توقعات العلاقة الروسية ـ الصينية في عالم «ما بعد الحرب الأوكرانية»

سياسة «التوجه شرقاً» أمام اختبار تحويل الشراكة الاستراتيجية إلى تحالف عسكري

الرئيسان الصيني والروسي في لقاء سابق (أ ب)
الرئيسان الصيني والروسي في لقاء سابق (أ ب)
TT

توقعات العلاقة الروسية ـ الصينية في عالم «ما بعد الحرب الأوكرانية»

الرئيسان الصيني والروسي في لقاء سابق (أ ب)
الرئيسان الصيني والروسي في لقاء سابق (أ ب)

حملت العبارات القاسية ضد الولايات المتحدة، التي استخدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أيام، وهو يتحدث عن انتهاء «حقبة الهيمنة» وبناء عالم متعدد الاقطاب و«آليات جديدة» لضمان الأمن الدولي، إشارة لافتة إلى مستوى الرهان الروسي على الصين في مواجهة التحديات الكبرى الماثلة حالياً أمام روسيا. فالانتقاد القوي لـ«وقاحة» السياسة الأميركية التي تجلّت في زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان، لم يحمل فقط رسالة إلى واشنطن، بل كان موجهاً أيضاً إلى الصين «الحليف اللدود» لروسيا الذي يواجه اليوم بدوره التحديات التي طرحتها تلك الزيارة.
انتهاء عهد الهيمنة الأميركية، وبناء عالم متعدد الأقطاب، مع مبدأ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها، شكّلت جميعها على مدى سنوات المنطلقات المشتركة للشراكة الروسية الصينية على الساحة الدولية. وهذا منحى بدا أنه يتجه نحو التعزيز أكثر، على خلفية استراتيجية «التوجه شرقاً» التي انتهجتها موسكو ردّاً على القيود الغربية غير المسبوقة، ومحاولات عزلها وحصارها. بيد أن العلاقة مع «الشريك الصيني» تنطوي على تحديات كثيرة؛ خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وهو ما أظهرته تطورات الوضع خلال الأشهر الأخيرة.
اقرأ محادثات بين بوتين وشي غداً بشأن القضايا «الأكثر إلحاحاً»

- صراع أوكرانيا

منذ أعلنت روسيا والصين نفسيهما شريكين استراتيجيين عام 1996، أصبح الصراع الروسي الأوكراني هو التحدي الدولي الأكثر حدة في تاريخ العلاقات الثنائية، وكذلك الاختبار السياسي الأكثر صعوبة الذي واجهته الصين. على خلفية هذا الصراع، تعرّضت الصين لضغوط سياسية غير مسبوقة من الولايات المتحدة. وعنه يقول خبراء روس إن هذا الضغط يختلف كلياً عن سياسة «دق إسفين» بين بكين وموسكو، التي اتبعتها واشنطن قبل الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي حين أن سياسة «دق الإسفين» كانت تهدف فقط إلى تحييد روسيا عن المواجهة الأميركية مع امتداد النفوذ الصيني، فإن بكين أصبحت الآن تتعرض لضغط وتهديد مباشرين، بهدف إجبارها على الذهاب إلى الجانب المعادي لروسيا والانضمام إلى عقوبات واشنطن والاتحاد الأوروبي.

- تحديات أمام بكين

من ناحية ثانية، رغم اتفاق موسكو وبكين في التوجهات الأساسية للسياسة الدولية، وجدت بكين نفسها أمام خيارات صعبة عند اندلاع الحرب في أوكرانيا. وهناك إشارات عدة إلى أنها كانت تعوّل على تحقيق موسكو انتصاراً سريعاً يقلّص تبعات هذه الحرب، ويريح بكين من تبني مواقف حاسمة، وبالأخص في مجالات العلاقات مع أميركا على الصعد الاقتصادية. وفضلاً عن نشوء وضع مماثل في العلاقات الصينية الأوروبية، واجهت بكين أيضاً تحدياً في علاقتها مع أوكرانيا، التي تلعب دوراً مهماً في بناء «مبادرة الحزام والطريق الصينية»، وهي جزء من ممر النقل الأوراسي.
مع هذا، سادت توقعات في بداية الحرب أن الموقف الحذر الذي التزمته بكين لن يطول أمده، بل سيتحول تدريجياً لصالح موسكو. ولا شك أن العقوبات الاقتصادية الواسعة النطاق التي فرضتها واشنطن وبروكسل على موسكو فتحت على مزيد من الفرص لتطوير التعاون الاقتصادي بين الصين وروسيا.
ثم إن سياسة موسكو «التوجه شرقاً» وفّرت أيضاً فرصاً مهمة لبكين، برزت من خلال الزيادة غير المسبوقة في الاعتماد على صادرات النفط الروسي. ولكن في المقابل، فرض الوضع الجديد قيوداً ومخاطر جدية لبكين.

