الجيش الإسرائيلي يصطحب إعلاميين إلى الجبهة لـ«تغيير صورته»

فشله في 7 أكتوبر عقدة تُلاحقه باستمرار

دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة (د.ب.أ)
دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يصطحب إعلاميين إلى الجبهة لـ«تغيير صورته»

دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة (د.ب.أ)
دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة (د.ب.أ)

بعد أكثر من شهر على العمليات الحربية في قطاع غزة، قرَّر الجيش الإسرائيلي فتح الباب أمام مجموعة من أبرز الصحافيين الإسرائيليين؛ للقيام بجولة في الجبهة، برفقة كبار الضباط؛ بغرض بث رسائل ترفع معنويات الجمهور الإسرائيلي، وتعزز مكانة القوات العسكرية في المجتمع، في ظل العقدة التي تُلاحقه باستمرار بسبب فشله في منع وقوع هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي استعراض لما نشرته وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، يتضح أن الهم الأساسي للجيش هو تغيير الصورة التي نشأت لدى الرأي العام الإسرائيلي، بعد أن نفّذت حركة «حماس» الهجوم المُباغت في السابع من أكتوبر الماضي.

واستقبل الجيش الإسرائيلي الصحافيين في قاعدة عسكرية قريبة من الحدود مع غزة، حيث تركوا سياراتهم ونقلوهم بعربات عسكرية إلى الحدود، ومن هناك تسلّمتهم قوات ووضعتهم في مُجنزرات «النمر» أو سيارات «الجيب هامر» مصفّحة. وانتقلت بهم إلى مواقع مختلفة؛ للاطلاع على الأوضاع في الجبهة عن قرب.

مواطنون ينظرون من النوافذ لمبنى محطم في رفح بقطاع غزة (أ.ف.ب)

اسألوا كما تشاؤون

وقال الجيش للصحافيين: «كل شيء أمامكم مفتوح، اسألوا كما تشاؤون، بما في ذلك عن الأحوال الشخصية للجنود». وهذا بالطبع كلام مُغرٍ لأي صحافي في هذا العصر الذي تصبح فيه القصص الشخصية جذابة للمشاهدين والقراء. وهكذا تصبح المصلحة مشتركة؛ الجيش يُمرّر الرسائل التي يريد، وفي المقابل كل صحافي يبحث عن سَبْق خاص به. لكن خلاصة التقارير التي عاد بها الصحافيون لم تحمل بشائر ولا سبقاً صحافياً ذا شأن.

فالهدف الذي وضعه الجيش لهذه الجولات هو طمأنة الشعب بأن الجيش، الذي تلقّى ضربة شديدة، معنوية وعسكرية، في هجوم «حماس»، أعاد ترميم نفسه وانتقل إلى الثأر والهجوم ويتمتع بمعنويات عالية. وليس هذا وحسب، بل إنه يتكلم بلغة النصر، رغم أنها تحمل تناقضات كثيرة مع الواقع، لكنها ضرورية لبسطاء الناس الذين ما زالوا يعيشون في حالة ذهول من فشل القيادات السياسية والعسكرية في صدّ الهجوم، خصوصاً أن الخبراء والمعلِّقين في الخارج، وحتى في إسرائيل، يبتسمون ساخرين من الحديث عن النصر. وقد عبّر الكاتب ناحوم بارنياع، كبير الصحافيين في «يديعوت أحرونوت» العبرية، بكلمات ثاقبة عن ذلك، قائلاً: «الانتصار الحقيقي هو ألا يكون انتصار».

جندي إسرائيلي داخل قطاع غزة (رويترز)

حرب «على البيت»

في الواقع، فإن جميع الضباط، الذين رافقوا الصحافيين يتحدثون لهم عن ظروفهم الشخصية والعائلية، وكيف تدفقوا جميعاً للخدمة الاحتياطية، وبينهم كثيرون ممن لم يجرِ استدعاؤهم لكنهم امتثلوا بصفة «متطوعين»، وتركوا وراءهم عائلات وأولاداً لأنهم يرونها حرباً وجودية، حرباً «على البيت».

رون بن يشاي، المعلِّق لشؤون الأمن، في «واي نت»، البالغ من العمر 80 عاماً، كان أول من حظي بهذه الجولات. هو صحافي عسكري منذ سنة 1966، واشتُهر بتغطية الحروب والمعارك في الخطوط الأمامية، منذ غزوة الليطاني في سنة 1978. دخل غزة، ومن اللحظة الأولى عاش أجواء الحرب، فيروي أن مُجنزرة النمر توقفت بشكل مفاجئ، بعدما تلقّى قائدها أمراً بذلك. ويبلغ بعدها بأن عنصرين من «حماس» اكتُشفا وهما يُعِدّان لتفعيل عبوة ناسفة، فجَرَت تصفيتهما، وسمح للنمر بأن تُواصل طريقها، باتجاه جامعة الأزهر في الحي الجنوبي الغربي من مدينة غزة.

