هل تحولت مزادات الأعمال الفنية لعرض تلفزيوني لا بدّ من مشاهدته؟

الدُّور باتت تبث مزاداتها مباشرةً أمام أعين ملايين المشاهدين حول العالم

بدء التجهيزات بغرفة التحكم في «كريستيز» للعمل خلال ليالي المزادات (كريستيز)
بدء التجهيزات بغرفة التحكم في «كريستيز» للعمل خلال ليالي المزادات (كريستيز)
TT

هل تحولت مزادات الأعمال الفنية لعرض تلفزيوني لا بدّ من مشاهدته؟

بدء التجهيزات بغرفة التحكم في «كريستيز» للعمل خلال ليالي المزادات (كريستيز)
بدء التجهيزات بغرفة التحكم في «كريستيز» للعمل خلال ليالي المزادات (كريستيز)

تستعد دار «سوذبيز» ودار «كريستيز» لإطلاق مجموعة من المزادات الكبرى في نيويورك، تُعنى بأعمال فنية تنتمي إلى مدارس الانطباعية والحداثة والمعاصرة. ومن المتوقع أن تجلب خلال هذه المزادات إحدى لوحات بابلو بيكاسو، التي أبدعها عام 1932، أكثر من 120 مليون دولار. وفي خضم ذلك، تُجري فرق من الخبراء الفنيين والمنتجين والمخرجين استعداداته داخل صالات البيع، كما لو كانوا من أفراد فريق عمل محطة «سي إن إن».

وحرص أفراد هذه الفرق على توفير مساحات أكبر لكاميرات الفيديو، وشاشات «ليد»، ومعدات الإضاءة المتخصصة، وذلك من خلال تقليص المساحة التي لطالما كانت قيمة للغاية ومخصَّصة لجلوس هواة جمع الأعمال الفنية والتجار المهتمين بها، وذلك بنسبة تقارب 30 في المائة.

رئيس مجلس إدارة «سوذبيز» يشرف على مزاد فريدي ميركوري (سوذبيز)

وكما هي الحال داخل أي محطة تلفزيونية، أضافت كل من «سوذبيز» و«كريستيز» غرف تحكّم تعجّ بمنتجين ومخرجين يراقبون كل زاوية للكاميرا، ويتابعون ما يجري داخل صالة البيع. ولا يتركز اهتمامهم على المشاركين بالمزاد فحسب، بل على الخبراء الممثلين للمشاركين في المزاد عبر الهاتف، والذين يقودون الدراما الدائرة داخل صالة البيع، ويقدمون المشورة لعملائهم من لندن إلى هونغ كونغ إلى الدوحة.

وعن ذلك، قالت غيليان غورمان راوند، مسؤولة التسويق في دار «كريستيز»، إن عمليات البث المباشر تلك بإمكانها «التقاط الطاقة الكامنة في اللحظة».

ومع ذلك، لا تصب هذه الاستعدادات الهائلة في صالح عالم الفن وكبار العملاء، فاليوم، أصبحت دور المزادات تبث مزاداتها مباشرةً أمام أعين ملايين المشاهدين في مختلف أرجاء العالم. كما تُبثّ وقائع المزادات مباشرةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها «يوتيوب»، و«تيك توك»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام لايف»، إلى جانب المواقع الإلكترونية الخاصة بالدور نفسها. ويجد المشاهدون العاديون أنفسهم مصدومين من كيفية إنفاق صفوة الـ1 في المائة من المجتمع العالمي لأموالهم.

اللافت أن الأسلوب الذي بدأ كطريقة لممارسة الأعمال التجارية في أثناء فترة الجائحة، تحوّل اليوم إلى فقرة ترفيه مسائية يستمتع بها المتلصصون الجدد خلال المواسم الكبرى لمبيعات دور المزادات في مايو (أيار) ونوفمبر (تشرين الثاني).

أوليفر باركر بائع مزادات «سوذبيز» يتلقى عروضاً خلال مزاد لـ«مجموعة إميلي فيشر لانداو»... (أ.ف.ب)

من جهته، قال أدريان ماير، رئيس قسم المبيعات الخاصة لدى «كريستيز»، وأحد كبار التجار في مزادات الدار: «قبل 20 عاماً، ساد اعتقاد بين الناس أنه يجب عليك أن تكون أحد أفراد النخبة كي تتمكن من مجرد المرور عبر باب دار المزادات. الآن، تمكنك مشاهدة عملية بيع وأنت جالس على أريكتك».

ومع أن الكثير من المشترين ما زالوا يحضرون عمليات البيع -ويراقب بعضهم من خلال صناديق مرتفعة مريحة أعلى صالة المزاد- فإن المشاهدة عبر الإنترنت تجذب الأشخاص الذين لا يريدون ببساطة الجلوس في غرفة المبيعات لمدة 3 ساعات، وهي المدة المعتادة لأي مزاد كبير.