- المصالح واستقرار العلاقات

هنا يرى خبراء روس أن العلاقات الروسية الصينية ظلت مستقرة، رغم الوضع المتغير بسرعة في العالم، لأسباب عدة، أبرزها أنها تقوم على مصالح مشتركة واسعة وعميقة. وبهذا المعنى، يمكن للنموذج المختار للعلاقات بين الجانبين أن يلعب دوراً مهماً، ويبدو أنه الأمثل، كونه نموذج «شراكة استراتيجية»، وليس نموذج «تحالف». وهو يساهم في الحفاظ على استقرار العلاقات الصينية الروسية ومساحة كاملة للتعاون من دون أن يلزم أي جانب بإدخال تعديلات كبرى على سياساته.
وفي الوقت ذاته، يدرك الجانبان أن خطر فقدان الأسواق في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو دول أخرى، نتيجة التدابير التقييدية ضد روسيا، عامل خطر برز من خلال تحذير رجال الأعمال الصينيين بشأن ضرورة ضبط العلاقات مع روسيا في إطار محدد. وحقاً، بعد مرور شهر واحد على اندلاع الحرب الأوكرانية، قال السفير الصيني لدى روسيا، تشانغ هانوي، خلال اجتماع مع رجال الأعمال الصينيين الذين يعيشون في موسكو، إن على الشركات الصينية في روسيا أن «تنتهز الفرصة وتسد الثغرات الناشئة في السوق الروسية».
يبدو التعويل الروسي على هذا الأمر كبيراً. ولا يخفي قطاع الأعمال الروسي الحاجة الماسة إلى توسيع الحضور الصيني في مجالات مثل الصناعات العالية التقنية (كالسيارات والأجهزة المنزلية... إلخ)، والمشروعات في قطاع التجزئة والخدمات (بشكل أساسي في مجال الفنادق). كما تتطلب مشروعات التعدين المتطورة بعد انسحاب الشركات الغربية من روسيا استثمارات وتكنولوجيا كبيرة.
ولكن رغم اللهجة المتفائلة للأوساط الدبلوماسية، يرى قطاع الأعمال الروسي أنه يجب ألا تكون هناك توقعات مبالغ فيها من جذب الشركات الصينية الكبرى، وتلك المتخصصة بالتقنية العالية. إذ تستغرق عملية الموافقة على أي مشروع من هذا القبيل - لو في حالة مستقرة ويمكن التنبؤ بها - عدة أشهر، إن لم يكن عدة سنوات.
وعموماً، تميل الشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى اتخاذ موقف الانتظار والترقب والمراقبة، ليس فقط بسبب تقلبات سعر صرف الروبل، بل أيضاً بانتظار جاهزية روسيا لاستيعاب المستثمرين الأجانب.