في مكانٍ ما على طريق صلاح الدين، يتوقف قائد المجنزرة، ويطلب منه النزول ليُريه عربة كهربائية إسرائيلية مُلقاة على حافة الطريق. ويعضّ القائد على شفتيه وهو يقول إنه يعتقد أن هذه العربة تعود لمُسنّ يهودي مقعد جرى اختطافه إلى أنفاق «حماس»، ثم يشير له بأن يشاهد فوهة أحد الأنفاق، بالقرب من ركام بلدة فلسطينية.

وكتب بن يشاي: «أنا صحافي مُطالَب بإعطاء تقارير عن الحقيقة، والابتعاد بقدر الإمكان عن مشاعري، لكنني وجدت نفسي أكتب في دفتري بشيء من الغضب: هنا كانت تعيش، حتى قبل أسبوع، أمهات ونساء وأولاد وذوو أولئك القتلة الساديين».

الدخان يتصاعد فوق غزة مع استمرار القصف الإسرائيلي (رويترز)

النيران الصديقة

وبذلك يلخص الزيارة قبل أن تكتمل، فهو الآن معبّأ؛ ليس فقط ضد «حماس»، بل ضد كل أفراد عائلاتها. وينشر ما يقوله العقيد يسرائيل فريديلر، وهو ابن لعائلة من 12 فرداً، 7 منهم يشاركون في الحرب ضمن جنود الاحتياط. ويصف بن يشاي الأسلوب القتالي فيقول: «في مجنزرة النمر، كل شيء مغلق، نرى الطرقات من خلال الشاشات، التي تبثّ الصور من الكاميرات. لا يجري فتح أية طاقة؛ تحسباً من صواريخ حماس المضادّة للدبابات. عندما نصطدم بقوة من حماس، نخبر سلاح الجو ونحدد الهدف فيقصفه سلاح الجو بالمسيَّرات أو وسائل قتالية أخرى. الهدف هو الضرب من بعيد؛ حتى لا يحدث تهديد لحياة الجنود. نريد عودتهم سالمين، لا يطلقون النار إلا نحو أهداف محدَّدة؛ خوفا من أن نصيب بعضنا بعضاً بالنيران الصديقة. كل مبنى نحتلّه نرفع عليه عَلَم إسرائيل، فمهما كان خطر القناصة الفلسطينيين، يظل خطر الإصابة من قواتنا أكبر».

الصحافية إيلانة ديان (59 عاماً)، تحمل شهادة الدكتوراه في القانون وتحرِّر وتقدم برنامجاً مهماً في «القناة 12» للتلفزيون، صعدت إلى مجنزرة النمر سوية مع قائد لواء المدرّعات 401، العقيد بيني أهرون، الذي وعد جمهور المشاهدين بأن يعود وقواته منتصراً، حتى لو بقي في غزة أسبوعاً أو سنوات. وقبل أن تسأله عن كيفية اتخاذه هذا القرار، وهو أب لأطفال، قرأ لها رسالة من زوجته تقول له فيها إنها وكل العائلة يساندونه ويطلبون منه العودة منتصراً. ويتساءل: «إذا كانت زوجتي التي أغيب عنها شهراً كاملاً تقول لي هذا الكلام، فكيف لا أكون مشحوناً بالقوة والإصرار على النصر؟».

نازحون من شمال قطاع غزة إلى الجنوب وسط استمرار عمليات القتال بين إسرائيل و«حماس» (د.ب.أ)

ركام فيلا فلسطينية

في مكانٍ ما على الطريق الغربي على أطراف غزة، يشير إلى ركام فيلا فلسطينية، رغم أنها مهدمة لكن فخامتها ظاهرة بما تبقّى من أثاث وبِركة السباحة والرسومات. فيقول: «انظري، يوجد لدى أهل غزة كل شيء، لكنهم يكرهوننا. ببساطة يكرهوننا». ويشير إلى بقية الركام ويقول: «كل شيء يتحرك هنا سنطلق عليه الرصاص، ليس مهماً مَن هو، وماذا هو، وكيف يرى، وماذا يفعل. بالنسبة لي هو مخرِّب، إلا إذا رأيت امرأة مع أطفال فلن أمسّها».

وتطلب منه أن يشرح لها طبيعة مهمته، فيجيب: «نحن نكلَّف باحتلال منطقة، وبعد كل احتلال نستأصل العدو. كل مكان تمر به 401 ينتهي العدو ولا يعود يقوى على إطلاق طلقة واحدة». وتُذكّره الصحافية بأن هناك مُسلَّحين من «حماس» خرجوا من الأنفاق وراء خطوط القوات الإسرائيلية المتقدمة داخل غزة، فيجيب: «توجد لدينا كتيبة هذه مهمتها؛ أن تدمر ما تبقّى من قوات العدو».

