تشهد محافظة مأرب اليمنية (شرق صنعاء)، تصاعداً مقلقاً في موجات النزوح المقبلة من محافظتَي حضرموت والمهرة، في ظل التطورات الأمنية والعسكرية الأخيرة، ما فاقم من حدة الأزمة الإنسانية في المحافظة التي تعدّ أكبر مركز لاستقبال النازحين داخلياً منذ اندلاع الحرب التي فجَّرها الحوثيون أواخر 2014.
ومع استمرار تدفق الأسر النازحة، أطلق مسؤولون محليون نداءات عاجلة للمنظمات الإنسانية والإغاثية للتدخل السريع، محذرين من أن أي تأخير في الاستجابة سيقود إلى مزيد من المعاناة الإنسانية، والضغط غير المسبوق على الموارد والخدمات الأساسية.
وبحسب مصادر حكومية وتقارير أممية، استقبلت مأرب نحو 51 في المائة من حركة النزوح الجديدة خلال الفترة الأخيرة، في وقت تؤوي فيه المحافظة نحو 65 في المائة من إجمالي 4.5 مليون نازح داخلي في اليمن.
وأكدت الأمم المتحدة أن نحو 5 آلاف شخص نزحوا خلال الأيام الماضية من محافظة حضرموت باتجاه مأرب؛ نتيجة الأحداث التي شهدتها المحافظة منذ مطلع الشهر الحالي، وسط مخاوف من اتساع رقعة النزوح إذا استمرَّ التصعيد.

في هذا السياق، أطلق محمد بن جلال، مدير عام مديرية مدينة مأرب ورئيس المجلس المحلي، نداءً عاجلاً إلى شركاء العمل الإنساني والتنموي، المحليين والدوليين، إضافة إلى الحكومة اليمنية، داعياً إلى سرعة الاستجابة للاحتياجات المتزايدة للنازحين. وأوضح أن الوضع الإنساني في المحافظة بات يتطلب تدخلاً سريعاً وفعالاً، محذراً من أن التأخير يعني تفاقم المعاناة الإنسانية، وازدياد الضغط على الموارد المحدودة.
تحذير من الانهيار
حدَّد المسؤول المحلي محمد بن جلال أولويات التدخل الإنساني في محافظة مأرب، مشيراً إلى الحاجة الملحة للمساعدات الغذائية والدوائية لأكثر من 234 ألف أسرة نازحة في المحافظة.
كما شدَّد على أهمية ضمان استمرار دعم برامج الإيواء والخدمات الأساسية في المخيمات والتجمعات السكانية، إلى جانب توفير دعم تنموي متكامل يخفف الضغط على الخدمات العامة، ويسهم في استقرار المجتمعات المستضيفة والنازحة على حد سواء. وطالب الجهات المانحة والمنظمات الدولية بإبداء مرونة أكبر في معايير التسجيل؛ لتسهيل وصول المساعدات إلى المستحقين في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة.

وأكد المسؤول المحلي أنه يوجه هذا النداء بصفته مسؤولاً وإنساناً يلامس معاناة النازحين بشكل يومي، مشيراً إلى أن مأرب تتحمل العبء الأكبر من أزمة النزوح في اليمن منذ عام 2015. واستناداً إلى الإحصاءات الرسمية، أوضح أن المحافظة تستضيف أكثر من 65 في المائة من إجمالي النازحين في البلاد، كما تستقبل أكثر من نصف حركة النزوح الجديدة، وفقاً لتقارير منظمة الهجرة الدولية.
أرقام صادمة
وفقاً للسلطات المحلية، يبلغ عدد المخيمات التي تستضيف النازحين في مأرب 209 مخيمات، إلى جانب أعداد كبيرة من الأسر التي تقيم في مدينة مأرب وضواحيها. وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو 234 ألف أسرة نازحة بحاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية، في وقت تواجه فيه السلطات المحلية تحديات جسيمة؛ نتيجة الزيادة السكانية المفاجئة. فقبل الحرب، لم يكن عدد سكان المحافظة يتجاوز 400 ألف نسمة، بينما تستضيف اليوم أكثر من مليونَي نازح.
وفيما يتعلق بالأمن الغذائي، أوضح بن جلال أن نسبة الاحتياج ارتفعت بنحو 13 في المائة خلال عام 2025، متوقعاً أن تصل إلى 25 في المائة خلال العام المقبل إذا لم تُتَّخذ إجراءات عاجلة. وأرجع ذلك إلى التراجع الملحوظ في حجم المساعدات منذ منتصف العام الماضي، حيث أدى توقف بعض الوكالات الإنسانية عن تقديم الدعم إلى خسارة نحو 45 في المائة من إجمالي المساعدات الإنسانية، بحسب إعلام حكومي.

وأشار المسؤول المحلي إلى أن مأرب تواجه موجات نزوح جديدة بشكل شبه يومي من محافظتَي حضرموت والمهرة، واصفاً الوضع بـ«الاختبار القاسي لصمود المحافظة». وقال إن مأرب التي فتحت أبوابها لجميع اليمنيين تستحق أن تكون نموذجاً للتعافي والاستقرار، لا ساحة لانهيار إنساني جديد، مؤكداً أن السلطات المحلية تمد يدها للشركاء من أجل العمل المشترك لتحويل محنة النزوح إلى فرصة للبناء والتنمية.
موجة نزوح جديدة
أكدت الأمم المتحدة، عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن التصعيد العسكري الأخير في حضرموت، لا سيما في مدينة سيئون ومحيطها، أدى إلى موجة نزوح جديدة لمئات الأسر.
وأوضح المكتب أن غالبية هذه الأسر كانت قد نزحت سابقاً من محافظات شمالية خاضعة لسيطرة الحوثيين إلى حضرموت، قبل أن تُجبَر مجدداً على النزوح نحو مأرب أو إلى مناطق أخرى داخل حضرموت.
وحذَّر «أوتشا» من أن موجات النزوح من حضرموت إلى مأرب لا تزال مستمرة، وأن استمرار تدفق النازحين يسهم بشكل كبير في زيادة العبء الإنساني القائم في المحافظة، التي تعاني أصلاً من محدودية الموارد وتراجع تمويل المساعدات الإنسانية.
ودعا المكتب الأممي المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لدعم الاستجابة الإنسانية في مأرب، ومنع تدهور الأوضاع إلى مستويات أكثر خطورة.








