المنيعة. بناءً عليه، تُعتبَر الرؤية الواضحة فيما يتعلّق بالتحوُّل الرقمي أمراً ضرورياً جداً لتمكين الاتصال السلس بين المركبة والبُنية التحتية، وكذلك بين المركبة والمركبة. ضمن هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أن العديد من المدن قد استثمرت بشكل مزداد في العلاقة الرمزية بين قطاع التنقُّل والبنية التحتية للاتصالات، مما يساعد في جعل تجارب السائقين متناغمة أكثر مع المستقبل المقبل. وكنقطة إثبات لهذا الشيء، نتطلّع إلى ما يجري في دبي، التي تعمل باتجاه تحقيق الاستراتيجية الوطنية للتنقُّل الذكي لدولة الإمارات العربية المتحدة. وهذا الأمر سيستمر في السنوات المقبلة، وذلك لضمان تلبية الطلبات المتزايدة على أنظمة التنقُّل الذكية.
وبالنظر للمستقبل، فمن المرجَّح أن تأخذ مخطَّطات البنية التحتية بعين الاعتبار قابلية التعديل لجهة الحجم والتكيُّف، والقدرة على استيعاب التقنيات البارزة مثل تقنية اتصالات «5G» بهدف إرسال البيانات في الوقت الفعلي وضمان توافر بيئة آمنة للمركبات المتصِلة.
ومع اعتماد البُنية التحتية العامّة على الابتكار، فإن المطلوب هو الالتزام والاستثمار من القطاع الخاص لتعزيز الفرص والإمكانات أكثر. وأحد الأمثلة على الابتكار بهذا المجال هو التزام شركة «جنرال موتورز» بتوفير سُبل اتصال متطوّرة جداً تترافق مع السلامة والحلول الترفيهية عبر تقنية «أونستار». وتتميّز «أونستار» بكونها تُرسي معايير جديدة، إذ إنها توفر خدمة الاتصال ضمن مركبات علامات «شيفروليه»، «جي إم سي» و«كاديلاك» التجارية، بالإضافة للارتقاء بخدمات السلامة والأمن الموجودة فيها. وفي ظل توافرها حالياً في كل من الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية - مع خطط لمزيد من التوسّع في المنطقة - فإنها تُحدِث بالفعل ثورة في تجربة القيادة عبر توفير مستويات عالية من الملاءمة وراحة البال والخصائص الذكية المتاحة عبر الاتصالات، التي تشهد دوماً ابتكارات مستمرّة نحو الأفضل.
2. المعايير ونقل المعرفة
إن المستقبل المتصِل يزدهر بالاعتماد على معايير تتميّز بكونها غير مقيَّدة ومقبولة دولياً، ليس فيما يتعلّق بالبرمجيات فقط، بل فيما يخصّ الأجهزة والمعدّات أيضاً. فالدور المحوري الذي تلعبه وظيفة نقل المعلومات في تعزيز الاتصالات خلال السنوات المقبلة لا يُمكِن أبداً التقليل من شأنه. ولقد رأينا حتى اليوم تطوّرات بارزة باتجاه تعزيز مفهوم التشغيل التبادلي، الأمر الذي يساهم بمنع ابتكار تقنيات تتصف بكونها محصورة وتعيق الابتكار الإضافي. وبالتالي، فإن إدارة المعرفة من هذه الناحية لا تشجّع فقط على تعزيز الكفاءة أكثر، بل تسرّع أيضاً عمليات التطوير عبر تفادي الازدواجية غير اللازمة ضمن الجهود المبذولة بواسطة مختلف الجهات المعنية بهذا المجال.
أما بالنسبة للعميل، فإن الاتصال المحسَّن يُترجَم إلى ميّزة مهمة تتمثّل بالإدارة الشاملة للمركبة – مع المنفعة الإضافية التي تقوم على تخصيص النتائج بحيث تتوافق مع السلوكيات الفريدة للسائق نفسه. وبحالة «أونستار» فإن هذا يظهر بشكل التنبيهات التشخيصية، التقارير الشهرية، إشعارات الصيانة وتحديثات البرمجيات عبر الأثير، وهو ما يُمكِّن المستخدمين أكثر عبر منحهم المزيد من السيطرة والفهم الإضافي لمركباتهم، مما يضمن التمتُّع بتجربة قيادة سلسة. ويجري تخصيص هذه التحديثات وفق الاستخدام المفرَد، بحيث يتم تسليط الضوء على مكامن التحسُّن لدى كل سائق على حِدَة، وهو ما يُمكِن الاستفادة منه والارتقاء به لإعداد عقليات قيادة تكون أكثر إدراكاً في المستقبل.
3. تعاوُن على نطاق شامل
من المُمكِن دفع عملية تطوّر قطاع التنقُّل المتصِل بشكل أفضل عبر تعزيز توافق متطلّبات الخدمات العامّة مع المعلومات والمعارف العميقة الذي يتمتّع بها القطاع الخاص. بالتالي، ومن خلال المناسَبات والفعاليات التجارية والمنصّات الحوارية التبادُلية، فإن الحكومات وهيئات التنظيم المدني وشركات التقنية ومصنِّعي السيارات وغيرهم من الأفرقاء المعنيين سيستمرّون بالتلاقي والتعاوُن مما يوجد بيئة تفضي إلى مزيد من الابتكار.
والتعاوُن لا ينحصر فقط بالحوار، بل بالشراكات الاستراتيجية أيضاً ووضع السياسات التنظيمية الجديدة التي من شأنها أن تحفّز على مزيد من التبنّي لهذا التوجّه بين أوساط كل الجهات المعنية. ومن المهم التأكيد على أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تلعب دوراً محورياً في تطوير قطاع التنقُّل الذكي، وهي تُنشئ مسارات مخصَّصة تتيح التعامل الفعّال مع أي تحدّيات معيَّنة وفريدة من نوعها قد تواجهها المجتمَعات.
وفي ظل مضيّنا باتجاه عالم يقوم على الاتصالات المترابطة والتنقُّل الذكي، من المهم جداً للجهات المعنية بمجال التنقُّل والمواصلات أن تعي أهمية الجهود التعاونية المشترَكة في الدفع باتجاه توفير حلول مبتكَرة.
وعبر التبنّي العام للتوجُّهات السائدة في قطاع السيارات إضافة لخيارات العملاء المفضَّلة، فإننا نستطيع الدخول في عصر جديد يتميّز بكونه ذكياً ويستجيب بديناميكية للاحتياجات المتطوّرة لعالمنا الذي يتميّز بكونه أكثر اتصالاً من قبل.