متى وكيف تقيس نسبة السكر في الدم؟

نصائح وإرشادات طبية لمرضى السكري

لصقة مطورة لقياس السكري
لصقة مطورة لقياس السكري
TT
20

متى وكيف تقيس نسبة السكر في الدم؟

لصقة مطورة لقياس السكري
لصقة مطورة لقياس السكري

عند إصابة الشخص بمرض السكري، وضرورة قياس نسبة سكر الغلوكوز في الدم، ثمة حقيقتان علاجيتان أساسيتان:

- الأولى، أن مراقبة نسبة السكر في الدم (الغلوكوز)، وتحديد مستويات سكر الدم المرتفعة أو المنخفضة، أمر أساسي لمعرفة مدى نجاح خطة العلاج الحالية، عبر مراقبة أثر أدوية علاج مرض السكري على مستويات السكر في الدم، إذ إنها توفر معلومات مهمة حول كيفية إدارة معالجة مرض السكري على أساس يومي، وأحياناً ساعة بساعة؛ خصوصاً عند تلقي المعالجة بالإنسولين. كما تتبع مدى التقدم في تحقيق الأهداف العلاجية.

- الثانية، فهم كيفية تأثير النظام الغذائي والتمارين الرياضية، على مستويات سكر الدم. وفهم كيفية تأثير العوامل الأخرى -مثل تقلبات الحالة الصحية والمرض أو الضغط العصبي- على مستويات سكر الدم. وبالتالي تساعد نتائج مراقبة نسبة السكر في الدم على اتخاذ قرارات بشأن الطعام الذي يتناوله مريض السكري، وجبة بوجبة، ومقدار النشاط البدني الذي يُمكنه أن يبذله، إضافة إلى مقدار جرعات الإنسولين التي يتعين عليه تلقيها.

سكر الدم

ومعلوم أن عدة أشياء يمكن أن تؤثر على نسبة السكر في الدم. بعضها يُمكن للمريض أن يتعلم التنبؤ بتأثيراتها، بمرور الوقت والممارسة لقياس نسبة السكر في الدم، بينما يصعب للغاية أو يستحيل التنبؤ بالبعض الآخر. هذا هو السبب في أنه من المهم فحص نسبة السكر في الدم بانتظام، وفق نصائح الطبيب المتابع لحالة المُصاب بمرض السكري.

> ارتفاع نسبة سكر الدم: على سبيل المثال، الظروف التالية عادة ما تتسبب في ارتفاع مستويات السكر في الدم:

- تناول الكربوهيدرات، سواء سكرية الطعم (كربوهيدرات أحادية أو ثنائية) أو غير سكرية الطعم (كربوهيدرات معقدة التركيب).

- عدم تناول ما يكفي من أدوية السكري أو الإنسولين، أو عدم تناول الجرعة بالأصل.

- قلة ممارسة الرياضة، أو ممارسة نشاط أقل مما تفعله عادة.

- تناول أدوية الكورتيكوستيرويد (مشتقات الكورتيزون).

- الإصابة بحالة مرضية مفاجئة (التهابات الجهاز التنفسي أو البولي على سبيل المثال) أو الخضوع لعملية جراحية.

- حصول ظاهرة الفجر Dawn Phenomenon وهي ظاهرة يُلاحظ فيها ارتفاع نسبة سكر الدم في الصباح الباكر. ويُعتقد أن ذلك يحصل نتيجة حصول انخفاض في أثناء النوم، وعمل الجسم على إزالة ذلك عبر إجراء عدة عمليات كيميائية حيوية في الجسم، تُؤدي إلى ارتفاع سكر الدم. وتتم ملاحظة ذلك في الصباح عند قياس نسبة الغلوكوز. وثمة عدة تفسيرات طبية لأسباب حصول هذه الظاهرة لدى بعض مرضى السكري.

- التدخين

- جفاف الجسم بسبب قلة توفر السوائل فيه.

> انخفاض نسبة سكر الدم: قد تتسبب الظروف التالية في انخفاض نسبة سكر الدم:

- عدم تناول وجبات الطعام، لأي سبب كان.

- تناول جرعات عالية من الإنسولين أو أدوية علاج ارتفاع سكر الدم.