وتقول له: «هذا يبدو كمن يفرغ المحيط بالملعقة»، فيجيب: «لدينا صبر، سنعثر على فوهة كل نفق وندمره، سنصل إلى كل إرهابي. لقد قتلنا العشرات فوق الأرض، والمئات تحت الأرض. سنبقى هنا حتى نُنهي المهمة، سنقضي عليهم، لن نعود إلى البيت قبل ذلك. الويل لمن يطلب منا وقف النار. لا الأمريكيون ولا غيرهم». فتسأل: «هل هو الانتقام؟»، فيجيب: «نعم، توجد عندي مشاعر الانتقام، أنا لم آتِ لأقضي على حماس، بل لأنتقم مما فعلوه لنا، لكنه انتقام محسوب وملجوم».

فلسطينيون يبحثون عن ناجين بعد غارة جوية إسرائيلية على جنوب قطاع غزة (أ.ب)

كتيبة الجولان

مراسل القناة 11 الرسمية، إيتاي بلومنتال، رافق الكتيبة 932، التي جرى جلبها من الحدود مع سوريا في الجولان، لمساندة القوات المتقدمة في عمليات التطهير، واتخذت مقراً لها في مدرسة القسطينية الثانوية للبنين في مخيم الشاطئ، التي دُمّر معظمها في القصف الجوي والمدفعي، ولكن بقيت منها بعض الجدران التي تجعلها مكاناً للنوم للجنود. قائد الكتيبة المقدِّم دوتان، يتحدث عن «الروح المعنوية العالية والإصرار على الانتصار»، ويكشف أمام الطاقم الإعلامي مخزن سلاح مليئاً بالأسلحة في مكتبة المدرسة، ومنصة إطلاق القذائف خارج أسوار المدرسة. ويقول إن قواته ستُصادر الأسلحة والذخيرة وتدمّر ما تبقّى.

الصحافي يشير إلى الشارع الذي جرى شقه من المنطقة الإسرائيلية إلى قلب غزة، ليسهل على القوات التنقل، وكثبان الرمال التي جرى تكويمها على طرفَي الشارع لتحمي القوات من كمائن القناصين من «حماس»، ويؤكد أن قواته اصطدمت بعناصر «حماس» الذين قُتلوا أو هَربوا، ويوصلونه إلى فوهة نفق لم يدخله الجنود حتى الآن، رغم مُضيّ أسبوعين على الاجتياح.

ويقول إنه جرى تدمير النفق بوسائل تكنولوجية، لكنهم أبقوا على الهوة لتكون شاهداً على أساليب عمل «حماس». ويسأله الصحافي: كيف تضمنون ألّا يُصاب مخطوفون إذا جرى وضعهم هنا، فيجيب: «المخطوفون كل الوقت في ذهننا، ومن مهماتنا الأساسية أن نعيدهم سالمين»، ولا يقول كيف. ثم يلتقي مجموعة جنود يغنّون أغنية عن المتعة في شرب الخمر، ويقترح عليهم أن يخاطبوا ذويهم، فتكون الرسالة واحدة: «نحبُّكم. عائدون إليكم منتصرين»، ثم يهتفون: «شعب إسرائيل حي قيوم، لن يقوى أحد على كسره».

جنود إسرائيليون يشاركون بالتوغل البري في قطاع غزة (أ.ب)

في قلب المعركة

نصيب «القناة 13» من جولات الإحاطة كان سيئاً بشكل خاص، فقد أرسلت طاقمين؛ الأول بقيادة معلِّق الشؤون العسكرية ألون بن دافيد، الذي وصل إلى الجبهة عندما كانت عناصر «حماس» قد أطلقت طائرة مسيّرة من النوع الذي يحمل متفجرات باتجاه تجمُّع الجنود، فأمر قائد القوة الإسرائيلية الجميع بالركض إلى مكان آمن، في حين قامت المضادات الجوية بإطلاق صاروخ تمكّن من تفجير الطائرة وهي في الجو، لكن الصحافي بن دافيد تعثّر وهو يهرب من المكان، فوقع وأُصيب بكسر في كف يده، واضطر إلى قطع الزيارة والتوجه للعلاج، وعاد إلى استوديو البث في القدس دون تقرير.

أما الفريق الثاني بقيادة المراسل العسكري أوري هيلر، فتمكّن من القيام بجولة، لكنه اضطر إلى قطعها في مرحلة معيّنة بسبب هجوم آخر من خلية مسلَّحين من «حماس» في حي العطاطرة، القريب من الحدود. وغادر القطاع سالماً. وقد انطلق إلى الجولة من قاعدة «زيكيم» العسكرية، المحاذية للحدود مع قطاع غزة، والتي كانت أول المواقع التي هاجمتها «حماس»، في السابع من أكتوبر.

ويصف هيلر آثار الدمار في «زيكيم»، وعلى الطريق، ثم داخل غزة. ويشير إلى جرافات «D9»، التي تجرف الطرقات، والآليات الأخرى التي تفرض الحصى، تمهيداً لدخول مزيد من القوات الإسرائيلية. وتعرض الكاميرا الخاصة به شعاراً يخاطب «حماس»: «لقد جاءت علقتكم مع الشعب الخطأ»، لكنه كُتب بالعبرية، مما يعني أنه موجَّه للجنود الإسرائيليين وليس للفلسطينيين.