واعترفت كل من «كريستيز» و«سوذبيز» بأن عدداً أقل من كبار هواة جمع الأعمال الفنية يفدون إلى المزادات، مفضلين مشاهدة أبرز الأحداث عبر الإنترنت في المنزل. وقالت ساندي هيلر، المستشارة الفنية المخضرمة التي ساعدت في تكوين بعض المجموعات الكبرى في العالم: «هذا هو عصر التكتم. وما هو الأمر الأكثر تكتماً من أن تتابع عملية بيع وأنت في منزلك عبر شاشة هاتفك؟».

حتى أحد رواد المزادات المخضرمين، ستيفن كوهين، الملياردير الذي يعمل في مجال صناديق التحوط ومالك «ميتس»، قال: «بالتأكيد القدرة على مشاهدة هذه المبيعات عبر الإنترنت تجعل الحياة أسهل».

وعبّر تشارلز ستيوارت، الرئيس التنفيذي لدار «سوذبيز»، عن اعتقاده أن دور المزادات عززت مبيعاتها عبر البث المباشر خلال فترة الإغلاق بسبب الجائحة عام 2020، عندما لم يتمكن الناس من رؤية الأعمال الفنية أو الذهاب إلى المزاد. لقد كانت لحظة مهمة طال انتظارها بالنسبة لنا من أجل التوسع رقمياً، وإعادة التفكير في تجربة المزادات الفعلية».

جدير بالذكر أن أول مزاد نظمته «كريستيز» وبُثّ على الهواء مباشرة خلال الجائحة، جذب نحو 100.000 شخص، طبقاً لما أعلنته الدار. وتحدث مارك بورتر، رئيس عمليات «كريستيز» بالأميركتين، عن المزاد الذي جرى في يوليو (تموز) 2020، وتضمن أعمالاً فنية تنتمي للمدارس الانطباعية والحديثة وما بعد الحرب والمعاصرة. وأوضح أن الإنتاج كان بسيطاً، وجرى التصوير باستخدام كاميرا واحدة فقط. إلا أنه استطرد بأن هذا المزاد ساعد على «إطلاق ما أصبح الآن أشبه بعرض في برودواي».

موظفو «سوذبيز» يتلقون مزايدات عبر الهاتف (أ.ف.ب)

ومنذ ذلك الحين، استعانت دور المزادات الثلاث الكبرى (كريستيز، سوذبيز وفيليبس) بشركات إنتاج، وأضافت المزيد من القنوات، وحوّلت هذه الأحداث إلى ما سمّاه ستيوارت «عملاً تلفزيونياً تجب مشاهدته»، مستعيراً الشعار الإعلاني الشهير الخاص بشبكة «إن بي سي». ورغم أن «فيليبس»، دار المزادات الأصغر، لم تقلّص قاعات مبيعاتها، فإنها حرصت في الوقت نفسه على إتاحة مزاداتها الكبيرة عبر «يوتيوب»، و«فيسبوك»، و«تويتر»، و«إنستغرام»، و«لينكد إن»، علاوة على إتاحتها داخل الصين عبر «وي تشات» و«ويبو» و«ريد».

وجاء الاستقبال العالمي المرحِّب بمثابة مفاجأة للخبراء في كل مكان. ومن مايو 2022 حتى مايو الماضي، ارتفعت مشاهدات مزادات «كريستيز» بنسبة 25 في المائة، من 3.7 مليون إلى 4.6 مليون، مع وجود 10 كاميرات تتولى تصوير وقائع المزادات. (لا تشمل هذه الأرقام الأشخاص الذين يشاهدون المزادات في وقت لاحق عبر «يوتيوب»). من ناحيتها، قالت بوني برينان، رئيسة «كريستيز» في الأميركتين: «لم نتوقع هذه الأرقام قط، وهي تعكس قوة وسائل التواصل الاجتماعي».

ومع وجود مثل هذا العدد الكبير من الجماهير والكثير من الأمور على المحكّ، فإن بائعي مزادات «سوذبيز» أصبحوا حريصين اليوم على تقليص أي أحاديث لهم من دون ترتيب مسبق. في الوقت نفسه، يتولى فريقُ تحريرٍ كتابةَ نصوص المبيعات الكبرى مع وصف موجز لكل عمل فني معروض عبر جهاز ملقّن.

قال أوليفر باركر، رئيس دار «سوذبيز» في أوروبا وأحد أبرز التجار بها، الذي يقدم الآن عروضاً ليس فقط من داخل صالات المبيعات ومع المزايدين عبر الهاتف، بل كذلك عبر الإنترنت، ما يجعل العملية أكثر سهولة بكثير: «إن التحدث باستخدام الملقن يجعل الأمر أكثر سلاسة واحترافية، وكذلك أكثر تحدياً من ذي قبل».

