هل تحولت مزادات الأعمال الفنية لعرض تلفزيوني لا بدّ من مشاهدته؟

الدُّور باتت تبث مزاداتها مباشرةً أمام أعين ملايين المشاهدين حول العالم

بدء التجهيزات بغرفة التحكم في «كريستيز» للعمل خلال ليالي المزادات (كريستيز)
بدء التجهيزات بغرفة التحكم في «كريستيز» للعمل خلال ليالي المزادات (كريستيز)
TT

هل تحولت مزادات الأعمال الفنية لعرض تلفزيوني لا بدّ من مشاهدته؟

بدء التجهيزات بغرفة التحكم في «كريستيز» للعمل خلال ليالي المزادات (كريستيز)
بدء التجهيزات بغرفة التحكم في «كريستيز» للعمل خلال ليالي المزادات (كريستيز)

تستعد دار «سوذبيز» ودار «كريستيز» لإطلاق مجموعة من المزادات الكبرى في نيويورك، تُعنى بأعمال فنية تنتمي إلى مدارس الانطباعية والحداثة والمعاصرة. ومن المتوقع أن تجلب خلال هذه المزادات إحدى لوحات بابلو بيكاسو، التي أبدعها عام 1932، أكثر من 120 مليون دولار. وفي خضم ذلك، تُجري فرق من الخبراء الفنيين والمنتجين والمخرجين استعداداته داخل صالات البيع، كما لو كانوا من أفراد فريق عمل محطة «سي إن إن».

وحرص أفراد هذه الفرق على توفير مساحات أكبر لكاميرات الفيديو، وشاشات «ليد»، ومعدات الإضاءة المتخصصة، وذلك من خلال تقليص المساحة التي لطالما كانت قيمة للغاية ومخصَّصة لجلوس هواة جمع الأعمال الفنية والتجار المهتمين بها، وذلك بنسبة تقارب 30 في المائة.

رئيس مجلس إدارة «سوذبيز» يشرف على مزاد فريدي ميركوري (سوذبيز)

وكما هي الحال داخل أي محطة تلفزيونية، أضافت كل من «سوذبيز» و«كريستيز» غرف تحكّم تعجّ بمنتجين ومخرجين يراقبون كل زاوية للكاميرا، ويتابعون ما يجري داخل صالة البيع. ولا يتركز اهتمامهم على المشاركين بالمزاد فحسب، بل على الخبراء الممثلين للمشاركين في المزاد عبر الهاتف، والذين يقودون الدراما الدائرة داخل صالة البيع، ويقدمون المشورة لعملائهم من لندن إلى هونغ كونغ إلى الدوحة.

وعن ذلك، قالت غيليان غورمان راوند، مسؤولة التسويق في دار «كريستيز»، إن عمليات البث المباشر تلك بإمكانها «التقاط الطاقة الكامنة في اللحظة».

ومع ذلك، لا تصب هذه الاستعدادات الهائلة في صالح عالم الفن وكبار العملاء، فاليوم، أصبحت دور المزادات تبث مزاداتها مباشرةً أمام أعين ملايين المشاهدين في مختلف أرجاء العالم. كما تُبثّ وقائع المزادات مباشرةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها «يوتيوب»، و«تيك توك»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام لايف»، إلى جانب المواقع الإلكترونية الخاصة بالدور نفسها. ويجد المشاهدون العاديون أنفسهم مصدومين من كيفية إنفاق صفوة الـ1 في المائة من المجتمع العالمي لأموالهم.

اللافت أن الأسلوب الذي بدأ كطريقة لممارسة الأعمال التجارية في أثناء فترة الجائحة، تحوّل اليوم إلى فقرة ترفيه مسائية يستمتع بها المتلصصون الجدد خلال المواسم الكبرى لمبيعات دور المزادات في مايو (أيار) ونوفمبر (تشرين الثاني).

أوليفر باركر بائع مزادات «سوذبيز» يتلقى عروضاً خلال مزاد لـ«مجموعة إميلي فيشر لانداو»... (أ.ف.ب)

من جهته، قال أدريان ماير، رئيس قسم المبيعات الخاصة لدى «كريستيز»، وأحد كبار التجار في مزادات الدار: «قبل 20 عاماً، ساد اعتقاد بين الناس أنه يجب عليك أن تكون أحد أفراد النخبة كي تتمكن من مجرد المرور عبر باب دار المزادات. الآن، تمكنك مشاهدة عملية بيع وأنت جالس على أريكتك».

ومع أن الكثير من المشترين ما زالوا يحضرون عمليات البيع -ويراقب بعضهم من خلال صناديق مرتفعة مريحة أعلى صالة المزاد- فإن المشاهدة عبر الإنترنت تجذب الأشخاص الذين لا يريدون ببساطة الجلوس في غرفة المبيعات لمدة 3 ساعات، وهي المدة المعتادة لأي مزاد كبير.

