حوثيون يتبادلون اتهامات بتبديد 40 مليار دولار

تقرير داخلي رصد مسارات نهب المال العام والجبايات خلال سنوات الانقلاب

يسيطر جناح محمد علي الحوثي على النسخة الانقلابية من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (إعلام حوثي)
يسيطر جناح محمد علي الحوثي على النسخة الانقلابية من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (إعلام حوثي)
TT

حوثيون يتبادلون اتهامات بتبديد 40 مليار دولار

يسيطر جناح محمد علي الحوثي على النسخة الانقلابية من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (إعلام حوثي)
يسيطر جناح محمد علي الحوثي على النسخة الانقلابية من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (إعلام حوثي)

في تطور لصراع الأجنحة الحوثية على النفوذ والفساد، اتهم تقرير داخلي، لم تنشره الجماعة، جناح القيادي أحمد حامد، مدير مكتب رئيس ما يعرف بـ«المجلس السياسي الأعلى» بنهب ما يقارب 40 مليار دولار خلال السنوات السبع الماضية.

وكشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط» عن بعض مضامين التقرير الذي اتهم جناح حامد بنهب 14.111 مليار دولار، من خزينة الدولة وعدد من صناديقها وحسابات مؤسساتها مثل التأمينات والمعاشات بشكل مباشر، وبنهب أموال أخرى تقدر بنحو 13 مليار دولار، بمسميات «المجهود الحربي» ورفد الجبهات وكفالة عائلات قتلى الحرب، وعائدات إيرادات قطاع النفط والغاز، والإضافات السعرية والضريبية والجمركية.

التقرير أعده بشكل سري 5 أعضاء فيما يسمى مجلس النواب الخاضع للحوثيين وعدد من العاملين في الجهات الرقابية الانقلابية الموازية مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وجميعها جهات يسيطر عليها الانقلابيون الحوثيون، بإيعاز وتشجيع من قيادات في جناح محمد علي الحوثي، حيث كانت المؤسسات العمومية التي يسيطر عليها جناح أحمد حامد والأنشطة التي يشرف عليها، موضوعاً لذلك التقرير.

وذهبت اللجنة التي أعدت التقرير إلى أن الإتاوات والجبايات المفروضة على الشركات التجارية ورجال الأعمال وأصحاب المحال التجارية والمطاعم والمزارعين وملاك العقارات والمنازل تناهز 4.2 مليار دولار، باستثناء ما يجري تحصيله للمناسبات الدينية كعيد الغدير والمولد النبوي.

مدخل البرلمان اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون في صنعاء (رويترز)

ووفقاً للمصادر، فإن اللجنة تحدثت عن 11 مليون دولار يتم جمعها في كل مناسبة، بينما تم نهب وبيع أصول عقارية ومنقولة من أموال الدولة بما يصل إلى 5.6 مليار دولار.

تأييد النهب ورفض الاستئثار

وأوضحت المصادر أن التقرير الحوثي تعاطى مع الممارسات غير القانونية مثل الجبايات والإتاوات غير القانونية والتبرعات الإجبارية لتمويل المناسبات الطائفية للجماعة، أو الإضافات السعرية والجمركية والضريبية؛ كإجراءات شرعية وقانونية، ووجه الاتهامات للقادة والمشرفين الموالين لجناح أحمد حامد بنهب الأموال وتوجيهها إلى حسابات بنكية خاصة، أو اكتنازها في المنازل.

وكان مقرراً أن تعرض نتائج التقرير أمام البرلمان الحوثي غير الشرعي ويتم الإعلان عنها لوسائل الإعلام، إلا أن ضغوطاً من أعلى هرم قيادة الانقلاب حالت دون ذلك، بحجة أن نتائجها وردود الفعل حولها لن تخدم الجماعة، وستؤدي إلى المزيد من الغضب الشعبي تجاهها.

وطبقاً للمصادر؛ فإن توجيهات حوثية عليا صدرت إلى محمد العماد، المحسوب على جناح محمد علي الحوثي، بعدم نشر أي أخبار أو تفاصيل عن التقرير في قناة «الهوية» التي يملكها ويديرها، خصوصاً أنه هو شقيق علي العماد الذي ينتحل صفة رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وهو إحدى الجهات التي شاركت في إعداد التقرير.

القيادي الحوثي أحمد حامد في إحدى زياراته لدائرة حكومية تحت سيطرته (تويتر)

وبحسب معلومات المصادر، فإن التقرير حاول تبرئة جناح محمد علي الحوثي والكيانات التابعة له من الفساد، وادعى أن الجهات الإيرادية التي يديرها هذا الجناح، ومنها على سبيل المثال الأوقاف والزكاة والمنظومة العدلية، تعمل على توريد ما تتحصله من مبالغ إلى البنك المركزي، على عكس ما تفعله الجهات والكيانات التي يديرها أحمد حامد.

