العلاقة المغربية ـ الفرنسية بنكهة كروية... وسياسية

ثقة المغاربة تتضاعف بمنتخبهم في المواجهة المقبلة

العلاقة المغربية ـ الفرنسية بنكهة كروية... وسياسية
TT

العلاقة المغربية ـ الفرنسية بنكهة كروية... وسياسية

العلاقة المغربية ـ الفرنسية بنكهة كروية... وسياسية

توقف المراقبون كثيراً أمام مفارقات الصدف المتمثلة في ملاقاة المنتخب المغربي لكرة القدم نظيره الفرنسي في دور نصف نهائي كأس العالم في قطر، يوم الأربعاء المقبل، بينما تخيم سحب الخلافات السياسية على العلاقة بين البلدين. فبعد أن نجح المغرب في تحقيق رقم قياسي أفريقي وعربي غير مسبوق بتأهله للمربع الذهبي لكأس العالم بعد هزمه فرقاً أوروبية عريقة مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، ها هو يطمح إلى تجاوز فرنسا في نصف النهائي لتحقيق حلم لم يكن يتوقعه أحد، ليكمل بذلك انتصاره على كل فرق الدول المنتمية للاتحاد الأوروبي المشاركة في المونديال.
وبينما تجري المباراة مع فرنسا، تزور وزيرة الخارجية الفرنسية الرباط يوم الخميس، في محاولة لإذابة جليد العلاقات بين البلدين ومحاولة حل أزمة التأشيرات، وترتيب زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو ما جعل منسوب الكرة والسياسة يرتفع إلى أعلى درجاته. وكان الرئيس ماكرون، الذي تأهلت بلاده أيضاً لنصف نهاية كأس العالم بعد تغلبها على المنتخب الإنجليزي، قد سارع إلى الاتصال هاتفياً بالملك محمد السادس لتهنئته بفوز المنتخب المغربي على البرتغال، والتأهل لأول مرة إلى نصف نهاية كأس العالم.
ويسود اعتقاد لدى الأوساط الدبلوماسية في الرباط بأن مشاركة المغرب في كأس العالم بقطر وتألقه فيه، حققت مكاسب جيو - استراتيجية تتجاوز الشق الرياضي لتشمل أبعاداً ثقافية وحضارية وفنية وسياسية، وساهمت في تقديم صورة مشرفة ومشرقة للمغرب، ومعززة للقوة الناعمة المتصاعدة له ولمكانته الإقليمية والدولية، وذلك تحت شعار «المستحيل ليس مغربياً». وأصبح المغرب جراء ذلك حديث الجميع، فبعد أن عرف بكونه البلد الشمال أفريقي الوحيد الذي ينعم بدرجة كبيرة من الاستقرار والأمن، ها هو يزيد إلى رصيده التألق الرياضي بعدما تألق مطبخه وتراثه وثقافته.
