بكين تراجع عواقب تجربة موسكو قبل شن «مغامرة» في تايوان

في ظل تمدد الصراع... من رقائق الكومبيوتر إلى مناطيد التجسس

صورة لإسقاط المنطاد الصيني (رويترز)
صورة لإسقاط المنطاد الصيني (رويترز)
TT

بكين تراجع عواقب تجربة موسكو قبل شن «مغامرة» في تايوان

صورة لإسقاط المنطاد الصيني (رويترز)
صورة لإسقاط المنطاد الصيني (رويترز)

كشفت أزمة المناطيد التي أسقطتها المقاتلات الأميركية، في الأسابيع الأخيرة، أن الرهان على احتمال حصول انفراجة سريعة وعميقة في العلاقات الأميركية - الصينية، لا يزال مستبعداً، ما لم يكن قد تعقَّد أكثر؛ فإلغاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رحلته إلى الصين شكّل خطوة إلى الوراء في العلاقات التي تزداد توتراً بين البلدين. وبدلاً من أن يؤدي الاجتماع الذي جمعه بنظيره الصيني، وانغ يي، على هامش «اجتماع ميونيخ»، إلى تحقيق انفراجة سياسية وأمنية، فإنه عمَّق المأزق الدبلوماسي بينهما، واعتبر إصرار الدبلوماسي الصيني على رواية بلاده بالنسبة لحادثة المنطاد إشارة إلى أن الصين ليست مستعدة بعد لإعادة «تنظيم الخلاف»، على الأقل في هذه المرحلة، رغم خفض الولايات المتحدة خطابها عن الحادثة.

يعتبر البعض أن واشنطن نجحت في تحميل الصين المسؤولية عن الفشل في خفض التوتر، وأيضاً نجحت في إحراجها أمام الأوروبيين، الذين استمعوا إلى خطاب صيني يتهم الولايات المتحدة بإطالة الحرب في أوكرانيا، وبأنها لا تهتم بحياة الأوكرانيين أو موتهم، ويطالبهم بالابتعاد عنها والتقرّب من بكين.
ولكن عندما طُلب من الوزير الصيني، وانغ يي، طمأنة العالم بأن التصعيد العسكري الصيني في تايوان واحتمال غزوها «ليس وشيكاً»، رفض وانغ الإجابة. بل قال: «اسمحوا لي بأن أؤكد للجمهور أن تايوان جزء من الأراضي الصينية. لم تكن دولة قط، ولن تكون دولة في المستقبل».
مع هذا، تعرّضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لانتقادات من قبل العديد من السياسيين والمحللين الأميركيين، الذين رأوا أن تأجيل زيارة بلينكن، والتقليل من حادثة المنطاد، أديا إلى خسارة فرصة سانحة لتحويل خطأ الصين الفادح إلى فرصة دبلوماسية. كذلك رأوا أن الصين كانت مُحرَجة من الحادث، وأن إبداءها «الأسف» يُعد شكلاً دبلوماسياً من أشكال الاعتذار.
من جهة ثانية، بدلاً من أن يرسل الرئيس بايدن وزيره بلينكن لطلب زيادة الشفافية وتقليل المخاطر من الرئيس الصيني شي جينبينغ، نجحت الصين نسبياً في سرد روايتها الخاصة، منتقدة «الاستعمال المفرط للقوة». وادعت، في الوقت نفسه، من دون أي دليل، أن مناطيد أميركية انتهكت أراضيها أيضاً. وبالتالي، وفق القراءتين الأميركية والصينية للاجتماع، بدا أنه لم يكن ثمة تقدم في القضايا التي ناقشها بلينكن ووانغ. ولم يعلن عما إذا اتُّفق على برمجة جديدة لزيارته الصين، ولم يُحدد موعد للمكالمة الهاتفية بين بايدن وشي، مع أن الطرفين لم يعلنا عن وقف ترتيباتها.

