ليبيون يشككون في قدرة الدبيبة وباشاغا على مواجهة التحديات السياسية

فتحي باشاغا رئيس حكومة «الاستقرار» (فيسبوك)
فتحي باشاغا رئيس حكومة «الاستقرار» (فيسبوك)
TT
20

ليبيون يشككون في قدرة الدبيبة وباشاغا على مواجهة التحديات السياسية

فتحي باشاغا رئيس حكومة «الاستقرار» (فيسبوك)
فتحي باشاغا رئيس حكومة «الاستقرار» (فيسبوك)

في ظل استمرار التنازع السياسي بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة وغريمه فتحي باشاغا، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية التي تواجههما، يجمع جل المختصين على أن صراع الطرفين على السلطة في ليبيا «لا يوحي بقدرة أي منهما على تحقيق وعوده للمواطنين بقيادة البلاد نحو الانتخابات، وتحسين أوضاعهم المعيشية».
بداية يقول عضو مجلس النواب الليبي، محمد عامر العباني، لـ«الشرق الأوسط» إن «الصراع على السلطة أظهر أن كل طرف غير قادر على هزيمة الطرف الآخر، وفرض سلطته منفرداً على البلاد، وسلط الضوء على أبرز عيوب طاقمهما الوزاري». مضيفاً أن حكومة باشاغا «قد تكون معرضة لفقد المزيد من رصيدها السياسي والشعبي في الوقت الراهن، ليس فقط جراء تداعيات إحباط محاولة دخولها إلى العاصمة للمرة الثانية، وإنما لافتقادها التمويل اللازم بدرجة أكبر».
وتابع العباني موضحاً أن مجلس النواب قد يعتمد الميزانية المقترحة من الحكومة بعد مناقشتها: «لكن يبقى السؤال الأهم هو من سيمولها؟ وإلا فستكون أشبه بسيارة دون وقود»، لافتاً إلى أنه في حالة عدم توفر التمويل «ستكون غير قادرة على تقديم الخدمات وعلاج مشاكل وأزمات متراكمة، سبق أن وعدت المواطنين بحلها... وإذا لم يتحقق ذلك فلن تكون في موضع مريح عند مقارنة أدائها مع أداء حكومة الدبيبة التي تمتلك التمويل».
من جهتها، قالت عضو حزب «الجبهة الوطنية»، فيروز النعاس، إن وضع الدبيبة «ليس أفضل حالاً من وضع باشاغا»، ورأت أنه «معرض بالمثل لتحدٍ كبير، ليس فقط بسبب قرب انتهاء خارطة الطريق الأممية، التي انبثقت عنها حكومته بنهاية يونيو (حزيران) المقبل، وإنما بإثبات مصداقيته في إجراء الانتخابات قبل تجاوز هذه الموعد، وهو الوعد الذي كرره كثيراً».
وذهبت النعاس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عدم قدرة الدبيبة على الوفاء بوعوده بشأن الانتخابات «قد يفقده الكثير من المتحالفين معه»، مشيرة إلى «قيام عدد من أعضاء لجنة (عودة الأمانة إلى الشعب) بتقديم استقالتهم مؤخراً، اعتراضاً على عدم تحقق أي شيء ملموس على الأرض بشأن التمهيد لإجراء الانتخابات حتى لحظة استقالتهم».
كما انتقدت النعاس حديث الدبيبة عن «إجراء الانتخابات التشريعية بالتجزئة، وإمكانية تفويض اللجنة المركزية للانتخابات البلدية لتنفيذها»، وقالت إنه «لا يوجد غطاء دستوري وقانوني في ليبيا يسمح بهذا الإجراء». وذكرت في هذا السياق بتعذر إجراء الانتخابات التشريعية لعام 2014 في بعض الدوائر عن موعد إجرائها لدواعٍ أمنية، ما استدعى تأجيلها لفترة معينة حينذاك، متابعة: «لا يمكن تحويل هذا الإجراء لقاعدة أو سابقة قانونية، يتم الارتكان عليها لتكرار التجربة على نطاق أوسع». موضحة أنه في «حال تنفيذ هذا الإجراء، أو الطرح الخاص بالتصويت الإلكتروني، فمن المحتمل عدم مشاركة مناطق شرق وجنوب الليبي، وذلك لرفض القوى المسيطرة هناك لمقترحات الدبيبة».
ويرى البعض أن تأثير استقالة عدد من أعضاء (لجنة عودة الأمانة للشعب) قد يؤدي فعلياً لانفضاض قطاع من مؤيدي الدبيبة، وتحديداً أولئك الذين أيدوه، ليس لقناعتهم به وبأداء حكومته، وإنما لرغبتهم بالتوجه نحو انتخابات عاجلة.
من جهته، يعتقد جلال حرشاوي، الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، أن الدبيبة وباشاغا «لا يريدان فعلياً إجراء الانتخابات»، وقال إن الأول «يوظف الحديث عن ضرورة إجراء الانتخابات كذريعة للبقاء في السلطة، وأيضاً لمنع تحول حكومة (الاستقرار) لجسم شرعي، كما أن باشاغا لن يسعى لإجراء انتخابات لمدة ثلاث أو أربع سنوات».
ورأى حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «سياسة الجانبين لا تختلف كثيراً عن الآخر... فباشاغا لا ينوي محاربة الفساد أو تفكيك الجماعات المسلحة، والتنافس بينهما أثر على الخدمات المعيشية، وبالتالي يرصد الجميع ارتفاع الشكاوى بالمظالم».
ولم يبتعد رئيس «مجموعة العمل الوطني» الليبي، خالد الترجمان، كثيراً عن الطرح السابق، وقال إن «الأزمة الحقيقية تكمن في عدم قدرة أي من الرجلين على قيادة ليبيا نحو الانتخابات». وأشار الترجمان، وهو من داعمي «الجيش الوطني»، إلى أن الصراع بين الشخصين، والمحاصصة في توزيع الحقائب الوزارية، جعل الجميع ينظر لهما كطلاب سلطة، وليس ساسة دولة، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه البلاد كثيراً من الأزمات المتراكمة على أكثر من صعيد، موضحاً أن أياً منهما «لم يتحدث بجدية عن التعامل مع ملف إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، وبالتالي نقول إن قرار المضي نحو الانتخابات لا يزال مع الأسف رهينة لتدخلات دول بعينها، معروف عنها انفرادها بالملف الليبي بالوقت الراهن».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