- شروط قديمة جديدة

الحساب الأساسي للصينيين منذ 8 سنوات – مع موجة العقوبات الأولى التي أعقبت ضم القرم في العام 2014 - هو أن روسيا يجب أن تمنح الصين «شروطاً خاصة ومميزة». وهذا يعني وفقاً لخبراء اقتصاديين في روسيا الحصول على ضمانات حكومية للمعاملات الاستثمارية، والقبول بدخول الصين إلى الصناعات الاستراتيجية (الموانئ والتعدين)، وتبسيط إجراءات تسجيل القوى العاملة من الصين، والاستيراد المعفى من الرسوم للمعدات والآلات لتنفيذ المشروعات الاستثمارية، وأخيراً عدد من المزايا غير المعلنة للمستثمرين من البلدان الأخرى.
طيلة 8 سنوات لم يحصل الصينيون على هذه التنازلات. بل برز الاستياء بسبب ذلك في بعض الحالات بشكل مباشر، من خلال الإشارات في محادثات خاصة إلى أن «روسيا حصلت من الصين بعد تدهور العلاقات مع الغرب أكثر مما تلقته الصين من روسيا».
وحقاً، لا يتوقع خبراء أن يتغير الوضع بشكل جذري خلال المرحلة المقبلة، على الرغم من حاجة موسكو الماسة إلى توسيع الحضور الاقتصادي والاستثماري الصيني في روسيا. وفي طليعة الأسباب...
1 - أن هذا لا يلبي مصالح روسيا التي لا تريد التحول من تبعية صناعية وتكنولوجية للغرب إلى تبعية للصين في هذا المجال. ثم إنها تسعى وفقاً لتعهدات عدة أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين بحماية الصناعات الاستراتيجية من الوقوع تحت سيطرة رأس المال الأجنبي، والتركيز على أولوية استخدام المتخصصين المحليين وتوطين الإنتاج. وهذه هي «الركائز» التي تُبنى عليها سياسة الاستثمار الحالية في موسكو.
2 - أنه سيظل لدى رأس المال الصيني خيار الاستثمار في البلدان التي توجد فيها «دولة» أضعف بكثير وتعجز عن إملاء قواعدها على الشركاء الأجانب على الرغم من انخفاض مستوى القوة الشرائية للسكان. وراهناً يعمل الصينيون في مثل هذه البلدان بشكل مريح أكثر من روسيا.
3 – وهو لا يقل أهمية عن سابقيه، يكمن في المخاوف الروسية على المدى البعيد من زيادة تغلغل القوى البشرية الصينية في مناطق الشرق الروسي. وهذا خطر داهم نظراً للأزمة الديمغرافية الخانقة التي تعاني منها روسيا في هذه المناطق (أي شرق سيبيريا).
بصفة عامة، يتوقع الخبراء على المدى القصير أنه سيكون هناك مزيد من السلع الصينية في متاجر روسيا، ستحل محل المنتجات الغربية. وعلى المدى الاستراتيجي الأوسع سيكون من الممكن تنفيذ مشروعين أو 3 مشروعات رئيسية من نوع خطوط إمدادات «يامال». ومع ذلك، لن تشهد روسيا جذباً جماعياً للمستثمرين الصينيين. ولن يكون هناك تأثير لذلك بأي حال من الأحوال على قوة الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية.

- شراكة أم تحالف

على مدى السنوات العشر الماضية، اتخذ النقاش حول إنشاء تحالف عسكري شامل بين موسكو وبكين أبعاداً واسعة. ولقد نص الإعلان المشترك الذي أعقب زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لروسيا في يونيو (حزيران) 2019 على ما يلي: «تم تطوير المبادئ الأساسية التي توجّه الأطراف في العلاقات الثنائية (...) الامتناع عن إقامة تحالفات أو محاور أو توجيه السياسات ضد أطراف ثالثة». وهكذا سُمي رفض التحالف بـ«المبدأ الأساسي» للعلاقات الثنائية، في وضع كانت فيه روسيا والصين فعلياً في حالة حرب اقتصادية ومواجهة عسكرية سياسية مع الولايات المتحدة.
في السياق ذاته، قال الرئيس بوتين في اجتماع «نادي فالداي» في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، رداً على سؤال حول إمكانية إنشاء تحالف عسكري بين روسيا والصين: «لقد انطلقنا دائماً من حقيقة أن علاقاتنا وصلت هذه الدرجة من التفاعل والثقة، ومن الناحية النظرية من الممكن تماماً تخيل مثل هذا الشيء».
وبدورها، اعتبرت وزارة الخارجية الصينية العلاقات الروسية الصينية «أعلى من علاقات التحالف». وعلى خلفية الأزمة الأوكرانية، أكدت وزارة الخارجية الصينية أن التعاون مع موسكو «ليست له حدود».
ثم إن «معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون» الروسية الصينية لعام 2001 (التي مُددت في عام 2021) تضمنت معياراً سمح بالتحوّل السريع للعلاقات إلى «تحالف عسكري» بحكم الأمر الواقع. إذ تنص المادة 9 من الوثيقة على ما يلي: «في حالة نشوء وضع يرى أحد الأطراف المتعاقدة أنه قد يشكل تهديداً للسلام أو يعطل السلام أو يؤثر على مصالح أمنه، وكذلك في حالة وجود تهديد بالعدوان على أحد الأطراف المتعاقدة، يتصل الطرفان المتعاقدان على الفور أحدهما بالآخر ويتشاوران بهدف القضاء على التهديد الذي نشأ».
وبالفعل، أنجز كثير من الأعمال التحضيرية على صعيد التقارب العسكري. وتجري روسيا والصين سنوياً، منذ زمن، تمارين عسكرية كبرى، وعددها وتعقيدها يتزايدان باطراد. ويستمر التعاون العسكري التقني النشط بين الجانبين، وسط خلفية الأزمة الأوكرانية، في مجال تدريب العسكريين.