- فرط ممارسة النشاط البدني، دون تعويض النقص في نسبة سكر الدم.

> ارتفاع وانخفاض نسبة السكر: ثمة حالات قد ترتفع أو قد تنخفض فيها نسبة السكر في الدم، بناء على عدة عوامل متشابكة ومتداخلة في تأثيراتها، مثل:

- فترة الحيض خلال الدورة الشهرية.

- اختلال توقيت تلقي الإنسولين أو أدوية علاج السكري، بالتوافق مع ضبط أوقات تناول وجبات الطعام.

- تداخلات وتفاعلات عكسية بين أدوية علاج السكري وأدوية أخرى قد يتناولها مريض السكري.

وبسبب كل هذه العوامل المختلفة في تأثيراتها على نسبة سكر الدم، من الضروري مراقبة السكر في الدم لدى المصاب بالسكري، عبر قياس نسبته في الدم؛ لأنها ببساطة، الطريقة الوحيدة للتأكد من تغير مستويات السكر في الدم.

فحص مستويات السكر

ويوضح ذلك أطباء «مايوكلينيك» بالقول: «سيخبر الطبيب بعدد مرات فحص مستويات السكر في الدم. عادة ما يعتمد تكرار الاختبار على نوع مرض السكري وخطة العلاج.

> السكري من النوع الأول: وعلى سبيل المثال، قد يوصي الطبيب بإجراء اختبار سكر الدم من 4 إلى 10 مرات في اليوم، في حالة الإصابة بمرض السكري من النوع الأول. ولذا قد يحتاج المريض إلى إجراء الاختبار:

- قبل الوجبات الرئيسية والخفيفة.

- قبل ممارسة الرياضة وبعدها.

- قبل النوم.

- خلال الليل (أحياناً).

- بمعدل أكبر إذا كنت مريضاً.

- بمعدل أكبر إذا غيرت نمطك اليومي.

- بمعدل أكبر في حالة البدء في تناول دواء جديد».

> السكري من النوع الثاني: ويضيفون: «إذا كنت تتلقى الإنسولين للسيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، فقد يوصي الطبيب بفحص سكر الدم عدة مرات في اليوم، ويتحدَّد ذلك حسب نوع الإنسولين الذي تستخدمه وكميته. ويُوصى بإجراء الاختبار عادة قبل الوجبات أو عند وقت النوم إذا كنت تتلقى كثيراً من الحقن يومياً. وقد تحتاج إلى إجراء الاختبار فقط قبل وجبة الإفطار وأحياناً قبل وجبة العَشاء أو النوم، إذا كنت تستخدم الإنسولين متوسط أو طويل المفعول. وإذا كنت تحاول السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني باستخدام أدوية لا تحتوي على الإنسولين أو باتباع نظام غذائي وممارسة التمارين الرياضية فقط، فقد لا تحتاج إلى اختبار سكر الدم يومياً».

> مراقبة منزلية: وثمة طريقتان رئيسيتان يمكن من خلالهما مراقبة نسبة السكر في الدم في المنزل، هما:

- استخدام جهاز إلكتروني محمول يسمى مقياس السكر في الدم، بوخز الأصبع والحصول على قطرة من الدم.

- استخدام جهاز المراقبة المستمرة للغلوكوز CGM.

ووفق التشاور مع الطبيب المعالج، يمكن لمريض السكري اختيار أي من الطريقتين أو كليهما لعدة أسباب، مثل:

- القدرة المادية وتوفر أي من الأجهزة.

- القدرة على استخدام أي منها بمهارة (سواء من المريض أو أحد أفراد المنزل).

- عمر المريض

- حالة مرض السكري لدى المريض.

- كم مرة يوصي الطبيب بفحص نسبة السكر في الدم.

- المستوى العام لصحة المريض.

القياسات المُستهدفة

يحدد الطبيب لمريض السكري (وليس للشخص السليم منه) نطاق نسبة سكر الدم المناسب له، أي القياسات المُستهدفة علاجياً لنسبة سكر الدم. ويضع الطبيب القياسات المُستهدفة لنسبة سكر الدم استناداً إلى عدد من العوامل، والتي من أهمها:

- نوع مرض السكري وحدّته.

- مقدار العمر.

- مدة الإصابة بداء السكري.

