الصراع الداخلي والكيانات الموازية داخل الحركة الحوثية

سجالات يمنية بين «تقسيم الأدوار» و«إضعاف الانقلاب»

منظر عام للبيوت التي تميز صنعاء القديمة (رويترز)
منظر عام للبيوت التي تميز صنعاء القديمة (رويترز)
TT

الصراع الداخلي والكيانات الموازية داخل الحركة الحوثية

منظر عام للبيوت التي تميز صنعاء القديمة (رويترز)
منظر عام للبيوت التي تميز صنعاء القديمة (رويترز)

يتخذ الصراع داخل الحركة الحوثية في اليمن، العديد من المظاهر والوسائل، ما بين تنافس على مراكز النفوذ والمال، وإنشاء كيانات موازية لمؤسسات الدولة التي تسيطر عليها الميليشيات، وحتى الاغتيالات، إلا أن هذا الصراع، وبرغم قدمه؛ لم يشهد تصعيداً يصل إلى الذروة ليهدد ويضعف بنيتها ووجودها وفق بعض اليمنيين الذين يختلف معهم آخرون يتمسكون بأن المشهد لا يتجاوز «تقسيم الأدوار».
قبل أسابيع ماضية، سقط القيادي الحوثي، في مديرية بني حشيش، أبو فضل يحيى منير الحنمي برصاص مجهولين بالقرب من مطار صنعاء الدولي، واتهمت قبيلته ميليشيا الحوثي بعملية الاغتيال، في حين رجح مراقبون أن حادثة الاغتيال مشهد من مسلسل ما يُعرف بصراع الأجنحة الحوثية.
تعددت الإشارات إلى هذا الصراع، والنتائج المحتملة عنه، وأورد فريق الخبراء الأممي قبل عام نماذج من التنافس بين شخصيات داخل الحركة، متهماً إياهم بالإثراء من الموارد الحكومية والعامة، محدداً محمد علي الحوثي وأحمد حامد وعبد الكريم الحوثي كبناة قواعد للتنافس تم تأمينها بكيانات أمنية تابعة لهم، محذراً من أنها تقوض جهود السلام والعمل الإنساني.
- ليس صراع أجنحة
يرى الباحث السياسي مصطفى ناجي الجبزي أن تسمية الصراع داخل الحركة الحوثية بصراع الأجنحة غير دقيق، كونها حركة غير واضحة بالشكل الكافي، فهي نشأت وصعدت بالحرب كحركة ذات تراتبية قيادة قتالية، ولا تعبر عن تحالفات سياسية وآيديولوجية واجتماعية، بمعنى أنها جماعة مقاتلة بعقيدة واحدة، لها رأس مقدس وأدوات وظيفية فقط.
ويضيف الجبزي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الطابع العسكري هو الغالب على أدوات الحركة الحوثية، فهي لا تمارس السياسة إلا من خلال مقاتلين، وحتى في المفاوضات التي تشارك فيها، يتم إيفاد مقاتلين ميدانيين، لأن الكتلة المقاتلة هي المهيمنة، أما الكتلة التي حاولت أن تمارس السياسة تم تهميشها أو تصفيتها».
ويفسر الجبزي التباينات داخل الحركة الحوثية اجتماعياً، فهي تسببت بفرز طائفي، إلا أن داخلها فرز اجتماعي قائم على تقديس فئة معينة، وما دون هذه الفئة مجرد جنود وأتباع ليس لهم ثقل في مراكز القرار.
ويستدرك: وبرغم ذلك ثمة استثناءات؛ حيث تتشكل دوائر ذات بعد مناطقي يقوم على علاقة الريف بالمدينة، فالحوثيون المنتمون إلى محافظة صعدة؛ لهم الحظوة والأفضلية على غيرهم من الحوثيين المنتمين إلى مدن أخرى، لكن هناك استثناء لتفضيل القادمين من خارج التيار السلالي في صعدة على من ينتمون لهذا التيار في مدن أخرى.
ويتفق الباحث السياسي فارس البيل مع رؤية الجبزي في أن طبيعة التنظيمات الآيديولوجية غالباً محكومة بهياكل قيادية صارمة يحكمها الولاء المطلق والانقياد التام؛ حيث القيادات الآيديولوجية القائمة على فكرة الدين تحديداً، لا تسمح بوجود توجهات داخلية أو تعدد الأفكار، فتبقى حالة القيادة العليا مقدسة لدى الهياكل الداخلية.
وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يتوقع البيل أن طبيعة الصراع الذي تخوضه الميليشيا يجعلها بحاجة للاستعانة بقدرات لم تمتحن ولاءها بشكل كامل، وعدمية مشروع الميليشيا وارتكازه على قيم لا إنسانية ولا أخلاقية، وحالة التكالب على المصالح؛ تؤدي جميعها إلى حالة من الهلع والطمع، ومحاولة اقتناص الغنائم، أو كسب رضا القيادة أو النظام الإيراني.
وهذه التقاطعات، كما يشير، تُنشئ حالة من الصراع الشخصي وإن كان خفياً، لكن القرار داخل الجماعة شمولي وصنمي، ولذلك فإن ما يخلق مثل هذه الصراعات، الظروف والتطورات والغايات الطارئة، لا المنهجية ولا وجود أفكار مخالفة.
ويصف نشوء الكيانات الموازية بالسلوك الاستراتيجي للنظام الإيراني داخلياً وخارجياً، والغاية منها خلق دولة داخل الدولة مطلقة الولاء، بعيدة عن المساءلة، وتخدم المشروع بسريتها وأنماطها، ولا يتدخل في نشاطها أحد.