وتوقف المراقبون أيضاً عند المجهود الذي بذله المنتخب المغربي، بقيادة مدربه المغربي وليد الركراكي، وما أبان عنه كل لاعبي المنتخب من روح قتالية عالية، دون نسيان الدعم الملكي والشعبي من مغاربة الداخل والخارج، مع الإشارة إلى أن الدعم امتد في الآفاق القريبة والبعيدة ليصبح قومياً وعربياً وأفريقياً وإنسانياً. فمنتخب المغرب الذي يعتبر نجم «مونديال قطر» حظي منذ مبارياته الأولى بتعاطف وتشجيع واسع من الأشقاء المغاربيين في موريتانيا والجزائر وتونس وليبيا، وأيضاً الأشقاء العرب في جميع دول الخليج العربي وفلسطين، ومصر والسودان والأردن واليمن والعراق وسوريا ولبنان، وسائر البلدان الإسلامية والأفريقية.
وبذلك يكون منتخب المغرب قد حمل راية الوحدة من جديد، مانحاً العرب من المحيط إلى الخليج شيئاً يفتخرون به، بعدما تكاثرت الخيبات وقلت فيه المفاخر وضمرت. وثمة نقطة يجب الإشارة إليها هي أن الأرقام والإحصائيات التي ستصدر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» ستضع الجمهور المغربي في طليعة الجماهير المساندة لفريقها ضمن مجريات مونديال قطر، وهو حضور لا ينحصر في الكثافة والقوة العددية، بل يكمن في بروز الروح الرياضية والوطنية العالية واللوحات الإنسانية الراقية التي قدمها الجمهور المغربي المتميز داخل ملاعب الكرة وخارجها.
إن من يشاهد خروج الملايين إلى شوارع المدن المغربية بنظام وانتظام، يستشف البروز القوي للروح الوطنية التي عاشها المغاربة خلال تنظيم المسيرة الخضراء السلمية عام 1975، التي استرجع المغرب من خلالها صحراءها من المحتل الإسباني، مجسداً وحدة وطنية كبرى ما زالت خالدة في ذاكرة الشعب المغربي. لقد خرج المغاربة عن بكرة أبيهم إلى شوارع مدنهم ممتلئين فرحاً وغبطة ونشوة وفخراً، وشاركهم عاهلهم الملك محمد السادس هذه الفرحة بخروجه إلى الشوارع دون إجراءات بروتوكولية، لمشاطرتهم الفرحة ومذاق النصر والبهجة، وتلك إشارة إلى حالة التماهي التي تميز علاقة الشعب المغربي بعاهله وبالملكية.
في غضون ذلك، سادت دعوات في المغرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي بألا يتم حصر هذه الروح الوطنية المتدفقة في المناسبات الرياضية، وملاعب كرة القدم، والخروج إلى الشوارع الفسيحة للتعبير عنها، بل يجب تجسيد هذه الروح في التفاني في خدمة الوطن في شتى المجالات والقطاعات الحكومية منها أو الخاصة، وأيضاً في التحلي بسلوكيات المواطنة الراقية، هذا إلى جانب المطالبة بوضع الثقة في الكفاءات المغربية، في جميع الصعد، وليس فقط في قطاع الرياضة، والتحرر من سلوك الانتقاص والتشكيك في قدراتها.