يُذكر أن البائعين في مزادات «كريستيز» يجابهون التعقيدات نفسها، لكنهم يستخدمون الملقن للإعلان عن بيانات تخص صالة المبيعات، وليس بالمزادات الفعلية.

وتوفر دور المزادات خبراء في تصفيف الشعر والمكياج للبائعين في المزادات والمتعاونين مع المشاركين في المزادات عبر الهاتف. عن هذا، قالت غورمان راوند: «أشدّد على الخبراء بضرورة ألا يَظهروا بوجوه عابسة أو يأتوا بأي سلوك سيئ».

ومثلما هي الحال لدى البرامج التلفزيونية، فلدى «سوذبيز» أيضاً معلنون. ويمكن رؤية عبارة «بالتعاون مع سامسونغ» داخل صالة مزادات «سوذبيز»، وعبر مواقعها الإلكترونية وفي مقاطع الفيديو الترويجية. وتلتزم شركة الإلكترونيات العملاقة دفع مبلغ مالي ثابت لا تكشف عنه، نظير ذلك.

وفي سياق متصل، أوضحت دار «كريستيز» أنها لا تملك النوع نفسه من الإعلانات، ولكن خلال فترة الجائحة ارتدى البائعون الذكور لديها بدلات «بريوني»، بينما ارتدت السيدات ملابس من «ألكسندر ماكوين». ويتبع «بريوني» و«ألكسندر ماكوين»، مؤسسة «كيرينغ»، وهي بدورها جزء من مجموعة «أرتيميس غروب»، الشركة القابضة المالكة لدار «كريستيز».

ومثلما الحال مع مباريات كرة القدم، تزداد حفلات المزاد شعبية يوماً بعد آخر، وأصبحت محط حديث مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي تحوّل البائعون في المزادات إلى نجوم عبر هذه الشبكات.

* خدمة: «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

يوميات الشرق رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الخيال أكبر دائماً من المقاييس (ديفيد أ. ليندون)

أصغر تمثال في التاريخ... فنان بريطاني يصنع عملاً بحجم خلية دم

قال فنان متخصّص في الأعمال الميكروسكوبية إنه حطَّم رقمه القياسي العالمي السابق بعد ابتكار أصغر تمثال مصنوع يدوياً في التاريخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق روائح تحكُم قرارات الحياة والموت في عالم الحشرات (غيتي)

النمل يطلب موته بإرادته... اكتشاف رائحة «تعالوا واقتلوني» داخل المستعمرة

أكد علماء أنّ النمل الصغير المريض يُطلق رائحة معيّنة تستدعي النمل العامل للقضاء عليه من أجل حماية المستعمرة من العدوى...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق هناك بعض الخطوات الفعالة التي قد تساعدك في الحفاظ على يقظتك وتركيزك خلال الاجتماعات (أرشيفية - رويترز)

هل تجد صعوبة في البقاء يقظاً خلال اجتماعات؟ إليك الحل

هناك بعض الخطوات الفعالة التي قد تساعدك في الحفاظ على يقظتك وتركيزك، حتى في أطول الاجتماعات وأكثرها مللاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.


«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».


معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا. فتبرز خصوصيته في قطعٍ مشغولة بتأنٍ، تشبه بتركيبتها لوحاتٍ تشكيلية مطرّزة بزجاج المورانو وأحجار الـ«سواروفسكي» البلّورية، فتصنع لغةَ أناقةٍ راقية بابتكاراتها، تبدأ منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً حتى يومنا هذا.

بعض المجوهرات الطريفة التي تلوّن معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

يحطّ هذا المعرض رحاله في بيروت بعد جولات ناجحة في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يقدم رحلة ثقافية فريدة من نوعها، تجمع بين روعة التصميم الإيطالي وإبداعه في عالم المجوهرات عبر التاريخ الحديث. ويقام المعرض برعاية السفارة الإيطالية، بتنظيم من المعهد الثقافي الإيطالي ونادي اليخوت في بيروت.

ومع عرض نحو 200 قطعة مصنوعة يدوياً، يستعرض الزائر سبعين عاماً من المهارة الحرفية الإيطالية. وتشرف على تنسيق المعرض ألبا كابيلييري، أستاذة تصميم المجوهرات في معهد البوليتكنيكو في ميلانو، ومديرة متحف «فيتشنزا» للمجوهرات في إيطاليا.

صُمّم المشروع على شكل معرض متنقّل يزور السفارات والمعاهد الثقافية الإيطالية حول العالم. ويسلّط الضوء على أبرز نماذج هذه الحرفة اليدوية. وتأتي القطع من توقيع أبرز مصممي دور الأزياء الكبرى، الذين يختبرون مواد وتقنيات جديدة، ما يجعل المعرض تجربة تجمع بين الإبداع والتقنية والابتكار.