- وجود مضاعفات بسبب مرض السكري.

- المستوى العام لصحة مريض السكري ومدى وجود حالات مرضية أخرى. وبالعموم، تنصح جمعية السكري الأميركية ADA، بمستويات سكر الدم المستهدفة التالية:

- قبل تناول الوجبات، ما بين 80 و130 مليغراماً لكل ديسيلتر (ملغم/ دل)، أو من 4.4 (أربعة فاصلة أربعة) إلى 7.2 (سبعة فاصلة اثنين) مليمول لكل لتر (مليمول/ ل).

- بعد ساعتين من تناوُل الوجبات أقل من 180 ملغم/ دل (10 مليمول/ لتر).

ولكن كنهج عملي، توضح جمعية السكري الأميركية أن هذه الأهداف غالباً ما تختلف اعتماداً على مقدار عمر المريض وصحته الشخصية. ولذا ينبغي أن توضع لكل فرد وبشكل منفصل، القياسات المُستهدفة علاجياً لنسبة سكر الدم. وبالتالي قد يكون لدى بعض الأشخاص أهداف أعلى قليلاً لضبط مستوى سكر الدم، لمنع حصول تداعيات انخفاضه، ومنهم على وجه الخصوص:

- مَن هم في سن 60 عاماً أو أكبر.

- مَن يواجهون حالات طبية أخرى، مثل مرض الكلى أو القلب أو الرئة.

- انخفاض القدرة على الشعور بانخفاض مستويات السكر في الدم نتيجة وجود اعتلال عصبي بسبب السكري.

استخدام الجهاز التقليدي

استخدام الجهاز التقليدي لقياس السكر يتطلب عينة صغيرة من الدم، يتم أخذها عادة من طرف أحد الأصابع. ثم يتم وضع قطرة الدم تلك على شريط قياس يُستخدَم مرة واحدة. ووفق ما يذكره أطباء «مايوكلينيك»، فإن الطريقة السليمة لإجراء ذلك:

- اغسل يديك وجففهما جيداً. (الطعام والمواد الأخرى قد تتسبب في قراءة غير دقيقة).

- أدخل شريط قياس في مقياسك.

- قم بوخز جانب طرف إصبعك باستخدام الإبرة (الواخزة) الواردة مع مجموعة القياس.

- المس نقطة الدم بحافة شريط القياس مع تثبيته.

- سيعرض المقياس مستوى السكر في دمك على الشاشة بعد ثوانٍ قليلة.

ويضيفون أنه يجب استخدام مقاييس السكر في الدم وصيانتها بطريقة ملائمة. واتباع هذه النصائح للتأكد من الاستخدام الملائم:

- راجع تعليمات دليل المستخدم الخاص بجهازك، فالخطوات قد تتغير من جهاز إلى آخر.

- لا تستخدم سوى شرائط الاختبار المخصصة لمقياسك، وغير منتهية الصلاحية، وخزّنها وفقاً للتوجيهات المرفقة.

- احرص على إجراء فحوصات ضمان الجودة وفقاً للتوجيهات، وأحضر المقياس إلى الطبيب خلال مواعيدك الطبية للإجابة عن أي أسئلة، ولتوضيح كيفية استخدامه.

أوقات فحص نسبة السكر

نظراً لأن أعراض مرض السكري ومقدماته تظهر بشكل تدريجي، أو قد لا يكون من السهل رؤيتها، فقد طورت جمعية السكري الأميركية ADA إرشادات الفحص. وتوصي بفحص نسبة السكر في الدم لأي من الأشخاص التاليين للكشف عن مرض السكري:

- أي شخص لديه مؤشر كتلة جسم أعلى من 25 (أعلى من الطبيعي)، بغض النظر عن العمر، ولديه أحد عوامل خطر إضافية (ارتفاع ضغط الدم- اضطراب مستويات الكوليسترول- نمط الحياة غير نشط بدنياً- تاريخ متلازمة تكيس المبايض أو أمراض القلب- وجود قريب مصاب بداء السكري).

- يُنصح أي شخص أكبر من 35 عاماً بإجراء فحص أولي لسكر الدم. إذا كانت النتائج طبيعية، فيجب فحصها كل 3 سنوات بعد ذلك.