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

أعلن بيان للديوان الملكي المغربي، مساء أول من أمس، أن الملك محمد السادس تفضل بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح (أول) محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وجاء في البيان أن العاهل المغربي أصدر توجيهاته إلى رئيس الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي. ويأتي هذا القرار تجسيداً للعناية الكريمة التي يوليها العاهل المغربي للأمازيغية «باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، مايك روجرز، مساء أمس، في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز، خلال مؤتمر صحافي، عقب محادثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم»، مبرزاً أن هذه المحادثات شكلت مناسبة للتأكيد على الدور الجوهري للمملكة، باعتبارها شريكاً للول

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

عقد حزبا التقدم والاشتراكية اليساري، والحركة الشعبية اليميني (معارضة برلمانية) المغربيين، مساء أول من أمس، لقاء بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط، قصد مناقشة أزمة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب موجة الغلاء. وقال الحزبان في بيان مشترك إنهما عازمان على تقوية أشكال التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الواجهات السياسية والمؤسساتية، من أجل بلورة مزيد من المبادرات المشتركة في جميع القضايا، التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وذلك «من منطلق الدفاع عن المصالح الوطنية العليا للبلاد، وعن القضايا الأساسية لجميع المواطنات والمواطنين».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

دعت «تنسيقية أسر وعائلات الشبان المغاربة المرشحين للهجرة المفقودين» إلى تنظيم وقفة مطلبية اليوم (الخميس) أمام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي بالرباط، تحت شعار «نضال مستمر من أجل الحقيقة كاملة وتحقيق العدالة والإنصاف»، وذلك «لتسليط الضوء» على ملف أبنائها المفقودين والمحتجزين ببعض الدول. وتحدث بيان من «التنسيقية» عن سنوات من المعاناة وانتظار إحقاق الحقيقة والعدالة، ومعرفة مصير أبناء الأسر المفقودين في ليبيا والجزائر وتونس وفي الشواطئ المغربية، ومطالباتها بالكشف عن مصير أبنائها، مع طرح ملفات عدة على القضاء. وجدد بيان الأسر دعوة ومطالبة الدولة المغربية ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتع

«الشرق الأوسط» (الرباط)

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
TT

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال، بحسب ما أفاد مسؤول محلي «وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد.

وقال عصام الدين السيد، الرئيس التنفيذي لوحدة كلوقي الإدارية، للوكالة الفرنسية في اتصال عبر «ستارلينك» إن المسيّرة قصفت 3 مرات، الخميس، «الأولى في روضة الأطفال، ثم المستشفى، وعادت للمرة الثالثة لتقصف والناس يحاولون إنقاذ الأطفال».

وحمّل «قوات الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» بقيادة عبدالعزيز الحلو، مسؤولية الهجوم.

وقالت «قوات الدعم السريع»، السبت، إن الجيش قصف قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان بوسط البلاد.

وذكرت، في بيان، أن الجيش استهدف قافلة المساعدات بطائرة مسيّرة في منطقة جبرة الشيخ بشمال كردفان، مشيرة إلى أن القافلة مكونة من 39 شاحنة تحمل مساعدات غذائية.

كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد حذر يوم الخميس من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع، مع تصاعد القتال في إقليم كردفان بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».


تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
TT

تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)

تصاعدت حدة القتال مجدداً بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في ولايات كردفان؛ حيث شنت مسيّرات الجانبين هجمات طالت قافلات مساعدات وروضة أطفال، وسط تحذيرات أممية من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع.

وبينما أفادت تقارير بأن مسيّرة تابعة لـ«الدعم السريع» قصفت «روضة أطفال» في بلدة كلوقي بولاية جنوب كردفان، أدت إلى مقتل 114 شخصاً، بينهم 20 طفلاً، وإصابة العشرات، قالت «قوات الدعم السريع» إن مسيّرة تابعة للجيش قصفت قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان، وذكرت في بيان أن القافلة مكونة من 39 شاحنة «تحمل مساعدات غذائية عاجلة للأسر النازحة التي تعاني انعدام الأمن الغذائي»، وعدّته استمراراً لما أطلقت عليه «الاستهداف الممنهج» للقوافل الإنسانية، ونهجاً خطيراً لتعطيل إيصال المساعدات الضرورية، والاعتداءات المتكررة على المنظمات الدولية العاملة في الإقليم، الأمر الذي يفاقم الأزمة الإنسانية ويضاعف معاناة المدنيين.


كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
TT

كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

يواجه مشروع الجزيرة في السودان (أكبر مشروع زراعي يعمل بالري الانسيابي في العالم، تحت إدارة واحدة) أزمة مُركبة بسبب السياسات الخاطئة التي خرّبته، والحرب التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) 2023، ودمّرت بنيته التحتية من قنوات الري والسكك الحديدية ونهب الآليات والمعدات الزراعية والمخازن ومحالج القطن والمصانع.

والمشروع الذي أنشأه الإنجليز عام 1925 على مساحة تبلغ 2.2 مليون فدان (نحو مليون هكتار)، ويعمل فيه نحو 140 ألف مزارع، يُعدّ شرياناً حيوياً للإنتاج الزراعي في البلاد، لكنه بات يعاني إهمالاً واضحاً، ما أدّى إلى التوقف الكامل لبعض المواسم الزراعية فيه، وتكبّد المزارعين المرتبطين به خسائر فادحة.

وقدَّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي داخل المشروع، وأنه يشكّل مصدر دخل أساسياً لها.