واعترفت كل من «كريستيز» و«سوذبيز» بأن عدداً أقل من كبار هواة جمع الأعمال الفنية يفدون إلى المزادات، مفضلين مشاهدة أبرز الأحداث عبر الإنترنت في المنزل. وقالت ساندي هيلر، المستشارة الفنية المخضرمة التي ساعدت في تكوين بعض المجموعات الكبرى في العالم: «هذا هو عصر التكتم. وما هو الأمر الأكثر تكتماً من أن تتابع عملية بيع وأنت في منزلك عبر شاشة هاتفك؟».

حتى أحد رواد المزادات المخضرمين، ستيفن كوهين، الملياردير الذي يعمل في مجال صناديق التحوط ومالك «ميتس»، قال: «بالتأكيد القدرة على مشاهدة هذه المبيعات عبر الإنترنت تجعل الحياة أسهل».

وعبّر تشارلز ستيوارت، الرئيس التنفيذي لدار «سوذبيز»، عن اعتقاده أن دور المزادات عززت مبيعاتها عبر البث المباشر خلال فترة الإغلاق بسبب الجائحة عام 2020، عندما لم يتمكن الناس من رؤية الأعمال الفنية أو الذهاب إلى المزاد. لقد كانت لحظة مهمة طال انتظارها بالنسبة لنا من أجل التوسع رقمياً، وإعادة التفكير في تجربة المزادات الفعلية».

جدير بالذكر أن أول مزاد نظمته «كريستيز» وبُثّ على الهواء مباشرة خلال الجائحة، جذب نحو 100.000 شخص، طبقاً لما أعلنته الدار. وتحدث مارك بورتر، رئيس عمليات «كريستيز» بالأميركتين، عن المزاد الذي جرى في يوليو (تموز) 2020، وتضمن أعمالاً فنية تنتمي للمدارس الانطباعية والحديثة وما بعد الحرب والمعاصرة. وأوضح أن الإنتاج كان بسيطاً، وجرى التصوير باستخدام كاميرا واحدة فقط. إلا أنه استطرد بأن هذا المزاد ساعد على «إطلاق ما أصبح الآن أشبه بعرض في برودواي».

موظفو «سوذبيز» يتلقون مزايدات عبر الهاتف (أ.ف.ب)

ومنذ ذلك الحين، استعانت دور المزادات الثلاث الكبرى (كريستيز، سوذبيز وفيليبس) بشركات إنتاج، وأضافت المزيد من القنوات، وحوّلت هذه الأحداث إلى ما سمّاه ستيوارت «عملاً تلفزيونياً تجب مشاهدته»، مستعيراً الشعار الإعلاني الشهير الخاص بشبكة «إن بي سي». ورغم أن «فيليبس»، دار المزادات الأصغر، لم تقلّص قاعات مبيعاتها، فإنها حرصت في الوقت نفسه على إتاحة مزاداتها الكبيرة عبر «يوتيوب»، و«فيسبوك»، و«تويتر»، و«إنستغرام»، و«لينكد إن»، علاوة على إتاحتها داخل الصين عبر «وي تشات» و«ويبو» و«ريد».

وجاء الاستقبال العالمي المرحِّب بمثابة مفاجأة للخبراء في كل مكان. ومن مايو 2022 حتى مايو الماضي، ارتفعت مشاهدات مزادات «كريستيز» بنسبة 25 في المائة، من 3.7 مليون إلى 4.6 مليون، مع وجود 10 كاميرات تتولى تصوير وقائع المزادات. (لا تشمل هذه الأرقام الأشخاص الذين يشاهدون المزادات في وقت لاحق عبر «يوتيوب»). من ناحيتها، قالت بوني برينان، رئيسة «كريستيز» في الأميركتين: «لم نتوقع هذه الأرقام قط، وهي تعكس قوة وسائل التواصل الاجتماعي».

ومع وجود مثل هذا العدد الكبير من الجماهير والكثير من الأمور على المحكّ، فإن بائعي مزادات «سوذبيز» أصبحوا حريصين اليوم على تقليص أي أحاديث لهم من دون ترتيب مسبق. في الوقت نفسه، يتولى فريقُ تحريرٍ كتابةَ نصوص المبيعات الكبرى مع وصف موجز لكل عمل فني معروض عبر جهاز ملقّن.

قال أوليفر باركر، رئيس دار «سوذبيز» في أوروبا وأحد أبرز التجار بها، الذي يقدم الآن عروضاً ليس فقط من داخل صالات المبيعات ومع المزايدين عبر الهاتف، بل كذلك عبر الإنترنت، ما يجعل العملية أكثر سهولة بكثير: «إن التحدث باستخدام الملقن يجعل الأمر أكثر سلاسة واحترافية، وكذلك أكثر تحدياً من ذي قبل».

يُذكر أن البائعين في مزادات «كريستيز» يجابهون التعقيدات نفسها، لكنهم يستخدمون الملقن للإعلان عن بيانات تخص صالة المبيعات، وليس بالمزادات الفعلية.

وتوفر دور المزادات خبراء في تصفيف الشعر والمكياج للبائعين في المزادات والمتعاونين مع المشاركين في المزادات عبر الهاتف. عن هذا، قالت غورمان راوند: «أشدّد على الخبراء بضرورة ألا يَظهروا بوجوه عابسة أو يأتوا بأي سلوك سيئ».