«جريمة دولة»... كتاب يكشف أسرار اغتيال أبرز قائد في ثورة الجزائر

كريم بلقاسم (وسط) رئيس وفد مفاوضات الاستقلال (أرشيف الصحافة)
كريم بلقاسم (وسط) رئيس وفد مفاوضات الاستقلال (أرشيف الصحافة)
TT
20

«جريمة دولة»... كتاب يكشف أسرار اغتيال أبرز قائد في ثورة الجزائر

كريم بلقاسم (وسط) رئيس وفد مفاوضات الاستقلال (أرشيف الصحافة)
كريم بلقاسم (وسط) رئيس وفد مفاوضات الاستقلال (أرشيف الصحافة)

يصدر اليوم الخميس في فرنسا عن دار النشر «بلون» كتاب باللغة الفرنسية للصحافي الجزائري، فريد عليلات، يحمل عنوان «جريمة دولة»، من المتوقع أن يثير جدلاً كبيراً بسبب تحطيمه السردية الرسمية في الجزائر، بخصوص ظروف رحيل أحد أبرز مهندسي ثورة التحرير ضد الاستعمار (1954 - 1962)، كريم بلقاسم. العمل هو في الأصل تحقيق يتناول الظروف الغامضة حول اغتيال بلقاسم، أحد القادة التاريخيين لجبهة التحرير الوطني ومُوقّع «اتفاقيات إيفيان»، التي أفضت إلى استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962.

مؤلف الكتاب فريد عليلات (متداولة)
مؤلف الكتاب فريد عليلات (متداولة)

في هذا الكتاب يسلط عليلات الضوء على أحداث 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1970، عندما تم العثور على بلقاسم ميتاً داخل غرفة فندق في فرانكفورت بألمانيا، وقد تم اغتياله قبل يومين على أيدي رجال النظام في عهد الرئيس الراحل العقيد هواري بومدين (1965 - 1978). يستخدم الكاتب المقيم في فرنسا وثائق حصرية، حصل عليها من أرشيفات الشرطة والقضاء الألمانيين، بعد مرور أكثر من 50 سنة على الجريمة السياسية، بالإضافة إلى شهادات من عائلة بلقاسم، وبفضلها أعاد بناء الأحداث، وكشف الجهات الفاعلة، والدوافع وراء هذا الاغتيال.