المزارع أصبحت مرتعاً للحيوانات بعد أن هجرها أصحابها بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

وفي ظل الحرب بات المزارعون يجدون صعوبة في الوصول إلى مزارعهم لأسباب أمنية، أو الحصول على المواد الأولية للزراعة.

خسائر بالمليارات

ووفقاً لوزير الزراعة السوداني، البروفسور عصمت قرشي عبد الله، فإن خسائر القطاع الزراعي تتجاوز 100 مليار دولار، وهي أرقام أولية، وأنهم ماضون في عمل إحصاءات دقيقة مصحوبة بدراسات متخصصة لتقديمها للجهات الداعمة.

وشكا المزارع عمر يوسف من الانهيار الكامل جرّاء تدمير البنية التحتية للري ونهب المؤسسات الحكومية والآليات الزراعية والمخازن والمصانع وخطوط السكك الحديدية ما أدّى إلى خسائر مالية كبيرة.

وقال يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غياب كامل لمؤسسات الدولة، ونحن نشاهد مسؤولي الإدارة والري في أيام الحصاد فقط، وليس لديهم أي دور سوى جمع الضرائب (الجبايات) وتحصيل الأموال الهائلة دون معرفة أوجه صرفها».

أحد المزارعين يقوم بإصلاح مساحات شاسعة في أرضه يدوياً (الشرق الأوسط)

وأوضح يوسف أن «المزارعين يعتمدون على الجهد الذاتي دون دعم أو عون من الدولة أو من إدارة المشروع».

وأضاف: «التجار والبنوك الزراعية يتحكمون في المزارع البسيط... نتمنى أن تنعكس الضرائب التي تجبى على المزارعين في تطهير قنوات الري وإنشاء الكباري». لافتاً إلى أن «80 في المائة من سكان ولاية الجزيرة يعتمدون على الزراعة، لكن ولاية الجزيرة تعاني استشراء الفساد، ونريد وضع حدٍّ للفساد والنهوض بالزراعة».

فشل حكومي

من جهته، يقول المزارع، فخر الدين يوسف، إن تدمير مشروع الجزيرة ليس مجرد فشل حكومي أو خطأ إداري، بل جريمة منظمة تسببت في فقدان البلاد ثروة اقتصادية كبيرة.

وأوضح يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن كبرى المشكلات التي تواجه المزارعين «تتمثّل في توزيع التقاوي والأسمدة منتهية الصلاحية، فيما يعاني الذين يموّلون زراعتهم على نفقتهم الخاصة غلاء الأسعار وجشع التجار، إلى درجة انعدام التوافق بين التكلفة والإنتاج».

وشدّد يوسف على ضرورة تأهيل قنوات الري وعودة السكك الحديدية وتأهيل المخازن والمصانع، ومحاسبة الفاسدين، وإعادة نظام التمويل الحكومي بكل عدالة ومساواة وشفافية للمزارعين، وإرجاع المهندسين والخبراء الزراعيين الذين هجروا المشروع، وتعيين إدارة جديدة مستقلة بعيداً عن السياسة.

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

بدوره، أوضح المزارع أحمد علي أن المشروع، الذي يتمدّد على مساحة شاسعة بوصفه أكبر مشروع ريّ انسيابي تحت إدارة واحدة، ويضم 18 قسماً، ويعتمد على صغار المزارعين الذين يُقدّر عددهم بنحو 140 ألف مزارع، قد تعرّض لأكبر نكسة منذ إنشائه بسبب انهياره كلياً، وأصبح ساحة للنهب والدمار.

وقال علي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الحرب دمّرت المشروع، وأصبح ساحة للفوضى، ونُهبت مؤسسات المشروع الإدارية والخدمية والسكنية، واحترق بعضها إبّان سيطرة (قوات الدعم السريع) على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة». لافتاً إلى أن عملية التخريب شملت خطوط السكك الحديدية التي كانت تسير عليها القاطرات لمسافة تزيد على 1200 كيلومتر، لتغطي كامل منطقة الجزيرة والمناقل بطاقة 34 قاطرة و1100 عربة ترحيل تعمل أساساً في نقل السلع والحبوب، وتبلغ قيمة البنية الأساسية للسكك الحديدية التي بيعت خردة ما يقارب 200 مليون دولار.

