خيارات السلام في اليمن... بين فرض الأمر الواقع والمقاربات التوافقية

جابر لـ«الشرق الأوسط»: التقارب السعودي-الإيراني قد يؤدي إلى انفراجة وشيكة

غروندبرغ متحدثاً أمام مجلس الأمن في إحاطة سابقة (الأمم المتحدة)
غروندبرغ متحدثاً أمام مجلس الأمن في إحاطة سابقة (الأمم المتحدة)
TT

خيارات السلام في اليمن... بين فرض الأمر الواقع والمقاربات التوافقية

غروندبرغ متحدثاً أمام مجلس الأمن في إحاطة سابقة (الأمم المتحدة)
غروندبرغ متحدثاً أمام مجلس الأمن في إحاطة سابقة (الأمم المتحدة)

يكتنف الغموض جهود السلام الحالية لإنهاء الصراع اليمني الممتد لأكثر من ثماني سنوات، والخيارات المتاحة أمام الأطراف المتنازعة بين فرض الأمر الواقع لبعض القوى، والمقاربات التوافقية التي تنادي بها مكونات أخرى.

الفجوة المتَّسعة بين مواقف أطراف الصراع وتصوراتها لمستقبل اليمن تُمثِل أحد من أهم التحديات أمام إحلال السلام، وفقاً للدكتور عبد العزيز جابر، الباحث اليمني في الإعلام السياسي.

وفي قراءة له حول ثنائية الحرب والسلام، والجهود السعودية المتواصلة لإرساء دعائم السلام المستدام في اليمن، يرى جابر أن فشل جهود السلام يضع البلاد أمام مشهد معقد، وحالة عالية من عدم اليقين، وتهديدات حقيقية قد يصل تأثيرها إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب والبحر العربي التي تمثل شرياناً للاقتصاد العالمي.

جانب من جلسات منتدى اليمن الدولي الذي عُقد أخيراً في مدينة لاهاي الهولندية (الشرق الأوسط)

صيغة توافقية بين الأطراف

يؤكد الدكتور عبد العزيز جابر أنه من خلال قراءة متأنية لمواقف القوى الفاعلة في مشهد الحرب والسلام في اليمن، يتضح جلياً أن التوفيق بين أطراف الصراع وتصوراتهم المختلفة حول التوصل لتحقيق سلام دائم ومستدام وإنهاء الصراع والحرب في اليمن يبدو حتى الآن مهمة صعبة ومعقدة.

وحسب جابر فإن ذلك يعود إلى «رفض معظمهم تقبل حقيقة أنَّهم ليسوا قادرين على فرض رؤيتهم على الأطراف الأخرى، وأنَّهم مضطرون إلى التوصل إلى صيغة توافقية ومقاربات، وهذا يرجع إلى أن أطراف الصراع تفتقر إلى الواقعية السياسية».

وأضاف: «من خلال عمل كل طرف من أطراف الصراع على ترسيخ سلطته في مناطق سيطرته، وتكريس ترتيبات خاصة فيها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وعلى وجه التحديد جماعة الحوثي التي فرضت لوائح وقوانين ومناهج في مناطق سيطرتها بما ينسجم مع آيديولوجيتها الطائفية السلالية، هذه التغييرات الكبيرة تُمثِّل عقبة كبيرة في حد ذاتها سوف تستغرق الكثير من الوقت والجهد من أجل التعامل معها والتوافق على آلية حلحلتها، وأن استمرارها يتعارض مع جهود إحلال السلام في اليمن».

بلينكن مجتمعاً في الرياض مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

ويرى الباحث أن الفجوة المتَّسعة بين مواقف أطراف الصراع وتصوراتها لمستقبل اليمن تُمثِل أحد أهم التحديات أمام إحلال السلام، إلى جانب انعدام الثقة بين أطراف الصراع التي يُفترض أن تستند إليها أهم ترتيباته، ابتداءً من تثبيت وقف إطلاق النار، مروراً بإعادة انتشار القوات وسحبها من المدن، وانتهاءً بدمجها في هيكل عسكري واحد متفق عليه، إضافةً إلى مجمل ترتيبات الفترة الانتقالية ضمن إطار حكومة الوحدة الوطنية وغيرها، مبيناً أن هذه الحالة من انعدام الثقة كرَّست حجر عثرة أمام تحقيق السلام المستدام في اليمن.