وعن تأثير هذا الصراع والكيانات الناشئة بسببه، يُرجح البيل أن يكون عميقاً، فهو يخلق حالة من الانقسام والتشظي في المجتمع، ويحتاج إلى عقود طويلة لمحو آثاره، كما أنه يخلق أنماطاً من المصالح والولاءات والمنافع يصبح ضررها بالغاً على المديين القريب والبعيد.
- إمكانية الانهيار
ينظر المؤرخ بلال الطيب باتجاه آخر، إذ يرى الجماعة الحوثية عصابة، ومن الطبيعي حدوث الخلافات داخل أجنحتها، خصوصاً في حال التنافس على اقتسام غنائم الحرب الجنونية التي أشعلت فتيلها، متوقعاً أن تكون هذه الخلافات بداية النهاية.
ويلجأ الباحث الطيب، في أثناء حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى التاريخ، مذكّراً بصراع أسلاف الحوثيين بدءاً من الهادي يحيى بن الحسين الرسي في القرن العاشر الميلادي، وأمراء آل شرف الدين في القرن السادس عشر، وأمراء آل حميد الدين في القرن العشرين، الذين انهارت دولهم جميعاً لنفس السبب.
ويطالب الطيب السلطة الشرعية ومكوناتها بسحب البساط من تحت أقدام الحوثي، والعمل مع شيوخ القبائل، واستمالتهم إلى صفها وتعزيز حضور الدولة، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وبناء الثقة لديهم، ومساعدتهم على مواجهة الحوثيين.
ويعدد أحد الباحثين في مركز أبحاث مقره العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أنواع الصراع، فمنها ما هو عقدي، الذي كان ضحيته قيادات تم إقصاؤها أو تصفيتها، ومنها ما هو مرتبط بإدارة الحرب والتوسع والمفاوضات، ومنها ما هو صراع غنائم.
وحسب الباحث الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب شخصية؛ فإن هناك نوعاً خامساً من الصراعات حول صناعة القرار والولاء، ويختلف مع الجبزي والبيل في وصف هذه الصراعات، ويشدد على أنها صراعات أجنحة فعلية، إلا أن تأثيرها على الحركة نسبي، يؤدي إلى إضعافها من جهة، وتقويتها من جهة أخرى.
ويخشى أن هذه الصراعات، وما ينجم عنها من إنشاء كيانات موازية لمؤسسات الدولة، تضعف المؤسسات والمجتمع، وتعطل إمكانية حدوث عملية سلام، كون الأجنحة المتصارعة ستتمسك بمكاسبها وغنائمها، وسترفض التخلي عن مراكز النفوذ التي صنعتها.
ويصف المرجعيات الحوثية بأنها موزعة بين عبد الملك الحوثي صاحب القرار العسكري، ومحمد علي الحوثي الذي يتولى إدارة المؤسسات التي تسيطر عليها الميليشيا، والتعامل مع القبائل وأي مكونات اجتماعية وسياسية موجودة، في حين يتولى محمد عبد السلام فليتة وعبد الملك العجري الجانب التفاوضي، إلا أن القرار النهائي في كل ذلك يعود إلى عبد الملك الحوثي.
ويضع احتمالين فقط لأن تؤدي هذه التباينات إلى إضعاف الحركة، وذلك عند حدوث تهديد وجودي كالهزائم العسكرية المتتابعة بسرعة، أو أعمال مقاومة عسكرية منظمة وفاعلة في مناطق سيطرتها؛ حيث سيؤدي ذلك إلى تبادل الاتهامات بالخيانة، وقد يتصاعد إلى المواجهات المباشرة، ومحاولة النجاة من خلال التفاوض مع الخصم.
- دور إيران
عند الحديث عن إدارة الصراع داخل الحركة الحوثية؛ يستحضر المهتمين الدور الإيراني. لكن الباحث اليمني استبعد أن تكون لطهران مصلحة في حدوث تصدعات، لكنه يجد أن حسن إيرلو، المعين سفيراً مزعوماً للحرس الإيراني لدى الميليشيات (مات نهاية عام 2021) كان يلعب دوراً في تسوية الخلافات، وإزاحة بعض الشخصيات عن مراكزها لما تمثله من ضرر، وربما يكون فشل في هذه المهمة، أو لم ينجزها حتى وفاته.
وبالعودة إلى الباحث مصطفى الجبزي فإنه يرى أن الحركة الحوثية نفسها «انشقاق اجتماعي»، وبالتالي «فإن أي انشقاق داخلها لا معنى له، طالما أنها تعمل بذهنية تفكيك المجتمع، ونشاطها سيؤدي إلى ضعف المجتمع ومكوناته ومؤسساته الرسمية والشعبية والاجتماعية»، مضيفاً أن الجماعة «قضت في الأصل على كل المؤسسات التي يمكن أن تقاومها، وأوجدت مؤسسات بديلة خاصة بها».
ويستدل الجبزي بكيفية بناء الولاءات داخل الحركة الحوثية بـ«صالح هبرة» و«عبد الله الرزامي» اللذين كان لهما الفضل في صعود الحركة في بداياتها، إلا أنه تمت إزاحتهما بسبب عدم انتمائهما إلى نفس التيار الاجتماعي المكون للحركة، إذ يجري استقطاب جيل جديد يؤدي الطاعة لزعيم الحركة.
ويختم الجبزي موضحاً: يفترض أن الحركة الحوثية تضعف نفسها بنفسها، لكنها تعوض ذلك بممارسة نشاطها كحركة فوق المجتمع لا جزء منه، وليس لها أي التزامات تجاهه، وتستمد قوتها من بنيتها المغلقة من كفاءتها القتالية وبعدها الآيديولوجي وضعف خصومها وتشتتهم.