فلسطينيون يدفنون ذويهم الذين قُتلوا في غارات إسرائيلية بمقبرة وسط قطاع غزة (رويترز)

«الأنفاق قبور جاهزة»

ويرافق هذا الصحافي في الجولة، المقدم عيران أرزي، ويُعرِّف به قائلاً: «إنه يعرف غزة كما تعرف كفّ يدك»، فقد كان في قلب القطاع في العملية الحربية التي جرت عام 2014، في خان يونس، وحظي بوسام الشجاعة على المعارك التي خاضها هناك، ويلتقيان مع المقدم أرئيل غونين، الذي قَدِم من منطقة نابلس، حيث يقود قوات تجتاح مخيم بلاطة وحي القصبة.

هيلر يُعدّ من الصحافيين المقرَّبين للجيش، وقلَّما يوجِّه الانتقادات له، فيترك للضباط حرية إلقاء خطابات وشعارات بلا قيود ولا اعتراض: «أنا سعيد بوجود هذه الأنفاق؛ فهي قبور جاهزة لا نحتاج إلى شقاء حفرها، كل ما علينا هو أن نغلقها ليبقوا فيها إلى الأبد. هذه الحرب التي نخوضها هي حرب النور مقابل الظلام، حرب الطيب مقابل الشرير».

لا يسأله إن كان النور هو ذلك الدمار الذي يشاهدونه من حولهم، وتشريد الناس وآثار الدماء الظاهرة على كل جدار وعلى المدارس المهدَّمة والمساجد والكنائس والنوادي والمستشفيات، كلُّ همِّه هو «كيف تضمن ألا تؤدي عملياتكم إلى إصابة أو مقتل مخطوفين؟»، ويكون الجواب: «أعتقد أن قادة حماس يحرصون على وضع المخطوفين في أكثر مكان آمن في غزة، فهذه الورقة الوحيدة التي بأيديهم ولن يفرِّطوا بها بهذه السهولة». وأضاف: «أنا لستُ ممن يستهترون بالعدو، إنهم أقوياء ومقاتلون أشدّاء... وهذا يجعلنا شديدي الحذر، لكننا أقوى وأَقدرُ منهم بكثير».

فلسطينيون وسط الدمار جراء القصف الإسرائيلي على غزة (إ.ب.أ)

القوات منقطعة عن العالم

مراسل صحيفة «معاريف»، موشيه كوهن، يبدأ تقريره بالإشارة إلى ذلك الجندي الذي بادره بالسؤال: «كيف هي الحال في البلاد؟»، فانتبه إلى أن القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة منقطعة عن العالم تقريباً، طيلة الشهر. فالجيش يصادر أجهزة الهاتف الخلوي، والذي يريد الاتصال بعائلته يفعل ذلك من خلال الهاتف الأحمر لدى قائد الفرقة أو السرية أو الكتيبة، لكنه ذكر كلمة البلاد، مما يعني أنه يدرك أنه الآن في منطقة محتلّة وليس في بلاده.

وكتب كوهن: «كلما تقدمنا بسيارة هامر العسكرية المصفّحة إلى قلب غزة عبر شارع الشاطئ، نجد أنفسنا أقرب إلى العمارات المدمَّرة». وأضاف: «هناك عمارة شاهقة لم تُهدم، يبدو أن الجيش تعمّد ذلك حتى يستخدمها مقرّاً لقيادته، إنه فندق فخم. اللوبي يُستخدم لنوم الجنود، إنهم لا يخاطرون. في حالة استنفار وتأهب دائمة، ويُجرون دوريات تفتيش بوتائر سريعة؛ حتى لا يتعرضوا لمفاجأة. كثرة عدد القوات تخلق الثقة بالأمن. غالبية السكان الغزيين هربوا، ولكن هذا لا يُطَمئن، ففي عدة مرات فاجأونا بهجمات منفردة، كل جندي يحمل على ظهره حمولة بزنة 35 كيلوغراماً، نصف وزنهم».

وتابع: «تقع انفجارات كثيرة، لكن مهمتنا الأساسية هي تدمير البنى التحتية لقوات حماس. كتيبة المدرّعات 532 التي يقودها المقدم عيران تُنفذ المهمة بمساعدة سلاح الجو. عيران متزوج، ولديه طفلة عمرها ثلاث سنوات، يشتاق كثيراً للعائلة، لكنه مؤمن بأنه يصنع مستقبلاً آمناً لابنته وللأجيال القادمة».

جندي إسرائيلي يوجه دبابة قرب حدود غزة (د.ب.أ)

العَلَم الإسرائيلي فوق أطلال البيوت

كوهن كان قد دخل، آخِر مرة، غزة في سنة 2005، عندما قامت القوات الإسرائيلية بإخلاء المستوطنين اليهود (8000 مستوطن)، بموجب قرار حكومة أرئيل شارون، الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. حضر الطقوس العسكرية لإنزال العَلَم الإسرائيلي في قاعدة نفي دكليم، ساعة غروب الشمس، حين كانت دموع الجنديات والجنود الإسرائيليين تنهمر.