الباحث اليمني في الإعلام السياسي الدكتور عبد العزيز جابر (الشرق الأوسط)

أمر واقع أمام الإخفاقات

يعتقد الدكتور جابر أن الكثير من المعوقات والتحديات يقف في طريق تحقيق السلام المنشود، من أبرزها ما حققه الحوثيون من سيطرة شاملة بلغت عمق الدولة ومفاصلها، وإحكام قبضتهم على العاصمة صنعاء ومعظم المناطق والمحافظات الشمالية الذي عززته زيادة فرص الإخفاقات التي اعترت الصف المناهض لها.

وتابع: «السبب كما هو معلوم حال التباين السياسي داخل جسد الحكومة الشرعية الذي ينسحب بدوره على الجانب العسكري والأمني، على الرغم من التقائها في جبهة مواجهة الحوثي ومشروعه الكهنوتي الظلامي».

تحقيق أي اختراق في حالة جمود عملية السلام -حسب الباحث- يتطلب تقديم الحوثيين تنازلات كبرى من خلال التراجع عن انقلابهم على الحكومة الشرعية، وهو ما يعد بالنسبة إليهم خسارة لمكتسباتهم وسيعملون على عدم التفريط بها، خصوصاً تلك القضايا التي تشكل عمق وجوهر المشكلة اليمنية التاريخية ممثلةً بالنهج الديمقراطي وتوزيع مراكز السلطة والثروة.

ولفت جابر إلى أن الحوثيين «يدركون أنهم سيصبحون الخاسر الأكبر لمحدودية شعبيتهم ونهجهم السلالي المقيت الذي ينبذه الشعب اليمني كافة، لأنهم يحملون مشروعاً إرهابياً عنصرياً لا يمكن أن يسمح بقواسم وطنية سياسية مشتركة مع بقية القوى السياسية على الساحة اليمنية، فمنهجهم وعقيدتهم السياسية تقوم على إخضاع الآخر من موقعهم السلالي الطائفي، وما لم يُكسر هذا الاستعلاء ويعاد بناؤه في إطار سياسي وطني فلا يمكن له أن يقبل السلام».

طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية تستعد للهبوط في مطار صنعاء الدولي (إ.ب.أ)

وشدد الدكتور عبد العزيز على أن جماعة الحوثي تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية في عرقلة مسار إحلال السلام بسبب موقفها المتعنت تجاه المساعي السعودية وجهودها لوقف إطلاق النار، من خلال رفع سقف الشروط والمطالب، ومقاربتها الآيديولوجية المتطرفة وغير الواقعية التي يغيب فيها أي اعتبار لمصالح اليمن وأمنه واستقراره وتطوره.

كان سفراء كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب الصين، قد دعوا جماعة الحوثي إل التخلي عن الخيار العسكري للأزمة اليمنية، محذرين من أن أي عودة للصراع ستؤدي إلى عزلها دولياً بشكل تام.

مخاوف حرب استنزاف

في قراءته للمشهد، يحذّر الباحث اليمني في الإعلام السياسي من مخاوف حقيقية من أن يؤدي استمرار الصراع إلى الدخول في حرب استنزاف طويلة المدى مما يُدخل اليمن في مرحلة صعبة.

وأضاف: «سيتحول اليمن إلى أزمة منسية يبسط فيها الحوثيون سيطرتهم العنيفة على صنعاء والشمال (...) مع الخوف من أن تفقد الحكومة الشرعية سيطرتها على عدن وباقي المحافظات خصوصاً مع تردي الخدمات وتنامي الدعوات لبعض المكونات، منها المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى فرض سيطرته في المناطق التي يُحكم سيطرته عليها بعد تحريرها من جماعة الحوثي، مع عدم إغفال دعوات أخرى، ومنها في حضرموت، التي أعلنها محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، بعد انتهاء المشاورات الحضرمية وإعلان مجلس حضرموت الوطني».

كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، قد أعلن قبل أيام في المكلا، إعطاء محافظة حضرموت حق إدارة شؤونها بشكل كامل إدارياً وأمنياً واقتصادياً، مبيناً أنه في حال نجاح التجربة سيعمَّم ذلك على بقية المحافظات المحرَّرة.