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان الصادر، الخميس، عن وزارة الخارجية السعودية، وما تضمّنه من موقف إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

شددت الخارجية على أن «الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في تغليب المصلحة العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)

وزير خارجية «أرض الصومال»: لم نوافق على استقبال أشخاص من غزة

 وزير خارجية «أرض الصومال» (صوماليلاند) عبد الرحمن ظاهر آدم (صفحة وزارة خارجية «أرض الصومال» عبر فيسبوك)
وزير خارجية «أرض الصومال» (صوماليلاند) عبد الرحمن ظاهر آدم (صفحة وزارة خارجية «أرض الصومال» عبر فيسبوك)
TT

وزير خارجية «أرض الصومال»: لم نوافق على استقبال أشخاص من غزة

 وزير خارجية «أرض الصومال» (صوماليلاند) عبد الرحمن ظاهر آدم (صفحة وزارة خارجية «أرض الصومال» عبر فيسبوك)
وزير خارجية «أرض الصومال» (صوماليلاند) عبد الرحمن ظاهر آدم (صفحة وزارة خارجية «أرض الصومال» عبر فيسبوك)

رحب وزير خارجية أرض الصومال (صوماليلاند)، عبد الرحمن ظاهر آدم، باعتراف إسرائيل بهذه الأراضي كدولة مستقلة، رغم الانتقادات الصادرة عن دول إقليمية أخرى.