وإذا كانت النتائج غير طبيعية، فإن ذلك يكون إما:

> ارتفاعاً في نسبة سكر الدم بما يكفي لتشخيص الإصابة بمرض السكري، وهنا تبدأ المعالجة والمتابعة الطبية وسيُقرر الطبيب متى يجدر قياس نسبة السكر في الدم، وتكرار ذلك.

> ارتفاعاً في نسبة سكر الدم بما يكفي لتشخيص الإصابة بحالة «ما قبل السكري» Prediabetes، وهنا يُنصح بإجراء قياس نسبة سكر الدم مرة في كل عام.

- يُنصح النساء اللواتي أُصبن بسكري الحمل Gestational Diabetes، بإجراء فحص سكر الدم مرة كل 3 سنوات.

أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز... خطوات الاستخدام والمتابعة

لمبررات عدة، قد يختار مريض السكري، استخدام أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز CGM . وهي توفر قياسات متكررة لنسبة السكر في الدم كل بضع دقائق، وذلك عبر مستشعر sensor يُوضَع تحت الجلد. وعادة ما يرتدي المريض هذا المستشعر لمدة أسبوع أو أسبوعين، ثم يحتاج إلى تغيير. وثمة أنواع حديثة منه، ذات ميزة بقاء المستشعر لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر. ويمكنها أيضاً إرسال معلومات عن نسبة السكر في الدم لاسلكيًّا من المستشعر إلى تطبيق على الهاتف المحمول، أو ساعة ذكية، أو جهاز استقبال. وبالتالي تتوفر ميزة اطلاق إنذار إذا كان معدل السكر في الدم يرتفع أو ينخفض بسرعة كبيرة.وثمة جانب مهم أخر تجدر ملاحظته والتعامل معه، وهو أن بعض الأدوية (ومن أبسطها دواء الأسيتامينوفين أو تايلينول لتسكين الألم وخفض الحرارة، ودواء فينتولين للربو) قد تؤثر على دقة قراءات بعض أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز. وأن كان غالبية ذلك قد يحصل عند استخدام الموديلات القديمة من أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز، إلاّ أن ذلك من الممكن أن يحصل عند تناول بعض أنواع الأدوية، حتى مع الموديلات الحديثة.ولذا يحتاط الطبيب، عند حاجة المريض إلى تناوُل أنواع معينة من الأدوية التي قد تؤثر على دقة القراءات، بالنصيحة بإجراء قياس نسبة سكر الدم بالجهاز التقليدي لقياس نسبة سكر الدم.كما تجدر استشارة الطبيب المتابع لحالة السكري حول استخدام جهاز المراقبة المستمرة للغلوكوز إذا كانت المرأة حاملاً، أو كان المريض يخضع لغسيل الكلى أو مصاب بأحد أنواع الحالات المرضية المتقدمة والتي قد تؤثر على دقة قراءات سكر الدم على أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز.

* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

صحتك أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

هل تعاني من انتفاخ دائم، عدم ارتياح بعد تناول الطعام، أو نوبات مزعجة من مشكلات الهضم؟ لست وحدك، وقد يكون السبب أعمق من مجرد القولون العصبي أو التوتر،

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك الأغذية الفائقة المعالجة ربما تُعيد برمجة الشهية في المخ

الأغذية الفائقة المعالجة ربما تُعيد برمجة الشهية في المخ

كشفت دراسة حديثة لباحثين في جامعة ماكجيل بكندا وجامعة هلسنكي بفنلندا عن الكيفية التي تُعيد بها الأطعمة فائقة المعالجة تشكيل دوائر الشهية في المخ،

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك تنظيف الأسنان وسيلة فعّالة للمساعدة في خفض معدلات الالتهاب الرئوي (آي ستوك)

احذر معجون الأسنان قد يكون ملوثاً بالرصاص ومعادن ثقيلة

أظهر بحث جديد أن معجون الأسنان يمكن أن يكون ملوثاً بمادة الرصاص وغيرها من المعادن الثقيلة الخطيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 8 نقاط تساعدك في تقييم مستوى شدة نشاطك البدني

8 نقاط تساعدك في تقييم مستوى شدة نشاطك البدني

جميعنا نمارس في كل يوم مقادير مختلفة من النشاط البدني بمستويات مختلفة من «الشدة». وفيما قد يقنع بعضنا بما يمارسه من «مشي معتاد» لفترات متفاوتة،

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك متى نستخدم الكمادات الباردة أو الساخنة لتخفيف الألم؟

متى نستخدم الكمادات الباردة أو الساخنة لتخفيف الألم؟

كيس (قربة) الماء الساخن أو الكمادات الباردة أو الكمادات الساخنة، هي من «أقدم» الوسائل العلاجية لدى مختلف شعوب العالم على مر العصور.