- عن عناصر التباعد

في مقابل كل ذلك، يشير خبراء إلى أن مستوى قابلية التشغيل البيني والمعايير الفنية التي تحققت داخل «ناتو» مثلاً، غير وارد بين روسيا والصين. إذ يستخدم الجانبان عناصر مختلفة في كثير من أنواع الأسلحة وأنظمة الاتصالات والتحكم، كما تختلف مقارباتهما لتكتيكات الحرب اختلافاً كبيراً.
ثم هناك عنصر آخر يعرقل إمكانية بناء حلف عسكري، وهو ينطلق من خطاب السياسة الخارجية الراسخ للبلدين وخصائص سياستهما الداخلية. إذ أمضت كل من موسكو وبكين عقوداً بعد «الحرب الباردة» في انتقاد التحالفات العسكرية والسياسية من حيث المبدأ باعتبارها «من بقايا ماضٍ مظلم وعامل مزعزع للاستقرار على الساحة الدولية». وكانت موسكو تفعل ذلك في سياق محاربة توسع «ناتو»، بينما تحاول بكين إحياء منظومة التحالفات الأميركية في المحيط الهادي وتعزيزها. ولهذا يبدو تشكيل تحالف روسي صيني صعباً للغاية من دون التخلي العلني عن عدد من المبادئ التوجيهية الأساسية للسياسة الخارجية للبلدين والتغيير الكامل في خطاب سياستهما الخارجية.
أخيراً، رغم كل ما سبق، يرى خبراء أن المستقبل قد يحمل مفاجآت، خاصة مع تدهور العلاقات الأميركية الصينية والتأزم العسكري والسياسي المحتمل في تايوان. إذ قد تبدأ الأمور في الانزلاق نحو الهاوية بسرعة... وخلال السنوات القليلة المقبلة قد ينشأ وضع يختفي فيه خطاب السياسة الخارجية القديم من تلقاء نفسه.

مرفأ شنغهاي (رويترز)