وقال الوزير في تصريحات لهيئة البث الإسرائيلية (كان) إن «هذا الاعتراف ليس مجرد حدث دبلوماسي مهم، بل هو أيضا لحظة من العدالة التاريخية والوضوح الأخلاقي»، مؤكدا أن «أرض الصومال» لم توافق على استقبال أشخاص من قطاع غزة مقابل هذا الاعتراف.

تعاون مخطط له مع إسرائيل

وبحسب الوزير، سيركز التعاون مع إسرائيل على مجالات الدبلوماسية والتجارة والتكنولوجيا والزراعة وإدارة المياه والصحة والأمن. وأضاف: «تسعى أرض الصومال إلى شراكة شفافة وسلمية ومفيدة للطرفين»، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية.

وأشار إلى أن اعتراف إسرائيل بـ «أرض الصومال» يعزز صورة المنطقة الواقعة في شرق أفريقيا بوصفها «دولة مستقرة وديمقراطية ومسؤولة في منطقة هشة».

وأصبحت إسرائيل، أمس الأول الجمعة، أول دولة في العالم تعترف بإقليم «أرض الصومال» الانفصالي دولة ذات سيادة. ويذكر أن أرض الصومال، وهي منطقة ذات أغلبية مسلمة في شمالى الصومال ويقطنها بضعة ملايين، تتمتع باستقلال فعلي منذ أكثر من ثلاثة عقود.

غضب في الصومال

وجاءت الخطوة الإسرائيلية قبل أيام من تولي الصومال الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي. ووصفت الحكومة الصومالية القرار بأنه «اعتداء متعمد» و«غير قانوني» على سيادة البلاد.

ووفقا لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تم الاعتراف «بروح اتفاقات أبراهام»، وهي الاتفاقات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب عام 2020 خلال ولايته الأولى.

الأهمية الاستراتيجية لأرض الصومال

وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن أرض الصومال تقع بالقرب من مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية، حيث شنت ميليشيا «الحوثي» اليمنية مرارا هجمات على سفن تجارية دولية يشتبه بارتباطها بإسرائيل.

وكتبت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن الوصول إلى أراضي «أرض الصومال» ومجالها الجوي من شأنه أن يسهل على إسرائيل تنفيذ هجمات ضد الحوثيين ومراقبتهم.

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا ردا على القرار الإسرائيلي. وقبيل الاجتماع المقرر غدا الاثنين في نيويورك، أصدرت 21 دولة ذات أغلبية مسلمة بيانا مشتركا حذرت فيه من «تداعيات خطيرة» للخطوة الإسرائيلية غير المسبوقة على «السلام والأمن» في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وكذلك على الأمن الدولي.


اتهامات لـ«الانتقالي» بارتكاب انتهاكات جسيمة في حضرموت

قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» متهمة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين (إكس)
قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» متهمة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين (إكس)
TT

اتهامات لـ«الانتقالي» بارتكاب انتهاكات جسيمة في حضرموت

قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» متهمة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين (إكس)
قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» متهمة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين (إكس)

اتهمت تقارير حقوقية يمنية القوات التابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في محافظة حضرموت، شملت الاعتقالات والإخفاء القسري ومداهمة المنازل، وهو ما من شأنه أن يُعمق حالة الفوضى وزعزعة الاستقرار في المحافظة التي اجتاحتها قوات الانتقالي بشكل أحادي منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وفي هذا السياق، أصدرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات بياناً شديد اللهجة أدانت فيه الممارسات القمعية التي طالت الأحياء السكنية والمنازل الخاصة، مؤكدة أن هذه الأعمال تُشكل انتهاكاً صارخاً لأحكام الدستور اليمني والقوانين الوطنية، فضلاً عن التزامات اليمن الدولية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