ويقارن بين تلك الأيام وبين ما يجري اليوم، حيث العَلَم الإسرائيلي عاد ليرفرف لكن فوق الخرائب وأطلال البيوت، وحيث الجرافات تدمِّر ما تبقّى من عمارات، حتى يشق الطرق للقوات القادمة، وحيث دويُّ القصف يجلجل في السماء. ويخلص إلى القول: «الشيء الوحيد الذي بقي كما هو في غزة، هو أمواج البحر».

الأجواء التي يحاول الجيش إنشاءها، خصوصاً بكثرة الحديث عن النصر، تصطدم بأقوال أصحاب التجارب، الذين يعرفون أن هذه أقوال إعلامية تُستخدم في الحرب النفسية. والحرب النفسية لا تكون بالضرورة ضد العدو، بل قد تكون بالأساس للاستهلاك المحلي.

إحدى كاتبات المقالات الافتتاحية في «يديعوت أحرونوت»، سيما كدمون، تقول: «لعلّ الخطاب عن الانتصار ليس مصادفة، لعلّه توجد محاولة لدفعنا إلى نسيان ما سبق هذه الحرب؛ القصور الكبير، المذبحة الوحشية، اختطاف أكثر من 240 امرأة وطفلاً وشيخاً إلى داخل غزة. كيفما اتفق، يوجد إحساس بالحديث أقل فأقل عن الاستخبارات التي فوجئت تماماً، عن غياب الجيش على مدى ساعات طويلة، الحقيقة التي لا يمكن استيعابها في أنه على مدى نحو يومين انتقلت السيادة الإسرائيلية في بلدات إسرائيلية إلى أيدي حماس. كل هذا النقاش نجحوا كيفما اتفق في تأجيله إلى ما بعد الحرب».


مقالات ذات صلة

نجاح عملية معقّدة لفتاة فقدت جزءاً من جمجمتها في حرب غزة

المشرق العربي على اليمين صورة لمريم إبراهيم قبل الإصابة في الحرب... ويساراً صورة لها بعد الإصابة (وسائل إعلام محلية - إ.ب.أ)

نجاح عملية معقّدة لفتاة فقدت جزءاً من جمجمتها في حرب غزة

نجت فتاة من غزة كانت تعاني من إصابة في جمجمتها، جراء شظية إسرائيلية، بعد جراحة تمت لها في الأردن.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي 
«الهلال الأحمر السوري» يرعى تسليم موقوفين من أهالي السويداء (سانا)

السويداء: اعتقالات لإفشال تشكيل «تيار موازٍ» لزعامة الهجري

كشفت مصادر درزية مطلعة في مدينة السويداء، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن حملة الاعتقالات التي نفذها «الحرس الوطني» بحق نحو 10 أشخاص، جاءت بتهمة محاولتهم تنفيذ «انقلاب»

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية القوات الاسرائيلية في بيت بريف دمشق الجمعة الماضية (الجيش الإسرائيلي)

واشنطن تتدخل للتهدئة بين إسرائيل وسوريا وقد ترسل مبعوثين

واشنطن تطلب من إسرائيل التهدئة مع سوريا وترسل مبعوثين قريباً. التحقيقات مع المعتقلين من سوريا تشير إلى تورطهم مع «حماس» و«حزب الله» وإيران

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية عراقجي مصافحاً فيدان خلال استقباله في طهران (الخارجية التركية)

تركيا وإيران تؤكدان ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة

أكدت تركيا وإيران ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة ووقف التوسع الإسرائيلي الذي يهدف إلى زعزعة الاستقرار في كل من سوريا ولبنان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قذيفة إسرائيلية تظهر في بلدة بيت جن بجنوب سوريا بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في أعقاب عملية عسكرية (أ.ف.ب) play-circle

وزير الإعلام السوري: لا نستطيع مجاراة إسرائيل في استفزازاتها

قال وزير الإعلام السوري، الجمعة، إن سوريا ليست في موقع يسمح لها «بالذهاب إلى ما تريده إسرائيل من خلال استفزازاتها» مؤكدا أن الاستفزاز يتم عبر التوغلات العسكرية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

قائد «قسد» يؤكد الالتزام باتفاق 10 مارس مع الحكومة السورية

قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)
قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)
TT

قائد «قسد» يؤكد الالتزام باتفاق 10 مارس مع الحكومة السورية

قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)
قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)

أكد قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي اليوم (الأحد)، التزام القوات باتفاق 10 مارس (آذار)، بوصفه أساساً لبناء دولة سورية ديمقراطية لا مركزية، تتمتع بالحرية والعدالة والمساواة.

وأضاف عبدي عبر منصة «إكس» بمناسبة مرور عام على سقوط نظام الأسد، أن المرحلة الراهنة تفرض على الجميع مسؤولية مشتركة تضع مصلحة السوريين فوق كل اعتبار.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قالت في الشهر الماضي، إن لجنة عسكرية تابعة لها استقبلت وفداً من الحكومة السورية في مدينة الطبقة بمحافظة الرقة شمال سوريا.