- نظرة إلى تاريخ تطور العلاقات التجارية الاقتصادية

> بعد وفاة الزعيم السوفياتي الأسبق جوزيف ستالين تدهورت العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والصين. وأدى «الانقسام السوفياتي الصيني» إلى نزاع حدودي في جزيرة دامانسكي، أسفر عن جمود العلاقات في الفترة بين الستينات والثمانينات من القرن الماضي. ثم انطلقت جولة جديدة من العلاقات التجارية في أواخر الثمانينات، ولم تلبث العلاقات التجارية أن تعززت مع انهيار الاتحاد السوفياتي.
في ذلك الوقت، بدأ استيراد السلع الاستهلاكية المختلفة بنشاط إلى الشرق الأقصى وسيبيريا، لكنها توغلت تدريجياً في أجزاء أخرى من البلاد. ويقول عالم الصينيات يوري إلياخين أن «الصين ألبست روسيا الثياب والأحذية».
أيضاً، حينئذٍ - كما يتذكر العالم - كانت الشركات الخاصة تعمل بنشاط، وتزايد عدد الطائرات المحمّلة بكثافة بالإلكترونيات الاستهلاكية والملابس والأحذية ولعب الأطفال، في حين لم يكن بين السلع المقدمة لروسيا أي سلع ذات تقنية عالية تقريباً.
ويزيد خبير آخر، هو ألكسندر جابيف، إنه في أواخر التسعينات، اشترت الصين نحو 50 في المائة من الأسلحة التي أنتجها الاتحاد الروسي، وساعد في ذلك أن الصين كانت تحت العقوبات بعد «أحداث ميدان تيانانمين» عام 1989. ولم تكن لديها إمكانية الوصول إلى مصادر أسلحة متقدمة أخرى. ووفقاً ليوري إلياخين، في النصف الأول من التسعينات، دفعت الصين ثمن الأسلحة عبر تقديم السلع الاستهلاكية بنظام المقايضة من خلال شركات مرخصة كانت غالباً ما كانت مملوكة للجيش الروسي. بعدها تحولت بكين تدريجياً إلى الدفع بالعملة الأجنبية. وكانت هناك أيضاً تجارة في الموارد الطبيعية، وكان النفط ينقل بكميات صغيرة نسبياً عن طريق سكك الحديد لانعدام بنية تحتية مماثلة لخطوط الأنابيب الأوروبية. وفي عام 1998، بلغ حجم التجارة بين الجانبين 5.4 مليار دولار، لكن كانت الصادرات من روسيا ضعف الواردات من الصين.
اقرأ «العم شي»... على خطى ماو ودين
في عام 2001، وقّعت روسيا والصين اتفاقية حول «حسن الجوار والصداقة والتعاون». ونصت موادها الـ25 على العمل المشترك للبلدان في عدد من المجالات؛ التجارة، والاقتصاد، والمجال العسكري - التقني، والطاقة، ومكافحة الإرهاب. وأرسى هذا الاتفاق الأساس للنمو السريع للعلاقات، كما جذبت السياسة الاقتصاد معها، إذ ازداد حجم التجارة بشكل حاد. وتطور التعاون في مجال الطاقة بسرعة، بما في ذلك في الصناعة النووية. كذلك ارتفع حجم التبادل التجاري من بضع عشرات من المليارات من الدولارات بسرعة إلى ما قيمته 100 مليار دولار، وجرى توقيع اتفاقيات حول التعاون في قطاع النفط وإمدادات الغاز.
ثم عام 2014، ساهمت العقوبات الأوروبية في تحول أكثر نشاطاً لروسيا نحو الشرق. ومُد خط أنابيب غاز سيبيريا الذي يجلب الغاز من حقلين جديدين في شرق سيبيريا، حيث الموارد منهما تذهب فقط إلى السوق الصينية، وأطلقت مشروعات الغاز الطبيعي المسال. وعموماً، في عام 2013 استحوذت الصين على نحو 10.5 في المائة من حجم التجارة الروسية، قبل ارتفاع النسبة بنهاية عام 2021 إلى نحو 18 في المائة.
أيضاً، بلغ حجم التجارة الثنائية في نهاية عام 2021 إلى مستوى قياسي هو 140 مليار دولار، وبهذا احتلت الصين مكان الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك اقتصادي تجاري لروسيا.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
TT

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)

لم يكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في لبنان بعد أكثر من سنتين على الشغور ليحصل راهناً لولا المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. إذ إن «الثنائي الشيعي»، المتمثل في حركة «أمل» و«حزب الله»، تمسّك بمرشحه رئيس تيار «المرَدة»، سليمان فرنجية، طوال الفترة الماضية، بينما امتنع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وزعيم «أمل»، عن الدعوة لأي جلسة انتخاب لعام كامل رابطاً أي جلسة جديدة بحوار وتفاهم مسبق. غير أن الوضع تغيّر، عندما ترك «الثنائي» تشدده الرئاسي جانباً بعد الحرب القاسية التي شنتها إسرائيل على «حزب الله»، وأدت لتقليص قدراته العسكرية إلى حد كبير، كما حيدّت قادته الأساسيين وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله. ثم أتى سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الحليف الأساسي لـ«حزب الله» وإيران ليقطع «طريق طهران - بيروت» التي كانت الطريق الوحيدة لإمداد الحزب برّاً بالسلاح والعتاد، ليؤكد أن النفوذ الإيراني في المنطقة اندحر... ما اضطر حلفاء طهران في بيروت إلى إعادة حساباتهم السياسية. ولعل أول ما خلُصت إليه حساباتهم الجديدة، التعاون لانتخاب قائد الجيش، المدعوم دولياً، رئيساً للبلاد.