د. عبير مبارك (الرياض)

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم
TT
20

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

أسباب خفية وراء الانتفاخ المزمن واضطرابات الهضم

هل تعاني من انتفاخ دائم، عدم ارتياح بعد تناول الطعام، أو نوبات مزعجة من مشكلات الهضم؟ لست وحدك، وقد يكون السبب أعمق من مجرد القولون العصبي أو التوتر، كما يخطر على بال كثيرين.

هناك حالتان مهمتان، نادراً ما يتم تشخيصهما رغم شيوعهما: الأولى فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة (SIBO)، والثانية فرط النمو الفطري في الأمعاء الدقيقة (SIFO).

في السنوات الأخيرة، أصبحت مشكلات الجهاز الهضمي مثل الانتفاخ، وعدم الراحة في البطن، واضطراب حركة الأمعاء أكثر شيوعاً. وبينما يربط كثيرون هذه الأعراض بمتلازمة القولون العصبي (IBS)، هناك وعي متزايد بهذه المشكلات، وبشكل خاص بهاتين الحالتين، اللتين غالباً ما يتم تجاهلهما.

وهما مشكلتان تتشابهان في الأعراض، لكنهما تختلفان تماماً في الأسباب والعلاج، وفهمُ الفرق بينهما قد يكون مفتاح الراحة طويلة الأمد.

فرط النمو البكتيري

ما هو فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة؟ يشير فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة Small Intestinal Bacterial Overgrowth (SIBO) إلى وجود عدد مفرط من البكتيريا في الأمعاء الدقيقة، وهي منطقة من الجهاز الهضمي تحتوي عادة على عدد قليل نسبياً من البكتيريا مقارنةً بالقولون.

تقوم هذه البكتيريا الزائدة بتخمير الكربوهيدرات الموجودة في الطعام، تنتج عنه غازات مثل الهيدروجين والميثان، ما يؤدي إلى أعراض مزعجة مثل:

- غازات، وانتفاخ، وتورم في البطن

- إسهال، وإمساك، أو تناوب بينهما

- تقلصات أو آلام في البطن

- نقص امتصاص العناصر الغذائية وفقدان غير مقصود للوزن

وغالباً ما يرتبط فرط النمو هذا بحالات مثل القولون العصبي، السكري، قصور الغدة الدرقية، أو تغيّرات ما بعد العمليات الجراحية في الجهاز الهضمي.

وللتشخيص، فإن المعيار الذهبي هو اختبار الزفير، حيث يُقاس غاز الهيدروجين أو الميثان بعد تناول محلول سكري (غلوكوز أو لاكتولوز).

أما العلاج فيشمل مضادات حيوية موجهة مثل ريفاكسيمين (rifaximin)، تغييرات غذائية مثل حمية منخفضة الفودماب (Low-FODMAP)، وأحياناً أدوية لتحفيز حركة الأمعاء.

وكلمة (FODMAP) هي اختصار لـ: Fermentable Oligosaccharides, Disaccharides, Monosaccharides And Polyols وهي مجموعة من الكربوهيدرات قصيرة السلسلة التي يصعب امتصاصها في الأمعاء الدقيقة، ما يجعلها تتخمر بفعل البكتيريا في القولون، وتُنتج غازات تسبب الانتفاخ، والغازات، وآلام البطن، والإسهال أو الإمساك. وتؤثر بشكل خاص على الأشخاص المصابين بالقولون العصبي أو (SIBO).

فرط النمو الفطري

ما هو فرط النمو الفطري في الأمعاء الدقيقة؟ بينما ينتج فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة عن نمو زائد للبكتيريا، فإن فرط النمو الفطري في الأمعاء الدقيقة Small Intestinal Fungal Overgrowth (SIFO) يحدث بسبب نمو زائد للفطريات، وغالباً من نوع الكانديدا، في الأمعاء الدقيقة.

