انقلابيو اليمن يمارسون نهجاً وحشياً في تحصيل الجبايات

فرضوا زيادة ضريبية على المستوردين بنسبة 200 %

سوق خاوية بعد إضراب الباعة اعتراضاً على حملة جبايات حوثية (إكس)
سوق خاوية بعد إضراب الباعة اعتراضاً على حملة جبايات حوثية (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يمارسون نهجاً وحشياً في تحصيل الجبايات

سوق خاوية بعد إضراب الباعة اعتراضاً على حملة جبايات حوثية (إكس)
سوق خاوية بعد إضراب الباعة اعتراضاً على حملة جبايات حوثية (إكس)

بدأ الانقلابيون الحوثيون في اليمن إجراءات تحصيل وجباية جديدة، من شأنها زيادة سوء الأوضاع الإنسانية، منتهجين وسائل وحشية وصلت إلى حد القتل، لإرهاب المكلفين بدفع الجبايات.

الخطوة الحوثية جاءت رغم الصعوبات المعيشية التي يقاسيها اليمنيون في مناطق سيطرة الجماعة؛ ودخول إضراب المعلمين المطالبين برواتبهم شهره الثاني، وهو الأمر الذي يشجع بقية الموظفين العموميين على إطلاق احتجاجاتهم.

وشهدت أعمال الجباية التي تنفذها سلطات الانقلاب الحوثية أخيراً مقتل 3 أشخاص على الأقل في حوادث متفرقة في محافظات صنعاء والبيضاء والحديدة، إلى جانب اختطاف وإصابة آخرين، والاعتداء على ممتلكات وسلع وبضائع ومصادرتها.

ففي مدينة رداع، ثانية مدن محافظة البيضاء (150 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة صنعاء)، واقعة إعدام ميداني لأحد الباعة على خلفية تحصيل الجبايات، حيث أقدم المشرف الحوثي محمد عبد الله الهاشمي على تصفية مواطن وسحل جثته في الشارع العام، بمبرر تأخره عن دفع الإتاوات المفروضة عليه.

شاحنات البضائع متوقفة في المدخل الشرقي للعاصمة صنعاء، بعد الزيادة الضريبية التي فرضها الحوثيون (فيسبوك)

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للمشرف الحوثي الهاشمي، وهو يطلق النار على هارون المصنف، الذي يعمل بائعاً لنبتة «القات» في إحدى أسواق المدينة، قبل أن يربط جثته بقطعة قماش ويسحلها في الشارع أمام المتسوقين، حيث جرى توثيق الواقعة بكاميرا مراقبة في السوق التي يعمل فيها المصنف.

ونقل الهاشمي جثة المصنف سحلاً إلى مكان خارج السوق ودفنها فيه، ولاحقاً تم اختطاف بعض أقارب الضحية وإيداعهم السجن لإجبارهم على التنازل عن القضية مقابل مليون ريال يمني، أي ما يعادل أقل من 2000 دولار.

إلى ذلك، توفي مزارع مسن في مدينة اللحية، شمال محافظة الحديدة، الواقعة على الساحل الغربي للبلاد، داخل سجن لميليشيات الحوثي بعد الزجّ به في زنزانة انفرادية ضيقة ومظلمة لـ3 أيام.

وأفادت المصادر في المدينة بأن القيادي الحوثي المكنى أبو مالك، والمعين نائباً لمدير أمن المدينة؛ أودع المزارع الزنزانة الانفرادية بسبب عجزه عن دفع الإتاوات التي فرضتها الميليشيات بعد أن تعرضت مزرعته لخسائر كبيرة، حيث ظل يصرخ بسبب الألم الجسدي والنفسي في الزنزانة طالباً إخراجه منها؛ إلا أن «أبو مالك» أصرّ على إبقائه فيها، وقال لعناصره: «دعوه هناك حتى يدفع أو يموت».

ورفض القيادي الحوثي - بحسب المصادر - تسليم جثة المزارع الذي يدعى المقرني لأقاربه إلا مقابل التنازل عن قضيته، وسداد الإتاوات المفروضة عليه.

وتقدر مصادر مطلعة في محافظة الحديدة احتجاز الميليشيات الانقلابية ما يقارب 200 مزارع من أهالي المحافظة في السجون بسبب عجز غالبيتهم عن دفع المبالغ المفروضة عليهم.

سوق في مدينة رداع اليمنية حيث قتل قيادي حوثي أحد الباعة منذ أيام (إكس)

أما في العاصمة صنعاء فقد اغتال مسلحون حوثيون مسؤول سوق «ذهبان» للفواكه، شمال غربي المدينة، مطلع هذا الأسبوع، بإطلاق النار عليه على خلفية نزاع حول الجبايات التي يجري فرضها على الباعة في السوق.

وبحسب مصادر في العاصمة صنعاء؛ فإن مسؤول السوق أحمد الأسدي كان قد تلقى تهديدات بالقتل من عناصر حوثية مسؤولة عن الجبايات، كانت على خصومة شديدة معه بسبب خلافات على إدارة السوق والجبايات التي يتم تحصيلها من الباعة.