ومثلما هي الحال لدى البرامج التلفزيونية، فلدى «سوذبيز» أيضاً معلنون. ويمكن رؤية عبارة «بالتعاون مع سامسونغ» داخل صالة مزادات «سوذبيز»، وعبر مواقعها الإلكترونية وفي مقاطع الفيديو الترويجية. وتلتزم شركة الإلكترونيات العملاقة دفع مبلغ مالي ثابت لا تكشف عنه، نظير ذلك.

وفي سياق متصل، أوضحت دار «كريستيز» أنها لا تملك النوع نفسه من الإعلانات، ولكن خلال فترة الجائحة ارتدى البائعون الذكور لديها بدلات «بريوني»، بينما ارتدت السيدات ملابس من «ألكسندر ماكوين». ويتبع «بريوني» و«ألكسندر ماكوين»، مؤسسة «كيرينغ»، وهي بدورها جزء من مجموعة «أرتيميس غروب»، الشركة القابضة المالكة لدار «كريستيز».

ومثلما الحال مع مباريات كرة القدم، تزداد حفلات المزاد شعبية يوماً بعد آخر، وأصبحت محط حديث مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي تحوّل البائعون في المزادات إلى نجوم عبر هذه الشبكات.

* خدمة: «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

لماذا يزداد شعورنا بالقلق ليلاً؟

صحتك من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً (رويترز)

لماذا يزداد شعورنا بالقلق ليلاً؟

من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً بمجرد غروب الشمس، في ظاهرة أطلقت عليها دراسة أجريت في عام 2022، اسم «فرضية العقل بعد منتصف الليل».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق «سانتا كلوز» يغادر للتو نيفيلسك في جزيرة سخالين (نوراد)

«سانتا كلوز» يوزع هداياه بمنطقة المحيط الهادئ في أقل من 24 ساعة

بدأ «سانتا كلوز» رحلته حول العالم، مع مليارات المحطات التي يجب عليه التوقف بها في غضون أقل من 24 ساعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق قضاء الكثير من الوقت في تصفح الإنترنت من أهم العادات التي تؤثر سلباً على نجاحنا (رويترز)

5 عادات سيئة تمنعك من تحقيق أهدافك

لدينا جميعاً بعض العادات السيئة التي يصعب التخلص منها، والتي تترك تأثيراً سلبياً عميقاً على قدرتنا على تحقيق أهدافنا والتمتع بحياة ذات مغزى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق وسام حنا يواكب مشاهدي «إل بي سي آي»

محطات التلفزة تستعد لأيام الأعياد ببرامج خاصة

بعض المحطات خلط أوراقه من جديد وانطلق بأفكارٍ تنشر الأجواء الإيجابية أيام الأعياد، وغيرها اكتفى ببرمجة خجولة من باب إثبات وجودها في المناسبة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الصفات التي تجعل البالغين ناجحين مالياً تبدأ في مرحلة الطفولة (رويترز)

طفولتك تتحكم في نجاحك المادي بالمستقبل

تبدأ الصفات التي تجعل البالغين ناجحين مالياً في مرحلة الطفولة، وفقاً لأحدث النتائج التي توصلت إليها دراسة بدأت قبل 52 عاماً.

«الشرق الأوسط» (ويلينغتون)

عبد الله السدحان: الإنتاج متعب... وأركز على التمثيل

السدحان يعرب عن سعادته الكبيرة بفيلم «ليل نهار» (إدارة مهرجان البحر الأحمر)
السدحان يعرب عن سعادته الكبيرة بفيلم «ليل نهار» (إدارة مهرجان البحر الأحمر)
TT

عبد الله السدحان: الإنتاج متعب... وأركز على التمثيل

السدحان يعرب عن سعادته الكبيرة بفيلم «ليل نهار» (إدارة مهرجان البحر الأحمر)
السدحان يعرب عن سعادته الكبيرة بفيلم «ليل نهار» (إدارة مهرجان البحر الأحمر)

أفاد الفنان السعودي عبد الله السدحان، بأنه ترك الإنتاج «لأنه متعب» وأنه بات يركز على التمثيل فقط. ولفت إلى أن مشاركته في الدراما الرمضانية لعام 2025 لم تحسم بعد.

وحول سبب ابتعاده عن الإنتاج، قال السدحان لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحت غير قادر على ملاحقة القنوات، ومتابعة عمليات بيع وشراء الأعمال، كما أن هناك أموراً تدور في الخفاء (...) لذلك فضلت أن أكون ممثلاً فقط، وابتعدت عن أي ضغوط إنتاجية تصيبني بالتعب».

وأوضح السدحان أن فيلمه «ليل نهار» الذي عُرض للمرة الأولى في «مهرجان البحر الأحمر» السينمائي الدولي في دورته الماضية، أدخل السعادة إلى قلبه، مشيراً إلى أنه «فيلم يتضمن عناصر وعوامل النجاح؛ لأنه مزيج من الكوميديا والتراجيديا، والأكشن».