لدى مراجعة تاريخ لبنان المستقل، يتبيّن أن التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية ليس أمراً طارئاً على الحياة السياسية في البلاد، بل هو طبع كل المسار التاريخي للاستحقاقات الرئاسية اللبنانية.

ويشير جورج غانم، الكاتب السياسي الذي واكب عن كثب الأحداث اللبنانية، إلى أن «الخارج، منذ أيام بشارة الخوري، الرئيس الأول بعد استقلال لبنان عام 1943، كانت له الكلمة الأساسية في اختيار الرؤساء في لبنان وفرضهم. ويضيف: «الانتخابات لا تحصل بتوافقات داخلية... بل يبصم مجلس النواب على قرارات خارجية».

ويشرح أن الخوري انتُخب في مرحلة كان فيها التنافس البريطاني الفرنسي في أوجه، وكان البريطانيون يحاولون جاهدين وضع حد لنفوذ باريس في المشرق. ولذا، تعاونوا مع «الكتلة الوطنية» في سوريا والحكم الهاشمي في العراق والحكم في مصر ومع «الكتلة الدستورية» في لبنان، عندما كانت المنافسة على الرئاسة الأولى محتدمة بين إميل إده المدعوم فرنسياً، وبشارة الخوري المدعوم بريطانياً ومن حلفائهم العرب، وبما أن فرنسا كانت دولة محتلة وخسرت الحرب، نجح المرشح الرئاسي اللبناني الذي يريده البريطانيون الذين سيطروا يومذاك على منطقة الشرق الأوسط.

انتخاب كميل شمعون

ويلفت غانم، الذي حاورته «الشرق الأوسط»، إلى أنه بعد هزيمة الجيوش العربية في «حرب فلسطين» عام 1948، برز تنافس أميركي - بريطاني للسيطرة على المنطقة، فبدأت تسقط أنظمة سواء في مصر أو سوريا، وتبلور محور مصري - سعودي في وجه محور أردني - عراقي مدعوم بريطانياً. وفي ظل الاضطرابات التي كانت تشهدها المنطقة وإصرار الخوري على الحياد في التعامل مع سياسة الأحلاف، سقط الخوري، وانتُخب كميل شمعون بدعم بريطاني - عربي، وتحديداً أردني - عراقي. ومن ثَمَّ، إثر انكفاء بريطانيا بعد «حرب السويس» عام 1956، دخلت الولايات المتحدة في منافسة شرسة مع الاتحاد السوفياتي. وفي تلك الفترة كانت الموجة الناصرية كاسحة ما جعل شمعون يواجه بثورة كبيرة انتهت بتفاهم مصري - أميركي على انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً.

من فؤاد شهاب... إلى سليمان فرنجية

الواقع أن شهاب انتُخب عام 1958 بتوافق مصري - أميركي نشأ بعد انكفاء البريطانيين ونضوج التنافس الأميركي - السوفياتي وصولاً إلى عام 1964. عند هذه المحطة حين انتُخب شارل حلو، المحسوب أساساً على «الشهابيين»، رئيساً، في المناخ نفسه، ولكن هذه المرة برضىً فاتيكاني - فرنسي مع نفوذ مستمر أميركي - مصري.

ويضيف غانم: «بعد حرب 1967 انكفأت (الناصرية) وضعُفت (الشهابية) وانتشر العمل الفدائي الفلسطيني... وتلقائياً قوِيَ الحلف المسيحي في لبنان المدعوم غربياً، وفي ظل حضور فاقع لإسرائيل في المنطقة. وبعد اكتساح «الحلف الثلاثي» الماروني اليميني السواد الأعظم من المناطق المسيحية في الانتخابات، جاء انتخاب سليمان فرنجية عام 1970، بفارق صوت واحد، تعبيراً عن هذا المناخ وعن ميزان القوى الجديد في المنطقة».