ووفق شهادات ميدانية موثوقة، قامت القوات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» بمداهمة منازل المدنيين واعتقالهم تعسفياً، فضلاً عن عمليات الإخفاء القسري التي طالت عدداً من السكان، في انتهاك للحق في الحرية والأمان الشخصي وحرمة المساكن وضمانات المحاكمة العادلة.

ووصفت الشبكة الحقوقية هذه الممارسات بأنها نمط ممنهج من الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، محذرةً من خطورة استمرارها دون مساءلة.

تجمع قبلي في حضرموت أدان انتهاكات قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» (إكس)

كما وثّقت الشبكة فرض «المجلس الانتقالي» حصاراً عسكرياً غير مشروع على مناطق واسعة ضمن نطاق قبائل الحموم، بما فيها وادي خرد، وحلفون، وغيل بن يمين. وهذا الحصار أدّى إلى تقييد حرية التنقل، ومنع وصول المرضى للحالات الطارئة، بالإضافة إلى إعاقة الخدمات الصحية الأساسية، مع تسجيل حالات اعتداء على الممتلكات الخاصة وأعمال نهب وسرقة واسعة.

ويصف التقرير هذا الحصار بأنه لا يمكن تبريره بوصفه إجراءً أمنياً مشروعاً، بل يُعدّ عقاباً جماعياً محظوراً بموجب القانون الدولي الإنساني.

ويشير إلى أنه يُمثل أيضاً نمطاً من الاضطهاد السياسي ضد سكان هذه المناطق، بسبب رفضهم العلني لمشروع «المجلس الانتقالي الجنوبي»، ما يرقى إلى انتهاك صارخ لمبدأ عدم التمييز وحرية الرأي والتعبير والموقف السياسي، مع استخدام القوة العسكرية أداةً للإكراه السياسي.

انتهاكات ممنهجة

وقالت الشبكة الحقوقية إن استهداف الأحياء السكنية على أساس المواقف السياسية وفرض القيود الجماعية على السكان يمس حياتهم وكرامتهم وسبل عيشهم، ويُشكل جريمة خطيرة وفق المعايير الدولية، قد تصل إلى جرائم جسيمة تتطلب المساءلة الجنائية الفردية.

وحمّل التقرير الحقوقي القيادات العسكرية والسياسية لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» كامل المسؤولية القانونية عن الانتهاكات، مطالباً بالوقف الفوري لكل أعمال الحصار والعقاب الجماعي، ورفع القيود عن حرية التنقل، وضمان وصول الخدمات الصحية والإنسانية دون معوقات.

كما طالبت الشبكة بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفياً، والكشف عن مصير المخفيين قسراً، وفتح تحقيقات عاجلة ومستقلة وفعالة، مع محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وفق معايير العدالة الدولية.

ودعت المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة إلى التحرك العاجل لحماية المدنيين وضمان احترام القانون الدولي الإنساني ومنع إفلات الجناة من العقاب.

وقالت الشبكة الحقوقية إنها مستمرة في رصد وتوثيق الانتهاكات بحياد وموضوعية مهنية، داعية كل أبناء حضرموت والضحايا والشهود للإبلاغ عن أي انتهاكات لتوثيقها قانونياً، وإعداد الملفات اللازمة للمساءلة الوطنية والدولية، بما يضمن إنصاف الضحايا وعدم إفلات الجناة من العقاب.

وشددت الشبكة في بيانها على أن حماية المدنيين ليست خياراً سياسياً، بل التزام قانوني وإنساني غير قابل للتصرف، وأي صمت أو تهاون يُعد إخلالاً جسيماً بمسؤولية الحماية.