وأكدت «قسد» في بيان، أنها قامت بتسليم عدد من المعتقلين من عناصر قوات الحكومة السورية الذين تم إلقاء القبض عليهم في أماكن مختلفة خلال الفترة الماضية، وذلك «في بادرة حسن نية».


خطة إعادة إعمار غزة إلى مزيد من الضغوط والغموض

TT

خطة إعادة إعمار غزة إلى مزيد من الضغوط والغموض

فلسطينيون يقفون يوم السبت أمام الأنقاض في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يقفون يوم السبت أمام الأنقاض في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب)

عاد الغموض ليكتنف مصير خطة إعادة إعمار غزة، وسط عقبات عديدة بشأن تعثر تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، مع حديث قطري على أنها «لن تمول ما دمره آخرون».

ذلك الموقف الذي لوّح به رئيس وزراء قطر وزير الخارجية، الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني، في جلسة بمنتدى الدوحة الأحد، ينضم إلى إشارات أخرى، منها عدم تحديد موعد جديد لانعقاد مؤتمر إعادة الإعمار، الذي كان مقرراً أن تستضيفه القاهرة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والإعلان عن خطط أميركية لتنفيذ جزئي للإعمار في رفح.

تلك التطورات يراها خبراء، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، خطوة لزيادة الضغوط على إسرائيل، لكنها تضفي مزيداً من الغموض بشأن مصير ذلك البند الرئيسي في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي أقرت اتفاقاً لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بين «حماس» وإسرائيل، في ظل تعثر الانتقال للمرحلة الثانية حالياً.

وقال رئيس وزراء قطر، في جلسة بمنتدى الدوحة، الأحد: «إننا سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، مؤكداً أن بقاء القوات الإسرائيلية داخل القطاع واستمرار الانتهاكات قد يؤديان إلى تصاعد النزاع مجدداً، خاصة أن المنطقة لا يمكن أن تبقى «رهينة لأجندة المتطرفين، التي تسعى للتطهير العرقي للفلسطينيين».

مسلحون ملثمون من حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية يبحثون عن جثث في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وأوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

وفي 25 نوفمبر الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر «لن ينعقد في موعده (نهاية نوفمبر) وسيتأجل». وأرجع ذلك إلى التصعيد الحالي بالقطاع، وسعي القاهرة إلى توفر ظروف وأوضاع أفضل على الأرض من أجل تحقيق أهدافه.

وفي نهاية نوفمبر الماضي، أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، أن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». وقال: «تتطلع مصر لعقد المؤتمر، بما يضمن تحقيق أكبر قدرة من الفاعلية والاستفادة»، وذلك في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وذلك وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار. ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

محاولات لفرض الشروط

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور، أنه مع تصاعد مساعي تنفيذ المرحلة الثانية، يحاول كل طرف أن يفرض شروطه، خاصة الجانب العربي الذي يطالب بمشاركة جادة بالإعمار، مشروطة بانسحاب إسرائيلي وألا يتكرر التدمير، مشيراً إلى أن إسرائيل تحاول أن تراوغ وتناور في تنفيذ الالتزامات التي يقرّها اتفاق غزة.

كذلك يرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن «الموقف القطري محاولة لمزيد من الضغوط لفرض موقفها أمام رفض إسرائيلي يتصاعد بشأن عدم مشاركة الدوحة في قوات الاستقرار بغزة. وبالتالي، فلا معنى لتمويل قطر شيئاً لن تشارك فيه، وقد تدمره إسرائيل مجدداً»، مشيراً إلى أن هذه الرسالة قد تقرأها واشنطن وتدفعها لممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لإنهاء تلك العقبات في ظل تلك المرحلة.

آثار الدمار في مدينة غزة نتيجة الحرب (أ.ب)

ورأى رئيس الوزراء القطري أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بمرحلة حرجة. وأضاف، خلال جلسة نقاش أخرى ضمن فعاليات «منتدى الدوحة» في قطر، السبت: «نحن الآن في اللحظة الحاسمة... لا يمكننا أن نعدّ أن هناك وقفاً لإطلاق النار، وقف إطلاق النار لا يكتمل إلا بانسحاب إسرائيلي كامل وعودة الاستقرار إلى غزة».

كما دعا وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت، إلى الإسراع في نشر قوة استقرار دولية نصّت عليها المرحلة الثانية من اتفاق السلام في قطاع غزة، لمراقبة وقف إطلاق النار.

وقال عبد العاطي، خلال منتدى الدوحة: «فيما يتعلق بقوة الاستقرار الدولية، فإننا بحاجة إلى نشر هذه القوة بأسرع وقت ممكن على الأرض؛ لأن أحد الأطراف - وهو إسرائيل - ينتهك وقف إطلاق النار يومياً... لذا نحن بحاجة إلى مراقبين».