ويرى رئيس المعهد الثقافي الإيطالي في بيروت، الدكتور أنجلو جووي، أن العاصمة اللبنانية تشكّل محطة بالغة الأهمية لهذا الحدث، إذ يلتقي بإرثها الحرفي المتأثر بتبادل الثقافات. وبذلك، يصبح حضور المعرض في بيروت خاتمة رمزية لمسيرته، ما يمنحه سياقاً غنياً للاحتفاء بالإبداع والمهارة والتصميم.

أطواق مصنوعة من البلاستيك والجلد في أحد أركان معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

ويشير جووي إلى أن المعرض يقدّم تصاميم المجوهرات بعيداً عن قيمة المعادن والأحجار الكريمة. مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» «أنه ينقل تطور صناعة المجوهرات منذ الخمسينات حتى اليوم. ويعرّفنا على أناقة مختلفة برموزها وأبعادها. فمعظم التصاميم تواكب المرأة العملية. وهناك قسم خاص في أحد أركان المعرض يحمل عنوان (الألفية الجديدة). وتتضمن المجوهرات البديلة المعاصرة. وهي منفذة بأدوات تفاجئ مشاهدها، فترتكز على مواد بلاستيكية ومعدنية وأخرى تدخلها مادة الجلد».

المعرض يقوم برحلته الأخيرة في لبنان قبل أن يعود إلى موطنه الأم إيطاليا. «هناك سيتم إعادة هذه المجوهرات لأصحابها من دور أزياء». ويتابع أنجلو جووي: «إن منسقة المعرض ألبا كابيلييري رغبت في أن تلفت نظر هواة المجوهرات إلى أسلوب فني متقدّم، لا يرتكز على الماس والذهب والأحجار الكريمة والمعادن المشهورة، ولكن على حرفية متوارثة تقوم على أسماء عائلات اشتهرت في هذا المجال، فتم ارتداؤها من قبل الناس على اختلافهم، وفي عروض أزياء كبيرة. ففي هذه الأخيرة عادة ما يبتعد منظموها عن استخدام المعادن الثمينة».

تكمل جولتك في المعرض لتطالعك قطع مجوهرات برّاقة، أساور، وأقراط، وعقود وغيرها. ومن بينها موقّع من قبل دور الأزياء الإيطالية المعروفة عالمياً. فتحضر دار «فيرساتشي» كما «غوتشي» و«فالنتينو» وغيرها.

بدأت جولات هذا المعرض في العالم منذ نحو 5 سنوات. وتكمن أهميته في إبرازه تطور هذه الحرفة من خلال مجوهرات معاصرة. وتعدّ ثمينة بفضل إرثها التاريخي الغني.

مائتا قطعةِ مجوهرات تتوزّع على المعرض في نادي اليخوت وسط بيروت. وتمثّل المرآة الجمالية للمجتمع، من «دولتشي فيتا» في خمسينات القرن الماضي إلى أزياء الـ«بريت-آ-بورتيه» في ثمانيناته، وصولاً إلى البساطة في تسعيناته ضمن تكنولوجيا الموضة في الألفية الجديدة. وتُظهر تحوّل الأنماط والعادات، وطموحات النساء وإنجازاتهن، وتطوّر الأشكال والمواد، وتقنيات الإنتاج الجديدة. ويحتضن المعرض الأطواق المؤلّفة من طبقات عدّة، والأساور المنحوتة، وقطعاً مرحةً تترك البسمة عند ناظرها.

يتناول «ديفا» تاريخ حرفة صناعة المجوهرات الايطالية الحديثة (الشرق الأوسط)

وتحمل بعضها اللمحة الشرقية من خلال تقنية الـ«فيلي غرانا»، القائمة تصاميمُها على تجديلاتٍ دقيقة أو على تطعيم القطعة بالزجاج المنفوخ. وهو ما يجسّده تاجٌ ذهبي من توقيع «دولتشي أند غابانا» نلحظه في المعرض. ويذكر رئيس المعهد الثقافي الإيطالي جووي أن نقاط التشابه هذه ولّدت مساحة التقاء بين المعرض ومنطقة الشرق الأوسط.

وعن سبب تسمية الحدث بـ«الديفا» يشرح لـ«الشرق الأوسط»: «إنها إشارة إلى إمكانية أن تتحوّل كلّ امرأة إلى نجمة من خلال أسلوبها في انتقاء المجوهرات والأزياء. فليس من الضروري أن تشعر بذلك من خلال ارتداء الجواهر الثمينة فقط. فيحضر عندها الإحساس بهذا البريق ما دامت منسجمةً مع ما ترتديه، سواء أكان ثميناً أم بسيطاً».