وذكرت المصادر أن قياديين حوثيين فيما يسمى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا لمكافحة الفساد، وهي الجهات التي تخضع لجناح الحوثي، التقوا مهدي المشاط، رئيس ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى (مجلس حكم الانقلاب)، وأبلغوه بما ورد في التقرير، في مساعٍ منهم لإحداث خلاف بينه وبين مدير مكتبه أحمد حامد؛ إلا أن المشاط رد عليهم بأنه سيحيل كل ما ورد في التقرير إلى حامد، وهو ما عده هؤلاء القياديون استفزازاً لهم ودافعاً للكشف عن نتائج التقرير.

اعتراف بما هو معروف

«الشرق الأوسط» عرضت ما توافر لها من بيانات عن التقرير على خبراء اقتصاديين لاستطلاع آرائهم حوله، حيث رأوا أنه لا يكشف جديداً، لكنه وبحكم أنه أعد لأجل الابتزاز والمزايدة بين طرفين يتنافسان على النفوذ والفساد، فإنه يعد اعترافاً من داخل الميليشيات بفسادها.

واكتفى الباحث وأستاذ الاقتصاد في جامعة تعز محمد علي قحطان بالتقليل من أهمية التقرير أو الاعتماد عليه كمرجعية، نظراً لعدم منطقية تقديراته أو استنادها لأي مرجعية، ويؤكد أن الممارسات المشهودة للميليشيات الحوثية تكفي لفضح فسادها من دون تقديرات كمية منسوبة إلى تقرير لم يتم الإعلان عنه بحسب رأيه.

بدوره، أكد الباحث الاقتصادي اليمني عبد الحميد المساجدي أن مؤشرات الفساد الحوثي واضحة، ولا تحتاج إلى العناء لكشفها؛ إذ إن دولة بكامل مواردها الطبيعية يتم تحصيلها وبكفاءة لصالح الجماعة، وفي المقابل لا يتم إعادتها إلى الشعب.

القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع مع قيادة هيئة الأوقاف التي أنشأها للسيطرة على العقارات (تويتر)

ووصف المساجدي ما يجري في مناطق سيطرة الميليشيات بالاختلال العميق في توزيع الثروة، وهو ما تكرسه العقيدة المالية للميليشيات المتمثلة في احتكار القوة والمال وتجويع الناس، وتدمير مراكز القوى الاقتصادية واستهداف رؤوس الأموال، ومصادرة ونهب أموال التأمينات وصناديق المعاشات والتقاعد، وتجميد أرصدة البنوك.

ونوه إلى أن الموارد الحوثية المالية يجري تحصيلها بالقوانين النافذة، وبالقوانين والأعراف غير الدستورية التي سنتها الميليشيات منذ انقلابها، وتضاف لها التبرعات الإجبارية في المناسبات الطائفية المختلفة، وتأميم ومصادرة الممتلكات بالاستعانة بالحارس القضائي أو النيابة الجزائية المتخصصة أو بمؤسسات الدولة الأخرى.

وأشار إلى أن أحد تقارير فريق خبراء لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن وثّق نهب الحوثيين 1.8 مليار دولار في عام واحد، بما يؤكد أن متوسط ما نهبه الحوثيون يتجاوز 14 مليار دولار، وهذه الأموال تم غسلها على شكل استثمارات جديدة، وشراء عقارات وأراضٍ، وجزء منها ذهب للكسب السياسي والمجهود الحربي.

ويفيد باحث اقتصادي يمني، طلب التحفظ على بياناته لإقامته في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، بأن هدف التقرير الحوثي كما هو واضح هو المكايدة بين جناحين يتنافسان على نهب موارد البلاد وقوت اليمنيين، ويشير إلى أنه بقدر ما يملك معدو التقرير جزءاً من الحقيقة، إلا أنهم يخفون أجزاء أخرى وأشياء ربما تكون أكثر خطورة من الفساد.

وبحسب الباحث؛ فإن أجنحة الانقلاب الحوثي تتنافس على النفوذ والثروات، لكنها تتفق على تدمير مؤسسات الدولة وإفراغها من مضمونها وعزلها عن المواطن وحرمانه من خدماتها، وتحويلها لخدمة مشروع الانقلاب الحوثي بطائفيته وسلاليته، وفي سبيل ذلك أسست اقتصادها الطفيلي، وأنشأت كيانات بديلة لمؤسسات الدولة، وهو ما لم يتعرض له التقرير.

