جدل حول مدى استعداد الجزائر للتعاطي بـ«ليونة» مع «جراح الذاكرة»

مؤرخ فرنسي تحدث عن «عرض» قدمه تبون حول القضية

أطفال في مسيرة بالعاصمة الجزائرية يوم 5 يوليو 1962 احتفالاً بالاستقلال عن فرنسا (أ.ب)
أطفال في مسيرة بالعاصمة الجزائرية يوم 5 يوليو 1962 احتفالاً بالاستقلال عن فرنسا (أ.ب)
TT

جدل حول مدى استعداد الجزائر للتعاطي بـ«ليونة» مع «جراح الذاكرة»

أطفال في مسيرة بالعاصمة الجزائرية يوم 5 يوليو 1962 احتفالاً بالاستقلال عن فرنسا (أ.ب)
أطفال في مسيرة بالعاصمة الجزائرية يوم 5 يوليو 1962 احتفالاً بالاستقلال عن فرنسا (أ.ب)

بينما بدأت الترتيبات الخاصة بالزيارة المرتقبة قبل نهاية هذا العام من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، طُرحت تساؤلات حول مدى استعداد الجزائريين لإظهار «ليونة» في التعاطي مع «قضية الذاكرة وآلام الاستعمار»، بعد صدور تصريحات في هذا الاتجاه من المؤرخ الفرنسي الشهير بنجامان ستورا الذي يعمل على هذا الملف بتكليف من «قصر الإليزيه».
هل يمكن للجزائر أن تقيم علاقة كاملة مع فرنسا من دون شرط الاعتذار من جرائم الاستعمار؟ يثير هذا السؤال انشغال قطاع من الجزائريين والفرنسيين المهتمين بـ«مسألة الذاكرة»، على أثر ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن المختص في شؤون التاريخ ستورا الذي تباحث، الاثنين الماضي، مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول القضية. فقد ذكر أن تبون «عرض القيام بعمل على الذاكرة» المشتركة طوال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي استمر 132 سنة (1830 - 1962).
وأكد ستورا، الذي ولد في أسرة يهودية بقسنطينة شرق الجزائر، أن «هذه أول مرة تجري خلالها مناقشة المسائل الجوهرية» المتعلقة بالذاكرة من الجانب الجزائري منذ صدور تقرير للمؤرخ مطلع 2021 يحمل رؤية باريس لمعالجة «قضية الذاكرة المشتركة مع الجزائر». وأضاف ستورا: «أعتقد أن هناك إرادة في إحياء؛ لا أدري إن كانت هذه الكلمة المناسبة، وإنما في مواصلة حوار». وتحدث عن «تغيير في النبرة» بين البلدين، مبرزا أن تبون شرح له «الأهمية الكبرى للعمل على ذاكرة كامل مرحلة الاستعمار»، وليس الاقتصار على حرب الجزائر وحدها (1954 - 1962)، وهو ما يؤيده المؤرخ، حسب تصريحاته.
وأفاد ستورا بأن «حرب احتلال الجزائر كانت طويلة جداً ودموية جداً (...) وترافقت مع تجريد من الأملاك والهوية؛ إذ حين كان الناس يخسرون أراضيهم، كانوا يخسرون أسماءهم، ومع إقامة مستوطنة، بوصول عدد الأوروبيين في نهاية المطاف إلى مليون مقابل تعداد سكاني قدره 9 ملايين نسمة، وكلها صدمات لا تزال تبعاتها ماثلة إلى اليوم في نظرة كل من الشعبين إلى الآخر». وهي برأيه «تفسر صعوبة العلاقات الفرنسية - الجزائرية»، مشيراً إلى أن «الناس لا يعرفون ما الذي جرى. إنها مشكلة الانتقال إلى الأجيال الشابة والعمل المشترك».
ولفت ستورا إلى أنه «تم التركيز بشكل أساسي في الجزائر على (حرب التحرير الوطني). حصل استقطاب شديد سواء في فرنسا وفي الجزائر حول حقبة الحرب حصراً، بل حتى نهاية الحرب، بين 1960 و1962».
وترافق هذا التركيز، حسب تصريحاته، مع مواجهات بين مجموعات ذاكرة مختلفة حول المجازر، وفرار المستوطنين الأوروبيين الذين يطلق عليهم اسم «الأقدام السوداء»، والصراعات على السلطة داخل الحركة القومية الجزائرية. وقال: «انصب اهتمامنا جميعاً على تاريخ 1962، من توقيع (اتفاقات إفيان) في مارس (آذار) إلى استقلال الجزائر في 5 يوليو (تموز)». لكنه عدّ أنه «لا يمكن أن نبقى أسرى تاريخ واحد هو 1962. علينا توسيع حقل أبحاثنا».
والتقى ستورا مع تبون في إطار احتفال الجزائر بستينية استقلالها. ويفهم كلامه عن «تغير في النبرة»، حسب قراءات محللين، بأن الجزائر قد تغير من مقاربتها حيال العلاقة مع فرنسا، بعدم التشدد في مسألة «إعلان الاعتراف بأن الاستعمار كان جريمة ضد الإنسانية»، وبضرورة أن تقدم فرنسا الاعتذار منها. وعندما يزور ماكرون الجزائر قد تتضح الرؤية أكثر حول هذه القضية، التي حالت منذ عشرات السنين دون إقامة شراكة سياسية وعلاقات اقتصادية كاملة بين البلدين.
وكانت الرئاسة الفرنسية استبعدت تقديم الاعتذار أو التعبير عن «التوبة» بخصوص ماضيها الاستعماري في الجزائر، لما أعلنت في 20 يناير (كانون الثاني) 2021 أنها تسلمت تقريراً من ستورا، كان طلبه ماكرون، بهدف إخراج العلاقة بين البلدين من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.