ورغم أنه أقل شهرة ويصعب تشخيصه، فإن أعراضه تشبه بشكل كبير أعراض فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة، ومنها:

- غازات وانتفاخ

- غثيان

- عدم ارتياح في البطن

- شعور بالامتلاء أو عسر الهضم

قد ينشأ فرط النمو الفطري في الأمعاء الدقيقة بعد استخدام متكرر للمضادات الحيوية، أو في حالات ضعف المناعة، أو عند استخدام الكورتيزون ومثبطات الحموضة بشكل مزمن، جميعها تخلّ بتوازن الفلورا (البكتريا والأحياء المجهرية الأخرى) الطبيعية في الأمعاء.

وللتشخيص، فإنه بخلاف فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة، لا يُعدّ اختبار الزفير فعالاً هنا. وعادةً ما يتطلب التشخيص تنظيراً علوياً مع أخذ عينة من سوائل الإثني عشر، وهو إجراء تدخلي (invasive) وغير متوفر في جميع الأماكن.

ويتضمن العلاج أدوية مضادة للفطريات، مثل نيستاتين (nystatin) أو فلوكونازول (fluconazole)، إلى جانب تعديل النظام الغذائي لتقليل السكر والكربوهيدرات المكررة.

تجاهل واختلاط الحالاتلماذا يتم تجاهل هذه الحالات؟ في كثير من الأحيان، يتم التعامل مع المرضى الذين يعانون من أعراض مزمنة مثل الانتفاخ، والغازات، والإمساك أو الإسهال، كأنهم يعانون من «متلازمة القولون العصبي»، فيُصرف لهم علاج عرضي يهدف إلى تخفيف الأعراض دون التعمق في الأسباب الجذرية.

وهنا تكمن المشكلة؛ إذ إن هذه الأعراض قد تكون نتيجة لاختلالات دقيقة في التوازن الميكروبي داخل الأمعاء، مثل فرط النمو البكتيري (SIBO) أو فرط النمو الفطري (SIFO)، لا يتم الالتفات إليها إلا نادراً.

ما يزيد الأمر تعقيداً أن حالة «SIFO» على وجه الخصوص لا تزال غير معترفٍ بها بشكل واسع في الأوساط الطبية التقليدية، ويرجع ذلك إلى قلة الوعي بها وصعوبة تشخيصها، فتشخيص هذه الحالة يتطلب إجراءات أكثر دقة وتخصصاً، مثل التنظير وسحب عينات من سائل الأمعاء، وهو ما لا يتوفر في كثير من المراكز أو لا يُطلب من الأساس.

نتيجة لذلك، يظل كثير من المرضى يعانون لسنوات من أعراض غامضة ومزعجة دون تشخيص دقيق، ما يؤدي إلى دوامة من المحاولات الفاشلة، وكثرة الأدوية، والإحباط النفسي المتكرر بسبب غياب التحسن الحقيقي.

خطوات نحو صحة أمعاء أفضلإذا كنت تشك بإصابتك بإحدى حالتي فرط النمو البكتيري أو الفطري في الأمعاء الدقيقة (SIBO) أو (SIFO)، من المهم أن تتعاون مع إخصائي رعاية صحية متمكن، لإجراء التقييم المناسب ووضع خطة علاج دقيقة تناسب حالتك.

وفي الوقت ذاته، يمكنك البدء في تطبيق عدد من الخطوات الفعّالة لدعم صحة جهازك الهضمي وتقليل الأعراض:

- تجنّب استخدام المضادات الحيوية أو أدوية تقليل الحموضة غير الضرورية. إذ الإفراط في استخدام المضادات الحيوية يؤدي إلى قتل البكتيريا النافعة في الأمعاء، ما يُحدث خللاً في التوازن الميكروبي، ويزيد من خطر الإصابة بإحدى حالتي الإفراط البكتيري أو الفطري في الأمعاء الدقيقة: SIBO أو SIFO.

أما أدوية تقليل الحموضة مثل مثبطات مضخة البروتون (PPIs)، فقد تُضعف الدفاعات الطبيعية للمعدة ضد نمو الفطريات والبكتيريا، ما يسمح بانتقالها إلى الأمعاء الدقيقة.