امتصاص الصدمة

محافظ مشروع الجزيرة، المهندس إبراهيم مصطفى، سبق أن أقرّ في تصريحات إعلامية بمواجهة مشكلات في عملية الري، فضلاً عن وجود الحشائش والطمي وقنوات الري التي تحتاج إلى الصيانة، وتمثّل هاجساً كبيراً. وأكّد أن إدارة المشروع تسعى، بالتنسيق مع وزارة الري، إلى تجاوز المشكلة، وتوفير كلّ الإمكانات لإصلاح عملية الري.

المزارع علي أحمد في حقله (الشرق الأوسط)

وأوضح المحافظ أن المساحة المزروعة في الموسم الصيفي الماضي بلغت 500 ألف فدان، وأن إدارة المشروع تبذل قصارى جهدها لدعم المزارعين والإسهام في امتصاص الصدمة والعودة إلى العملية الإنتاجية، رغم الضربات القوية الموجعة التي تلقّاها المشروع. وأشار مصطفى إلى سريان حالة من الخوف في المشروع، لكنه أوضح أن الأمور مضت بسلام بفضل مساعي الإدارة والمزارعين.

الخبير الاقتصادي د. محمد الناير يقول إن مشروع الجزيرة يُعد ركيزة أساسية للاقتصاد السوداني، ويُعتبر من أكبر المشروعات على مستوى العالم، ويمتلك مساحة كبيرة، ويُروى انسيابياً عبر أنظمة الري المعتمدة. وأوضح الناير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع يضم 2.2 مليون فدان، ما يعادل 900 ألف هكتار، الأمر الذي يجعله من أكبر المشروعات الزراعية على مستوى العالم، إذ يمتلك رقعة زراعية في مكان واحد ويُروى انسيابياً، وهي ميزة كبيرة لهذا المشروع الضخم الذي ظل يدعم الاقتصاد السوداني بصورة كبيرة من خلال زراعة محصولات مهمة مثل محاصيل القطن والقمح والذرة وغيرها من المحاصيل الأخرى.

المزارع فخر الدين يوسف وسط مزرعته (الشرق الأوسط)

وأضاف الناير: «هذا المشروع تراجع أداؤه بصورة كبيرة بسبب قانون 2005، الذي أعطى المزارع حرية مطلقة في زراعة أرضه بما يشاء، وقد أثّر ذلك سلباً بصورة كبيرة. ففي السابق كانت هناك رؤية زراعية متكاملة من قبل الدولة، يتم من خلالها تحديد المساحات المزروعة من القطن والقمح والمحاصيل الأخرى، ما يسهّل مكافحة الآفات الزراعية».

وتابع: «المزارع الآن يقوم بتنويع المحاصيل في رقعة زراعية واحدة، وبالتالي يصعب مكافحة الآفات. وعندما حاولت الدولة التدخل لإصلاحات لم تنجح بسبب فقدان المشروع للسكك الحديدية، ومحالج القطن ومصانع الزيوت التي كانت مكملة له بصورة كبيرة. وتعرض المشروع للنهب والتدمير الممنهج».

وأضاف: «هناك عقبات تواجه المشروع في استزراع المساحات الكبيرة، مثل نظافة قنوات الري، وعمليات تمويل المزارعين، وتوفير التقاوي والأسمدة، وإعادة مؤسسة الأقطان السودانية التي كانت تشتري محصول القطن بأسعار مجزية، وإعادة صيانة المحالج ومعاصر الزيوت الملحقة بالمشروع، لتضيف قيمة مضافة له حتى يعود أفضل مما كان عليه في السابق».