مقالات ذات صلة

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

شمال افريقيا الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

أكد وزيران جزائريان استعداد سلطات البلاد لتجنب سيناريو موسم الحرائق القاتل، الذي وقع خلال العامين الماضيين، وسبّب مقتل عشرات الأشخاص. وقال وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، عبد الحفيظ هني، في ندوة استضافتها وزارته مساء أمس، إن سلطات البلاد أعدت المئات من أبراج المراقبة والفرق المتنقلة، إضافة لمعدات لوجيستية من أجل دعم أعمال مكافحة الحرائق، موضحاً أنه «سيكون هناك أكثر من 387 برج مراقبة، و544 فرقة متنقلة، و42 شاحنة صهريج للتزود بالمياه، و3523 نقطة للتزود بالمياه، و784 ورشة عمل بتعداد 8294 عوناً قابلاً للتجنيد في حالة الضرورة القصوى».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

التمست النيابة بمحكمة بالجزائر العاصمة، أمس، السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الموارد المائية السابق، أرزقي براقي بتهمة الفساد. وفي غضون ذلك، أعلن محامو الصحافي إحسان القاضي عن تنظيم محاكمته في الاستئناف في 21 من الشهر الحالي، علماً بأن القضاء سبق أن أدانه ابتدائياً بالسجن خمس سنوات، 3 منها نافذة، بتهمة «تلقي تمويل أجنبي» لمؤسسته الإعلامية. وانتهت أمس مرافعات المحامين والنيابة في قضية الوزير السابق براقي بوضع القضية في المداولة، في انتظار إصدار الحكم الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقر القصر الرئاسي بالجزائر، الثلاثاء، الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى السعودي الذي يقوم بزيارة رسمية؛ تلبية للدعوة التي تلقاها من رئيس مجلس الأمة الجزائري. وشدد آل الشيخ على «تبادل الخبرات لتحقيق المصالح التي تخدم العمل البرلماني، والوصول إلى التكامل بين البلدين اللذين يسيران على النهج نفسه من أجل التخلص من التبعية للمحروقات، وتوسيع مجالات الاستثمار ومصادر الدخل»، وفق بيان لـ«المجلس الشعبي الوطني» الجزائري (الغرفة البرلمانية). ووفق البيان، أجرى رئيس المجلس إبراهيم بوغالي محادثات مع آل الشيخ، تناولت «واقع وآفاق العلاقات الثنائية الأخوية، واس

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية، أمس، بسجن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، 12 سنة مع التنفيذ، فيما تراوحت الأحكام بحق مجموعة رجال الأعمال المقربين منه ما بين ثماني سنوات و15 سنة مع التنفيذ، والبراءة لمدير بنك حكومي وبرلماني، وذلك على أساس متابعات بتهم فساد. وأُسدل القضاء الستار عن واحدة من أكبر المحاكمات ضد وجهاء النظام في عهد بوتفليقة (1999 - 2019)، والتي دامت أسبوعين، سادها التوتر في أغلب الأحيان، وتشدد من جانب قاضي الجلسة وممثل النيابة في استجواب المتهمين، الذي بلغ عددهم 70 شخصاً، أكثرهم كانوا موظفين في أجهزة الدولة في مجال الاستثمار والصفقات العمومية، الذين أشارت التحقيقات إلى تو

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مصر تعزّز تعاونها مع الصومال بـ«منتدى رجال الأعمال»

وزير الخارجية المصري خلال استقباله نظيره الصومالي في القاهرة مؤخراً (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال استقباله نظيره الصومالي في القاهرة مؤخراً (الخارجية المصرية)
TT

مصر تعزّز تعاونها مع الصومال بـ«منتدى رجال الأعمال»

وزير الخارجية المصري خلال استقباله نظيره الصومالي في القاهرة مؤخراً (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال استقباله نظيره الصومالي في القاهرة مؤخراً (الخارجية المصرية)

في خطوة تستهدف تعزيز التعاون المصري - الصومالي، أعلنت السفارة الصومالية في القاهرة استضافة العاصمة المصرية «منتدى رجال الأعمال المصري – الصومالي»، الأربعاء المقبل، لتطوير التعاون في المجال الاقتصادي.