والنصيحة... لا تستخدم هذه الأدوية إلا بوصفة طبية، وتجنب استخدامها لفترات طويلة دون داعٍ.

- اتبع نظاماً غذائياً غنياً بالألياف ومتنوعاً في مصادره. وتعدّ الألياف غذاءً للبكتيريا النافعة (Prebiotics)، وتساعد في تعزيز التنوع الميكروبي داخل الأمعاء.

ومع ذلك، إذا كنت تعاني من حساسية تجاه أطعمة معينة، مثل تلك الغنية بالفودماب (FODMAPs)، فقد تحتاج إلى تقليلها مؤقتاً (عادةً 4 إلى 6 أسابيع)، لتخفيف الأعراض ثم إعادة إدخالها تدريجياً لتحديد المهيجات الفردية، ويُنصح بتطبيق النظام الغذائي منخفض الفودماب تحت إشراف إخصائي تغذية.

والنصيحة... تناول أليافاً من مصادر طبيعية مثل الخضراوات، البقوليات، الحبوب الكاملة، المكسرات، وراقب استجابة جسمك. استشر إخصائي تغذية إذا لاحظت تدهور الأعراض.

- سيطر على التوتر، فالعلاقة بين الدماغ والأمعاء حقيقية. ما يُعرف بمحور الدماغ – الأمعاء (Gut - Brain Axis) يؤكد أن الحالة النفسية تؤثر مباشرة على الجهاز الهضمي. فالقلق والتوتر يمكن أن يُبطئا حركة الأمعاء، ويُضعفا المناعة، ويزيدا من تفاقم أعراض فرط النمو الميكروبي.

والنصيحة... جرّب تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، والتأمل، والرياضة الخفيفة، حتى الاستماع للموسيقى، للمساعدة في تقليل التوتر وتحسين حركة الأمعاء.

- استخدم البروبيوتيك بحذر.

رغم أن البروبيوتيك (المكملات التي تحتوي على بكتيريا نافعة) تساعد بعض الحالات، فإن استخدامها عند وجود أعراض «SIBO» النشط قد يُفاقم الأعراض، لأن البكتيريا الإضافية قد تُضاف إلى الحمل البكتيري الزائد في الأمعاء الدقيقة.

والنصيحة... لا تبدأ بتناول البروبيوتيك دون استشارة طبية، خصوصاً إذا كنت تشتبه بوجود «SIBO».

- استشر إخصائي صحة الجهاز الهضمي لإجراء فحوصات دقيقة. فالعلاج العشوائي أو الاعتماد على التشخيص الذاتي قد يؤدي إلى مضاعفات أو تأخير في الشفاء. الفحوصات المتخصصة، مثل اختبار الزفير لـ«SIBO» أو التنظير وسحب سوائل الأمعاء لـ«SIFO»، تساعد على تحديد السبب الحقيقي ووضع خطة علاج فعالة.

والنصيحة... لا تكتفِ بالتشخيصات العامة مثل القولون العصبي، بل اطلب فحوصات موجهة إذا استمرت الأعراض رغم العلاج.

يتضح مما سبق ذكره من معلومات أن فرط النمو البكتيري أو الفطري في الأمعاء الدقيقة قد يكون سبباً خفياً للمعاناة سنواتٍ عديدة من اضطرابات الهضم، ورغم التشابه الكبير في الأعراض لكلتا الحالتين فإنهما حالتان مختلفتان، ويجب التعامل معهما بطريقة مخصصة. وإذا استمرت أعراض الجهاز الهضمي رغم العلاج، فقد يكون الوقت قد حان للتحقّق مما يحدث في منطقة الأمعاء الدقيقة من قبل طبيب متخصص في الجهاز الهضمي. ومن خلال التشخيص الدقيق والعلاج المخصص، يجد كثيرون تحسناً ملحوظاً في حياتهم اليومية. ومن الحكمة عدم الاكتفاء بتناول المسكنات للتخلص أو التخفيف من الأعراض. ربما حان الوقت للغوص أعمق داخل الجهاز الهضمي للوصول إلى المسبب الحقيقي للمشكلة.

* استشاري طب المجتمع