- لا اعتذار صينياً عن حادثة المنطاد
الجانب الأميركي قال إن بلينكن أبلغ وانغ بأن تحليق منطاد التجسس الصيني «يجب ألا يحدث مرة أخرى أبداً». وذكر بلينكن بعد ذلك أن وانغ «لم يقدم أي اعتذار». أيضاً واجه بلينكن وانغ بشأن مساعدة الصين لروسيا، وهدد بعواقب غير محددة، إذا قررت بكين تزويد موسكو بمساعدات قاتلة. في المقابل، تفاخر الجانب الصيني بأن الولايات المتحدة هي التي طلبت الاجتماع. وذُكر أن وانغ أبلغ بلينكن بأنه يجب أن «يعترف ويصلح الضرر الذي تسبب فيه الاستخدام المفرط للقوة على علاقات البلدين»، مطالباً الولايات المتحدة بشكل أساسي بتقديم الاعتذار.
يرى البعض هنا أن إدارة بايدن لا تريد الظهور بمظهر المتساهل مع بكين، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تقدم لبكين فرصة لتنفيذ تهديداتها ضد الطائرات الأميركية التي تحلق على طول الساحل الصيني لجمع معلومات استخباراتية، وكذلك السفن الأميركية في المياه القريبة.
اليوم، بعدما غزت الصين الفضاء الإلكتروني للولايات المتحدة، ها هي تغزو الأراضي المادية للولايات المتحدة. ورغم ذلك، كان الجيش الأميركي حذراً في تجنب الاستجابات السريعة للاختراقات الجوية والبحرية غير المهدّدة، لتجنب خطر تفجير الطائرات المدنية أو حتى طائرات الاستطلاع التي تدخل عن غير قصد الأجواء الإقليمية؛ فـ«البنتاغون» (وزارة الدفاع) لا يريد أن تكون الولايات المتحدة في موقع رد الفعل، لا سيما أن المناخ الدولي المتغير جراء الحرب الروسية في أوكرانيا يقدّم لواشنطن فرصة كبيرة للنجاح في محاصرة الصين وردعها سلمياً، من دون طلقة رصاص.

- صعوبات في موازنة القوة الأميركية
عندما غزت روسيا أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، حاول قادة الصين تحقيق التوازن بين مصلحتين أساسيتين لا يمكن التوفيق بينهما، هما:
- تعزيز تحالف الصين مع روسيا لموازنة القوة الأميركية وتخفيف الضغط الاستراتيجي المتزايد من الغرب.
- ومحاولة السعي لتجنب العقوبات الأحادية والمنسقة التي تستهدف الشركات الحكومية والخاصة والمؤسسات المالية الصينية.
أما اليوم، بعد سنة من الحرب، بدا أن بكين باتت تواجه صعوبات أكبر في الحفاظ على هذا التوازن، الأمر الذي عده العديد من المحللين نوعاً من «الهجوم الدفاعي»، بعدما تبين لها حجم المأزق الذي تعانيه روسيا. وبعدما كشفت عن إمكاناتها وقدراتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية، رفعت سقف التوتر، للعودة إلى طاولة المفاوضات، بعد 3 سنوات من سياسة العزلة التي مارستها جراء جائحة «كوفيد - 19».
وفق تقرير في «فورين أفيرز» كانت بكين لا تزال ترفض بشكل عام بيع الأسلحة لروسيا، والالتفاف على العقوبات نيابة عنها؛ فالحفاظ على الوصول إلى الأسواق العالمية أهم بالنسبة إليها من أي ارتباط اقتصادي بروسيا. ورغم ذلك، أيَّدت حجج موسكو للصراع، ونسقت معها دبلوماسياً، رغم امتناعها الحذر من التصويت في الأمم المتحدة.
كذلك استفادت الصين بشكل كامل من النفط الروسي، وعززت روابطها الاقتصادية مع الروس في المجالات التي لا تنتهك العقوبات الغربية. وبحسب بيانات تجارية، فقد ارتفعت التجارة بين الصين وروسيا بنسبة كبيرة، بلغت 34.3 في المائة في عام 2022، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 190 مليار دولار. وحقاً يشير التصعيد الصيني الأخير إلى أن بكين تناضل للعثور مجدداً على «نقطة توازن مقبولة» بعد تعمّق المأزق الذي تعانيه الدول المؤيدة «للتعددية القطبية»، جراء النكسات التي تعرضت لها روسيا. لا، بل تعلمت بكين أيضاً دروساً مهمة عن حملة العقوبات التي يقودها الغرب، خصوصاً إذا استمر التوتر معه وتصاعد، ما قد يؤدي إلى توجيه هذه الأسلحة الاقتصادية نفسها ضد الصين.