ومن المقرر أن يُعقد المنتدى على مدار يومين، بمشاركة رجال أعمال ومستثمرين صوماليين ومصريين، حسب إفادة للسفارة الصومالية بالقاهرة.

وتشهد العلاقات المصرية الصومالية تطوراً متنامياً في الفترة الحالية، خاصة إزاء مساندة القاهرة لمقديشو في أزمتها مع أديس أبابا، بشأن مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري بالاتفاق مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي.

وعدّ سفير الصومال في القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية السفير علي عبدي انعقاد منتدى الأعمال «خطوة مهمة على الطريق الصحيح، لتعزيز التعاون بين بلاده ومصر على المستويات كافة، خاصة المجال الاقتصادي»، وأكد في إفادة للسفارة الصومالية «أهمية التعاون مع الحكومة المصرية، بوصفها شريكاً تجارياً داعماً لاقتصاد بلاده».

وحسب السفير، «تمتلك مقديشو العديد من المقومات الجاذبة للاستثمارات»، داعياً المستثمرين المشاركين في المنتدى إلى «الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في بلاده»، وأعرب عن تطلعه لنجاح المنتدى في تحقيق أهدافه وتوسيع ودفع مستوى العلاقات الاقتصادية المصرية الصومالية.

وأشاد عبدي بمستوى التطور في العلاقات المصرية الصومالية، مشيراً إلى «وجود إرادة سياسية قوية لدى البلدين لدعم وتعزيز التعاون المشترك»، حسب بيان السفارة الصومالية.

وفي وقت سابق، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال محادثاته مع نظيره الصومالي أحمد معلم فقي في القاهرة، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أهمية «العمل على إنجاح منتدى الأعمال المصري الصومالي المزمع عقده بالعاصمة المصرية»، مشدداً على «أهمية تعزيز العلاقات التجارية والارتقاء بها».

ويشكل انعقاد منتدى الأعمال المصري الصومالي خطوة مهمة في مسار التقارب بين القاهرة ومقديشو، وتوسيع روابط العلاقات بين البلدين، وفق تقدير رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة يسري الشرقاوي، مشيراً إلى أن «المنتدى سيجمع عدداً كبيراً من ممثلي القطاع الخاص المصري والصومالي، لإرساء قواعد عمل وشراكات تجارية واستثمارية».

ويرى الشرقاوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الصومال في حاجة لخبرات واستثمارات في قطاعات مهمة، مثل الأمن الغذائي والأدوية والمنسوجات»، مشيراً إلى أن «المنتدى يستهدف تعزيز الشراكات والاستثمارات في هذه القطاعات، بما يعزز من مستوى التبادل التجاري بين البلدين».

وارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر والصومال إلى 59 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2024، مقابل 31 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 88 في المائة، وسجلت الصادرات المصرية 57 مليون دولار، في مقابل 2 مليون دولار واردات، حسب الجهاز المركزي للإحصاء المصري.

بدوره، يرى خبير الشؤون الأفريقية المصري رامي زهدي أن «الوقت بات مناسباً في الصومال لتدشين شراكات استثمارية وتجارية، بعد هدوء التوترات الداخلية»، وقال إن «مقديشو تستهدف تطوير قدراتها الاقتصادية لاستكمال بناء كامل أركان الدولة من خلال الاستعانة بخبرات الدول الصديقة لها ومنها مصر».

ويعتقد زهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «التعاون المصري الصومالي مؤخراً يوفر الغطاء السياسي والتشريعي لاستثمارات مشتركة بين القطاع الخاص في البلدين»، مشيراً إلى أن «القاهرة تستهدف دعم قدرات الصومال ومؤسساته الوطنية، بما يسهم في إنهاء التوترات في القرن الأفريقي، والمساهمة في أمن البحر الأحمر»، منوهاً بـ«المساعدات العسكرية التي تقدمها مصر للحكومة الصومالية، لتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات الأمنية، خصوصاً خطر الإرهاب».

وعزّزت مصر تعاونها العسكري مع الصومال، ووقع البلدان، في أغسطس (آب) الماضي، بروتوكول تعاون عسكري، واتُّفق حينها على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة من 2025 إلى 2029، كما دعمت القاهرة مقديشو بمعدات عسكرية.