وشملت الإجراءات الحوثية العنيفة الباعة المتجولين، ونظراءهم على الطرق السريعة بين المدن، ففي منطقة كتاب التابعة لمحافظة إب، الواقعة على الطريق الرئيسي بين العاصمة صنعاء ومدينة تعز؛ اختطف مسلحون حوثيون عدداً من باعة المنتجات الزراعية، بعد الاعتداء عليهم وإتلاف محاصيلهم بسبب رفضهم دفع الإتاوات.

وتحجج المسلحون الحوثيون بأن الباعة يعطلون مرور السيارات في الطريق العام، وطالبوهم بدفع رسوم استخدام الطريق، برغم أنهم يضعون منتجاتهم على جانبي الطريق بعيداً عن العمران بمسافات كبيرة.

200 % ضرائب

في حين فرضت الجماعة قبل أقل من شهر تحصيل الرسوم الضريبية على السلع القادمة إلى مناطق سيطرتها، عبر المنافذ الجمركية التي استحدثتها، بنسبة 100 في المائة، لإجبار المستوردين على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع لها. وفرضت أخيراً، بقرار غير معلن، زيادة ضريبية تصل إلى 200 في المائة على جميع البضائع والسلع.

ودفع هذا الإجراء كبار التجار والبيوت التجارية إلى البدء بإضراب مفتوح عن إدخال البضائع إلى مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي رفضاً للإجراء. الأمر الذي أدى إلى اختفاء كثير من السلع من أسواق العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الميليشيات.

وأوقف تجار ومستوردون توجيه بضائعهم، القادمة عبر موانئ المحافظات المحررة، باتجاه مناطق سيطرة الميليشيا، خصوصاً منفذي نهم شرق صنعاء والجوف إلى الشمال الشرقي، معلنين رفضهم هذا الإجراء الذي سيتسبب في ارتفاع الأسعار وعدم قدرتهم على تسويقها وبيعها بسبب انهيار القدرة الشرائية للسكان.

فخاخ للمستوردين

توقع مصدر في قطاع الجمارك الذي تديره الميليشيات أن تؤدي هذه الإجراءات الحوثية إلى كارثة سعرية جديدة حسب وصفه، أو إعلان كثير من الشركات إفلاسها، في وقت يفكر فيه كثير من أصحاب الشركات في الانسحاب من مناطق سيطرة الميليشيات، مؤكداً أنه لامس هذه الرغبة لدى كثير من التجار الذين تتراجع مبيعاتهم بشكل ملحوظ نتيجة الغلاء المستمر بلا توقف.

منح الحوثيون المستوردين عبر ميناء الحديدة امتيازات بسيطة قبل أن يباغتوهم بزيادات ضريبية كبيرة (أ.ف.ب)

واتهم المصدر، الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته، الميليشيات بخداع التجار واستدراجهم للاستيراد عبر ميناء الحديدة عبر منحهم، بشكل غير معلن، كثيراً من الامتيازات والإعفاءات الجمركية، بعد قرارها رفع الضرائب الجمركية في المنافذ البرية، التي استحدثتها بنسبة 100 في المائة، لتباغتهم بزيادة ضريبية على مختلف السلع القادمة عبر كل المنافذ.

كما توقع، بحسب معلوماته من داخل قطاع الجمارك، اتخاذ إجراءات جبايات جديدة خلال الأيام المقبلة، على السلع الحيوية لتعويض المبالغ التي تنازلت عنها لبعض المستوردين من خلال الإعفاءات التي منحتها لهم، مشيراً إلى أن هذه الإعفاءات لا تمثل شيئاً أمام ما يجري تحصيله، ولا توفر للمستوردين سوى هامش ربح ضئيل.

واستنكر المصدر تناقض الميليشيات في حديثها عن الملف الإنساني، وزعمها بذل جهود تفاوضية من أجل رواتب الموظفين العموميين، وتصعيدها المستمر في هذا الخصوص، في حين تعمل بنفسها على مفاقمة الوضع الإنساني بمثل هذه الإجراءات الجبائية.


مقالات ذات صلة

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

العالم العربي مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال لتمويل احتفالاتها بما تسميه «جمعة رجب».

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

بعد مصادرة أرباح الودائع أطلقت الجماعة الحوثية وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين في البنوك على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال 17 عاماً

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي عنصر حوثي يحمل مجسماً لصاروخ وهمي في صنعاء خلال تجمع لأتباع الجماعة (أ.ف.ب)

الحوثيون يتبنون أولى هجمات السنة الجديدة باتجاه إسرائيل

تبنّت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران أولى هجماتها في السنة الميلادية الجديدة باتجاه إسرائيل، الجمعة استمرارا لتصعيدها الذي تزعم أنه يأتي لمناصرة الفلسطينيين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي اعتراض قارب يقل 130 مهاجراً في سواحل محافظة لحج اليمنية (إعلام حكومي)

مئات المهاجرين الأفارقة يتدفقون إلى اليمن رغم تشديد الأمن

بدأ العام الجديد أيامه بتدفق المئات من المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي الذين وصلوا إلى سواحل اليمن على متن قوارب متهالكة استقلوها من سواحل جيبوتي والصومال.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

سكان صنعاء يتخوفون من انهيار معيشي جراء التصعيد مع إسرائيل

تزداد مخاوف السكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء يوماً بعد آخر من التدهور للأوضاع الإنسانية والمعيشية والأمنية جراء التصعيد الحوثي مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».