التقارب السعودي-الإيراني

يخلص الدكتور جابر إلى أن مجمل المعطيات والمواقف السابقة للأطراف الفاعلة في المشهد والصراع اليمني تنذر بتهديدات حقيقية في سبيل تحقيق السلام المستدام في اليمن، بل على حالة الاستقرار في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والبحر العربي التي تمثل شرياناً للاقتصاد العالمي.

وأشار إلى أن هناك «حاجة إلى تضافر جهود المجتمع الدولي وممارسة أقصى درجات الضغط على جماعة الحوثي، ومن خلفهم إيران، للتعاطي بإيجابية مع المساعي والجهود السعودية لإحلال السلام المستدام في اليمن».

وحذّر الباحث من أن «فشل هذه الجهود يضع اليمن أمام سيناريوهات تتداخل بصورة كبيرة، ويضفي على المشهد اليمني مزيداً مِن التركيب والتعقيد، وحالة عالية مِن عدم اليقين».

وتابع: «من المناسب الإمساك بالمتغيِّر المفتاحي، المتمثل في السياسة السعودية تجاه الصراع بشكل عام، وتوجُّهها نحو الحوثيين على وجه التحديد في هذه المرحلة التي شهدت فيها العلاقات السعودية-الإيرانية حالة انفراج تُوِّجت بزيارة وزير الخارجية السعودي لطهران ولقائه الرئيس الإيراني، وهو ما يشير إلى انفراجة وشيكة في الملف اليمني، حسب بعض المراقبين للحرب في اليمن».

ويرى الدكتور عبد العزيز أن «موقف السعودية وإيران مِن مسارات التهدئة والتسوية أو الحرب قد يكون حاسماً، واعتماده مدخلاً للتحليل ومحاولة استشراف التطوُّرات في المستقبل القريب». مطالباً «الأطراف اليمنية بالتقاط ذلك والتعاطي بإيجابية وانفتاح لتحقيق سلام عادل ومستدام في اليمن والانطلاق نحو التنمية والبناء وعودة اليمن السعيد لسابق عهده واحةً للسلام والحكمة والازدهار».


مقالات ذات صلة

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

العالم العربي الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

يتعرض طلاب الدراسات العليا في الجامعات اليمنية لابتزاز قادة حوثيين لإعداد رسائلهم للماجستير، والدكتوراه، في حين يجري إغراق التعليم الجامعي بممارسات كسب الولاء

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طائرة أميركية مسيرة من طراز «إم كيو - 9» (أرشيفية - أ.ب)

اليمن: مقتل قيادي بارز بـ«القاعدة» بغارة أميركية في مأرب

أكد مصدر أمني يمني، مساء السبت، مقتل قيادي بارز في تنظيم «القاعدة»، في ضربة بطائرة أميركية من دون طيار في محافظة مأرب، شرق البلاد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عناصر حوثيون أمام شاشة كبيرة تنقل صوراً لهجمات نفَّذتها الجماعة في البحر الأحمر (غيتي)

سباق الظلام… الحوثيون يحاولون تجاوز اختراقهم من إسرائيل

لجأ الحوثيون لتشديد إجراءاتهم الأمنية لحماية قياداتهم من الاستهداف الإسرائيلي، كتعطيل كاميرات المراقبة وتغيير هوياتهم يومياً وتنويع وسائل تنقلهم وتمويه تحركاتهم

وضاح الجليل (عدن)
خاص باتريك سيمونيه رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن (تصوير: صالح الغنام)

خاص الاتحاد الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»: لا تساهل مع الحوثيين... وهدفنا عودة اليمنيين للمفاوضات

تؤكد بروكسل أنها لا تتساهل مع الحوثيين، وكل جهودها تنصب لإعادة الأطراف لطاولة المفاوضات وتطبيق خريطة السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي الرئيس رشاد العليمي يستقبل الوزير البريطاني في عدن (سبأ)

وزير بريطاني: شراكتنا مع اليمن «ركيزة أساسية» لاستقرار البلاد وأمن المنطقة والعالم

وصف وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني هيمش فولكنر الشراكة مع اليمن بأنها «ركيزة أساسية» لاستقرار البلاد وأمن المنطقة والعالم.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.