ويتوقع أنور أن «العدّ التنازلي نحو المرحلة الثانية بدأ، وكل العقبات تتوالى، لكن الوسيطين المصري والقطري في المقابل يضغطان للدفع بتعجيلها»، مشيراً إلى أن واشنطن عليها دور كبير في إنهاء عراقيل إسرائيلية.

وأكّد الرقب أن الانتقال للمرحلة الثانية يواجه عقبات عديدة، وليست الأزمة في الإعمار فقط، مشيراً إلى أن قضايا تشكيل لجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار وغيرها تعيقها إسرائيل للاستمرار في القطاع واستكمال التدمير.


ماراثون دراجات سوري احتفالاً بالتحرير... «قسد» تمنع «التجمعات» وغزال لإضراب عام

شوارع دمشق القديمة مزينة بمنشورات تُحيي الذكرى السنوية الأولى لسقوط الأسد (د.ب.أ)
شوارع دمشق القديمة مزينة بمنشورات تُحيي الذكرى السنوية الأولى لسقوط الأسد (د.ب.أ)
TT

ماراثون دراجات سوري احتفالاً بالتحرير... «قسد» تمنع «التجمعات» وغزال لإضراب عام

شوارع دمشق القديمة مزينة بمنشورات تُحيي الذكرى السنوية الأولى لسقوط الأسد (د.ب.أ)
شوارع دمشق القديمة مزينة بمنشورات تُحيي الذكرى السنوية الأولى لسقوط الأسد (د.ب.أ)

تعيش العاصمة دمشق والمدن والبلدات السورية حيويةً استثنائيةً احتفالاً بالذكرى الأولى لإطاحة نظام بشار الأسد. ولأول مرة منذ تسلم «حزب البعث» السلطة في سوريا قبل أكثر من 6 عقود، تجتمع الجهات الرسمية وجهات أهلية وشعبية في احتفالات واحدة، سواء المنظَّم منها والعفوي، فيما دعا رئيس «المجلس العلوي»، الشيخ غزال غزال، العلويين إلى عدم المشاركة في الاحتفال والإضراب لمدة 5 أيام، كما منعت «الإدارة الذاتية» التجمعات في مناطقها؛ «خشية هجمات (داعش)».

من احتفالات «ساحة العباسيين» بدمشق (صفحة العباسيين - نبض العاصمة)

ومنذ أسبوع، تشهد الساحات السورية تجمعات يومية ومواكب سيارة تحتفي بـ«سوريا من دون الأسد»، وسط تأهب أمني استثنائي، استعداداً للحفل المركزي في العاصمة دمشق، الاثنين، الذي سيكون على مدار ساعات اليوم، بدءاً من صلاة الفجر، مع إطلاق تكبيرات النصر، ومواكب سيارات مع مكبرات صوت تعيد ترداد العبارات الأولى التي أطلقها السوريون إثر سقوط النظام. وتتواصل النشاطات حتى المساء بعد إلقاء الرئيس السوري خطاباً بالمناسبة.

سورية تتفقد مدفعاً رشاشاً في «المعرض العسكري للثورة السورية» بدمشق في سوريا يوم 6 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

هذا، وسُمع، الأحد، دوي انفجار في محيط فندق «فورسيزونز» وسط دمشق تبين أنه ناجم عن قنبلة صوتية؛ مما رفع حالة التأهب. وضمن استعدادها لتأمين التجمعات، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات مشددة بمنع إطلاق الرصاص ووضعه تحت طائلة المساءلة، ضمن حملة على مُعَرّفاتها الرسمية في شبكة الإنترنت، محذرة من المآسي التي قد يخلفها الاستخدام الطائش للسلاح.

بدورها، أصدرت محافظة دمشق قائمة توجيهات دعت فيها إلى منع إطلاق هتافات وشعارات طائفية، وعدم تمجيد الأشخاص، وإلى رفع الأعلام الوطنية، وإنشاد أغاني الثورة الجامعة لكل السوريين.

ماراثون يقطع المحافظات السورية على خط سير معركة «ردع العدوان» التي أسقطت نظام الأسد العام الماضي (سانا)

وفي إطار الاحتفالات التي تعمّ البلاد، من المنتظر وصول «مَسِير» أو ماراثون «درب التحرير» للدراجات الهوائية إلى دمشق، الاثنين، لتسليم الرئيس أحمد الشرع خوذة تعود لأول المقاتلين الذين قضوا في «ردع العدوان»، كانوا قد تسلّموها من محافظ إدلب محمد عبد الرحمن.

وانطلق «المَسير» من إدلب، مروراً بمحافظة حلب، يوم الجمعة، متتبعاً مسار عملية «ردع العدوان» التي أطاحت نظام الأسد خلال 11 يوماً؛ بدءاً من 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

ووصل المارثون السبت إلى حماة، والأحد إلى حمص، ومنها إلى دمشق الاثنين، ليقطع مسافة أكثر من 300 كيلومتراً.