الاجتياح الإسرائيلي و«اتفاق 71 أيار

ويتابع جورج غانم سرده ليقول: «انتخاب إلياس سركيس رئيساً عام 1976 جاء بتفاهم سوري - أميركي حين كان النفوذ والدور السوريين يومذاك في أوجه... وقد دخلت حينها قوات الردع السورية والعربية إلى لبنان». أما انتخاب بشير الجميل عام 1982 فأتى بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وفي ظل دعم أميركي وأطلسي مطلق. وانسحب هذا المناخ على انتخاب أمين الجميل مع فارق وحيد هو أن المسلمين المعتدلين في لبنان الذين لم يؤيدوا بشير، أيدوا انتخاب شقيقه أمين.

لاحقاً، عام 1984، حصلت «انتفاضة 6 شباط» الإسلامية، فتراجعت إسرائيل وألغي «اتفاق 17 أيار» الذي فرضته تل أبيب بالقوة. وهكذا، بحلول عام 1988 لم يكن ميزان القوى المرتبك يسمح بانتخاب رئيس للبنان، فكانت النتيجة الشغور الرئاسي الذي استمر لمدة سنتين تخللتهما «حرب التحرير» والحرب بين الجيش و«القوات اللبنانية»... وانتهى بتوقيع «اتفاق الوفاق الوطني في الطائف» عام 1989، وهو اتفاق عربي - دولي أنتج انتخاب رينيه معوض، ثم مباشرة بعد اغتياله، انتخاب إلياس الهراوي. وظل لبنان يعيش في ظل هيمنة سورية، شهدت انتخاب العماد إميل لحود عام 1998 وتمديد ولايته حتى عام 2007.

ميشال سليمان وميشال عون

ويتابع جورج غانم السرد فيشير إلى أنه «في عام 2004، وبعد اجتياح العراق قامت معادلة جديدة في المنطقة، فتمدّدت إيران إلى العراق وازداد نفوذ (حزب الله) في لبنان، وخصوصاً بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005»، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ومع انتهاء ولاية إميل لحود الثانية، لم يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس حتى عام 2008 حين كان هناك صعود قطري - تركي في المنطقة. وهكذا، جاء «اتفاق الدوحة» الذي أوصل العماد ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة بموافقة سعودية - مصرية بعد «أحداث 7 مايو/ أيار» التي كرّست نفوذ «حزب الله».

وأردف: «لكن اتفاق الدوحة سقط عام 2011 بعدما اندلعت الأزمة السورية، فضرب الشلل عهد الرئيس سليمان، وقد سلّم قصر بعبدا للفراغ عام 2014. وفي ظل التوازن السلبي الذي كان قائماً حينذاك، عاش لبنان فراغاً رئاسياً ثانياً طال لسنتين ونصف السنة في أعقاب تمسك (حزب الله) بمرشحه العماد ميشال عون. ولم تتغير التوازنات إلا بعد وصول الجيش الروسي إلى سوريا عام 2015، و(تفاهم معراب) بين عون ورئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، وأيضاً تفاهم عون مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وكانت هذه التفاهمات قد تزامنت مع حياد أميركي بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران وعشية انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما... ما أدى إلى انتخاب عون رئيساً عام 2016».

غانم يلفت هنا إلى أنه «مع انطلاق عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأ التشدد تجاه إيران والتصعيد ضد (حزب الله)، ولذا بدأ عهد عون يخبو... حتى بدأ يحتضر مع أحداث 17 أكتوبر 2019». ثم يضيف: «ومع انتهاء ولاية عون ترسّخ توازن سلبي بين (حزب الله) وحلفائه من جهة، والقوى المناوئة له من جهة أخرى، الأمر الذي منع انتخاب رئيس خلال العامين الماضيين. لكن هذا التوازن انكسر بالأمس لصالح خصوم إيران السياسيين، وهكذا أمكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد».