وتابع: بالتأكيد لن يتطرق التقرير إلى نهج الميليشيات في تدمير مؤسسات الدولة، وقصر وجودها على خدمة مشروعها الطائفي والمناطقي التشطيري، وتقويض كيان الدولة اليمنية وقوانينها وأنظمتها، ونهب المساعدات الدولية الموجهة إلى المتضررين من الأزمة الإنسانية التي صنعتها الميليشيات بانقلابها وحربها.

ويختم الباحث الاقتصادي بالقول «إن ما يكشفه التقرير ليس أكثر مما يعرفه الجميع، ففساد الميليشيات وإثراء قادتها لا يخفى على أحد، وقد وصلت إلى أنها لم تبقِ لليمنيين سوى الفتات، وحتى هذا الفتات تنازعهم عليه».


مقالات ذات صلة

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)
العالم العربي فعالية نسوية حوثية لجمع التبرعات الإلزامية واختبار الولاء للجماعة الحوثية (إعلام حوثي)

​جبايات الحوثيين تضاعف البطالة... ومخاوف من اتساعها بعد الضربات الإسرائيلية

تسببت الجبايات الحوثية بمزيد من معاناة السكان والتجار وضاعفت البطالة في وقت يخشى فيه التجار إلزامهم بالتبرع لإصلاح الأضرار الناجمة عن الغارات الإسرائيلية

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي قادة حوثيون ومسؤولون أمميون يتفقدون آثار الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)

نتنياهو يوجه الجيش بـ«تدمير البنى التحتية» للحوثيين

أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعضاء الكنيست، أمس، بأنه طلب من الجيش تدمير البنى التحتية التابعة للحوثيين بعدما أطلق انقلابيو اليمن صواريخ.

«الشرق الأوسط» (القدس)
العالم العربي منذ أكثر من عام بدأت الجماعة الحوثية هجماتها في البحر الأحمر وتصعيدها ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

تفاقمت الخلافات بين الأجنحة الحوثية على مستقبل الجماعة، بسبب المواجهة مع إسرائيل والغرب، بين المطالبة بتقديم تنازلات والإصرار على التصعيد.

وضاح الجليل (عدن)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لمقاتلة أميركية تستعد للإغارة على مواقع للحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

الجيش الأميركي يعلن سقوط مقاتلة في البحر الأحمر بـ«نيران صديقة»

أعلن الجيش الأميركي، أن طيارين اثنين من البحرية الأميركية قد تم إسقاطهما فوق البحر الأحمر في حادثة تبدو أنها نتيجة «نيران صديقة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مقتل عنصرين من «حركة الشباب» في غارة أميركية جنوبي الصومال

عناصر من حركة «الشباب» الصومالية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من حركة «الشباب» الصومالية (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل عنصرين من «حركة الشباب» في غارة أميركية جنوبي الصومال

عناصر من حركة «الشباب» الصومالية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من حركة «الشباب» الصومالية (أرشيفية - رويترز)

أعلن الجيش الأميركي الخميس أنّه شنّ غارة جوية في جنوب الصومال الثلاثاء أسفرت عن مقتل عنصرين من «حركة الشباب».

وقالت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في بيان إنّه «وفقا لتقييم أولي لم يصب أيّ مدنيّ» في هذه الضربة الجوية التي نُفّذت «بالتنسيق مع الحكومة الفدرالية الصومالية». وأوضحت أفريكوم أنّ الضربة استهدفت هذين العنصرين بينما كانا «على بُعد نحو عشرة كيلومترات جنوب غربي كوينو بارو»، البلدة الواقعة جنوب العاصمة مقديشو.

من جهتها، أعلنت الحكومة الصومالية الخميس مقتل قيادي في الحركة في عملية نفّذت في نفس المنطقة. وقالت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة في منشور على منصة إكس إنّ «رئيس العصابة الإرهابية محمد مير جامع، المعروف أيضا باسم أبو عبد الرحمن» قُتل خلال «عملية خطّطت لها ونفّذتها بدقّة قواتنا الوطنية بالتعاون مع شركاء دوليّين».

ومنذ أكثر من 15 عاما تشنّ حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة تمرّدا مسلّحا ضدّ الحكومة الفدرالية الصومالية المدعومة من المجتمع الدولي في بلد يُعتبر من أفقر دول العالم. ونفذت الحركة العديد من التفجيرات والهجمات في مقديشو ومناطق أخرى في البلاد.

وعلى الرّغم من أنّ القوات الحكومية طردتهم من العاصمة في 2011 بإسناد من قوات الاتحاد الإفريقي، إلا أنّ عناصر الحركة ما زالوا منتشرين في مناطق ريفية ينطلقون منها لشنّ هجماتهم ضدّ أهداف عسكرية وأخرى مدنية.