«الجامعة العربية» تدين اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
TT

«الجامعة العربية» تدين اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

أدان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، الأحد، بـ«أشد العبارات اعتراف إسرائيل بانفصال إقليم الشمال الغربي بالصومال ما يسمى (إقليم أرض الصومال) طمعاً في تحقيق أجندات سياسية وأمنية واقتصادية مرفوضة رفضاً قاطعاً». وأكد «الرفض الكامل لأي إجراءات تترتب على هذا الاعتراف الباطل بغية تسهيل مخططات التهجير القسري للشعب الفلسطيني أو استباحة مواني شمال الصومال لإنشاء قواعد عسكرية فيها».

وأصبحت إسرائيل أولَ دولة تعترف رسمياً بـ«جمهورية أرض الصومال» المعلنة من جانب واحد «دولة مستقلة ذات سيادة». وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس الماضي، إنَّ إسرائيل ستسعى إلى تعاون فوري مع «أرض الصومال».

ولبحث تداعيات القرار؛ عقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، الأحد، دورةً غير عادية بناءً على طلب من جمهورية الصومال الفيدرالية.

وأكد مجلس الجامعة، في بيان عقب الاجتماع، على «الموقف العربي الثابت والواضح بشأن عدّ إقليم الشمال الغربي بالصومال جزءاً لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية، ورفض أي محاولة للاعتراف بانفصاله بشكل مباشر أو غير مباشر».

وتضمن البيان المكون من 13 بنداً «التأكيد على أن هذا الاعتراف الإسرائيلي غير القانوني يعدّ جزءاً من محاولات إسرائيل لزعزعة الأمن والسلم الدوليين، واعتداءً على الأمن القومي العربي، يستوجب اتخاذ إجراءات قانونية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية ضده»، مؤكداً «دعم أمن واستقرار ووحدة وسيادة الصومال وسلامة أراضيه، ودعم حكومة الصومال الفيدرالية في جهودها للحفاظ على السيادة الصومالية براً وبحراً وجواً».

وطالب البيان الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بالتعاون والتنسيق مع حكومة الصومال وكل من مفوضية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، والدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، بـ«وضع خطة عمل عربية -أفريقية مشتركة تحُول دون إحداث أي تغيير في الوضع الأمني والجيوسياسي القائم ومنع أي تهديد لمصالح الدول العربية والأفريقية في هذه المنطقة الحيوية».

كما دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى «مخاطبة رئاسة مجلس الأمن، وسكرتير عام الأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ودعوتهم لاتخاذ موقف حازم إزاء الاعتراف الإسرائيلي بـ(إقليم أرض الصومال) بعدّه إجراءً تهديدياً للسلم والأمن الدوليين، واتخاذ ما يلزم من تدابير تكفل منع خلق بؤر نزاع جديدة في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني فيها».

وأصبحت إسرائيل أول دولة تعترف بإقليم أرض الصومال الانفصالي في الصومال؛ ما منحها شريكاً جديداً مطلاً على ساحل البحر الأحمر الاستراتيجي.

وأعرب مجلس الجامعة عن «التأييد الكامل والتضامن مع موقف الدولة الصومالية الذي عدّ أن أي إجراء يعترف بانفصال (إقليم أرض الصومال) هو باطل ولاغي وغير مقبول ويمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي، وتدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية الصومالية»، كما «يعدُّ انتهاكاً لسيادة ووحدة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية من شأنه تقويض السلم والأمن الإقليميين، ومفاقمة التوترات السياسية في الصومال والبحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي».

وعدّ مجلس الجامعة العربية «التحركات الإسرائيلية محاولة خطيرة لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية في خليج عدن والبحر الأحمر»، مطالباً المجتمع الدولي بـ«التصدي لتلك الإجراءات بوصفها مهدِّدةً للسلم والأمن الإقليميين والدوليين ولحُرية الملاحة والتجارة الدولية».

وجدَّد مجلس الجامعة «رفضه القاطع لأي شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، ومحاولات تغيير التركيبة الديموغرافية في الأرض الفلسطينية، بعدّ ذلك صورةً من صور جريمة الإبادة الجماعية وانتهاكاً جسيماً للقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية»، وفي هذا السياق «أكد على رفض استخدام الأراضي الصومالية منصةً لتنفيذ هذه المخططات العدوانية الإسرائيلية».