- أول عقوبات على «اقتصاد رئيسي»
هذا، ومع أن نظام العقوبات الأميركية والغربية استهدف، في السابق، اقتصادات غير رئيسية أو حتى هامشية؛ من إيران والعراق، إلى كوبا وكوريا الشمالية والسودان، فإن الحرب الأوكرانية شكلت أول اختبار حقيقي لمعاقبة «اقتصاد رئيسي»، كاقتصاد روسيا.
قد يكون من المبكّر أن تستخلص الصين الدروس الكاملة من العقوبات الغربية ضد روسيا. لكن لا شك أنها فوجئت، مثلها، بشدة الرد الغربي على مهاجمة أوكرانيا.
عام 2014، عندما اجتاحت روسيا شبه جزيرة القرم، وغزت إقليم الدونباس، خلصت مع الصين، إلى أن الغرب، خصوصاً حلفاء واشنطن، سواء في أوروبا أو في آسيا، يفضلون تحاشي المخاطرة، ولن يدعموا العقوبات المكلفة التي قد تؤثر عليهم أيضاً. إلا أن هجوم فبراير (شباط) 2022، اختلف هذه المرة؛ فالعقوبات التي احتاجت إلى أشهر وسنوات من المفاوضات لفرضها على إيران، مثلاً، لم تحتَجْ هذه المرة سوى إلى أسبوع واحد لتُفرض على روسيا.
وفي الواقع، تحرك الغرب بسرعة أكبر مما كان يعتقد كثيرون لوقف «الإدمان» على النفط الروسي، بل وطرح الغرب «سقفاً» لأسعاره، مع ضمان استمرار إمداد أسواق الطاقة. وعندما رأى الغرب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى، ليس فقط لاحتلال المزيد من الأراضي في أوكرانيا، بل للاستيلاء عليها بالكامل، وتهديد أمن القارة الأوروبية واستقلالها، تحول نطاق الاستجابة للعقوبات إلى حرب اقتصادية شاملة فورية.
هذا شكّل حدثاً فريداً من نوعه؛ إذ لم يسبق أن تعرض أي اقتصاد قريب من حجم الاقتصاد الروسي لمثل هذه الإجراءات منذ الحرب العالمية الثانية؛ فروسيا عاشر أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وإنتاجها النفطي اليومي يقترب من 11 مليون برميل يومياً، أي ما يقرب من 3 أضعاف إنتاج النفط في إيران، في ذروته عام 2005. وكذلك كانت روسيا أكبر مصدِّر للغاز الطبيعي في العالم والمورّد الرئيسي للسلع والمدخلات العالمية الرئيسية؛ من الأسمدة والحبوب إلى التيتانيوم.
ومع أن روسيا، مثل الصين، دولة نووية، وتمتلك حق النقض في مجلس الأمن، وعضو أساسي في العديد من المؤسسات العالمية، فإن اقتصادها أصغر بعشر مرات من اقتصاد الصين، ثم إن حضور الصين في الاقتصاد الدولي من حيث التجارة والاستثمار وتدفقات رأس المال يقزّم روسيا اقتصادياً أمام الولايات المتحدة، ناهيك من الاتحاد الأوروبي، لكن ما جرى، العام الماضي، طرح تساؤلات ضخمة على القيادة الصينية، عمّا إذا كان اقتصادها الذي يُعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أكبر من أن تُفرَض عليه عقوبات؟
قد تكون القيادة في بكين استوعبت بالفعل دروساً أساسية معينة. لكن ربما الأهم ليس تهربها من نظام العقوبات أو ابتكار أنظمة دفع أو تمويه ناقلات النفط وإخفاءها، بل يتعلق بالشراكات الدولية التي تقيمها؛ فالولايات المتحدة تتمتع بنفوذ هائل بالاستفادة من تفوق تكنولوجياتها وأسواقها المالية وعملتها (الدولار). ومع هذا ما كان بإمكان عقوباتها التأثير على روسيا - التي لا تزال تقاوم تبعاتها حتى الآن - لولا الجهود المشتركة مع دول أخرى ضخمة اقتصادياً، مثل أستراليا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وبريطانيا والاتحاد الأوروبي.
في المقابل، رغم قدرة الصين على ممارسة تأثير خطير على شركائها التجاريين، فإنها لا تمتلك تحالفاً مماثلاً، ولا تزال عرضة لعقوبات واسعة ومنسقة من الاقتصادات المتقدمة في العالم. وبالتالي، يرى البعض أن أي مستوى من العقوبات الاقتصادية مرتفع التكلفة على الصين. ولكن ما قد يُعد ردعاً حقيقياً أن بكين لا تستطيع مسبقاً معرفة مدى الضغط الذي قد تتعرّض له إذا أقدمت على «مغامرة أوكرانية» النموذج في تايوان.