غلاف كتاب «جريمة دولة» (متداولة)
غلاف كتاب «جريمة دولة» (متداولة)

يبرز الصحافي في كتابه العلاقات السياسية المعقدة في تلك الفترة، لا سيما دور هواري بومدين في إدارة دفة الحكم، وكيف أن الشبكات السياسية، سواء في الجزائر أو في الخارج، كانت قد دبرت مقتل بلقاسم. كما يحلل عليلات تأثير هذا الاغتيال على العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وكذلك على السياسة الداخلية الجزائرية. ومن خلال تحقيق دقيق، يكشف كتاب «جريمة دولة» عن أسرار الماضي، ويقدم أيضاً تأملات حول قضايا السلطة والقضاء، في سياق تاريخي مليء بالتوترات بعد الاستعمار، والصراعات الداخلية في الجزائر.

ويعد هذا الكتاب، بحسب عدد قليل من الأشخاص الذين قرأوه قبل صدوره، مساهمة مهمة في فهم تاريخ الجزائر، وعلاقاتها مع فرنسا، وأيضاً في رفع الستار عن واحدة من أكثر القضايا غموضاً في التاريخ السياسي الجزائري.

آخر صورة لكريم بلقاسم قبل اغتياله عام 1970 (أرشيف الصحافة الجزائرية)
آخر صورة لكريم بلقاسم قبل اغتياله عام 1970 (أرشيف الصحافة الجزائرية)

كتب مقدمة «جريمة دولة» الصحافي الروائي، كمال داود، الحائز جائزة «غونكور» الأدبية المرموقة في 2024 عن روايته «حوريات»، التي أثارت جدلاً كبيراً في فرنسا والجزائر، والذي قال بخصوص عمل عليلات: «لمن يرغب في فهم مأساة هذا البلد العظيم، اقرأوا هذا الكتاب كما لو كنتم تستمعون إلى صوت رجل من وراء الحياة ينتظر العدالة». لكن لن يكون بالإمكان توزيع الكتاب في الجزائر «بسبب محتواه»، حسب ما ذكره صاحبه في حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي. في إشارة ربما إلى أنه يتعارض مع السردية الرسمية لمقتل بلقاسم، والتي تقول إنه «سقط في ميدان الشرف».

الرئيس الراحل هواري بومدين (أرشيف صحيفة «المجاهد» الحكومية)
الرئيس الراحل هواري بومدين (أرشيف صحيفة «المجاهد» الحكومية)

كما يوضح فريد عليلات أن هناك سبباً آخر، شخصياً، يحول دون أن يكون الكتاب متاحاً في بلاده، يتعلق بمنعه هو من دخول الجزائر في أبريل (نيسان) 2024، حيث تم احتجازه في مطار عاصمتها لساعات طويلة، قبل أن يتم طرده إلى فرنسا، بسبب «مقالاته السلبية» عن الجزائر، التي يكتبها في مجلته «جان أفريك»، والتي تصنفها الجزائر «معادية لها».

صورة للقادة الستة الذين فجروا ثورة الجزائر ويظهر فيها كريم بلقاسم جالساً على اليسار (أرشيف الصحافة الجزائرية)
صورة للقادة الستة الذين فجروا ثورة الجزائر ويظهر فيها كريم بلقاسم جالساً على اليسار (أرشيف الصحافة الجزائرية)

عن ذلك يقول عليلات: «لا أقبل أن يُسمح ببيع كتابي في الجزائر، بينما يُمنع دخولي إلى بلدي منذ نحو عام. يمكن السماح لكتابي بالتواجد هناك، لكن لا يُسمح لي بذلك؟! كيف لي أن أقبل هذا الوضع؟ أفهم جيداً الإحباط الذي يشعر به القراء في الجزائر، لكنني أيضاً أطلب تفهم هذا الموقف المبدئي».