وخلال أشهر الحرب على غزة، تصاعدت تصريحات إسرائيلية رسمية بشأن المضي قدماً في مخططات تهجير فلسطينيي غزة إلى خارج القطاع، بينما تحدثت وسائل إعلام عبرية عن وجهات محتملة شملت دولاً أفريقيةً، بينها الصومال والإقليم الانفصالي.

كما أكد «الرفض القاطع لاستخدام أراضي الصومال، أو أي جزء منها، بواسطة أذرع خارجية منصة لأي أعمال عدائية أو استخباراتية تستهدف الدول الأخرى أو تمس أمنها واستقرارها». وأعلن «التعاون مع حكومة الصومال (بعدّها عضواً غير دائم في مجلس الأمن لعامي 2025 - 2026)؛ لحشد الدعم اللازم لاستصدار ما يلزم من قرارات من الأمم المتحدة تؤكد على وحدة وسيادة الصومال وسلامة أراضيه، ورفض خطوة الاعتراف الإسرائيلي وعدّها لاغية وباطلة ومهددة للسلم والأمن الدوليين والإقليميين».

وطالب البيان مجالس السفراء العرب في نيويورك، وجنيف، وفيينا، وبروكسل، وأديس أبابا، وواشنطن، ولندن، وباريس، وبكين وموسكو، بـ«اتخاذ ما يلزم نحو إيضاح خطورة هذه الخطوة وتداعياتها السياسية والأمنية على السلم والأمن الصوماليين والإقليميين والدوليين».

ودعا جميع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية إلى الامتناع عن أي تعامل رسمي أو شبه رسمي مع سلطات «إقليم أرض الصومال» خارج إطار السيادة الصومالية، مؤكداً على أن «أي مساس بوحدة أراضي الصومال يعدّ عملاً عدائياً تجاه الدولة الصومالية والدول العربية والأفريقية وانتهاكاً لقواعد القانون الدولي يتحمل مرتكبيه المسؤولية القانونية الدولية الكاملة».

وكان الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، قال في تصريحات متلفزة مساء السبت، إن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال «لم يأت من فراغ»، مشيراً إلى أن الدول العربية تابعت مؤشرات تمهّد لمثل هذه الخطوات. وأضاف أن «عدم احترام إسرائيل للقانون الدولي بات نهجاً اعتيادياً في سياستها». وحذّر زكي من أن تؤدي التحركات الإسرائيلية إلى «زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر»، مشدداً على أن «أمن هذه المنطقة مسألة بالغة الحساسية»؛ ما يحتم ضرورة «عدم تجاهل التحركات الإسرائيلية وما يترتب عليه من تبعات».

وخلال الاجتماع أكد مندوب الصومال الدائم لدى الجامعة العربية والسفير الصومالي بالقاهرة، علي عبدي أوراي، في كلمته خلال الاجتماع، الاعتراف الإسرائيلي يعدّ «عملاً عدوانياً واستفزازياً مرفوضاً جملة وتفصيلاً ويشكل انتهاكاً فاضحاً وغير مسبوق للقانون الدولي، ولقرارات الأمم المتحدة ولميثاق جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي». وأشار إلى أن الاعتراف الإسرائيلي «يعدّ اعتداءً مباشراً ومساً بالأمن القومي العربي ككل، وأمن الملاحة في البحر الأحمر».

بدورها، أدانت فلسطين اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»، وعدَّته «اعتداءً صارخاً على وحدة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية، وانتهاكاً واضحاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة». وحذَّر مندوب فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية السفير مهند العكلوك، في كلمته أمام الاجتماع، من أن إسرائيل سبق أن استخدمت «إقليم أرض الصومال» ضمن مخططاتها لتهجير الشعب الفلسطيني، من قطاع غزة، مؤكداً «رفض فلسطين التام لأي مخططات إسرائيلية للتهجير القسري تحت أي مسمى، وعدّ ذلك خطاً أحمر».