ورغم سوء الأحوال الجوية التي تزامنت مع انطلاق المَسِير، فإن عشرات السوريين والسوريات شاركوا في إصرار على التعبير عن الفرح بالتحرير، وذلك بينما انهمك المحتفلون بمحافظة درعا في إعداد أكبر منسف «مليحي حوراني»؛ الأكلة الشعبية التي يتميزون بها، لتقديمها للمحتفلين يوم الاثنين في بصرى الشام جنوب درعا.

وتكتظ شوارع دمشق بالمحتفلين الذين يرفعون الأعلام الوطنية، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، ويلوحون بها في مواكب سيارة ينشدون لسوريا، إضافة إلى مواكب سيارة لشركات صناعية توزع الهدايا المغلفة بالعلم، بينما تصدح مكبرات الصوت بأغاني الثورة السورية.

وخلافاً لحالة الاحتفالات العامة، دعا رئيس «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى» في سوريا والمهجر، الشيخ غزال غزال، مساء السبت، إلى تنفيذ «إضراب عام وشامل خلال فترة الاحتفالات». وقال غزال، في بيان مصوّر: «تحت شعار الحرية يريدون الاحتفال بالإكراه، باستبدال (نظام ظالم بنظام أشد ظلماً)... اعتقلوا وقتلوا وذبحوا وخطفوا وحرقوا، والآن يهددون بلقمة العيش... ويجبروننا قسراً على المشاركة باحتفالات بُنيت على دمائنا وآلامنا وأوجاعنا... وتكميم أفواهنا». ولم يوضح غزال غزال كيف يُجبَرون على المشاركة في الاحتفالات، غير أنه قال مخاطباً أبناء الطائفة العلوية: «سنواجه اعتداءهم بردّ جماعي سلمي واضح يقيدهم ويذكرهم بقوة إرادتنا التي لا تُقهر».

يذكر أن غزال دعا الشهر الماضي إلى التظاهر ضد السلطة والتعبير عن رفض حالة الانفلات الأمني.

في مكان آخر، وضمن سياق الامتناع عن الاحتفالات، أصدرت «هيئة الداخلية» في «الإدارة الذاتية» بمناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، بياناً هنأت فيه «شعب شمال وشرق سوريا بمناسبة مرور عام على سقوط النظام البعثي، وكذلك شعب سوريا».

وقالت إنه «نظراً إلى الظروف الأمنية الراهنة، والمتمثلة في ازدياد نشاط خلايا مرتزقة (داعش) التي تحاول خلق الفتنة وضرب مكونات المجتمع، تُمنع إقامة أي تجمعات أو فعاليات جماهيرية أو اجتماعية في جميع مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، يومي 7 و8 من هذا الشهر». كما وُضع «إطلاق العيارات النارية والألعاب النارية تحت طائلة المساءلة القانونية».

في حماة بـ«ساحة العاصي» يوم الجمعة احتفالاً بالتحرير (فريق حماة الفوتوغرافي)

في الأثناء، تشهد غالبية المناطق السورية احتفالات وتجمعات شعبية منظمة وعفوية، ودعوات لإطلاق أنشطة تدعو إلى السلام وتوطيد دعائم السلم الأهلي. فبعد تجمع حاشد شهدته مدينة حماة في «ساحة العاصي»، الجمعة، بمشاركة مئات الآلاف، أطلق ناشطون دعوة للمشاركة في ماراثون «من أجل السلام»، الاثنين، تزامناً مع احتفالات السوريين بمرور عام على التحرير، وينطلق المسير من كنيسة السريان في مدينة حماة إلى كنيسة الروم الأرثوذكس، من ثم جولة إلى عدد من الجوامع التاريخية في المدينة التي تقع وسط سوريا.

وازدادت خلال الأيام الأخيرة حركة الآتين إلى البلاد. ويقول صلاح وادي، العامل في شركة نقل داخلية، إن «الازدحام عاد إلى مطار دمشق الدولي، وكل يوم هناك عائلات تصل وننقلها إلى المحافظات؛ إدلب وحلب وحماة وحمص»، لافتاً إلى أن «الطلب زاد على السيارات ذات الحجم المتوسط أكثر من الفانات والسيارات الصغيرة»، وأضاف: «هناك كثير من السوريين المغتربين الذين جاءوا للاحتفال بالتحرير».

واستعدت «الهيئة العامة للطيران المدني» في سوريا للاستقبال الآتين إلى سوريا خلال أيام الاحتفالات، بتجهيز وتزيين مطارَي دمشق وحلب الدوليين، كما أصدرت ختماً تذكارياً خاصاً بالمناسبة، يوضع على جوازات سفر الآتين عبر مطارَي دمشق وحلب، وقالت «الهيئة» في بيان لها إن «هذا الختم يأتي احتفاءً بمناسبة التحرير، ويعدّ اختيارياً وتذكارياً، حيث ستتم إضافته على الجواز بعد الموافقة الشخصية من المسافرين، إلى جانب الختم الرسمي الصادر عن إدارة الهجرة والجوازات» التي أوضحت أن «الختم التذكاري لا يُغني عن ختم الهجرة والجوازات. وهو تعبير عن الترحيب بالقادمين للمشاركة في احتفالات عيد التحرير».