- نظام مالي وعقوبات خاصة
تدعي بكين أنها حققت نجاحات أكبر من روسيا، وأنها خفضت جزءاً من احتياطياتها الأجنبية من الدولار الأميركي؛ من 79 في المائة عام 1995 إلى 59 في المائة عام 2016، بحسب «فورين أفيرز»، لكن لا إبلاغ عن مشتريات العملات الأجنبية لبنوكها الحكومية، ما يعني أن حيازات الصين الحقيقية من الدولار غير معروفة، وربما لم تنخفض بالنسبة المعلَن عنها. وبعكس روسيا، لا تستطيع الصين تحويل أي من احتياطياتها الأجنبية إلى عملتها الوطنية (الرنمينبي). كما أن الاقتصادات التي لديها القدرة على استيعاب جزء معتبَر من احتياطياتها الأجنبية جزء من التحالف الذي وقف ضد روسيا بعد غزو أوكرانيا. وعليه، لا يُعرف أين يمكن أن تتجه لحماية نفسها من العقوبات.
يُضاف لما سبق أنه، رغم إطلاق بكين منصة مالية للدفع عبر الحدود بين البنوك، شبيهة بنظام الدفع الروسي (مير)، الذي فشل بسبب العقوبات الأميركية، لم يسجل سوى انضمام 1300 مؤسسة للمنصة الصينية، غالبيتها تقريباً من دول هامشية اقتصادياً، حتى نهاية مارس 2022، أي ما لا يمثل سوى نحو 10 في المائة من المؤسسات التي تستخدم نظام «سويفت»، وهذا يكشف صعوبة (بل استحالة) إقناع الاقتصادات المتقدمة بالانضمام إلى منصة الصين، رغم شراكتها التجارية مع معظم دول العالم.
طبعاً، لا يلغي كل ذلك أن بكين عملت، منذ سنوات، على مراجعة عميقة لحرب العقوبات الاقتصادية. وبينما كانت في السابق تنتقد عقوبات واشنطن على الدول الأخرى، وتعدّها غير شرعية؛ فقد كانت تشدد في المقابل على أن مجلس الأمن الدولي الجهة الشرعية، حيث بإمكانها، مع موسكو، استخدام حق النقض (الفيتو)، وهو ما فعلته بالفعل. لكنها بعدما وجدت أن أسلحتها الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية قد اكتملت، عمدت أحادياً إلى استخدام قوتها الاقتصادية (على الأقل) ضد خصومها، وهي فعلت ذلك بهدوء، وأحياناً لأسباب «صحية» أو «بيئية»، لمعاقبة الدول والشركات المختلفة معها، لكنها لم تعترف أبداً بأن إجراءاتها حقاً «عقوبات».
هذا ما حصل مع النرويج عندما منحت، عام 2010، جائزة «نوبل للسلام» لأحد المنشقين الصينيين، ما أدى إلى انهيار تجارة السلمون معها. كذلك أدت مطالبات الفلبين في بحر الصين الجنوبي، عام 2014، إلى إعلان صيني مفاجئ عن تلوث أطنان من الموز الفلبيني بالمبيدات الحشرية؛ ما أفقد الفلبين، في ذلك العام، واحدة من أكبر أسواقها التجارية. وأدى نشر كوريا الجنوبية نظام دفاع صاروخياً أميركياً تشغّله شركة كورية، إلى إغلاق بكين 90 متجراً من متاجر الشركة في الصين عام 2017، بحجة «السلامة من الحرائق». وأيضاً وجهت بهدوء قطاعها السياحي لخفض الرحلات الجماعية الصينية إلى كوريا الجنوبية، ما أدى إلى خسارة الأخيرة أكثر من 5 مليارات دولار من تلك العائدات.
وأخيراً، اعتمدت بكين نظام عقوبات مالية بدأ تطبيقه عام 2020، عبر فرض تجميد الأصول وحظر التأشيرات للمسؤولين من دول منافسة انتقدوا سياساتها تجاه إقليم شينجيانغ (سنكيانغ) أو هونغ كونغ، وذلك في تطبيق حرفي لبنود مأخوذة من عقوبات وزارات الخارجية والخزانة والعدل الأميركية.