جوزيف عون

البرلمان اللبناني انتخب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي بـ99 صوتاً من أصل 128 بعد سنتين وشهرين وعشرة أيام من الفراغ الرئاسي. وحمل «خطاب القسم» الذي ألقاه الرئيس المنتخب عون مضامين لافتة، أبرزها: تأكيده «التزام لبنان الحياد الإيجابي»، وتجاهله عبارة «المقاومة»، خلافاً للخطابات التي طبعت العهود السابقة. كذلك كان لافتاً تأكيده العمل على «تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح». ولقد تعهد عون الذي لاقى انتخابه ترحيباً دولياً وعربياً، أن تبدأ مع انتخابه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان»، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

خشّان: كل رؤساء لبنان يأتون بقرار خارجي ويكتفي البرلمان بالتصديق عليهم

دولة ناعمة

الدكتور هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه ليس خافياً على أحد أن «كل الرؤساء في لبنان يأتون بقرار خارجي، ويكتفي البرلمان اللبناني بالتصديق على هذا القرار بعملية انتخابهم»، ويضيف أن «لبنان عبارة عن دولة ناعمة تعتمد على الخارج، وهي مكوّنة من مجموعة طوائف تحتمي بدول عربية وغربية».

وتابع خشّان أن «مفهوم الدولة ركيك وضعيف في لبنان، والقسم الأكبر من اللبنانيين لا يشعرون بالانتماء للبلد. والمستغرب هنا انتخاب رئيس من دون تدخلات خارجية وليس العكس... لأنه واقع قائم منذ الاستقلال». ويشرح: «فرنسا كانت للموازنة الأم الحنون، والسُّنّة كانوا يرون مرجعيتهم جمال عبد الناصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم المملكة العربية السعودية. أما الشيعة فمرجعيتهم الأساسية إيران».

هزيمة «حزب الله»

وفق خشّان، «هزيمة (حزب الله) العسكرية نتج عنها هزيمة سياسية، وخصوصاً بعد سقوط نظام الأسد وفصل لبنان عن إيران جغرافياً، أضف إلى ذلك أن الحزب يتوق إلى إعادة إعمار مناطقه المدمّرة، ويدرك أنه لا يستطيع ذلك دون مساعدة خارجية... لقد استدارت البوصلة اللبنانية 180 درجة نحو أميركا ودول الخليج، كما سيكون هناك دور أساسي تلعبه سوريا، تحت قيادتها الجديدة، في المرحلة المقبلة».

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن لبنان شهد منذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي تطوّرات وأحداثاً استثنائية قلبت المشهد فيه رأساً على عقب. وبدأ كل شيء حين فجّرت إسرائيل أجهزة «البيجر» بعناصر وقياديي «حزب الله» ما أدى إلى قتل وإصابة المئات منهم. ثم عادت وفجّرت أجهزة اللاسلكي في اليوم التالي ممهِّدة لحربها الواسعة. ويوم 23 سبتمبر باشرت إسرائيل حملة جوية واسعة على جنوب لبنان، تزامنت مع سلسلة عمليات اغتيال خلال الأيام التي تلت وطالت قياديي ومسؤولي «حزب الله» وتركزت في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبدأت الاغتيالات الأكبر في 27 سبتمبر مع اغتيال حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، وتلاه اغتيال رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كما أنه في يوم 1 أكتوبر بدأت تل أبيب عملياتها العسكرية البرّية جنوباً قبل أن تطلق يوم 30 من الشهر نفسه حملة جوية مكثفة على منطقة البقاع (شرقي لبنان).

وتواصلت الحرب التدميرية على لبنان نحو 65 يوماً، وانتهت بالإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولقد سمح هذا الاتفاق للجيش الإسرائيلي بمواصلة احتلال قرى وبلدات لبنانية حدودية على أن ينسحب منها مع انتهاء مهلة 60 يوماً.

ولكن، خارج لبنان، تواصلت الصفعات التي تلقاها المحور الذي تقوده إيران مع بدء فصائل المعارضة السورية هجوماً من إدلب فحلب في 28 أكتوبر انتهى في ديسمبر (كانون الأول) بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى الرغم من إعلان أمين عام «حزب الله» الحالي، الشيخ نعيم قاسم، أن حزبه سيساند النظام في سوريا، فإنه صُدم بسرعة انهيار دفاعات الجيش السوري، ما أدى إلى سحب عناصره مباشرة إلى الداخل اللبناني، وترك كل القواعد التي كانت له منذ انخراطه في الحرب السورية في عام 2012.

وأخيراً، في منتصف ديسمبر، أعلن قاسم صراحة أن «حزب الله» فقد طرق الإمداد الخاصة به في سوريا... أي آخر انقطاع طريق بيروت - دمشق.