مقالات ذات صلة

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

الولايات المتحدة​ بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

في تحول كبير نحو تعزيز العلاقات الأميركية - الفلبينية، يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، في البيت الأبيض مساء الاثنين، في بداية أسبوع من اللقاءات رفيعة المستوى، تمثل تحولاً في العلاقة بين البلدين التي ظلت في حالة من الجمود لفترة طويلة. زيارة ماركوس لواشنطن التي تمتد 4 أيام، هي الأولى لرئيس فلبيني منذ أكثر من 10 سنوات.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
الاقتصاد الشركات الأميركية في الصين  تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

الشركات الأميركية في الصين تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

تخشى الشركات الأميركية في الصين بشكل متزايد من مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة الأميركية في الصين. وأعرب 87 في المائة من المشاركين في الدراسة عن تشاؤمهم بشأن توقعات العلاقة بين أكبر الاقتصادات في العالم، مقارنة بنسبة 73 في المائة في استطلاع ثقة الأعمال الأخير. ويفكر ما يقرب من ربع هؤلاء الأشخاص، أو بدأوا بالفعل، في نقل سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى دول أخرى.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

من المتوقع أن يبحث قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في قمتهم المقررة باليابان الشهر المقبل، الاتفاق على تحديد رد على التنمر الاقتصادي من جانب الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

انتقدت بكين الجمعة، عزم واشنطن فرض قيود جديدة على استثمارات الشركات الأميركية في نظيرتها الصينية، معتبرة أن خطوة كهذه هي أقرب ما يكون إلى «إكراه اقتصادي فاضح وتنمّر تكنولوجي». وتدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برنامجاً لتقييد استثمارات خارجية أميركية، بما يشمل بعض التقنيات الحسّاسة التي قد تكون لها آثار على الأمن القومي. وتعاني طموحات الصين التكنولوجية أساساً من قيود تفرضها الولايات المتحدة ودول حليفة لها، ما دفع السلطات الصينية إلى إيلاء أهمية للجهود الرامية للاستغناء عن الاستيراد في قطاعات محورية مثل أشباه الموصلات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، إن «الولايات المتحد

«الشرق الأوسط» (بكين)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،